عرض مشاركة واحدة
  #677  
قديم 23-06-2008, 09:29 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ

وجاء الخطاب في قوله تعالى:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾؛ لأنه استئناف مؤكِّد لما قبله، خلافًا لمن ذهب إلى أنه معطوف؛ لأنه لا يجوز عطف نفي على آخر إلا بـ{ لا }. ولو كان معطوفًا، لوجب أن يقال:{ولا يعزب عن ربك من مثقال ذرة }؛ كما قيل قبله:﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾. ولما جاء منفيًّا بـ{ ما }، علم أن المراد به الاستئناف، خلافًا لقوله تعالى في آية سبأ:﴿ عَالِمِ الغيب لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾.
وقد سبق أن ذكرت أن قوله تعالى:﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ ﴾ جاء تعقيبًا على جملة القسم:﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾؛ ليعلم الناس جميعًا أن إتيان الساعة من الغيب، الذي تفرَّد به الله، الذي يعلم ببواطن الأمور دقيقها وجليلها. فقوله تعالى:﴿قُلْ بَلَى ﴾ رد لقولهم:﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ، وإثبات لما نفوه.وقوله تعالى:﴿وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾تكرير لإِيجابه، مؤكَّدًا بالقسم، مقرِّرًا لوصف المقسم به بصفات تقرِّر إمكانه، وتنفي استبعاده؛ وكأنه قيل:
{قل، وربي، العالم بوقت قيامها، لتأتينكم، لا يعزب عنه مثقال ذرة }
فقوله تعالى:﴿ عَالِمِ الغيب لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾هو من جملة الردِّ على قولهم:﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ؛ ولهذا جاء منفيًّا بـ{ لا }؛ لأن من مواضع { لا }-على ما سيأتي- أن تكون ردًّا على كلام سابق.
والفرق بين:﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ، و﴿ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾: أن الأول نفي لإتيان الساعة في المستقبل؛ لأنه مقيَّد بقرينة تدل على ذلك، وهي أنهم أخبروا عن إتيان الساعة في المستقبل؛ لأن إتيانها لا يكون في الحال. وأما الثاني فهو نفي للعزوب في الماضي والحاضر والمستقبل؛ لأنه مطلق، لم يقيَّد بقرينة تدل على حصره في زمن معيَّن.
فإذا تأملت ذلك، تبيَّن لك أنه لا فرق بين قوله تعالى:﴿مَا يَعْزُبُ ﴾، وقوله تعالى:﴿ لَا يَعْزُبُ ﴾، من حيث دلالة كل منهما على دوام نفي العزوب واستمراره، على سبيل الاستغراق والشمول، دون قيد يقيِّده بزمن معيَّن.
وأما القول بأن {مَا يَعْزُبُ } هو نفي للعزوب في الحاضر بدليل نفيه بـ{ ما }، وأن { لَا يَعْزُبُ } هو نفي للعزوب في المستقبل بدليل نفيه بـ{ لا }، فهو قول فاسد؛ لأنه يلزم من كل منهما نفي العزوب عن الله سبحانه في زمن، وإثباته له سبحانه في زمن آخر، وهذا باطل.
ومن هنا لا يصح حصر النفي الأول في الحال، والثاني في الاستقبال، إلا بوجود قرينة تقيِّده بأحدهما؛ كأن يقال:{ما يعزب الآن، ولا يعزب غدًا }. أما إذا قيل:{ ما يعزب، ولا يعزب }، على الإطلاق، فليس للنفي فيهما من دلالة سوى نفي العزوب على الدوام والاستمرار دون قيد.
وإلى نحو هذا أشار الزركشي بقوله:وقد يُنفَى المضارع مُرادًا به نَفْيُ الدوام؛ كقوله تعالى:﴿ عَالِمِ الغيب لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾. ثم قال في معرض حديثه عن{ لا }:وقيل يُنفَى بها الحاضر على التشبيه بـ{ ما }؛ كقولك في جواب من قال:{ زيد يكتب الآن: لا يكتب }.
ففرَّق بين نفي الدوام، الذي لا يتقيَّد بزمن معيَّن، وبين نفي الحاضر، فالأول مطلق، والثاني مقيَّد. وبذلك يعلم أن أداة النفي ليست بقرينة على معنى الزمن؛ لأن ذلك ليس من وظائفها، وإنما هو من وظائف القرائن اللفظية والمعنوية، التي تصحب الفعل؛ ولهذا تسمَّى قيودًا على الفعل؛ لأنها هي التي تحدِّد علاقته بالزمان.
تأمل قوله تعالى:﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ(إبراهيم: 25)، كيف قيَّد إتيان الشجرة أُكُلَها بالظرف { كل حين }. ولو قيل:{تؤتي أكلها } على الإطلاق، لدل ذلك على أن هذه الشجرة تؤتي أكلها على الدوام والاستمرار، بلا انقطاع، وهو خلاف المراد.
ثم تأمل قوله تعالى في سورة الجن:﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِفَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً(الجن: 9)، كيف قيَّد الجن استماعهم بالظرف { الآن }، فدل على الحال، رغم تعليقه بأداة الشرط. ولو قيل:{فمن لا يستمع الآن، لا يجد له شهابًا رصدًا }، لما كان بينه، وبين الإثبات فرق، من حيث دلالة كل منهما على الحال.
وأما من ذهب إلى أن { الآن } معناه هنا: القرب مجازًا، فيصح مع الماضي والمستقبل. أو أنه ظرف للحال، واتُّسِع فيه، فاستعمل للاستقبال، فليس بشيء؛ لأن قولهم:﴿ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ نصٌّ على الاستماع في الحال، بدليل قولهم قبله:﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾. وكذلك قوله تعالى:﴿ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾(البقرة: 187) هو أمر بمباشرة الفعل في الحال، وإن كان مستقبلاً؛ ولهذا عقَّب تعالى عليه بقوله:﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ(البقرة: 187).
وأما قول سليمان عليه السلام:﴿ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾(النمل: 20) فإنه يدل على نفي الرؤية في الحال؛ لأن المراد: ما لي لا أرى الهدهد الآن. بدليل قوله تعالى قبله:﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ ﴾(النمل: 20). ودلالته على الحال ليست بمستفادة- على ما قيل- من أداة النفي{ لا }؛ بل هو مستفاد مما تضمنه قوله:{ ما لي لا أَرَى } ؟ من الدلالة على الحال. فهو استفهام عن شيء، حصل له في حال عدم رؤيته الهدهد. والمعنى: أغاب عني الآن، فلم أره في حالة التفقد ؟
ونحو ذلك قول صاحب ياسين:﴿وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي(يس: 22). أي: وما لي لا أعبد الآن الذي فطرني؟ أي: لا شيء يمنعني من ذلك؛ وكأنه يرد بذلك على قومه، الذين أنكروا عليه عبادته للذي فطره؛ لأن صيغة:{ما لي لا أفعل } ؟ صيغة استفهام إنكاري، يوردها المتكلم في الردِّ على من أنكر عليه فعلاً. أو ملكه العجب من فعله؛ كما في آية الهدهد.
ونحو ذلك قوله تعالى آمرًا لنبيه صلى الله عليه وسلم:﴿ قُُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(الكافرون: 1- 2). أي: لا أعبد الآن ما تعبدون، بدليل مقابلته بقوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَمَا أَعْبُدُ (الكافرون: 3).
ولما كان أكثر النحاة والمفسرين على القول بأن { ما } لا تدخل على مضارع إلا وهو في موضع الحال، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال، فسَّر الزمخشري قوله تعالى:﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾(الحجر: 11) على أنه حكاية حال ماضية، وفسَّره الألوسي على أن المراد به الاستقبال، مع أن دلالته على دوام النفي واستمراره ظاهرة، بدليل قوله تعالى:﴿إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾؛ فإنهيدل على تكرر ذلك منهم، وأنه سنتهم، وسجيَّة لهم. فقوله:{كَانُواْ} دل على أنه سنتهم، وسجية لهم، وقوله:{يَسْتَهْزِئُونَ} دل على تكرره منهم. والمعنى: ما يأتيهم من رسولفي حال من الأحوال، وزمن من الأزمان، إلا كانوا مستهزئين به لاهين عنه.
نخلص مما تقدم إلى أن نفي العزوب في قوله تعالى:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾، وقوله تعالى:﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾ لا يدل على الحال، والاستقبال، إلا بوجود قرينة تقيِّده بأحد الزمانين. ولما كانت هذه القرينة غير موجودة، كانت دلالة نفي العزوب في الآيتين على الدوام والاستمرار، على سبيل الاستغراق والشمول هي المرادة، ولا ينبغي لأحد العدول عنها إلى غيرها إلا بوجود قرينة. وأنه ليس من فرق بين نفيه بـ{ ما }، ونفيه بـ{ لا }، وإن كانت الثانية- على ما يقال- أرسخ قدمًا في النفي من الأولى، وأوسع منها في نفي المضارع، وأدلَّ على انتفائه في المستقبل.
وإذا ثبت ذلك، فالسؤال الذي ينبغي أن يسأل هنا: متى ينفى بـ{ ما }، ومتى ينفى بـ{ لا } ؟ والجواب عن ذلك يكون بمعرفة ما بين الأداتين من فرق في الاستعمال. ويبدو هذا الفرق من وجوه:
الوجه الأول: أن { ما } تكون جوابًا عن دعوى،وأن { لا } تكون جوابًا عن استفهام، وهذه تحذَف الجمل بعدها كثيرًا، بخلاف الأولى. يقال لك:{ أتقول كذا } ؟ فتجيب بقولك:{ لا }. والأصل:{ لا، أقول }، فتذكرأداة النفيمستغنيًا بها عن الفعل. وعلى ذلك يحمل قوله تعالى:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ﴾(الأعراف: 187).
فقوله تعالى:﴿ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ﴾ جملة مستأنفة جاءت تكملة للإخبار عن وقت حلول الساعة؛ فهو من جملة الجواب عن سؤالهم عن وقت مجيء الساعة ولهذا جاء منفيًّا بـ{ لا }.
ويقال لك:{ فلان يقول كذا }. أي: يدِّعي أنه يقول كذا، فيكون الجواب:{ ما يقول }. ولا يجوز أن تجيب بقولك:{ لا أقول }. وعلى ذلك يحمل قوله تعالى:﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ﴾(الجاثية: 32).
فأجابوا بقولهم:﴿ مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ﴾؛ لأنهم اعتبروا قوله تعالى:﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا مجرد ادعاء، لا صحَّة له، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا !
والوجه الثاني: أن { لا } تكون ردًّا لكلام سابق؛ لأنه ينفى بها في أكثر الكلام ما قبلها، فيكون ما بعدها في حكم الوجوب، فيقال لمن أثبت لزيد قيامًا، فقال:{يقوم زيد }، يقال له:{لا }. أي:{لا، يقوم }، فيوقف عليها كما يوقف عليها في جواب السؤال، ثم يستأنف الكلام بعدها. ولا يجوز ذلك في { ما }؛ لأنه لا ينفى بـ{ ما } أبدًا إلا ما بعدها. تأمل قوله تعالى:
﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ(النساء: 65)
كيف جاءت { لا } بعد الفاء ردًّا لكلام سبق. أي: فلا يكون الأمر كما زعموا أنهم يؤمنون. ثم استؤنف القسم بعدها بقوله تعالى:﴿وَرَبِّكَ ﴾، وأجيب عنه بقوله:﴿لاَ يُؤْمِنُونَ. ولا يجوز أن يقال:{فما، وربك لا يؤمنون }، للسبب الذي تقدم ذكره.
ومما يحمل على ذلك قول عمر رضي الله عنه، وقد أفطر يومًا في رمضان، فظن أن الشمس قد غربت، ثم طلعت: لا، نقضيه ما تجانفنا الإثم فيه ؛ وذلك أن قائلاً قال له: قد أثمنا، فقال: لا، نقضيه. فقوله:{لا } ردٌّ لكلامه:{ قد أثمنا }، ثم استأنف فقال:{نقضيه }.
ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ تأمل كيف نفى عليه الصلاة والسلام عبادة ما يعبد المشركون بـ{ لا }، ولم ينفه بـ{ ما }، مع أنه يريد نفي العبادة في الحاضر. والمعنى: لا أعبد الآن ما تعبدون. والسر في ذلك أن { لا } ردٌّ لما قبلها؛ ألا ترى أنهم قالوا:يا محمد ! هَلُمَّ، فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد، كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد، كنت قد أخذت بحظك منه ! فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، إلى آخر السورة ؟
يتبــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.96 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]