عرض مشاركة واحدة
  #270  
قديم 08-04-2008, 02:44 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

فر من المجذوم فرارك من الأسد





بكتيريا المكورات العنقوديه


أ.د / أحمد شوقي إبراهيم
عضو كلية الأطباء الملكية بلندن ورئيس لجنة الإعجاز
العلمي للقرآن والسنة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
نقرأ في السنة المشرفة أحاديث نبوية كثيرة عن العدوى منها:
ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يوردن ممرض على مصح)، وحديث آخر أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع مريض بالجذام في قصعة واحدة، وقال: (كل ثقة بالله وتوكلاً عليه)، وحديث آخر أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ينفي وجود العدوى ويثبتها في عبارة واحدة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد )...
هذه الأحاديث المشرفة قد ثبتت صحتها... وثبت صدورها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي أثار جدلاً كثيراً في الماضي، كما يثير جدلاً أيضاً في العصر الحالي، وحيرة لدى بعض الناس.. فالذي لا يتدبر الأحاديث النبوية المشرفة، وبالتالي لا يفهم مغزاها العلمي، يظن أن بها تعارضاً... فالحديث الأول يحذر من العدوى من مريض، والحديث الثاني لا يقر بحدوث العدوى، والحديث الثالث ينفي حدوث العدوى ويثبت حدوثها في عبارة واحدة ! لذلك قالوا: ما دام بالأحاديث النبوية عن العدوى تعارضاً، فهي ليست وحياً من الله تعالى لرسوله... وإنما هي اجتهاد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصفته بشراً... وتصدى من العلماء ما وضع رأيه – ورأى غير من العلماء – مثل ابن خلدون من القدامى وعفيفي طبارة من المحدثين... وأمثاله العشرات من العلماء في عصرنا هذا، ممن لهم نفس الرأي ونفس الاعتقاد.. وفهموا جميعاً أن الأحاديث النبوية عن العدوى اجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم وليس وحياً من الله تعالى له، وبالتالي فهي تتعرض للخطأ. وقال ابن خلدون في مقدمة كتابه(إن الطب المنقول في الشرعيات ليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل به.. فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث ليعلمنا الطب ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم )، فلا ينبغي أن يحمل شيء في الطب الذي ورد في الأحاديث النبوية المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا إذا استعمل على جهة التبرك).
وقد نقل كثير من العلماء في عصرنا الحالي، عن ابن خلدون ومن وافقه من العلماء، واعتقدوا أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث العدوى وتأبير النخل وما إليها من أمور الدنيا، هو اجتهاد ظني منه كبشر، وليس وحياً من الله له... وفي رأينا أنهم مخطؤون في ذلك خطأ عظيماً، فهم قد جعلوا علمهم الناقص حكماً على الحق المطلق في الأحاديث النبوية.. وما ينبغي قط أن يكون العلم الناقص حكماً على علم كامل... وأخطئوا أيضاً في فهمهم للأحاديث النبوية عن العدوى وعن تأبير النخل، وما علموا أنها حق مطلق، وعلم صادق ما كانوا يعلمون عنه شيئاً.. وما ظن الرسول ظناً، وإنما تحدث وحياً من الله عز وجل.
وسنناقش هذه الأحاديث المشرفة مناقشة علمية وبأدلة علمية ما كان يعلمها ابن خلدون ومن وافقه من العلماء القدامى والمحدثين... حتى يصلوا إلى فهم صحيح لتلك الأحاديث المشرفة، ويتخلوا عن مفاهيمهم الخاطئة عن الأحاديث التي تتحدث في أمور الدنيا... وحتى يعلموا – وعن يقين – أنها وحي من الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك كان لا بد لنا من أن نتحدث عن الشوائب التي فهمها بعض العلماء خطأ وهي:
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا وحياً.
2- حادث تأبير النخل.
3- حادث آبار بدر.
4- حادث أسرى بدر.
وحديثنا عن هذه الثوابت الأربعة لن تخرجنا عن موضوع المقال الحالي، لأننا سنثبت فيها بالدليل العلمي الأكيد أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث العدوى حق وصدق ويقين، وأن العلماء السابقين والمحدثين لم يفهموا قط مغزاها العلمي العظيم... وأنه لا تعارض بينها قط، وإنما هي أحاديث مؤسسة على حقائق علمية ثابتة لم يستطع العلماء أن يصلوا إلى فهمها إلا في العصر العلمي الحالي... وكان أولى بهم أن يسكتوا عما لا علم لهم به... وألا يدلوا بدلوهم في ميدان من العلم لا ناقة لهم فيه ولا جمل... وإنه من الثابت واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم الأمة... وهو الذي ينزل عليه الوحي، ويعلم الناس أمور دينهم وأمور دنياهم، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون.
العدوى:
العدوى هي انتقال مسبب المرض، من فيروس أو بكتيريا أو طفيل، من مريض إلى سليم، فيحدث فيه نفس المرض.. ولم تكن العدوى بالأمراض معروفة من قبل عصر العلم الحالي، لأن مسببات الأمراض المعدية لا ترى بالعين المجردة قط.. ولكنها ترى بالميكروسكوب الذي لم يستخدم في هذه الأغراض إلا في القرن الثامن عشر وما بعده... الميكروبات والطفيليات تشاهد بواسطة الميكروسكوب العادي، أما الفيروسات فلا ترى إلا بالميكروسكوب الإليكتروني الذي يكبر المرئيات آلاف المرات..
والأمراض تصيب الإنسان، منها ما هو غير معد، ومنها ما هو معدي.
والأمراض غير المعدية:
كثيرة جداً ولا يمكن أن نحصرها جميعاً، وهي أمراض تصيب جسم الإنسان، ولكنها لا تنتقل من المريض إلى السليم، ومثال ذلك مرض هبوط القلب وأمراض شرايين القلب، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكر.. وأمراض ناتجة عن اضطرابات الغدد الصماء... والأمراض الوراثية التي لا حصر لها، والأمراض التي تسبب عيوباً خلقية، وأمراض الأورام الحميدة والأورام الخبيثة.. وما إلى ذلك من أمراض لا تعدى.. فهي لا تنتقل من إنسان مريض بها إلى إنسان سليم فيصاب بها.
أما الأمراض المعدية:
فهي التي فيها ينتقل مسبب المرض من المريض إلى السليم فيعديه فيصاب بنفس المرض، وتنتقل مسببات الأمراض المعدية بطرق العدوى المختلفة الآتية:
‌أ- بواسطة الرذاذ: الذي يخرج من الجهاز التنفسي محملاً بالجراثيم الضارة، بواسطة السعال أو العطاس أو هواء الزفير، فالهواء الخارج من الجهاز التنفسي قد يحمل جراثيم الأمراض أو فيروساتها من إنسان مريض إلى إنسان سليم فيعديه.. مثال ذلك: الأنفلونزا، الدفتريا، السل الرئوي والحمى الشوكية الوبائية.
‌ب-عن طريق الفم: (في الطعام أو الشراب الملوث بأحد مسببات المرض المعدي )، مثل الأمراض الطفيلية بالجهاز الهضمي، كالديدان المعوية، وبعض أنواع الالتهاب الكبدي الفيروسي، والتهاب القولون الأمبي، والديدان الشريطية والحلزونية والخيطية بأنواعها المختلفة... والأمراض البكتيرية المعوية، مثل: الدوسنتاريا الباسيلية والكوليرا، والتيفويد، وغير ذلك.
‌ج- عن طريق الاتصال الجنسي: مثل أمراض السيلان، والزهري، والإيدز، والأمراض الجنسية الأخرى.
‌د- عن طريق ملامسة الجلد: مثل أمراض الجذام، والجرب، وغيرها.
‌ه- عن طريق نقل الدم: مثل الإيدز، والزهري، وبعض أنواع الالتهاب الكبدي الفيروسي.
‌و- بواسطة وخز الحشرات: مثل البعوض ناقل الملاريا، والبعوض ناقل الفيلاريا، والحمى الصفراء، وذبابة تسي تسي الناقلة لمرض النوم، ومثل القمل الناقل للتيفوس والحمى الراجعة، ومثل البراغيث الناقلة للطاعون.
ما هي الفيروسات:
إنها كائنات صغيرة الحجم جداً، لا ترى بالميكروسكوب العادي، إلا أنها ترى بالميكروسكوب الإلكتروني الذي يكبر الصورة آلاف المرات... وهي

صورة لفيروس بالمجهر الإلكتروني


آلاف الأنواع.. وهي ليست خلايا بها أنوية، وتتكاثر بطريقة عجيبة، وهي أنها تدخل في الخلايا الحية وتتكاثر داخلها بالعشرات والمئات فتموت الخلية الحية وتنطلق منها الفيروسات بالعشرات والمئات لتدخل كل منها خلية حية أخرى، وهكذا... وتختلف الفيروسات عن جميع الكائنات الحية في كل شيء... فهي مكونة من حامض نووي واحد... بينما خلايا جميع الكائنات الحية بها حامضان نوويان المعروفان DNA , RNA.
ومن الأمراض التي تنقلها الفيروسات من المريض إلى السليم، الإنفلونزا ونزلات البرد وشلل الأطفال والتهاب الغدة النكفية، والحصبة، والجدري، والجديري، والتهاب الكبد الفيروسي، والحمى الصفراء.
ما هي البكتريا:
هي خلايا صغيرة الحجم جداً لا ترى إلا بالميكروسكوب.. وتنمو وتتغذى وتتكاثر وتتنفس، وبها الحامضان النوويان DNA , RNA... ويمكن للبكتريات أن تعيش مستقلة وتنتقل من مريض إلى سليم فتعديه... ومن الميكروبات ما هو نافع ن ومنها ما هو مضر، ومن الميكروبات النافعة التي تحول الحليب إلى لبن رائب وجبن.. ومنها التي تتعلق بجذور النباتات وتمدها بالنيتروجين.. ومن البكتريا التي تعيش في الأمعاء وتساعد على هضم المواد الغذائية، ومنها التي تعمل على تكوين فيتامين ب المركب.. ومنها ما يتعايش مع بكتريا أخرى على سطح الجلد، وتعيش آلاف الملايين من البكتريا في فم الإنسان، وعلى جلده، وأنفه، وفي أمعائه، دون أن تحدث ضرراً، ومن الميكروبات الضارة ما تنقل الأمراض إلى الجسم كالكوليرا والسل والدفتريا والتيفوس... وغيرها من الأمراض المعدية البكتيرية.
ومن العجيب في الفيروسات والبكتريا التي تصيب الإنسان بشتى الأمراض، أنها أحياناً تكون وديعة وحميدة لا تسبب مرضاً للجسم الذي يحملها.. وتظل ساكنة فيه بينما يكون الجسم الحامل لها لا يشتكي شيئاً.. بل إن بعض الكائنات الضارة بالإنسان قد تصير كائنات تدفع عن الإنسان المرض.. وفي أحيان أخرى تسبب له مرضاً شديداً، وسوف نتحدث عن ذلك فيما بعد.. وقد تتعامل الجرثومة الواحدة مع الناس تعاملاً مختلفاً... فتتعامل مع بعض الناس في شدة وبطش وعدوان... وهي نفسها تتعامل مع بعض الناس الآخرون في سلام ووئام، ومثال ذلك أن بكتريات الحمى الشوكية الربانية من طبيعتها شدة العدوان والضرر، فهي تنتقل من المريض إلى السليم عن طريق الرذاذ الخارج من الفم والأنف، ، فتسبب له مرضاً وبيلاً كثيراً ما يؤدي إلى وفاته... ونفس هذه البكتريا العدوانية للإنسان.. قد تصل إلى إنسان آخر أو إلى ناس آخرين فتكون مسالمة فلا تسبب مرضاً.. وفي بعض أوبئة هذا المرض.. يهاجم الميكروب الآلاف من الناس إلا أن 5-10% منهم تظهر عليهم أعراض المرض، أما 90-95% منهم فلا تظهر عليهم أي أعراض مرضية.. ويظل كل منهم حاملاً للمرض.. والأمر نفسه في التيفويد، فبعض الناس يصابون به إلا أن نسبة منهم تظهر عليهم أعراض المرض ونسبة أخرى منهم يسكن الميكروب في أجسامهم، وخاصة في الكيس المراري، دون أن يحدث للجسم مرضاً، إلا أنه يصير مصدراً لعدوى المرض للغير.. فنفس الميكروب قد يعيش في سلام مع أجسام، وهو نفسه قد يكشر عن أنيابه ويصير شديد الشراسة في أجسام أخرى.
ما السبب في هذه الظاهرة في كل من الفيروسات والبكتريا ؟
الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، حتى لدى العلماء المتخصصين، وقد تفسر على تفاوت المناعة من شخص لآخر.. أو على اختلاف قوة خطوط الدفاع في جسم عن قوتها في جسم آخر... وقد تفسر على اختلاف يحدث لطبيعة الميكروب نفسه.. والأمر ليس بهذه البساطة.. ولكن الحقائق العلمية التي تتحدث عن هذه الظاهرة في العلاقة بين الفيروس والميكروب من جهة، والإنسان من جهة أخرى، هي حقائق في منتهى الدقة والتعقيد.. إلا أن للنتيجة النهائية أن هناك أسراراً في هذه العلاقة لا يعلمها إلا الخالق عز وجل... فالميكروبات لا تدرك ولا تعقل.. وأجهزة المناعة في جسم الإنسان لا تدرك ولا تعقل هي الأخرى.. ولكن التعامل بين البكتريات والأجسام قائم على الفطرة التي فطر الله تعالى كلا من البكتريا والأجسام عليها...
وتبقى حلقة مفقودة في علم الإنسان، وهي السر الحقيقي في تغيير هذا التعامل فيكون مرضاً حيناً أو لا يكون مرضاً حيناً آخر.. إلا أن هذه الحلقة لم تعد مجهولة لمن يتدبر الأحاديث النبوية عن العدوى، فيدرك أن الأمر أولاً وأخيراً معلق بإرادة الخالق عز وجل الذي بيده الخلق والأمر.. الذي بيده الأسباب ونتائجها جميعاً.. إن شاء عطل الأسباب فظلت النتائج بدون أسباب.. وإن شاء عطل النتائج فظلت الأسباب بدون نتائج.. وإن شاء عطل كلاً من الأسباب والنتائج فلا يكون لها أثر ولا تأثير.. ؟ وعكف العلماء على تفسير ما يحدث أمامهم من أمور.. ويخرجون بتفاسير كثيرة، إلا أن السر الحقيقي لا يزال بعيداً عن إدراكهم.. ويستقل الله تعالى بالعلم به.
التفسير العلمي لأحاديث العدوى:
ما ترك الوحي الإلهي في القرآن والحديث النبوي أمراً من أمور الدنيا والآخرة إلا أخبرنا به، وبين لنا الطريق الصحيح والمنهج القويم، كما قال الله عز وجل: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام: 38]، وكما قال تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89]، وأرسل الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغ الرسالة، وينصح الأمة، ويعلم الناس من أمور دينهم ودنياهم ما لم يكونوا يعلمون... كما قال الله عز وجل: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 151].
ويعلّم رسول الله الأمة الكثير من أمور حياة الناس، في مأكلهم ومشربهم ونومهم ويقظتهم.. ويعلم الناس كيف يتصرفون في كل أمر من أمورهم في الدنيا التصرف الصحيح، وحتى العدوى من الأمراض، تعلمنا السنة النبوية المشرفة كيف نتفاداها.. كما تعلمنا الأسرار الحقيقة وراء العدوى من الأمراض.. تلك الأسرار التي لم يدركها كثير من الناس، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يوردن ممرض على مصح )، أي لا يدخل إنسان مريض بمرض معدي على إنسان سليم فيسبب له العدوى بالمرض.
وفي حديث آخر رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد )، ففي أول الحديث نفي لوجود العدوى، وفي آخر الحديث إثبات لها وأمر بتجنبها والفرار منها !!.
وأخرج الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم في قصعة واحدة قال: (كُلْ ثقة بالله وتوكلاً عليه)، والحديث الشريف يدل على أن في الأكل مع المجذوم في قصعة واحدة خطر ما، إلا أن التوكل على الله والثقة في رحمته يمنعان ذلك الخطر، وفي حديث آخر رفض أن يسلم على مجذوم من ثقيف، وقال له (إنا قد بايعناك فارجع )، وقد ظن كثير من العلماء بوجود تعارضن فيما بين تلك الأحاديث المشرفة عن العدوى، كما تحدثنا من قبل... وحتى الإمام ابن القيم الذي لم يوافقهم على ذلك (3)، وعن بعض الأسرار العلمية للعدوى سيكون حديثنا في الصفحات التالية:
يعيش جسم الإنسان في محيط مليء بالجراثيم التي تسبب الأمراض.. فهي في طعامه وشرابه، وهي في الهواء الذي يستنشقه أيضاً.. وما دام الأمر كذلك فما الذي يحفظ الجسم ويمنع العدوى عنه في كثير من الأحيان ؟.. أنها من الناحية العلمية خطوط الدفاع في الجسم وجها المناعة فيه.. فكيف يحدث ذلك ؟
أولاً: الجلد:خط الدفاع الأول، فهو يفرز سوائل حمضية تعمل على قتل ما يقع على الجلد من الجراثيم.
ثانياً: تدخل الجراثيم الجهاز التنفسي مع هواء الشهيق.. فتقابلها في الرئتين خطوط دفاع قوية، وتعمل على القضاء عليها، فتوجد مواد كيميائية قاتلة للجراثيم على الأغشية المبطنة للشعبيات الهوائية، كما توجد سوائل مخاطية تجمع تلك الجراثيم.. ومن ثم تطرد إلى الخارج بواسطة أهداب متحركة على طول الشعيبات، والسعال عامل فعال لنظافة الشعبيات الهوائية من كل جسم غريب يكون فيها.. فالسعال إذن أحد خطوط الدفاع الهامة في الجهاز التنفسي.. فإذا خرجت الميكروبات الضارة من إنسان مريض ودخلت إلى الجهاز التنفسي لإنسان سليم... فهذه عدوى.. ولكن خطوط الدفاع في جسم الإنسان السليم تجعل هذه العدوى في كثير من الأحوال وكأنها لا عدوى.. أو كأن لم تكن.
ثالثاً: تصل الميكروبات الضارة مع الطعام والشرابإلى معدة الإنسان، فهذه عدوى.. ولكن الوسط الحامضي للمعدة يعمل على قتل الغالبية العظمى من تلك الجراثيم.. فتصير العدوى لا عدوى.
رابعاً: توجد في الجسم خلايا تجوب الدم، كالحراس، وما أن تقابل ميكروباً إلا وتلتهمه.. كما توجد خلايا ملتهمة ثابتة في جدران الأوعية الدموية في العقد الليمفاوية والكبد والطحال، ما أن يمر أي ميكروب بالدم هناك حتى تلتقطه تلك الخلايا وتلتهمه التهاماً.. فكثير من حالات العدوى تصير كأن لم تكن.
خامساً: جهاز المناعة بالجسم: هو جهاز في منتهى الدقة وغاية الإحكام يعمل على قتل الجراثيم التي تهاجم الجسم وتغزوه، وقد تغلبت على كل خطوط الدفاع التي ذكرناها من قبل.. هنالك يتصدى جهاز المناعة لتلك الجراثيم الغازية وتحاول قتلها.. ويفرز جهاز المناعة مواداً مضادة لتلك الميكروبات (Antibodies) وتظل في الدم فما أن تدخل تلك الميكروبات الجسم، في أي وقت بعد ذلك في المستقبل، إلا وتقتل، وتحدث ملايين المعارك في الجسم بين خطوط الدفاع فيه والميكروبات التي تعديه (أي تغزوه ).. والإنسان لا يدري عما يجري داخل جسمه من أحداث وأحداث.
وهناك عوامل كثيرة تغير من قوة جهاز المناعة، فتزيده قوة حيناً، وتزيده ضعفاً حيناً آخر، والأمر نفسه بالنسبة للجراثيم، فغن صفاتها الوراثية قد تزيدها قوة تارة، وقد تضعفها تارة أخرى.
وما نتيجة كل ما سبق:
النتيجة هي أن العدوى بالجراثيم قد تصيب الجسم بأمراض في وقت من الأوقات.. وهي هي نفسها قد لا تسبب له مرضاً في وقت آخر.
إذن، فالعدوى قد تسبب مرضاً تارة.. وقد لا تسبب مرضاً تارة أخرى، وبذلك تصير العدوى.. لا عدوى.. وليس الأمر في كل ذلك بيد الإنسان... ولا دخل للجراثيم فهي أيضاً.. فالإنسان لا يستطيع أن يقوى أو يضعف من خطوط الدفاع فيه.. فهي تعمل بأمر خالقها تعالى ومنصاعة لأمره.. وكذلك الأمر في جهاز المناعة بالجسم.. منصاعاً لأمر ربها.. وكل ما يحدث فيه من أحداث هي آيات من إعجاز الخالق، وإبداع الفطرة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها... وكل من الجراثيم وخطوط الدفاع وخطوط المناعة بالجسم مسيرة بأمر الله تعالى.
من هنا نفهم أن أمر العدوى، تكون أو لا تكون، هي من أمر الله تعالى ومشيئته أولاً وأخيراً، وهذه حقيقة لا شك فيها، ويجب أن نتفهمها جيداً، إذا أردنا أن نفهم المغزى العلمي في الأحاديث النبوية عن العدوى.
ومن الميكروبات ما يضر الإنسان، ومن الميكروبات ما لا يضر الإنسان شيئاً.. فهو يتعايش مع جسم الإنسان في سلام.. وتوجد الميكروبات غير الضارة بالإنسان على جلده وفي أمعائه.. وهي أحياناً تقوم بالدفاع عن الجسم ضد العدوى بالأمراض.. فهي تتصدى للميكروبات الضارة، وعادة ما تقضي عليها، وحينئذ لا تسبب العدوى بالمكيروبات الضارة مرضاً.. وتصير العدوى بها (لا عدوى)، إذن العدوى ببعض الميكروبات كثيراً ما تكون (لا عدوى ).. وفي بعض الأحوال تصير (عدوى ) أو لا تكون.
هذه الأمور العلمية التي ذكرناها قد تعيننا على تفهم بعض المغزى العلمي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد ).
وقد لا يقتنع إنسان بكل ما ذكرنا من أدلة، ويحتاج إلى أدلة علمية أخرى.. فنقول له إن من الوسائل في الطب الوقائي أن تحدث عدوى لإنسان سليم بميكروب ما أو فيروس معين، وذلك بهدف الحيلولة دون حدوث عدوى أشد.. وبهذه الطريقة تصير بعض أنواع العدوى حائلاً دون حدوث عدوى أكثر ضرراً.
يحدث أن يحقن الأطباء جسم إنسان سليم بمكروب المرض نفسه، بهدف تفادي حدوث العدوى بذلك المرض مستقبلاً.. وهذا ما يسمى التطعيم ضد العدوى من الأمراض.. مثل التطعيم ضد الكوليرا، أو ضد التيفويد، أو أمراض شلل الأطفال أو ضد الجدري، أو ضد السل، أو غير ذلك من ميكروبات الأمراض التي تعدي بها الجسم السليم، ويحقن بالجسم ميكروب عولج في المعامل ليصير ميكروباً ضعيفاً لا يقوى على إحداث المرض.. فلماذا نحقنه في جسم الإنسان السليم، إذن ؟ نفعل ذلك لنثير أجهزة المناعة بالجسم فتعلن التعبئة العامة لتقتل الميكروبات المرضية وتفرز ضدها مواد مضادة تظل بالجسم مدة طويلة.. قد تطول لسنوات أو لطول العمر في بعض الأنواع.. حتى إذا حدثت عدوى بميكروب قوي، من هذه الميكروبات مستقبلاً، فإن هذه المواد المضادة التي تكونت من قبل، تقتله... وبذلك تحدث العدوى فعلاً ولكنها تصير كأن لم تكن، أي إن العدوى تصير (لا عدوى ).


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.20 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]