عرض مشاركة واحدة
  #189  
قديم 05-04-2008, 09:08 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الشيخوخة بين القرآن والسنة والعلم الحديث

د / أحمد شوقي إبراهيم(1)
يمر جسم الإنسان في حياته الدنيا بأطوار مختلفة من أطوار الخلق فهو يخرج من بطن أمه طفلاً... لا يعلم شيئاً من أمر الدنيا... ثم ينمو جسمه شيئاً فشيئاً وتبدأ حواسه في العمل... فذلك قول الله عز وجل )والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ([النحل: 78].
ثم يكبر الجسم ويصير الإنسان شاباً قوياً، ثم يصير كهلاً... ويمضي به الزمن ـ إن طال به العمر ـ إلى آخر طور من أطوار خلق جسم الإنسان في الدنيا، وهو طور الشيخوخة...
وفي طور الشيخوخة يضعف الجسم شيئاً فشيئاً وتهاجمه الأمراض البدنية المختلفة في كل مكان... فيضعف من بعد قوة... وإذا امتدت الشيخوخة... وصل الجسم إلى مرحلة الشيخوخة المتأخرة التي هي أشد وطأة على الجسم والنفس معاً.. وأكثر ألماً وضعفاً وأكثر عجزاً... ذلك إن عوامل الهرم في الجسم تصير أكثر من عوامل البناء ويصاحب ذلك تغيرات بيولوجية في خلايا الجسم تقلل من كفاءتها كثيراً.. لذلك ما أن تدب الشيخوخة في الجسم حتى يصاحبها الشعور بالضعف ويتحول الجسم إلى مرعى خصيب لكثير من العلل والأمراض التي ربما تطول إقامتها فيه وقد لا تبرحه قط فالجسم في الطفولة يكون ضعيفاً، لذلك يعتمد الإنسان في طور الطفولة على غيره في القيام بشؤونه... ثم هو يكبر ويصير شاباً قوياً يساعد الآخرين... ثم كهلاً فيه بقية من قوة تساعده على القيام بشؤونه كلها وشؤون غيره أيضاً.. أما بعد ذلك فيدخل في طور الشيخوخة... وهي مرحلة الضعف التدريجي الذي يضطر الإنسان لها إلى الاعتماد على مساعدة غيره في القيام بشؤون نفسه.. ويصير مرة أخرى ضعيفاً كما كان في طور الطفولة فالإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً.. وعندما يدخل في طور الشيخوخة المتأخرة يدخل في طور من الخلق لا يعلم فيه شيئاً كما قال الله عز وجل )يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً ([الحج: 5]. إنها دورة الحياة وأطوارها التي يمر بها جسم الإنسان إذا امتد به العمر... ضعف ثم قوة ثم ضعف وشيبة... وهذا يذكرنا بقول الله عز وجل في سورة الروم / 54:)الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعفٍ قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (..ذكر حقيقة اختلاف أطوار خلق جسم الإنسان... ليستدل بها القارىء علىالخلق.ة الإلهية وعلى علم الله وقدرته ذلك مقصد الآية بالقول: )يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (.
ولماذا قدم المشيئة على العلم وقدم العلم على القدرة؟ لأن المشيئة سابقة على الخلق ... وعلم الله عز وجل أظهر لنا من القدرة.. لأن علم الله تعالى حاصل وظاهر في كل طور من أطوار الخلق... وفي هذا تبشير وإنذاراً له... فالله تعالى ينبه إلى أنه عالم بالإنسان في كل أحواله.. وهو قادر بعد ذلك على الثواب والعقاب، لذلك ذكر العلم بأطوار خلق الإنسان قبل ذكر القدرة عليه فقال تعالى: )الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (لأن المشيئة أزلية... ثم إن القدرة في الخلق مؤسسة على العلم.
وذكرت الحقيقة العلمية عن أطوار الشيخوخة )ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (بنفس الكلمات والحروف في سورتي النحل والحج / 5 ... وإذا كان هناك تكرار في الكلمات فليس هناك تكرار في المعنى... وهذه قاعدة عامة في القرآن العظيم كله نزلت أولاً في مكة المكرمة في سورة النحل / 70 في قوله تعالى: )والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً إن الله عليم قدير (إنها حقائق علمية ثابتة ساقها دليلاً واضحاً على علم الله في خلقه وقدرته في ملكوته.
وبعد ذلك ذكر هذه الحقيقة العلمية، لتكون دليلاً على حقيقة أخرى غيبية، هي حقيقة البعث بعد الموت، وذلك في سورة الحج، وهي سورة مدنية، ونزلت بعد سورة النور، قال الله عز وجل )يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث (ولماذا لم يوجه الحديث للمؤمنين؟ )يا أيها الذين آمنوا (ذلك لأن الذين آمنوا ليسوا في ريب من البعث. قال الله عز وجل: )يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (ذكرت سورتا النحل والحج أطوار خلق الإنسان فبعد الإجمال في سورة النحل نزل التفصيل في سورة الحج وأورد حقيقة )ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (في سياق الحديث عن الاستدلال بحقائق غيبية متعددة وليست متكررة فليس هناك تكرار في القرآن بمعنى التكرار... تكرار في اللفظ وليس تكرار في النفس إلا إذا أراد به التأكيد مثل فبأي آلاء ربكما تكذبان وأرذل العمر مرحلة لا يتمناها أحد لنفسه أبداً لذلك علمتنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ من الله منها فقد روى البخاري: أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه فيقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر... والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله تعالى عصمة من كل ذلك ولكنه كان يناجي ربه أمام الناس في أمور يريد بها تعليماً للناس وإرشاداً لهم كيف يدعون ربهم لأن الله عز وجل بعثه هادياً للأمة ومعلماً لها وإلى يوم القيامة...
الشيخوخة من سنن الله الكونية
إن الذي ينظر إلى سنن الله الكونية يجد أن الشيخوخة طور زمني حتمي، في دورة حياة كل مخلوق، أو دورة خلق كل موجود، فالشيخوخة من فطرة الخالق في هذا الكون، من أول الخلية الحية التي لا ترى إلا بالمجهر إلى خلق المجرة الهائلة في الفضاء الكوني...، كل شيء في الكون يبدأ خلقه بطور الطفولية وينتهي إلى طور الشيخوخة... نجد ذلك في الإنسان والنبات والحيوان والطير وحتى الجماد كالجبال والمحيطات... وحتى الكواكب والنجوم، وتبدأ كل خلية في الجسم في طور شبابها ثم بعد ذلك تظهر عليها أعراض الشيخوخة ومع أن زمن الخلية البيولوجي ـ وهو ما يسمى بالعمر الافتراضي ـ موجود بها منذ خلقها إلا أن عوامل البيئة المحيطة بها قد تؤثر عليها، فكل خلية بالجسم تعيش في توازن فسيولوجي في منتهى الدقة ويصيب الخلل هذا التوازن الفسيولوجي مع تقدم العمر وذلك بسبب تغيرات بالبيئة الداخلية المحيطة بالخلية مما يعجّل بحلول الشيخوخة فيها ومهما يكن من أمر فإن الشيخوخة طور حتمي من أطوار حياة الجسم لا يمكن منعه فالزمن يسوق الجسم إلى الشيخوخة سوقاً ويدفعه إليها دفعاً وتجري الحياة والموت جنباً إلى جنب في جسم الإنسان: ملايين الخلايا تموت كل ثانية من الثواني وملايين أخرى من الخلايا تحيا... ففي جسم الإنسان منايا وحياة.. حتى إذا جاءت الشيخوخة زادت عمليات الموت والهدم على عمليات الحياة والبناء وبذلك تحل الشيخوخة في الجسم ولا يمكن إعادة الشباب في خلايا الجسم أبداً... نجد ذلك من فيض المعاني في الحديث النبوي الذي رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:
( مثل ابن آدم وفي جنبه تسع وتسعون منية إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت ).
فالحياة والموت يجريان في جسم الإنسان جنباً إلى جنب... ولا بد للجسم من أن يصل إلى الشيخوخة إن أخطأته المنايا فطال به العمر.... ولن يجد الإنسان من شيخوخة الجسم مفراً ولن يجد منها مهرباً.
والإنسان يخشى الشيخوخة إذا كانت مقبلة عليه... ويخرج منها إذا حل فيها، كما قال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
وقال آخر:
ذهب الشباب فماله من عودة وأتى المشيب فأين منه المهرب
وما يحدث في خلايا جسم الإنسان يحدث في خلايا كل كائن حي.. فكل كائن حي يمر بأطوار الطفولة والشباب والشيخوخة... ففي عالم النبات مثلاً نجد هذه الأطوار في كل نبتة وكل شجرة، ونقرأ عن هذه الحقائق في سورة الإسراء في قول الله عز وجل.
)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب (.لما وصف الله تعالى أحوال المتقين في الجنة في الآية السابقة )لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد (بعد ذلك ذكر أحوال الدنيا بصفات تنفر الإنسان منها لأنها إلى زوال، والإنسان فيها مثل النبات مصيره إلى الضعف والشيخوخة.. وعقبت الآية بقوله تعالى: )إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب (أي: أن من يشاهد هذه الأطوار في خلية النبات يقارنها يما يحدث له في بدنه فإذا هي تماماً ما يحدث للنبات ومصيره إلى شيخوخة ثم إلى موت وحطام فالذين يتذكرون ذلك يزهدون في الدنيا ويرغبون في الآخرة لما فيها من نعيم وقدم الترغيب في الجنة على التنفير من أهوال الدنيا لماذا؟ لأن الترغيب في الجنة مقصود بالذات... والتنفير عن الدنيا مقصود بالعرض والمقصود بالذات مقدم على المقصود بالعرض.
فالشيخوخة تحدث في النبات كما تحدث في الإنسان والحيوان ذلك أن الشيخوخة من سنن الله الكونية... وساقها الله مثالاً في آية سورة الزمر لتكون ذكرى لأولي الألباب ونجد حقيقة الشيخوخة في النبات أيضاً مذكورة في سورة الحديد / 20 في قول الله عز وجل: )اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (ساق الله تعالى حقيقة أطوار خلق النبات وأن مصيرها إلى الزوال تشبيهاً بما يحدث للإنسان الغافل عن ربه وعن الحساب وعن الآخرة.
اللعب:هو ما رغب في الدنيا واللهو ما ألهى عن الآخرة وشغل الإنسان عنها.
والزينة:هي زينة الدنيا وما يتزين به الإنسان لغير الله في الدنيا... وكل هذا مصيره إلى زوال... كما ترون في أطوار خلق النبات من شباب ثم إلى شيخوخة وحطام.
إن الدارس لأطوار الخلق التي تنتهي بالشيخوخة يوقن تماماً أن الحياة الدنيا هي بمثابة لحظة في تاريخ الإنسان الطويل وأنها دار ممر وإن الآخرة هي الحياة الحقة ودار المقر الدائم كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عبد الله كن في الدنيا كعابر سبيل )... فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان في الدنيا ليس كسائر في طريق... وإنما كعابر الطريق، إشارة إلى قصر الحياة الدنيا، ولا شك أن الشيخوخة تعطي الدليل على حقيقة البعث بعد الموت، نقرأ سورة الحج / 5 قول الله تعالى:
)يا أيها الناس إن كنتم فيريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم (. هذه حقيقة أولى.
)ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى (وهذه حقيقة ثانية.
)ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً (وهذه حقيقة ثالثة.
)وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (وهذه حقيقة رابعة.
إنها أربع حقائق علمية نستدل بها على أربع حقائق غيبية:
الأولى: ذلك إن الله هو الحق.
الثانية: وأنه يحيي الموتى.
الثالثة: وأنه على كل شيء قدير.
الرابعة: وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وجاء ذكر الأرض بوصفها هامدة في الآية الكريمة لأن ذلك أنسب في سياق الحديث عن خلق الإنسان منذ بدء خلقه نطفة وأنه قد يتوفى وقد يرد إلى أرذل العمر وجاء ذكر الأرض بوصفها خاشعة في سورة فصلت / 39 )ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت (لأن ذلك أنسب في سياق الحديث عن سجود الكون ومن فيه لله عز وجل، قال تعالى:
)لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون. فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون. ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ([فصلت: 37 ـ 39].
إذن: فالحقائق العلمية إذ تذكر في القرآن الكريم إنما لتؤدي قصداً معيناً ولنستدل بها مع حقائق أخرى لا نحسها بحواسنا.. فنستشعر الحقيقة الغيبية في القلب عن طريق العقل وهذا أفضل الإيمان.... وما ذكرت الشيخوخة كحقيقة علمية في آي القرآن العظيم والحديث النبوي الشريف لمجرد الإعجاز العلمي، وإنما لنستمد منها تربية نفسية ونستدل بها على حقائق أخرى عن طريق الاستنباط والقياس.
شيخوخة جسم الإنسان
يمضي الجسم الرابع الأول من حياته في نمو وزيادة بينما يمضي الأرباع الثلاثة الأخرى في شيخوخة تدريجية ومستمرة، وليس للشيخوخة عمر محدد فبعض الأجسام تشيخ في عمر مبكر وبعض الأجسام لا تشيخ إلا بعد عمر طويل... فليست الشيخوخة معتمدة على العمر فقط وإنما على عوامل أخرى كالوراثة والبيئة والأمراض العضوية التي تصيب الجسم، كما تعتمد على صحة الشرايين..
وحتى في الشيخوخة هناك من يعاني منها كثيراً. وهناك من يعاني منها قليلاً ويظل نشطاً واسع الإدراك حاضر الذهن وقادراً على الحكم على الأمور في حكمة وبعد نظر بناء على خبرة طويلة يفتقر إليها من هو أقل منه عمراً وتحدث تغيرات بيولوجية وفسيولوجية في أعضاء الجسم في طور الشيخوخة.
فمثلاً شرايين الجسم:يحدث لها في الشيخوخة ما يسمى بتصلب الشرايين ما يؤدي إلى ضيق سعتها وبالتالي: قلة كمية الدم التي تجري فيها... وبالتالي إلى قلة توارد الدم إلى أعضاء الجسم المختلفة مما يؤدي بالتالي إلى ضعف تدريجي في الجسم عموماً وضعف بالقدرة الذهنية.
إلا أن بعض المسنين يظل نشاطهم الذهني حاداً وذكاؤهم شديداً كما في القادة والمفكرين والمخترعين والعلماء... فكثير من العلماء لم يكتشفوا اكتشافاتهم العلمية العظيمة ولم يبدعوا إلا في طور الشيخوخة... ذلك: أن صحة الجسم من صحة شرايينه فما دامت الشرايين سليمة، فمهما طال عمر الإنسان، فإنه سيظل قوياً ونشيطاً وحاضر الذهن.
وماذا عن العضلات والجلد والشعر؟ مع تقدم العمر تحدث تغيرات بيولوجية في خلايا الجسم ومن ذلك خلايا العضلات فالعضلة مكونة من خيوط عضلية كثيرة مثل حزمة من الخيط... كل خيط لا يزيد قطره عن 1.10 مللي متر.... وفي كل خيط نظام دقيق وعجيب من شأنه تقلص العضلة وارتخاؤها بقوة وسهولة... ومع تقدم العمر يضعف ذلك النظام داخل الخيوط العضلية فتتصلب العضلة ويقل حجمها وتتضاءل قوتها الأمر الذي يؤدي إلى حالة الضعف العضلي.
فالعضلات في طور الطفولة تكون ضعيفة ثم تنمو وتكبر وتقوى في الشباب ثم بعد ذلك تضعف شيئاً فشيئاً كلما دخل الجسم في طور الشيخوخة... إنها ثلاث مراحل: ضعف ثم قوة ثم عودة إلى الضعف مرة أخرى.
وكذلك شعر الجسم بتغير مع تقدم العمر... ونلاحظ ذلك بوضوح في شعر الرأس ولعوامل الوراثة دور كبير في ذلك... فالشعر في صغر السن يكون مرناً وقوياً وكثيفاً ومع تقدم العمر تقل مرونة الشعر وتضعف قوته وتقل كثافته ويزداد جفافه ويتساقط الشعر عن ذي قبل وخاصة في الرجال... ويبيض الشعر ويشيب الرأس.
نقرأ في سورة الروم / 54 قول الله عز وجل:
)الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (.
الشيخوخة والإنجاب
مع مرور الزمن تصل المرأة إلى منتصف العمر الذي هو بين الأربعين والخمسين وفي آخر هذه المرحلة ينقطع الطمث في كثير من الحالات، وذلك بسبب عجز المبيضين عن إفراز الهرمونات ( الاستروجين والبروجستيرون ) وقد يصاحب ذلك أعراض تشعر بها المرأة مثل الإحساس بالسخونة في الجسم والضيق النفسي والتوتر العصبي ونزول العرق وهذا ما يسمى (Menopausal syndrome)وتفقد المرأة القدرة على الإنجاب... أما الرجل فلا تتوقف القدرة على الإنجاب فيه إلا بعد أن يدخل في الشيخوخة، ومثالاً على ذلك في سياق الحديث عن قصة النبي إبراهيم عليه السلام وزوجه في سورة هود / 71 ـ 72:
)وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت: يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب (.
قال بعض المفسرين: فضحكت: أي: حاضت تحقيقاً لبشارة الملائكة لها التي أخبر الله عنها في قوله تعالى: )ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا: لا تخف إنا أرسلنا على قوم لوط. وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب (.
وقال بعض المفسرين: فضحكت أي: ضحكت فعلاً، ضحكت تعجباً.. أو ضحكت من خوف زوجها النبي إبراهيم من ثلاثة نفر وهو في خدمة وحشمة، ولا نتفق في تفسير الآية الكريمة مع هؤلاء ولا مع هؤلاء فليس معنى ضحكت حاضت وإن كان ذلك صحيحاً لغوياً ـ كما أنه من غير المعقول أن تضحك من اضطراب زوجها وخوفه من قوم قدموا إليه زائرين فهذا لا يكون من امرأة نبي. ولكنها ضحكت فعلاً تعجباً ودهشة.. وهي عجوز عقيم لا تحيض.. وقد أحست بتحرك الجنين في بطنها... لو كان المعنى أنها حاضت تحقيقاً للبشارة، لسألت عما هو بعد الحيض وهو الحمل ولقالت: ( يا ويلتا أأحمل وأنا عجوز ) ولكنها وقد أحست بتحرك الجنين في بطنها سألت ضاحكة مندهشة عما سيكون بعد الحمل وهو الولادة... قال تعالى يحكي على لسانها: )قالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب (قولها هذا إشارة إلى موجود بين وهذا بعلي شيخاً: أي: إن زوجي هذا الذي هو أمامي شيخ لا ينجب... إن هذا لشيء عجيب أي: إن حدوث الحمل هذا الذي أحس به شيء عجيب.
ولا أدري لماذا غاب عن بعض المفسرين هذا المعنى في الآية الكريمة مع وضوحه ووضوح السياق في الآية الكريمة وفي سورة الذاريات / 29 ـ 30 قال الله عز وجل: )فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم. قالوا: كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم(.في صرة أي: في تأوه وتعجب... فلما شعرت بالحمل ضربت وجهها بيدها ـ على عادة النساء عند التعجب والمفاجآت وقالت: كيف ألد وأنا عجوز عقيم؟.
ولماذا لم تذكر آية سورة الذاريات قولها: )أألد وأنا عجوز عقيم (واكتفت بالقول: )فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم (.
وذلك: لأن عجبها من أمر الولادة جاء ذكره والإشارة إليه في آية سورة هود من قبل... وسورة هود نزلت قبل سورة الذاريات بزمن طويل: فترتيب نزول سورة هود 52 وترتيب سورة الذاريات 67.
ووصفت امرأة النبي نفسها بالعجوز العقيم في سورة الذاريات لأنها لم تصف نفسها من قبل بالعقيم في سورة هود... وعكس العقم: الحمل وليس الحيض.
وما حدث من إعجاز في الحمل من عقم، هو أمر من الله عز وجل الذي بيده الخلق والأمر )ألا له الخلق والأمر(... ونجد فيه الحكمة أظهر من العلم وأعجب، لذلك عقبت الآية الكريمة بالحكمة قبل العلم قال الله عز وجل: )إنه هو الحكيم العليم ()قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم (قال ربك أي: أمر ربك وقضى... وإذا قال الله تعالى لشيء كن فيكون أي: أمر وقضى.... وهذا ما عقبت به أية سورة هود قال تعالى: )قالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب. قالوا: أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (وقول الله في هذا المقام هو الحمل والخلق وليس الحيض... ومثل ذلك في سورة مريم قول الله عز وجل: )قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً (.
)قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً (فإذا قيل: قال الله أي: أمر الله وقضى.


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.64 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]