عرض مشاركة واحدة
  #182  
قديم 05-04-2008, 09:22 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبع موضوع ... الإشارات القرآنية إلى الطبائع البشرية

من النمط العاطفي (romantic temperment) الجدير بالتنويه، القمين بالتنبيه إليه، الحقيق بالتأمل والتدبر فيه ـ إنما هو نمط نبي الله يعقوب عليه السلام وما جرى له من جراء فراق ابنه يوسف وحزنه عليه.
وتتمثل الطبيعة العاطفية في يعقوب أصدق تمثيل وأبلغ تصوير، إذ تلوح في كل أقطار الشخصية كل المخايل والعلامات والأشراط والتصرفات ـ كل خصائص الفطرة العاطفية:).... وقال يا أسفى على يوسفَ وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم (84 ) ((31)[سورة يوسف].
إن ابيضاض عيني يعقوب، بسبب الحزن الشديد والأسف على فقدان فلذة كبده، أشعل حريق اللوعة، وأجج وأضرم سعير الوله على يوسف الطفل المفقود في غياهب الجب، مما كان له أعنف الأثر الذي أعقب يعقوب العمى النفسي المسمى عند الأطباء النفسيين بـ (hysterical blindness). وهو من ألوان العمى الذي يقع على الحقيقة، وهو مردود إلى الكوارث النفسية (psychological crises) والصدمات العاطفية العنيفة التي تعتري الطبع العاطفي المشحوذ الإحساس، المطرور في رهافته وشعوره، والمتوتر الوجدان دائماً لفرط الانفعالية.
إن تراكم الأحزان في طوية العاطفي تجعله دائماً مثقلاً بالهموم ينوء بالأنكاد، منغلق على نفسه يميل إلى الوحدة والعزلة، كثير الخجل، خوالجه مشحونة مشغولة بما يجتره باستمرار من وقائع موجعة وأفكار أليمة وذكريات تحمل في مطاويها كل ما يجرح الشعور ويثير كامن الأشجان.
إن العاطفي يعيش في ذكرياته الوجيعة وأحلامه القاسية المنصرمة التي تنبض بالقلق في ضميره ومكنون سريرته بين الحين والحين، وبين الفينة والفينة، وهي تفتأ تكدر عليه حياته، وتنغص عليه أوقاته وتحرمه من المسرات، وتقطع عليه سبيل التسرية والتفريج.
إن العاطفي شديد التأذي، وهو على النقيض من العصبي.
وبينما نرى العصبي موصوف بحضور البديهة مع الاستجابة الفورية ـ نرى العاطفي يكبت الاستجابة ويكبح الرد الفوري ويلجم شعوره في أطواء ذاته وأعماق نفسه، لكنه لا يهدر هذه الإحساسات والمشاعر إنما تتراكم وتتعاظم في خوالجه، ودخائل ضميره ومكنون سريرته، ولكن هذا كله مرهون بظروف وملابسات مجهولة، إذ لا بد أنه سيأتي وقت لا حق معلوم تتفجر هذه الشحنات المتوهجة كالمتفجرات المدمرة إذا ما عيل الصبر وطال المدى على هذا التنامي المفزع والتكاثف المثير.
إن جراح العاطفي لا يبليها الزمان ولا يقدر على الفكاك من أسرها، فهي تتضيفه وتتحرك بعد فترة وأخرى محركة شجونة، ومثيرة لواعج أحزانه، فتكدر عليه صفو الحياة، فيضيق صدره ويغتم لمعاودتها كالحمى، وهي تنهش في خالجته وتكوي صدره، وتحرق وجدانه.
إذا كان العصبي مشهوراً بالعبث، فإن العاطفي مشهور بالحزن وأثقاله التي تثقله وينوء بها. وإذا كان العاطفي محتمياً بالعزلة عن الناس، لكونه شديد التأذي ضيق الحظيرة بهم، فإنه دائماً يحلل نفسه في الحوادث، ولا يحلل الحوادث في نفسه.
ثم إن كآبة العاطفي تحدو بكثير من العلماء إلى أن يسموها بالحداد الميتافيزيقي (****physic mourning)، وهي التي يكون فيها حدباً مشفقاً على بني جلدته من البشر.
وإذا كان الانفجار العاطفي لتكاثف المؤثرات النفسية في العقل الباطن ـ أمراً محتوماً غير مردود لتعاظم تأثير الانفعالية المكبوتة المقموعة بالترجيع البعيد، والترديد المناوب فإنه لا بد وأن يظهر في صورة أوجاع وأمراض عضوية حتمية كلون من التفريح وتفريغ الشحنات المضغوطة في قرار اللاشعور كالشلل الهستيري (hysterical hemiplegia) والعمى الهستيري (hysterical blindnes)،وغير ذلك مثل: الهستيريا التحولية (conversion hysterical)، والهستريا الانشقاقية (diversion hysterica).
يقول علماء الطباع: الغضبيون يندفعون إلى المستقبل، بينما العاطفيون يكتفون بالتشوف إليه، أما الدمويون فإنهم تقدميون، ولكن بعض العاطفين، بل كثيراً منهم، يقفون بطموحاتهم إلى حد التشوف، وليست لديهم الجسارة على العبور والتحدي والصمود إزاء المعوقات التي قد تعترض طريقهم، وهذا العجز الظاهر يضاعف من أوجاع العاطفي وأوصابه، وكثيراً ما يقع فريسة لأحلام اليقظة، وهو أكثر الطبائع تعرضاً لخطر الأمراض النفسية الخطيرة، مثل: الفصام (schizophrenia)، والهستريا (hysterica)، والتوتر العصبي (anxiety neuzosis) الخ.
لكن إذا كان الطبع العاطفي مستهدفاً من كثير من الأمراض والعواصف النفسية، إلا أن الأنبياء عليهم السلام جميعاً لهم قانون خاص غير بني جلدتهم من البشر لكونهم ( أي: الأنبياء ) محوطين منظورين من عين الله تعالى مكلوئين برعايته.
ونؤكد مجدداً منبهين إلى أن هؤلاء الأنبياء جميعاً مبشرون بالجنة، وأن أعذارهم ممهودة وذرائعهم مقبولة وشافعهم غير مردود.
سليمان والملك مع النبوة
كان سليمان بن داود، وأبوه، ويوسف بن يعقوب، هؤلاء الثلاثة كانوا ملوكاً وأنبياء، وقد أوتي كل منهم ما لم يؤت أحد من أنبياء الله من نعيم الدنيا ومتعتها، فنالوا خير الدين والدنيا معاً.
وقصة سليمان مع الهدهد التي ذكرها القرآن الكريم مشهورة، نعرفها جميعاً لكن حسبها أن تصور لنا الطبع المثالي(32)في أدق صورة وأعمق خصائصه ولطيف علائقه بالذات الإنسانية والطبع البشري.
يقول الله تعالى:)وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لاعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)([سورة النمل].
هذه القوة والصرامة والدقة والانضباط عند سليمان عليه السلام وسيطرته الكاملة على المملكة تبدي لنا طاقة جبارة وحرصاً بالغاً في تسيير دفة المملكة باتساق ونظام لا تتسع معه إلى مراوغة أو افتعال تبريرات للتخلف عن النظام العام والنسق المرسوم لديوان المملكة.
إن مملكة مديدة الأطراف واسعة الأفياء فيها العدد العديد والكثرة الكاثرة من الإنس والجن والطير، لا بد أن تكون في أشد الحاجة إلى حكم قوي مكين قوامه العدل والرأفة والشفقة على خلق الله، إذ إن الصرامة وقوة الحزم لا تمنع ولا يمكن أن تمنع من ترسيخ قواعد العدل والحق والحرية.
لقد كانت كل أمارات وملامح الرزانة والذكاء والقوة والنزاهة والعدالة متوفرة في أعلى مجاليها في شخصية سليمان. ولولا هذه القوة والضلاعة والثبات والعدل لما استطاع السيطرة على هذه المملكة ولا نفرط عقدها وتحللت علائقها.
إن الطبع الجموح والذي نراه أعلى الطباع، ويطيب لنا أن نستأذن علماء الطباع في تسميته بالطبع المثالي، يمتاز برقة الشعور لفرط الانفعالية مشفوعة بقوة في الفعالية مع الترجيع البعيد... إنه يتميز بحب العمل، وذلك مع الدقة والعزيمة والصبر والجلادة لتحقيق غاية منشودة. ولئن كان الغضبي محباً للفعل لذات الفعل، فإن المثالي يهتلك على الفعل لغايته أكثر منها لذاته... فضلاً عن تميز المثالي على الغضبي حيث إن المثالي منظم قوى الإدراك والاستيعاب شديد التركيز مع تميز الحس العملي وقوة الذاكرة.
يتميز المثالي أيضاً، بالقوة مع المثابرة وعدم الملل فهو لا يعرف اليأس، وهو شديد الحرص والحذر واليقظة والجلادة، مع عدم المبالاة بشهوة الجنس غير الشرعية مع البساطة والتواضع.
هذا النمط المثالي مشهود له بالحب والشفقة والتحنن على الآخرين، والعطف على من هم دونه من الضعفاء وأضرابهم، مع صلابته في التحدي والتصدي لنظراته وأقرانه ومن هم أقوى، والجموح لا يعرف الإعضال، أو الاستحالة إزاء همته العالية، وعزيمته القوية.
ثم إن العاطفة الدينية عند هذا النمط تكون عادة متوهجة مطرودة، وهم يهتمون بالتاريخ والمستقبل البعيد، من ثم نراهم يعدون العدة ويرسمون الخطط لمستقبلهم في دقة بالغة، وهم لذلك ليسوا مسوقين عشوائياً إلى مقاصدهم وغاياتهم عشوائياً بل إنهم يتشوفون إلى غوامض المستقبل بالحكمة والأناة، مع الفعل المنسق المرتب مع الالتزام بضوابط الأخلاق والقانون بلوائحه وقوانينه في إطار عزيمة خارقة تقتحم الصعاب وتجتاز المهالك بضراوة وشراسة وتصميم، لا يلوي على شيء، وتتصدى وتتحدى كل من يقف في طريقها ليعوقها عن الوصول إلى مبتغاها، مع الدقة والإتقان الذي هو قوام النجاح والبلوغ إلى الذروة المأمولة.
وإذا كان العصبي متفلتاً من التدين، ولا يكترث بقيم الدين ولا ضوابطه، ولا أخلاقياته، فإن تدين العاطفي هو الأميل إلى التصوف والفلسفة والفكر، لكن تدين الجموح هو للسيطرة على الزمان بدلاً من الانخراط فيه... وأما ما ينعاه الناعون على تدين العاطفي بأنه فوضوي لخطورة انزلاقه في كثير من الأحيان إلى التردد والشك والريبة وهذا ما يتنزه عنه الجموحين ومن على شاكلتهم.
لكن الطراز اللمفاوي عقلي التدين، ولا يخرج تدين الغضبي عن التصلب والتشدق بأصول العبادة مع جنوحه إلى الرقائق والمواعظ والإرشاد بالخطب الحماسية والصوت الجهوري.
أما الدمويون فإنهم يرون الدين وسيلة لابتزاز المشاعر، مع تسخيره لأعراضهم بافتعال تبريرات مصنوعة وذرائع مكذوبة.
إن المتهم أمام سليمان عليه السلام ـ الهدهد ـ وهو طائر لا حول له ولا قوة، لكن قوبل بحسم منقطع النظير، وشدة فائقة، حتى لا يكون التساهل والتهاون معه سبيلاً وطريقاً لتبرير الخروج على النظام والالتفاف حول القواعد الكلية بذرائع وتبريرات منحولة واختلافات مفتراة... لكن هذه الشدة لم تكن عنفاً محضاً ولا اعتسافاً في استعمال الحق، لكنها ممزوجة بالعدل الذي هو أساس الملك، ولا تقوم للحياة قائمة بدونه....
لما أن ذكر الهدهد لسليمان سبب تأخره وغيبته عن المملكة، تأمل سليمان بثاقب نظره، وبتؤدة حتى لا يجور على هذا الهدهد المتهم إنما ليعطيه الفرصة كاملة لتقديم مبرراته وتسويفاته.
ثم إن توعد سليمان بمحاسبة الهدهد شملت ثلاثة أحوال:
الأولى: العذاب الشديد، إذا كانت ذرائعه واهية أو ضعيفة.
الثانية: الذبح، إذا كان كاذباً على نبي الله سليمان، من ثم يكون التجاوز عنه في هذه الحالة ذريعة وفتحاً لباب شديد الحرج والخطورة على المملكة والتحلل من قواعد الانضباط فيها...
الثالثة: إخلاء سبيله وبراءته، إذا جاء بالدليل القاطع الذي تبرأ ذمته به، حيث يكون ثمة طارىء ملح وضرورة قهرية فرضت نفسها عليه.
وبعد أن حكى الهدهد المشهد الذي صدمه من بلقيس وقومها الذين يسجدون للشمس من دون الله، قال سليمان بنظره الحاذق الحكيم: (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين )، ونلحظ هنا أنه لم يقل أصدقت أم كذبت؟ ولكنه أفرد الصدق مع ضمير المخاطب، وجمع الكذب، ليدلنا على ندرة الصدق وتفشي الكذب بين الكثرة الكاثرة من السواد الأعظم.
هذا الطبع المثالي لا بد أن يكون كذلك، قمة في العدل والتنزه عن أوضار الظلم، والتجرد من الهوى وسلطان النفس الذي يهدم دائماً ولا يبني أبداً.
كان آدم أبو الأنبياء، وأبو البشر أيضاً، مستهدفاً من إبليس اللعين الذي فشل في السيطرة عليه، فاخترق أوهى النقط في الأسرة الأولى على الأرض، فنفذ إليه من خلال حواء، وكان هذا مدخلاً خطيراً تسبب في عصيان آدم ربه وإخراجه وحواء من الجنة )فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا ........ (20)[الأعراف].(33)
وكلنا يعرف قصة ابني آدم )لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) ([المائدة].
ثم يقول: )إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) ([المائدة].(34)
وممن المواقف المثيرة ما ورد بشأن العتاب من الهدهد لسيدنا سليمان حيث قيل: إنه لما كان من أمر صدق الهدهد وسلامة موقفه وإخلاصه للتوحيد ـ قال لسليمان: كيف توعدتني يا نبي الله بالذبح لمجرد التغيب عن الحضور والتأخر عن المملكة إذا لم يكن هذا التغيب مشفوعاً بسلطان مبين؟!! ( وكان الهدهد توهم أنه الذبح المعروف بالمدية ( السكين )، وهو الذي تفزع وتفرق منه الطيور والحيوانات ).
ـ قال سليمان: كنت سأذبحك بغير سكين...
ـ كيف ذلك؟.
ـ بأن أضعك بين قوم لا يعرفون قدرك!!.
ـ إن هذا والله لأشنع وأبشع من الذبح..
إن الهدهد المؤمن لم يطق أن يرى قوماً يسجدون للشمس من دون الله، وهذا يقطع بيقينه وعمق رصيده الإيماني بالله الواحد الأحد الحقيق بالعبادة... ثم إنه عالم بأن وراء ضلالهم وغوايتهم الشيطان الذي غرر بهم وزين لهم أعمالهم فضللهم وصدهم عن السبيل، فهم لا يهتدون(35).
إن الطبع الجموح، وهو المسمى عندنا بالطبع المثالي، إنما هو أعلى الطباع شأناً وأعظمهم فطرة، وأقواهم جبلة من حيث إن صاحبه يملك أمره ويسيطر على جميع قواه النفسية والعصبية والحسية، فهو يملك زمام الأمور في يد واثقة ويقف على أرض صلبة من اليقين والثقة بالنفس، ومهما أوتي من قوة عارضة أو كثافة حد إلا أنه إذا عورض بدليل راجح لا يتورع أن يسلم به ويتخلى عن رأيه دون أدنى شعور بالغضاضة أو التردد أو التقاعس لسبب من الأسباب...
وهذه بلقيس التي كانت من قوم كافرين بشخصيتها وطبعها المثالي لأول وهلة قالت: )إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) (، ثم كان إسلامها مع الإقرار والاعتراف بالذنب: )قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) (.
هذه المرأة العملاقة الجسور(36)صدق فيها قول الشاعر:
ولو كانت النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال
طبع معاوية وشخصية عمرو بن العاص
في حوار خاطف سريع بين معاوية بن أبي سفيان وبين عمرو بن العاص نستطيع ـ من تحليل السياق والوقوف على المآتي والمصادر والحوافز النفسية والخوالج المطمورة في مطاوي السريرة ـ أن نستخلص الطبع والشخصية وإمكاناتها وأبعاد القدرات الخاصة، سيما الميتافيزيقية، وهي ما وراء الظواهر التي تلوح عن الخواطر والبوادر ولكن تكمن وراء أسجافها وستورها ألغاز وحوافز أو كوابح غامضة أو خفية محجوبة.
قال معاوية: ما بلغ من أمرك يا عمرو؟.
قال عمرو: يا أمير المؤمنين، ما دخلت في أمر إلا وخرجت منه...
قال معاوية: لكني ما دخلت في أمر، وأردت الخروج منه.
ونقول: إن شخصية عمرو بن العاص تلوح ركائزها وعمق جذورها الراسخة المكينة من خلال هذه الفقرة المحدودة، إذ إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، على ما ذكر علماء النحو.
وقوله: ( ما دخلت ) نفي.
وقوله: ( أمر ) نكرة، وهذه النكرة المسوقة في إطار النفي أفادت العموم لأجل ذلك، ومفاد هذا: أنه في أي أمر ( على العموم والإطلاق) مهما كان شأنه ما دخل فيه عمرو بن العاص إلا وخرج منه. وهذا يدل على قوة العارضة والثقة الفارطة بالنفس. وحدة الذكاء، وحضور البديهة واليقظة التامة، كلها من مقومات تلك الشخصية التي لا تبالي أي الأمور تنخرط في أتونها، فهي مستعدة لاستدعاء كل طاقتها وكوامن قدراتها للخروج من المآزق المتوقعة والمروق من الكوارث والإفلات الخاطف من أية نازلة أو نائبة في أي وقت في أي مكان وفي أي زمان: وكذلك كان عمرو بن العاص حقاً، وبذلك طارت شهرته في الآفاق كأحد دهاة العرب...
أما معاوية رضي الله عنه فكان من الطبع اللمفاوي، الذي يتروى ويستشير، ويستأنس بآراء المقربين منه وغير المقربين من أهل الرأي الموثوق بهم... فهو إذا دخل في أمر ( لا يريد ) الخروج منه لأنه اختاره بإرادته الحرة الواعية، ولا يتم ذلك إلا بعد مشاورة واستئناس ودراسة وتقويم لكل الأخطار المتوقعة واستحضار كل البدائل والممكنات... ومن ثم يكون مطمئناً نماماً لأن هذا الاختيار هو أفضل وأنسب اختيار ولا يسد مسده أو ينوب عنه اختيار آخر... من ثم، فلا موجب ولا مدعاة للتفكير في إرادة الخروج منه بعد دراسة الجدوى بجدية وتقويم.
كلا الرجلين له طبعه وله شخصيته، وكلاهما واجه التاريخ بصفحة حافلة من الأحداث الجسام التي تتآزر جميعها على التأكيد على ما ذهبنا إليه من تحليل طباعي لكلا العملاقين من الصحابة... فرضي الله عنهم أجمعين.
[1] – توضح الآيات قوة موسى وشدة غضبه الذي تمثل في ثورة عارمة إذ أخذ بلحية أخيه ورأسه.
[2] – راجع ما حرره العلماء في تفسير القرطبي وروح المعاني للإمام الألوسي 9/66 ـ 68 .
[3] – راجع القرطبي والطبري والكشاف للزمخشري.
[4] – قال ابن عباس: لما رجع موسى من المناجاة غضبان لعبادة قومه العجل أعجلتم أمر ربكم بانتظار موسى حتى يرجع من الطور وألقى الألواح وهي ألواح التوراة من شدة الضجر والغضب ألقى الألواح وأخذ بشعر رأس أخيه هارون ولحيته ويجره إليه ظناً منه أنه قصر في كفهم عن ذلك. راجع تفسير الطبري 13/123 وروح المعاني 9/66 وما بعدها.
[5] – يلاحظ قوة غضب موسى ووهن هارون وضعفه وتوسله واستشفاعه لأخيه بالرحم الماسة الميلولة ليكف عنه.
[6] – ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح.
[7] – على ما ورد في لسان العرب لابن منظور 7/273 ، 274 وما بعدها، وهو منقول عن القرطبي أيضاً في تفسيره 13/ 260، 261 .
[8] – وهذا مؤدى قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً 17 [النساء]. راجع ما قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير 9/ 235 .
[9] – قال الإمام الطبري 20/31 وابن عباس: أو أن يبطش بالقبطي الفرعوني فظن الإسرائيلي الذي هو من شيعته أنه يريده. ولكن ورد عن الحسن أن الصارخ المستغيث هنا هو القبطي. تفسير القرطبي 13/265 ، ولكن المختار عند الطبري أولى.
[10] – وإلا فكيف نفسر قول موسى للإسرائيلي: إنك لغوي مبين ، ويقر بهذا تصريحاً وتأكيداً، ثم يريد أن يبطش بعدوه مع كل هذا؟؟!!.
[11] – هوى: هلك، وقيل: شقى. وقيل: هوى: أي: سقط من قصر في جهنم، يهوي الكافر من أعلاه في جهنم أربعين خريفاً. راجع تفسير ابن كثير 3/161 .
[12] – راجع التفسير الكبير للرازي 22/214، والقرطبي 11/329، وجامع البيان للطبي 17/61. وقال الرازي 2 /15: دخل ابن عباس على معاوية، فقال له معاوية: يظن نبي الله يونس أن لن يقدر الله عليه؟! قال ابن عباس: هذا من القدر لا من القدرة هـ . بتصرف.
[13] – التفسير 4 /118.
[14] – حاشية الصاوي على الجلالين 4/40 وانظر الزمخشري في الكشاف 3/472 وفيه: لا يقول الغضب أحلام.
[15] – داحضة بمعنى مدحوضة فاعلة بمعنى مفعولة، مثل دافق بمعنى مدفوق، وراضية بمعنى مرضية وساتر بمعنى مستور . وقال ابن كثير: وفيه غضب منه، وعذاب شديد يوم القيامة، التفسير 4/110. وقال ابن عباس: نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام ومحاجتهم بالباطل. البحر المحيط 7/513.
[16] – في السنن 1/67 و2/435.
[17] – 2/79.
[18] – 190/223.
[19] – الترمذي.
[20] – المسند 2/242.
[21] – قال المفسرون: وهذه الكلمة هي المشار إليها في قوله تعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى 129 [طه].
[22] – أخرجه أبو داود في السنن 5/141/4748 وأحمد في المسند 4/226. فالغضب من الشيطان، والشيطان من نار، والماء يطفىء النار.
[23] – الترمذي 3450 عن ابن عمر.
[24] – مسند الإمام أحمد 1/239.
[25] – أخرجه البخاري 8/52/6114 ومسلم 2609 وأبو داود وأفمام أحمد في المسند 1/382 و2/236 و268 و517.
[26] – أخرجه البخاري 8/53/6116.
[27] – وهذه إشارة ضمنية إلى أن الطبع الغضبي لا يتغير ولا يتأتى لذلك النهي عنه، لذلك فهو أمر طبيعي لا يزول من الجبلة.
[28] – راجع فيض القدير للمناوي 3/462، وكشف الخفاء للإمام العجلوني 1/353/1120 والسخاوي في المقاصد الحسن 303/397، والطبراني في معجمه 3/88.
[29] – سورة القصص، من الآية 38. هذا هو قمة الجهل والتردي في حمأة النرجسية والتشوه.
[30] – وهو بذلك يجحد فضل الله تعالى عليه ويتملكه الغرور ويستولي عليه البطر والغطرسة.
[31] – كظيم: كاظم، وهو الممسك على حزنه، لا يظهره ولا يشكوه. وقيل: هو المملوء كمداً وغيظاً ولكنه يكتمه في نفسه.
قال الألوسي: الأسف أشد الحزن على ما فات. روح المعاني 13/39 ـ 41. وقال الرازي في الكبير 18/93: الحزن الجديد يقوي الحزن القديم. وقد قال الشاعر القديم:
فقلت له: إن الأسى يبعث الأسى فدعني فهذا كله قبر مالك
وقال أمير الشعراء أحمد شوقي:
فإن يك البين يا ابن الطلح فرقنا إن المصائف يجمعن المصائب
وفي روح المعاني 13/39:
ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ولكن نكاء القرح بالقرح أوجع.
[32] – هذا النمط هو الجموح bogty temperment، وذلك باصطلاح علماء الطباع، ولكن لاشتراك لفظ الجموح مع المعنى اللغوي الذي مفاده السرعة والاندفاع، ولذلك رأى السيد الجميلي أن يسميه عند الأنبياء وغيرهم بالطبع المثالي.
[33] – وكانت النتيجة: أن عصى الإثنان ربهما وأكلا من الشجرة. قال تعالى: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ 22 [الأعراف].
[34] – تأمل قوله: لئن بسطت إلي ، حكاية عن قابيل، ويرد عليه هابيل: ما أنا بباسط يدي... والفرق البلاغي ظاهر الوضوح. قال العلماء: إثمي: إثم قتلي، وإثمك: لعدم صبرك علي. قال الزمخشري: كان هابيل أقوى من قابيل القاتل، لكنه تحرج من قتله خوفاً من الله الكشاف 1/485. وقال أبو حيان: أراد أن يقتل مظلوماً لا ظالماً من البحر. المحيط 3/463.
[35] – راجع التفسير الكبير للإمام الرازي 24/190 وما بعدها، وانظر ما قاله ابن عباس عن بلقيس: قالت لقومها: إن قبل سليمان الهدية فقاتلوه، فهو ملك يريد الدنيا، وإن رفضها فهو نبي صادق فاتبعوه ابن كثير في مختصره 2/671 وتفسيره 3/361. وقال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها بتصرف من القرطبي 13/194.
[36] – وقد بسط الإمام الألوسي قصة توليها المملكة وتنصيبها ملكة، وذكر أيضاً ـ كما نقل عن آخرين ـ أن أمها كانت جنية راجع روح المعاني 19/188 بتصرف .
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.64 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]