عرض مشاركة واحدة
  #1263  
قديم 10-12-2013, 08:43 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

تأملات في سورة تبارك

أ.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
نقف هنا أمام أول أربع آيــات من ســورة الملك و هي آيات تـسوق الأدلة والبراهين العقلية و العلمية و المنطقية بـما نراه من حولنا أنه لا إله إلا الله...
حقيقة ناصعة و ظاهرة جاءت بالكلمات والمعاني والآفاق التي لا يقدر على سبر أغوارهـا أهل الأرض و لو اجتمعوا لهـا... يقول الحق: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير،الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمـلا وهـو العزيز الغفور، الذي خلق سبع سموات طباقـا مـا ترى في خلق الرحمن من تفـاوت فارجع البصر هل ترى من فــطور، ثم ارجع البصـر كرتين ينقلب إليك البصـر خـاسـئا و هو حــسـير.
أول مــا تبدأ به هذه الآيات هو أن هذا الكون بمـا فيه و من فيه هو ملك لله الواحد الأحد... ثم إن إدارة هذا الملك له وحده... و كمـا أن كل سـيارة أو باخرة أو طـائرة لهـا مـالك مسئول عنهـا و قائم على قيادتهـا و تسييرهـا... فكذلك هذا الكون المترامي الأطراف و المتـسع اتساعاً لا نهائياً و مـا فيه من بلايين المجرات والنجوم و الكواكب التي تسير في أفلاك محددة لا تخرج عنها... و من مخلوقات و أرزاق و رياح و سحاب يسير كل منها بقدر محسوب و منتظم.. يعلن سبحانه أنه هو وحده مالك هذا كله و القائم عليه و بيده تسير أموره و أن كل هذا الانتظام في الخلق و الدقة في تسيير هذا الكون تتم بإرادته... فهو الخالق الواحد الأحد مالك الملك... و قد جاءت هذه الآية في البداية بهذا القول الجامع لتؤكد هذه الحقيقة الناصعة الآخذة في الحق...
" تبارك الذي بيده الملك "... نعم .. تباركت يا ربنـا و تعاليت... فكم تعطلت السيارة وكم جنحت الباخرة و كم تحطمت الطائرة.. و لكن ملكك على اتساعه و لا نهائيته لا يتعطل و لا يجنح و لا يتحطم... فكل شيء يسير بانتظام و امتثال و التزام لأن له مالك قدير وعزيز وعظيم قائم عليه و مهيمن على أدائه يعلن عن نفسه بهذه الكلمات المحددة في خاتم كتبه... فمن ينظر إلى الأرض بجمالهـا و امتدادهـا و اتساعهـا ودورانها... وإلى الشمس واحتراقها و جريها و ضيائهـا...و إلى النجوم و البروج والمجرات وحـارات الكون اللانهـائية... يجد الالتزام و الانتظام في كل هذا الكون... يشعر حقا أنه أمـام مـالك عظيم واحد أحد لا يسير كل هذا إلا بعظمته و رحمته و قدرته التي لا تحدها حدود... وحتى لا يضل العقل البشرى في عصرنا هذا الذي تتكشف بعلومه بعض الأسرار و نحاول أن نضع نظريات طائشة دون إثبات جاء هذا الإعلان في سر هذا الانتظام بهذا القول القرآني الشامل و المعجز و البديع..
تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير...
إنهـا حقـاً آيات تعبر عن مدى حب الله لبشره و خلقه حتى يجعلهم يباركونه بآياته وهو المانح لكل بركة و كل نعمة... و لكن هكذا يعطى الخالق المثل الأعلى لخلقه فيعطيهم هذا القول الجدير به كي يتلونه في كل وقت و حين تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير. ... فهل يسع أحد يرى هذه القدرة التي وسعت كل شيء رحمة و علماً و قدرةً إلا أن يبارك الخالق بهذا القول آلاف و ملايين المرات
ثم نأتي إلى الآية التالية و تضع هذه الآية حقيقة أخرى عن حكمة الحياة و الموت بقوله سبحانه و تعالى الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا... هكذا تأتى الآية الثانية بـأن الموت و الحياة ليسـا إلا مراحل من حلقات الوجود الإنساني... قدرها مانح الحياة و مقدر الموت بمشيـئته... والهدف منهـا هو الحساب على مـا يقدمه الإنسان من أعمـال.. فتسجل له أو تسجل عليه... و إن الحياة مرحلة تنقضي لاختبار هذا المخلوق الذي ميزه خالقه بنعمـة العقل، و صورة في أحسن صورة، و أنعم عليه بالسمع و البصر و الفؤاد، و أسبغ عليه كل النعم، و سخر له هذا الملك و الملكوت... فهل يقابل الإنسان كل هذا الإحسان بالإحسان... فيستحق مـا أعده له الله من نعم أخرى في حياة ممتدة كامتداد هذا الكون اللانهائي... هذه هي حكمة الحياة على الأرض جـاءت بآيــات الكتاب في أنصع و أكمل نص لتضع ردا على حيرة الإنسان عندمـا يفكر عن أسرار الحياة و الموت... جاءت بهذا النص الكامل بكلمة فريدة ليبلوكم... فليست الحياة إلا بلاء من مانح الحياة ومقدر الموت و ابتلاء لخليفة الله على الأرض... إنه نص كامل من كلمة واحدة تضع نهـاية لتيه الفلاسفة و ضلال المارقيــن عن معنى وهدف الحياة... لقد صاغت هذه الآيـة معاني كثيرة في سهولة و يسر و إعجاز... ولا مجـال للاسترسال هنا بما أدركه من العلوم الهندسية التي أعي منهـا قدراً محدوداً.. و لكن علمـاء الفلسفة يمكن أن يضيفوا بما يعرفونه من نظريات الكثير على ما في هذه الكلمات من إعجـاز عن فلسفة الحياة التي أوردتهـا الآية بأنها مرحلة من مراحل لوجود الإنسان... و جـاء الموت في الآية الكريمة مؤكداً للحياة و متقدما عليهـا، لأن كل منها مرحلة من مراحل تكمل بعضها البعض في دائرة مغلقة لخالق قدير... يخرج ألحى من الميت و يخرج الميت من الحي.. ثم جاءت بهدفـاً سـامياً للحياة يستطيع أن يعيه كل البشـر... و هو السبق في أداء صـالح الأعمـال، و أن يرفعوا شعار الإحسان حتى يتحقق لهم اجتياز اختبار المرحلة الأولى أو الحياة التي نعرفها إلى مرحلة الموت ثم إلى الحياة مرة أخرى... و هكذا يجب أن تـكون حياة المسلم و حياة البشر في الخير ومن أجل الخير... فهل جاءت فلسفة بمثل هذا.. إنه الكمال و الإبداع في الحكمة من خلق الإنسان جاء بها القرآن استكمالا لكمال هذا الكون بجماله و إبداعه حين تصير لوحة الوجود مكتملة للخالق المصور الرحمن الواحد الأحد... لوحة يعمها الانسجام و التجانس و الرحمة في آن واحد.
ثم نأتي إلى الآية التالية في تسلسل هذه الآيات... و قد جـاءت تستكمل الأدلة و البراهين على وحدانية الله عز وجل، و على رحمته في إظهـار هذه الأدلة أمام كل من له عقل أو بصر، فيقول الحق الذيخلق سبع سموات طباقا، مـا ترى في خلق الرحمن من تفاوت.. إن من يتعمق ببصره في بناء هذا الكون و ينظر إلى السماء الممتدة فوقه، يجد التطابق و التمـاثل سمة كل شيء، و عندمـا نتوقف عند الرقم 7 في الآية الكريمة نرى أن هذا الرقم يفيد التعداد التكراري في دورات لا تنتهي كمـا اعتاد العرب أن يستخدموه... كما نراهم في استخدام هذا الرقم في تكرار أيام الأسبوع التي تتكرر في دورات لا تنتهي كل منهـا سبعة أيام... وهكذا استخدم القرآن هذا الرقم في تعداد السماوات التي تتكرر دوراتها و أعدادهـا و مجراتها و بروجها و نجومها مئات و ملايين و مليارات المرات... و في صور مختلفة ومتعددة و مجموعات قطبية و نجمية و مجرات و حارات و نظم متعددة لا نعلم منها إلا القليل و لم تصل علومنا و أبصـارنـا لفهمـا بعد و لكن جـاء ذكرهـا في كتاب الله بهذا القول الشامل و الجامع... الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا...و كما أن الأعداد عند العرب كانت تقف عند الألف، فلا يوجد رقم معجز يتسع لأعداد بالمليارات سوى هذا الرقم التكراري اللانهائي ... و في كل مجموعة نجمية نجد نجم يدور حوله مجموعة من الكواكب، و كل نجم هو كرة هـائلة من الهيدروجين تحترق في اندماج نووي لتخرج لنا هذا الضوء الذي تبعثه إلينا كما تبعث الشمس الضوء و الحرارة، و كل نجم له دورات، و كل مجموعة من النجوم تشترك في مجرة هـائلة الحجم تدور فيهـا النجوم حول مركز للمجرة، و تدور المجرات نفسهـا في حـارات كونية هـائلة الامتداد حول مركز للكون بأبعـاد لا يتخيلهـا عقل و تتحرك بسرعة هائلة كأنها تندفع إلى مصير و نهاية لا يعلمها إلا خالقهـا الذي يحدثنا سبحانه و تعالى عنها بأحكم و أكمل الكلمات... و كل هذه الكواكب و النجوم و المجرات... بل كل حـارات الكون التي يصل عددهـا كما ذكرنا إلى بلايين و بلايين تدور أيضـا و تتكرر و تتطابق جميعهـا في مـادتهـا و أشكالهـا و أطوارهـا و أعمارهـا و القوانين السارية عليهـا و التي تـطيعهـا و تلتزم بالمثول أمامهـا، كواكب تتطابق في مادتها و نشأتها و دورانها حول بعضها و حول نجم محدد لكل مجموعة منها...و نجوم تتطابق في مادتها و نشأتها و حياتها و موتها و حركتها و التفافها و إشعاعهـا و في مجرات كل منها ما تدور حوله و معه و إليه و عنه... و مجرات تتطابق و حارات تتطابق في دورات لا تنتهي، وتتكرر و تتكرر هذه الدورات حتى يصل أعداد كل منهـا إلى بلايين و بلايين، كل هذه المعاني نستشفها في هذه الإشـارة القرآنية المعجزة بقول الحق دون إسراف يتعب الأولين و الآخرين أو يصعب فهمه و إدراكه على أي إنسان مهمـا بلغ علمه من البساطة أو التعقيد... الذي خلق سبع سماوات طباقـاً ... أي إعجـاز هذا و أي إبداع و أي إيجـاز و أي إلمـام بهذا القول كــإعلان شامل و كامل من الله سبحانه وتعالى.
إن مـا أثبتته العلوم الحديثة التي تبنى عليهـا الاختراعات و الأجهزة و المعدات العلمية و الهندسية و الطبية أن جميع المواد و الأجسام التي جاء منها صنع السماوات و الأرض و كل ما حولنـا تتكون من أجسام دقيقة و متناهية في الصغر تسمى الذرات، و أن ذرات جميع المواد متشابهـة في خلقهـا و تكوينهـا و الحركة التي تتم بداخلهـا... إنهـا جميعـا تتكون من نواة في مركز الذرة... و تتركز في هذه النواة كتلة الذرة و شحنتهـا الموجبة.. و تدور حول هذه النواة جسيمـات صغيرة جدا تسمى الإلكترونات و لهـا شحنة سالبة.. و تدور هذه الجسيمات حول نواة الذرة دون أن تلتصق بهـا و كأنهـا تسبح لخالقهـا الرحمن.. و من دوران هذه الجسيمـات حول نواة الذرة يصير للذرة حجمـا و للمـادة وجود... أي لولا دوران هذه الجسيمات داخل الذرة لمـا كان لمـا حولنـا من جبال و مباني حجم أو وجود يذكر و لتحول الجمل بحجمه الضخم إلى مقدار شعرة رأس و تمكن من أن ينفذ بكتلته هذه الهائلة من ثقب المغزل... و كل مـا في هذا الوجود من أقمـار و كواكب و نجوم و شموس و حديد و نحاس و مـاء و هواء و صخور و تلال يتكون من ذرات تستقر هيئتهـا على هذا المنوال الثابت فيهـا جميعـاً و كأنهـا تقوم جميعاً بالتسبيح الواحد المتوحد لجلال الله بنغمة واحدة و نظام واحد و تشكيل واحد، نظمه خالق هذا الكون و ارتضاه أسلوباً لخلقه في التسبيح بعظمته و السجود لجلاله، بلا تفاوت أو اختلاف بين ذرة تراهـا في قاع محيط أو على قمة جبل أو في المريخ أو من الشمس... و لا تجد شيء له وجود في هذا الكون دون أن يأتي بناؤه من ذرات على هذا المنوال و بهذا الأسلوب الواحد في التسبيح... فالكل من خلق إله واحد هو الرحمن و يسبح له بنظام ثابت و تشكيل لا يتغير و لا يتبدل في كل بنيان أو تكوين... و هكذا جاء هذا البرهان على وحدانية و رحمة الله في كتابه بهذه الكلمات السبعة المضيئة و المعجزة.. ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت... حقاً، لا يوجد أي اختلاف في خلق الله، و كل هذا الكون من خلق الله الذي جاء برحمته متوحداً في ناموسه وسننه و قوانينه و أطواره و أشكاله و تكوينه و وحدات بنائه و إعماره و دوراته... يحمل علامة الرحمة التي لا يملكهـا سواه... فهو خلق الرحمن، الذي أوجد هذا التوحد برحمته حتى لا تكد العقول في الإيمان بوحدانيته... و هذه الذرة التي تعد وحدة البناء و إحدى العلامات المميزة لخلق الرحمن تقف دليلاً على رحمته و وحدانيته بالتطابق في كل شيء و التماثل في كل ما حولنا دون وجود أي خلق بوحدة أخرى غير هذه الذرة.
إننـا لو امتدت أبصارنـا إلى المجموعة الشمسية فسنجد أن حجمهـا الهـائل يأتي من دوران مجموعة الكواكب التـابعة لهـا حول الشمس.. و أن كتلة المجموعة الشمسية تتركز أسـاسـاً في الشمس... و لهذا تنجذب هذه الكواكب في دورانهـا إلى الشمس تمـامـا مثل مـا تتركز كتلة الذرة في نواتهـا و تنجذب الإلكترونات في دورانهـا إلى النواة... هكذا تتمـاثل المجموعة الشمسية و كل المجموعات النجمية التي جاء منها بناء السماء مع أي ذرة في هذا الكون و التي جـاء منهـا بناء كل مـا نراه كما جاء منهـا بناء النجوم و الكواكب و كل ما نراه من جبال و محيطات و أجسام أيضـا..
فـلولا التفاف الكواكب حول نجومها و الـتـفاف النجوم حول مركز المجرة لما كان للكون أيضـاً هذه الأبعاد الهـائلة... ثم نرى أن كل مـا يسرى على أفلاك الكواكب حول الشمس من قوانين و علاقات يسرى أيضـاً على أفلاك الإلكترونات حول النواة... إنهـا قوانين و سنن سنهـا خـالق واحد برحمته كي يدلنـا على وحدانيته.. يخضع لهـا كل شيء دون تفاوت مهمـا كان حجمه متناهيا في الصغر أو موغلا في الكبر.. فالكل من خلقه و الكل خـاضع لمشيئته... و الكل يسعى برحمته.
و إذا رجعنـا بالبصر مرة أخرى فسنجد أن جميع الأجسام و الأشياء من حولنـا تتشكل من عدد محدود من ذرات عناصر كيميائيه تمكن العلمـاء من حصرهـا فيما لا يزيد عـن مـائة و عشرون عنصر.. و قد وجد أن جميع الذرات في هذا الكون الممتد تتشابه في تركيبها و تكوينها و مكوناتها و حركتها و قوانينها و أفلاكهـا و نشاطها و خمولها، و لكن تختلف في عدد جسيمات داخل نواة هذه الذرات تسمى البروتونات، ويستتبعها أعداد جسيمات أخرى مرتبطة بأعداد هذه البروتونات تسمى النيوترونات و الإلكترونات.. وبهذا الاختلاف تتغير الصفات عنصر عن عنصر آخر.. و لكن ذرة الهيدروجين على الأرض و في الشمس و في القمر و في كل النجوم لها نفس التركيب و نفس الأعداد للجسيمات داخل ذرتهـا و كذلك جميع العناصر الأخرى و التي تم حصرها في بضع و مائة عنصر... و قد وجد العلماء انه بترتيب هذه الذرات بحسب أعداد البروتونات فى نواة كل عنصر في دورات سباعية ( أو سبعة مجموعات )... فإن خصائص عناصر كل مجموعة تتكرر و تتماثل في صورة دورية...حيث تتشابه توزيع إلكترونات هذه الذرات في أفلاكهـا حول النواة و تتشابه أيضاً عناصر كل مجموعة من هذه المجموعات في طرق اتحادهاً بالعناصر الأخرى و حالتهـا في كل درجة حرارة و نشاطهـاً و ارتباطهاً و الخواص الطبيعية و الكيميائية لهذه العناصر.. إنهـا مرتبة و معدة بيد خـالق رحيم في هذه المجموعات السبعة... ألا يحمل هذا الرقم الذي حدده الخالق عددا لمراحل خلقه ثم جعله في كل الأجناس و الأزمان و الأديان عددا لأيام الأسبوع ثم وضعه في كتابه رمزاً لتعدد سماواته سراً لوحدانيته... لقد وجدنا بعد ترتيب العناصر بهذا الأسلوب الالتزام الكامل لكل منهـا حسب قوانين ثابتة تخضع لهـا جميعـهاً دون اختلاف أو تفـاوت.. و بهذه القوانين التي سنهـا الخـالق تتحد و تتآلف الذرات من مختلف العناصر بطرق ثابتة و محددة لتكون آلاف المركبات التي تملأ السماوات و الأرض... فصخور القمر و رمـال الأرض و غـازات الشمس و كواكب مثل الزهرة و المريخ و عطارد كلهـا جميعـا جـاءت من هذه العنـاصر المحددة و بطرق ثابتة دون تفـاوت.. فالكل من خلق إله واحد هو الرحمن... و الكل يقيم بنائه و وجوده بالتسبيح لخالقه الرحمن بلغة موحدة و بتسبيح محدد... سبحانه و تعالى.. و لو توقف تسبيحهـا أو حركتها التي تجعل لها حجماً و وجوداً لانهـارت السماوات و الأرض.. و يحضرنا في هذا السياق أن نتذكر هذه الآية من سورة الإسراء حيث يقول الحق تسبح له السماوات السبع و الأرض و من فيهن و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا.
و كما تتراص هذه الذرات بأعداد محدودة لتكون المركبات الغير عضوية مثل الصخور و الرمال و الجبال و المياه... فإنهـا تتراص أيضـاً و بصورة موحدة أيضا لتكون المركبات العضوية أو التي تكون الأعضاء التي نراهـا في كل كائن حي... و مـا يبهر حقاً أنك ترى أن أي مركب من هذه المركبات يتكون من ملايين من الذرات و قد تراصت و ترتبت بترتيب ثابت دون اختلاف بإعجـاز و إبداع.... إنهـا حقـا تدل كل من له عقل أن بناؤهـا قد تم بيد إله واحد و خالق واحد.. هو الرحمن
إن أصغر و أدق كائن حي هو الخلية الحية... و كمـا أن الذرة بشكلهـا الثابت الذي أرتاه العلماء هي وحدة البناء الأساسية لكل مادة في هذا الكون... كذلك نجد أن الخلية الحية بشكلهـا الذي يراه العلمـاء هي وحدة البناء الأساسية لكل المخلوقات الحية.. شكل واحد بمركبات واحدة و بأنماط و أطوار واحدة لخـالق واحد، هو الرحمن... هذه الذرات التي ينشأ منهـا مركبات الطين و التراب في الأرض هي التي تراصت في سلاسل كيميائية بارعة و باهرة الخلق و الصنع لتبنى تكوينا و خلقـا آخر يشابه أيضـا الذرة أو وحدة البـناء الأولى من حيث الشكل العـام... كما في وسط الذرة نواة تحدد بأعداد بروتوناتها صفات كل ذرة أو كل عنصر... نجد في وسط الخلية نواة تتحدد بأعداد جسيماتها صفات الخلية و المهـام و الوظـائف لكل منها... و تتكون الخلية من مركبات تسمى الأحماض النووية و كلهـا جـاءت من ذرات العناصر المعروفة و بترتيب معجز و ثابت في كل مخلوقات الله عليها خاتم الصانع الذي سمي خلقه بهذا الاسم "خلق الرحمن".. و تسبح هذه النواة في وسط سـائل هلامي يحيط بهـا و يدور حولهـا و ينفذ مـا تمليه عليه النواة من مهـام... و يتكون هذا الوسط أيضـا من جزيئات عملاقة يصل تعداد ذراتهـا إلى الملايين و البلايين التي تراصت أيضـا بترتيب ثابت و معجز في جميع الخلايـا الحية و يطلق عليهـا اسم الأحماض الامينية... و في هذه الأحمـاض المكونة التي جـاءت من الطين توهب الحياة... كيف ؟ و مـا هي مـادة هذهالعلمـاء.تي وهبهـا الخـالق لهـا جميعـا لتحي جميعهـا بصورة واحدة ؟ هنـا يعجز العلم و العلمـاء.. و ليس أمامهم إلا أن يؤمنوا و يقروا بمـا جـاء بإعلان الخـالق سبحـانه بهذه الكلمـات المعجزة في قرآنه الكريم ماترى في خلق الرحمن من تفاوت... إنه الرحمة و خلق الرحمن
إن تماثل وحدة البـنـاء في كل المخلوقات الحية دليل قائم على وحدانية الله و رحمته... و كما أن ذرة كل عنصر تتماثل مع عناصر الذرات الأخرى في التركيب و التشكيل و القوانين و الحركات و الأفلاك و تختلف من عنصر إلى آخر في عدد تلك الجسيمات داخل نواة الذرة و التي تسمى البروتونات... كذلك نجد أن كل الخلايا الحية تتحد في أشكالها و قوانينها و تنفسها و إخراجها و غذائها و موتها و حياتها و تكاثرها.. و تختلف أيضا في أعداد جسيمات داخل النواة و تسمى الكروموسومات... و تتماثل أعداد هذه الكر وموسومات في كل مخلوق حي... فخلية الإنسان بها 46 كروموزوم، و القطة بها 24 و الفأر بها 28، و هكذا لكل مخلوق حي... و يتكون كل كروم وزم من مئات آلاف الجينات... وتتماثل هذه الجينات أو الشفرات حيث تحمل الصفات الوراثية و السجل لجميع الوظائف و المهام لكل إنسان و لكل عضو أو نسيج أو خلية بالتحديد...و بحسب كلام العلماء فإنه مطلوب لتسجيل شفرات الخلية الواحدة عدة ملايين من الصفحات، و هذا في اعتقادهم سوف يستغرق عدة أجيال لاكتشاف أسراره.. إذا لم يخيب ظنهم
شكل افتراضي لذرة وتدور حولها الإلكترونات
و عندما تتراص هذه الخلايا بجانب بعضهـا بترتيب خـالقهـا تـنشأ الأنسجة الحية.. و تتراص هذه الأنسجة لتكون أعضاء المخلوقات الحية... و من مجموع هذه الأعضـاء تأتى جميع المخلوقات الحية... و يمكن أن تحيى الخلية الحية منفردة في هذا الكون كما يمكن أن تحيى أعظم المخلوقات الحية مثل الإنسان أو الأسد... فكلاهمـا يقوم بنفس الوظائف الحيوية من غذاء و تنفس و إخراج و تكاثر و إحساس... خالق واحد يعدد مخلوقاته من وحدة واحدة و بأسلوب موحد بإبداع و قدرة ورحمة حتى نهتدي إليه و نسبح قائلين و معلنين و مؤذنين لا إله إلا الله... الرحمن.
و لو نظرنا إلى المخلوقات الحية التي تسير و تتحرك و يطلق عليهـا العلمـاء المملكة الحيوانية و من أعضـائهـا الإنسان.. سنجد أنهـا أيضا تتكون من نفس الأنسجة و الأجهزة و الأعضاء الثابتة و المتشابهة في تكوينها و تركيبها... و تتمـاثل أيضا في وظـائفهـا و بنائهـا و تناسقهـا، و لنقف أمام بعض الأجهزة في أجسام المملكة الحيوانية... فنرى كل جهاز يتكون من مجموعة من الأنسجة المتشابهة في كل أعضاء المملكة... و لو قمنا بفحص مجهري لأنسجة معدة الإنسان نجدها تتشابه مع الأنسجة في معدة القط و الفأر و كذلك أمعاء الفيل مع أمعاء الأرنب... و لو نظرنا في كل أعضاء المملكة الحيوانية و نرى أن لها جميعاً الجهاز الهضمي الذي يحول ما نـتـناوله إلى غذاء يمكن امتصاصه في خلايا الجسم و إلى الجهاز التنفسي و هو يستخدم الهواء الجوى ليمد الجسم بالأكسيجين اللازم لاحتراق الغذاء داخل خلايا الجسم فيحصل الجسم و خلاياه على الطاقة اللازمة للدفء و الحركة... و الجهاز الدوري و هو يوزع هذا الأكسيجين و الغذاء على خلايا الجسم فيمدها باحتياجاتها... و الجهاز التناسلي الذي يحفظ لمخلوقات الله نوعهـا... و الجهـاز العصبي الذي يتعامل به الجسم مع المؤثرات الخارجية... و الجهـاز السمعي الذي يتعامل به المخلوق مع أفراد أمته... و الجهـاز البصري الذي يدرك به المخلوق ما حوله .. و نرى كيف تستمع كل المخلوقات الأصوات التي لهـا نفس الترددات و ترى بالضوء الذي له نفس أطوال الموجـات وتميزها بنفس الطريقة و الأسلوب... و كيف تتنفس جميعا نفس الأكسيجين الموجود في الهواء... و كمـا أن لكل أعضاء المملكة الحيوانية نفس الأنسجة و الوظائف نجد أنهـا أيضـا لهـا نفس الأعضـاء... فالكل له رأس و أقدام و يدان.. و بالرأس فم و أنف و عينان و مخ بفصوصه و تكوينه الثابت... و الكل له بطن و صدر و أعضاء تناسلية و جلد... و في الطير تتحول اليدان إلى جناحان و تتحول في الأسماك إلى زعانف.. إنهـا جميعـا خلق واحد لإله واحد أنشأ خلقه كله بناموس واحد.. بلا تفاوت.. فكانت رحمته الثابتة في كل شيء.. و كمـا يتميز كل صـانع بصفة ثابتة تجدهـا في صنعته.. فكذلك يتميز خلق الله بالرحمة و الوحدانية التي تجدهـا في كل شيء.. خلقـا واحدا يشيع فيه رحمة ثابتة من خلية واحدة بتكوين ثابت و أنسجة واحدة وأجهزة واحدة و أعضاء واحدة جاءت كلها بصناعة يد رحيمة واحدة
إن اتحـاد و تآلف الذرات جميعـا لتكوين هذه المركبات و الأحماض رحمة.. و اتحـاد الخلايا لتكون هذه الأنسجة التي تحقق الحياة الكاملة و البقاء المستقل رحمة.. و البصر رحمة و السمع رحمة و الأبوة رحمة و الأمومة رحمة و البنوة لرحمة و الماء رحمة و الهواء رحمة و القرآن رحمة و كل ما حولنـا رحمة ومن خلق الرحمن و لن يسعنـا في تعداد رحمة الله التي جاءت بسنة واحدة تأكيدا لوحدانيته كل مجلدات الأرض كي نعطى هذه الآية الكريمة حقها مما أفاض لله به على البشرية من رؤى و علوم.
إنـنـا لو تجولنـا بأبصـارنـا مرة أخرى إلى تلك المخلوقات التي يكسوهـا الله باللون الأخضر و تسمى بالمـمـلكة النباتية فسنجد أنهـا جاءت أيضـا جميعهـا برحمة الله لتؤدى دوراً مطلوبا لحياة أعضـاء المملكة الحيوانية و بقائهـا... فقد جـاء خلق المملكة النبـاتية بنفس وحدة البنـاء التي تقيم المملكة الحيوانية و هي الخلية الحية بنفس التركيب و الأحمـاض.. ثم تميزت هذه المملكة بالأوراق الخضراء التي تقوم بأهم عملية لبقـاء النبات و الحيوان معـا.. حيث تعد هذه الأوراق الخضراء غذاء كل الأحياء من الهواء و المـاء و ضوء الشمس و ما تمتصه الجذور من مركبات الأرض و طينهـا
إن النبات يمتص غـاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من تنفس الحيوان و يخرج له مرة أخرى غـاز الأكسيجين الذي يحتاجه الحيوان أو الإنسان ليحترق به الغذاء داخل جسمه مرة أخرى... هكذا يعيش هذا على هذا و كلاهمـا بنفس التركيب... ثم يوفر النبات للإنسان أو الحيوان بغاز ثاني أكسيد الكربون و ضوء الشمس ما يحتاجه من طاقة يتحركون و يستمتعون بهـا.. إنه التكامل و الترابط و توزيع الأدوار بيد الله الخـالق الواحد دون تفـاوت.. إن تكامل المملكة النباتية و الحيوانية و تشابكهـا و تآلفهـا دليل أنهـا حقـا جـاءت من إله واحد أو أنهـا جميعـا خلق الرحمن
ثم لهـارنـا مرة أخرى إلى أعضاء المملكة النباتية فسنجد أن جميع النباتات مع اختلاف أشكالهـا و أطوالهـا و مذاقهـا و يصل عددهـا إلى ملايين الأنواع و الأشكال و الأصناف تتكون جميعهـا من جذور تمتص مـاء واحد و مـا يذيبه هذا المـاء من مركبات الأرض... ثم لهـا سيقان و أوراق خضراء تقوم جميعهـا بنفس الوظـائف .. المـاء واحد و اللون واحد و الوظائف واحدة.. كلهـا جـاءت لتتفق مع إعلان الخالق في خاتم كتبه ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت
هكذا نرى أيضـا أن كل مـا حولنـا من ظواهر طبيعية و حركات و سكنات تخضع جميعـاً لقوانين ثـابتة يكتشف منهـا العلمـاء شيئـاً جديداً في كل يوم.. إن خضوعهـاً و التزامهـا جميعاً بهذه القوانين التي وضعهـا الخالق سبحـانه و تعـالى ينشأ منهـا هذا الانتظام الكامل في الكون رغم امتداده اللانهائي زمناً و وجوداً... وهذا هو أعمق دليل على وحدانية الله و رحمته
إن من يتعمق في القوانين الطبيعية التي نكتشفهـا يجد أن كل شيء مهما كان حجمه أو وزنه يخضع لهـذه القوانين بكل التزام... فلا يسعـنا إلا أن نقر برحمة الخالق بنـا و في كل خلقه.. قانون الغـازات المثالية الذي يخضع له كل الغـازات على اختلافهـا و ألوانهـا و أشكالهـا و أوزانهـا، بل و كل مواد الأرض، فمـا من مـادة إلا و يمكن أن تجدهـا في الحـالة الغازية التي تخضع لهذا القانون... من الذي أخضع كل شيء لقانون واحد ثابت لا يخضع لقياساتنـا و لكنه ثابت أمام كل طرق القياسات.. إنجليزية أو فرنسية أو عالمية... و الثلاثة أوجه التي تجد عليهـا المواد هي في كل خواصهـا عندمـا تكون غـازية أو سائلة أو صلبة.. فالحديد الصلب كالثلج الصلب و النيتروجين الصلب و عندما ينصهر الحديد تجده سائلا مثل الماء و مثل النيتروجين سائلاً... و عندما يتحول الحديد إلى أبخرة تجد له نفس خواص بخار الماء و النيتروجين و تسرى عليهـا نفس القوانين... و قوانين الحركة التي تخضع لهـا كل حركات و سكنات كل الأشياء في هذا الكون من حولنـا.. كرة المضرب و الكرة الأرضية... الذرة في المفاعل النووي و الذرة في باطن الشمس... الـطائرة و الطـائر... السمكة و الباخرة... الإلكترون حول النواة و الأرض حول الشمس... قوانين انتقال الحرارة و الطاقة و المـادة و كمية الحركة التي تتمـاثل جميعـاً و يخضع لهـا كل تغير يحدث في هذا الكون.. وإذا مـا كتبت هذه القوانين بالصورة التي لا تخضع لمـا يضعه البشر من أوزان و أطوال.. تجدهـا سـارية على كل الظواهر و التغيرات في كل الكون و مـا يسرى به أو عليه...و يطلق العلمـاء على القوانين التي تستنتج بهذه الكيفية قوانين التمـاثل و تنشأ من ظـاهرة التمـاثل بين كل شيء و في كل شيء و أن كل شيء في هذا الكون محكومـاً بلا تفاوت... فما يجده العلماء في أنبوبة صغيرة يماثل مـا يحدث في أكبر الأنهـار... و مـا يجدونه في معمل صغير يمـاثل مـا يحدث في الكون الممتد، و ما يحدث في ذرة صغيرة يماثل ما يحدث في أعتى المجموعات الكونية... الترابط و الانسجام و الوحدة الكاملة بين كل حلقات هذا الكون الممتد بلا تفاوت حقيقة ماثلة يراهـا البسطاء و العلمـاء برحمة الله و هدايته
... ثم أن العلوم الحديثة قد اكتشفت قانون بقاء الطاقة ثم قانون بقاء المادة ثم جـاءت النظرية النسبية لتقول أن المـادة و الطـاقة جـاءتا من جوهر واحد لهمـا نفس الطبيعة... فالمـادة طور من أطوار الوجود لا يعلم نهـايتهـا و بدايتها إلا الله الذي يدبر بقائها برحمته و بدون تفاوت
و كمـا ذكرنـا فيما سبق أن وحدة بناء كل هذا الكون هي الذرة و وحدة بناء كل الأحياء هي الخلية الحية.. و لكن من في هذا الكون يستطيع أن يخلق ذرة رغم صغر حجمهـا.. يتحرك فيهـا عالم من الإلكترونات و النيوترونات و البروتونات دون توقف أو تداخل في الاختصاصات.. و لو توقفت أو تداخلت لكان انهياراً للكون بقوانينه و أحجامه و وجوده... أو من يستطيع أن يخلق خلية من هذه الذرات رغم معرفتنـا بتركيبهـا و أن يهب لخلية واحدة القدرة على أن تحيى و تتحرك و تتنفس و تتكاثر و تخرج و تؤدى مهام لها و لجيرانها..
إنه إعجـاز خـالق وصف خلقه بأنه خلق الرحمن... و الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى اختص به نفسه و لم يطلق على أحد سواه.. فكل هذا من صنع خالق نسج برحمته و قدرته كل هذا الخلق و كل هذا الكون من نفس اللبنات و بنفس الوحدات... فجـاء هذا التوافق و الانسجام و الترابط و الالتحام... هذه الوحدة التي تدل على وحدانيته برحمته و بالفطرة التي فطرنا عليها... ثم جاء رسوله بالهدى و هذا النور الكامل و الشامل يضيء لنـا برحمته الهداية إلى وحدانيته حتى نشهد أنه لا إله إلا هــو سبحـانه و تعالى رحمة منه و فضلا به و له.
لقد أمرنا الخالق في الآية الثالثة أن نرجع البصر... لنرى هل هناك فبما نراه حولنا ما يدل أن هناك خالق غير الله... أم أن هذا الكون كله جاء بيد واحدة دون أي اختلاف كما ذكرنا ثم نأتي إلى الآية الرابعة في تسلسل هذه الآيات حيث يأمرنـا الله عز و جل بأن تمتد أبصـارنـا إلى أقصى مـا ندركه فيمـا حولنـا.. بدءا من أقرب أو أصغر الأشياء و انتهاء بأبعدهـا أو أكبرهـا... و إذا مـا ابتدأنـا بما يمكن أن نعيه بأبصارنا و هو الجبال و رأينا قدرة الله في تثبيتها في الأرض ارتفاعهـا رغم كل ما يقيمه البشر من عمارات ينهار.. ثم تجولنا إلى الأصغر فالأصغر حتى نصل إلى الذرة و هي أصغر الأشياء... فسنجد مداركنـا و أبصـارنـا تعجز حقاً عن أن تصل إلى مـا يحدث فيهـا وما يدور في أفلاكهـا، و كل مـا نقوله عنهـا هو محض افتراضات يؤيدهـا النتائج و ليس المشاهدات.. و هكذا نقر بأن أبصارنـا تنحسر عن تعدي حدود حددهـا الله لنـا حتى في هذه الأشياء التي تتكون منهـا أجسامنا و كل مـا حولنـا، و لكن تبنى نظرياتنا على ما نفترضه فيها من أجسام و أشكال و تحركات و طاقات و انبعاثات، و لا يمكن لأعظم مجهر أن يتغلغل داخل الذرة كي نرى بأبصارنا ما تؤكده نظرياتنا و تعتمد عليه كل علومنا... هكذا تعتمد العلوم على عدم رؤية لأساس هذه العلوم... ألا يكون هذا واعظاً لمن ينكرون وجود الله لأنهم لا يرونه رغم اعتماد كل العلوم على ما لا ترى... هكذا اقتضت حكمة الله أن تكون لأبصارنا حدودا تنحسر دونها في هذا الكون القائم بحكمته كما جاءت في الآية الرابعة.
ثم ارجع البصر كرتين، ينقلب إليك البصر خـاسئا و هو حسير..... ثم تعالوا ننفذ أمر الله و تمتد أبصارنا لما هو أكبر من الجبل... إلى هذا الكون الذي يمتد إلى مـا لا نهـاية لـه زمـانـا و مكـانـا... فهـل تستطيع أبصـارنـا و مداركنا أن تدرك هذا الكون أو مـا ليس له حــدود... لقد خلقنا الله بأبعاد محددة و أعمـار محدده.. فهل يمكن أن يدرك المحدود اللامحدود ... هنا يأتي اعترافنا بالعجز و الانحسار... أي ينحسر بصرنا عن تعدى الحدود التي حددهـا الخـالق بعداً كما انحسرت قرباًَ... لقد أثبتت العلوم الحديثة أن هناك نـجومـاً في السمـاء على بعد من الأرض يبلغ آلاف ملايين السنين الضوئية.. و السنة الضوئية تمثل أبعـاداً و مسافات.. معنى هذا أن الضوء الذي نرى به هذه النجوم قد أرسلته إلينـا منذ هذه السنين التي لا تعد و أخذ الضوء كل هذه الدهور السحيقة حتى يقطع هذه المسافات الفاصلة و يصل إلينـا... أي أن هذا النجم كان موجودا هناك قبل خلق الأرض و مـا عليها و من عليهـا منذ بلايين السنين.. هل تستطيع حقـا عقولنـا أن تستوعب هذه الأبعاد مكانـا و أزمنة... ثم هل لهذا الكون غلافا يغلفه... أو أنه كون مفتوح حتى المالا نهاية.. و كيف تكون هذه المالا نهاية... لا قدرة لعقولنا على استيعاب هذه الأبعاد و لا قدرة لأبصارنا رغم وجود اعتي التلسكوبات أن ترى حتى هذه الأبعاد... و هكذا تأتى الآية الرابعة لتعيد الإنسان إلى معرفة قصوره و عجزه بقول الحق
" ثم ارجع البصر كرتين، ينقلب إليك البصر خـاسئا و هو حسير "... هذا هو الإنسان.. محدود في رؤيـاه صغراً أو كبراً... و محدود في مداركه... بعداً أو قربـاً... زمنـاً أو مكـانـاً... فلا مجـال لغروره عندما يعلن أنه اكتشف مـا اكتشف.. و لكن عليه دائمـاً أن يقر أنه إذا مـا تطـاول في أي مجـال، فإنه سيرتد ببصره و بنفسه خـاسئا أمام عظمة خلق الرحمن من حوله و هو حسير.. ينحسر و لا يتطاول إلى ما لا قدرة له عليه صغراً و كبراً... لهذا جاء قول الحق كرتين...كرة لما هو أصغر فأصغر حتى يصل إلى تلك البذرة الضئيلة التي بنى علها نظرياته، و كرة إذا ما ذهب إلى الأكبر فالأكبر فيصل إلى الكون الذي لا يتخيل أبعاده... فكيف به يتطاول و يقول " أرنا الله جهرة "... و كان أولى به أن يعلم أنه عاجز ببصره و بصيرته أن يرى أصغر خلق الله ثم هذا الكون الذي خلقه الله و الممتد بعلم الله و قدرته.
و أخيرا و قد وقفنـا أمـام أربع آيـات من كتاب الله العزيز الرحيم... و اهتدينـا بمعـانيهـا و أرسلنـا البصر في هذا الكون مرات و مرات لنرى أوجه الإعجـاز التي لا تعد في هندسة الكون و هذا البنـاء و رأينـا كيف حوت هذه الآيات معاني لا تعد و لا تحصى... ثم رأينـا أنه لو اجتمع علمـاء الأرض بمـا عرفوه فلن يستطيعوا يأتوا بأدق و أشمل و أجمل من هذه الكلمات و الآيات التي تعطى البرهان و الحقائق و تهدى إلى الحق و التوحيد دون أن يأتيهـا الباطل في الماضي أو الحـاضر و المستقبل مصداقـا لقول اله عز و جل:
قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا "... " فبأي حديث بعد يؤمنون "
صدق الله العظيم
أفــلا يــؤمنـون
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.37 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]