عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-06-2019, 02:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي طفولتي الفيسبوكية

طفولتي الفيسبوكية (1)
أميرة محمود عبدالله





التسجيلُ وسببُه:
أقبَل أولادي وبعضُ أقاربي على موقع التواصلِ الاجتماعي (الفيس بوك)، وكثُر الحديث في الجلسات الأسريَّة عنه وعن تواصلِهم مع أقاربهم، ووصولهم إلى أصدقاء طفولتهم.

دفَعَني الفضولُ إلى إنشاء حساب؛ لمعرفة ماهيَّته، كنت كالطفل الذي لا يعرفُ كيف يُسجِّلُ نفسه في المدرسة، فأمسَك بيدي أصغرُ أبنائي، وأنشأ لي حسابًا، واخترتُ لنفسي اسمًا مستعارًا وهو (أم سلمة)؛ تيمُّنًا بالصحابيَّة المجاهدة الصابرة، زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، التي عُرِفَتْ بحسن مشورتِها يومَ الحديبية.

أفرادُ أسرتي، وشقيقتي وبناتُها أولُ الأصدقاء بطلبٍ من ابني، ثم بجلسةٍ بسيطة تعلَّمْتُ من ابني بعضَ أبجديَّات الفيس بوك؛ ليصبح بعد ذلك الإضافةَ الجديدة على برنامجي اليومي.


اختيار الأصدقاء:
عملية البحث عن أصدقاءِ تُشبِه عملية البحث عن كنوزٍ ودفائنَ لا بدَّ لها من أدوات مع التحلِّي بالصبر للوصول إلى الهدف، فبمجردِ انتهائي من طباعة اسم ما، ظهرَتْ لي خياراتٌ جعلَتْني أحتارُ في الاختيار! فالأسماءُ التي طالعتني منها الصريحُ وهو المريح، ومنها: المستعارُ والألقابُ، أما صور الغلاف فتنوَّعت كذلك حسب الرَّغَبات والأهواء، والبعضُ أغلَقَ البابَ على نفسه، فلم يظهر لي أكثرُ من اسمه؛ يقولون: (المكتوب يُقرَأُ من عنوانه)؛ فمكان الإقامة، أو الوظيفة، والكتابات الشخصيَّة، والمشاركات، والصور التي ينشرُها لنفسه - كانت وسائلَ مساعدة للترغيب في الاقترابِ وطلب الصداقة، ومن ثَمَّ انتظار الموافقة بالانضمام إلى قائمة الأصدقاء؛ صداقةً تُمكِّنك من الكتابة له، أو رؤية منشوراته.

أكرَمَني الله عز وجل بصديقةٍ تعملُ مربِّية، ومن بيت علمٍ ودين، قَبِلتْ صداقتي سريعًا؛ ظنًّا منها أنني صديقتُها؛ لتشابهِ الأسماء، فكانت صداقتُها غنيمةً وكنزًا ثمينًا، وصلْتُ من خلال نافذتِها إلى نوافذِ الكثيرين من مختلف الأعمار، وفي كافة التخصصات؛ (دين، وعلوم، وأدب، وصحة، وغير ذلك)، كنتُ أقطف من بساتين معرفتهم الكثيرَ، وكانت دافعًا لي للبحثِ والاستزادة.

لم يكن في نيتي الاستمرارُ، لكنَّ بريقَه يخطف الأبصارَ، فخشيتُ على نفسي أن أصاب بالإدمان.
كان لِصَّ أوقاتٍ محبوبًا - والأوقاتُ ثمينة، إن ذهبت فلن تعودَ، وعلينا أن نُحسِنَ استغلالَها، فنعطي كلَّ شيء في حياتنا ما يستحقُّه من الوقت - سرَق مني أوقاتًا كثيرةً كان يعقبُها استغفارٌ وندم، وعَزْمٌ على عدم الإكثار من متابعتِه، وسرعانَ ما أُعاوِدُ الكرَّة؛ لمعرفة من يكون هذا أو ذاك، إلى أن قرَّرْتُ الإقلاعَ عن البحث عن أصدقاء، وتقليب الصفحات إلا للضرورة، ونجحت بفضل الله عز وجل وعونه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزولُ قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن أربع: عن عُمرِه فِيمَ أفناه؟ وعن علمِه ما عمل به؟ وعن مالِه من أين اكتسَبَه؟ وفِيمَ أنفَقَه؟ وعن جسمِه فِيمَ أبلاه؟))؛ رواه الترمذي وصححه، عن أبي بَرزةَ الأَسْلمي.
كيف أعرفُ صديقي على أرض الواقع؟ وماذا أريد من صديق الفيس بوك؟
يقال: إنَّ السفرَ والتعاملَ بالمال والمجاورة تكشفُ معادنَ الناس، أما على هذا العالم الافتراضي فالمنشوراتُ تكشفُ لنا - أحيانًا وليس دائمًا؛ لأن هناك المنشور الجاهز، والنقل من الغيرِ بالقص واللَّصق، أو من الصفحات - عِلمَ أصحابها وأفكارَهم، وتُبيِّن مكانتَهم في المجتمع؛ فيلازمك الصديق بمنشوراته، فيصبح كالجليس الذي تتأثَّرُ بكلامه وأفعاله؛ ففي الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما مثلُ الجليسِ الصالح، والجليس السوء كحاملِ المسك، ونافخِ الكِيرِ، فحاملُ المسك إما أن يحذيَك، وإما أن تَبتاعَ منه، وإما أن تَجِدَ منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يَحْرِقَ ثيابَك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة))؛ متفق عليه.

ما أتمنَّاه من صديقي الافتراضي أن يكون كحامل المسك؛ ينفعُني بعلمه.
أنواع المنشورات:
ما الذي يُنشرُ على الفيس بوك من الأصدقاء والصفحات؟
أصبح لديَّ عددٌ لا بأسَ به من الأصدقاء، ومن كافة الأقطار، وأعجبَتْني بعض الصفحات.

بدأت أتلقَّى منشوراتهم التي تشبه في مضمونها التخصصات الجامعيَّة، بل وزيادة؛ فمِن مهتمٍّ بالدين، أو التاريخ، والأدب، أو العلوم، والطبِّ، والسياسة، والاختراعات - إلى الأشغال اليدويَّة الإبداعيَّة، وفنون الطبخ، وطرق التدبير والتوفير، ودعوات للأفراح، وإعلانٍ عن محاضرة... وغير ذلك الكثير، أعجزُ عن سَرْده، أشبه ما يكون بمجلة شهريَّة متنوعة الأبواب.

بعض المنشورات تُشبِهُ هدايا قيِّمة للمتألِّمين والغافلين.

والكتاباتُ الأدبيَّة تروق لي كثيرًا، مع أنني أصاب بالزَّغْللة أثناء الغوص في المفردات والمعاني، فأعاوِدُ الكرَّة أحيانًا؛ ليتمَّ لي الفهم! أتابعُ بشَغَفٍ كتابةَ إحدى الأديبات لسيرتها الذاتية، فأجدُ نفسي بين فصول سيرتها.

من المنشوراتِ كذلك:
الصورُ بكافة أنواعها؛ تُلتقَطُ وتُنشَرُ في أقلَّ من دقيقة، وبدون تكاليف؛ من ذلك على سبيل المثال:
1- الصورُ الشخصيَّة، وصور المناسبات والأفراح والرحلات، والتي لا تخلو - أحيانًا - من المخالفات الدينيَّة، أو الخروج عن العادات.

2- صورٌ يَلتقطُها المقيمون في أوطانهم، وينشرونها؛ ليراها أهاليهم في الغربة أو المهجر، تُبهِجُ القلوب، وتثير الشوق للأوطان، ويستعيد المغتربُ ذكريات طفولته التي أمضاها بينَ أهلِه وأحبابه، يُحدِّثُ نفسَه مبتسمًا حين يراها: هنا لعبتُ أنا وإخوتي، هذا بيتي، وهذه مدرستي.

3- صورٌ للدَّمار والقَتْل الذي خلَّفَتْه الحروبُ؛ ليراها العالمُ أجمعُ؛ فمن مأساة المحاصرين الذين أكلَ الجوعُ لحمَهم، وأذاب شحمَهم، وأَنْهَك عظامَهم، إلى صور الذين يتعرَّضون للتعذيب بسبب عقيدتهم، لا نملِكُ حيالَها إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


مقاطع الفيديو:
منها: ما هو لتوثيق الأحداث، أو لنشر دروس عِلم، أو التحذير من أمر خطير، وغير ذلك الكثير، ومنها: المضحكُ والمبكي، ومنها: ما هو تمثيلٌ أو حقيقي.

تدرَّجتُ في تعلمي على الفيس؛ كالطالب الذي يتدرَّج في التعلُّم.
المنشورُ الذي يحملُ إحساسًا حيَّرني كثيرًا؛ لجهلي أولًا بطريقة وضع الصورة المعبرة عن الإحساس، وبالهدف من النشر ثانيًا، لكنني أدركتُ سريعًا أنها للإعلام بحالته إن كان مريضًا مثلًا، أو في سرورٍ بنعمةٍ من نعم الله عليه؛ فزالت حيرتي بالبحث والتعلُّم، واستنباط المقصودِ من النشر.

منشورٌ لم أقتنع به - غالبًا - وهو توضيحُ مكان وجوده، وماذا يفعل؟ وبرفقة مَن؟ والسبب في عدم قناعتي أنه لو طَلَب منه أحد والديه ذلك هل كان سيفعل، أم هو لهدفٍ آخر يخفيه في نفسه؟


من غرائب المنشورات:
منشوراتٌ تحمل الشماتةَ تلميحًا أو تصريحًا.

منشوراتٌ فيها إشارةٌ إلى وجود خلافاتٍ بين الزوجين ، أو بين أفراد الأسرة تُشعِرُ القارئ كأنه أمامَ أطفالٍ يتشاجرون، وفي المقابل منشورات غراميَّة بين المخطوبين، أو الأزواج، والتي لو شاهدها أجدادُنا لحَكَموا علينا بقلة الحياء أو الجنون، وما ذلك إلا لأن الكثيرين خرَجوا عن المألوف؛ لمواكبة تطورات العصر!

وللحديث عن طفولتي الفيسبوكيَّة بقية، أستودعُكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.66 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]