عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 23-05-2019, 12:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

قَوَاعِدُ في تَدبِّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم


الشيخ.محمد الحمود النجدي

(17)

قال الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الشورى: 52)؛ فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية ، وهو المنَّة الكبرى التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد.
ولهذا حثنا اللهُ -سبحانَهُ- على قراءته وسماعه، وفهمه وتدبره؛ ففي قراءة القرآن وفهمه وتدبُّرِه، والعملِ بِه، هدايةٌ وصلاحٌ، وسعادة ونجاة، وشفاءٌ للفردِ وللمجتمع والأمة جميعا، من جميع أمراضهم الحسية والمعنوية، وتلبيةٌ لحاجاتِهِم الدنيوية والأخروية، قال -تعالى-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا
يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً}( الإسراء: 82)، والله -عزَّوجل- هو الذي خَلق عباده، وهو أعلم بما يصلحهم وينفعهم، وما يفسدهم ويضرهم، قال -تعالى-: {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك : 14)، أي: كيف لا يعلم أحوالهم وهو اللطيف بهم، الخبير بأحوالهم وأعمالهم؟! والإنسان هو الإنسان؛حيثما كان، وقال الله -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}(الإسراء: 9 ــ 10).


فقوله -تعالى- ذكره: إنَّ هذا القرآن الذي أنـزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يرشد ويسدّد من اهتدى به {لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، يقول: للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام، فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل، التي ضل عنها سائر أهل الملل المكذبين به». (الطبري).
شرف عظيم
لقد أدرك الصّحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- ومَن سار على دربهم من سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى- هذا الشرف العظيم، الذي امتنّ الله -تعالى- به عليهم، بتنزَل القرآن الكريم على خير الأنام، نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو بين أظهرهم، فأقبلوا عليه يتلقونه منه ويسمعونه ويتعلّمونه ، ثم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، وجعلوا منه غذاءً لأرواحهم، وقرَة لأعينهم، وطمأنينة لقلوبهم، تعلّموا حلاله وحرامه، وامتثلوا أحْكامه، وأقاموا حُدوده، وطبَقوا شرائعه؛ فكان شفاءً لأرواحهم وأجسادهم، وزَكتْ به نفوسهم، وسَمَتْ أخلاقهم، وصَلُحَتْ سرائرهم، وأعلى الله -تعالى- به شأنهم، واستحقوا أنْ يكونوا أهل القرآن الكريم «أهل الله وخاصته»، وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «إنّ اللهَ تعالى يَرفعُ بهذا الكتاب أقْواماً، ويَضعُ به آخرين». رواه مسلم .


معجزة دائمة
وقد جعل الله -تعالى- القرآن الكريم، معجزة دائمة للرسول صلى الله عليه وسلم وحجةً لأمته، على مدى الأيام، فقال -تعالى-: {وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى
عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة: 23-24).
وقد تكفَّل الله -تعالى- بحفظ كتابه العظيم: كما قال -سبحانه-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر: 9)؛ فلا يستطيع جبَّارٌ أو مُلحد أن يبدِّله، أو يزيد فيه أو ينقص منه، وكما جاء في الحديث: «وأنزلتُ عليك كتابًا، لا يغسله الماء». رواه مسلم .
من فضل الله علينا
ومن فضل الله العظيم علينا: أنَّ القرآن الكريم، كلام الله -تعالى- الذي أنزله على خاتم رسله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، قد أنزله الله بلغةِ العرب،
لسانِ النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقومه؛ فكان تشريفاً لجميع العرب، كما قال -تعالى-: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(الزخرف: 44)، وحُجة عليهم؛ لأنه بلسانهم الذي يتكلمون به، ويفهمونه، ويسهل عليهم تدبره .


الأسباب الداعية إلى تدبر القرآن
ومن الأسباب الداعية إلى تدبر القرآن: أمْرُ الله -تعالى- لنا بذلك بأنْ نقفَ مع آياته الكريمة، وأنْ نفهمها ونتدبرها، وأنه ما أنزل القرآن الكريم إلاّ من أجْل أن يُتأمل
ويتدبر ليعمل به ويمتثل، كما قال -سبحانه وتعالى- مُقرّراً أنه قد أنزله مباركًا ليدبروا آياته، وليتذكر أولو العقول: {كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}(ص: 29)؛ فهذه (اللام) في (ليَدّبّروا) و(ليتذكر) لام الغاية والحِكمة، فمن لم يأخذ حظَّه مَن تدبر القرآن العظيم، لم يأخذ حظّه من بركته وهدايته، فعلى قدر سعيك في الفهم والتَّدبُّر والتأمل، يكون حظك من بركة هذا الكتاب العظيم، وعلمه وفضله، وهدايته ونوره.
وقد وَصَف اللهُ -جل جلاله- القرآن الكريم في مواضع بالبركة، فقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}(الأنعام: 92)، وما ذكره -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة من أنَّ هذا القرآن مبارك، أكّده في مواضع متعددة من كتابه، فقال -تعالى-: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (الأنبياء :50).


أي: هذا القرآن العظيم ذكر مبارك، أي: كثير البركات والخيرات؛ لأنَّ فيه خير الدنيا والآخرة، ثم وبَّخ من ينكرونه بقوله: {أفأنتم له منكرون}؛ أفأنتم أيها القوم لهذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد منكرون، وتقولون هو {أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون}، وكقوله -تعالى-: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم تُرحمون}(الأنعام: 155)، وقوله فيها أيضا قبله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مُصدّق الذي بين يديه}(الأنعام: 92). والبركة: هي النَّماء والزيادة، والثبات والدّوام، فقرّر بهذه الكلمة نَعْتينِ عظيمين للكتاب العزيز:
1- وفْرة عطائه وكثرته .
2- دوام نفعه وتجدّده واستمراره .

قال -سبحانه-: {قلْ لو كانَ البحرُ مداداً لكلماتِ ربي لنفدَ البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً}(الكهف: 109).
فنرجو الله -تعالى- السميع القريب المُجيب أنْ تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك، بتوفيقٍ منه -تعالى- لنا لتدبر آياته، والعمل بما فيها من الحلال والحرام،
والأوامر والنواهي، والمكارم والآداب، امتثالاً واجتناباً، إنه سميع الدعاء .
استخراج ما فيه من خيرٍ متجدّد

ولذا فقد حثّ الله -سبحانه- على تدبّر كتابه: لاستخراج ما فيه من خيرٍ متجدّد، لا يزول ولا يَحول، ولا يَغِيض ولا ينقص، فهو لا يَصْلُحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وعصرٍ ومصرٍ فحسـب، بل هـو يُصلِح كلّ زمان ومكان، وفرد ومجتمع، ويقوّمه ويقيمه على سواء الصراط، كما قال -عز وجل-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرا}(الإسراء : 9).
تيسير حفظه وتدبره

وقد يسر الله حفظ وتدبّر وتلاوة كتابه للناس: قال -تعالى-: {ولقد يسَّرنا القُرآنَ للذّكرِ فهلْ من مُدَّكر}(القمر: 22).
قال السُّدي : يَسَّرنا تلاوته على الألسن، وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أنَّ الله يسّره على لسان الآدميين، ما اسْتطاع أحدٌ من الخَلق أنْ يتكلم بكلام الله عز
وجل.
فالله -تعالى- سهَّله لهم في الحِفظ والقراءة؛ فيمكنهم حفظه بسهولةٍ ويسر، ولم يكن شيءٌ من كتب الله -تعالى- يحفظ عن ظهر القلب ، غير القرآن، وأيضا سهّله لهم
للاتعاظ والتذكّر به؛ حيث أتى فيه بكل حكمةٍ وموعظة وعلم ورشاد وجعله؛ بحيث يعلق بالقلوب ويستلذ بسماعه، ولا يسأم من سمعه وفهمه ، ولا يقول : قد سمعته فلا أسمعه، بل كل ساعة يزداد منه لذة وعلما.
وقوله -تعالى-: {فهل من مدّكر} أي: هل من متذكرٍ بهذا القرآن، الذي قد يسّر اللهُ حفظه ومعناه؟
فسهل الله لنا لفظه، ويسر معناه، لمن أراده، ليتذكر الناس، كما قال في الآية الأخرى: {كتابٌ أنْزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب}(ص: 29)،
وقال -تعالى-: {فإنما يسَّرناه بلسانكَ لتُبشِّر به المُتقين وتُنذر به قَوماً لُدا}(مريم: 97)، يعني بيّناه بلسانك العربي، وجعلناه سَهْلاً على مَن تدبّره وتأمّله.

وقيل: أنزلناه عليك بلسان العرب، ليسهل عليهم فهمه، ولتبشِّر به المتقين، وتنذر به قوما لداً، واللّد جمع الألد، وهو شديدُ الخُصومة، ومنه قوله -تعالى-: {ألد
الخِصام}(البقرة : 204).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.81 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]