عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-06-2019, 01:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال
فريال بنت عبد الرحمن




المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله في مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[سورة الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كذب علي ليس ككذب على أحد))[1]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين)) [2] وهذا الحديث نص في التثبت في الرواية، ونقل الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خشية الكذب عليه فكيف بمن يعرف أنه يروي حديثا ضعيف قد يكون النبي قاله وقد لا يكون؟ فإن كان قاله، ولم نروه فهناك الصحيح عنه، وإن لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله فقد كذبنا عليه.
ومن عمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال يستشهد بقول الإمام احمد بن حنبل: "إذا جاء الحلال والحرام شدّدنا في الأسانيد وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد"، فيرد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية قائلا: "ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومَن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن.. وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه، والحسن عنده ما تعددت طرقه، ولم يكن في رواته متهم، وليس بشاذ فهذا الحديث، وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به. ولهذا مثَّل أحمد الحديثَ الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما وهذا مبسوط في موضعه" أ.هـ [3].
فمن هنا نرى حرص علماء الأمة على عدم العمل بالحديث الضعيف خوفاً من دخول ما لم يقله النبي - صلى الله عليه وسلم - على أقواله، ومن أن يأتي زمان يعمل بالحديث الضعيف في الحلال والحرام وليس فقط في أمر الترغيب والترهيب والسير والتفسير كما عمل بعض سلف الأمة -رحمة الله تعالى على الجميع-.
فإن كان من وصية لطالب العلم السعي لتنقيح السنة من الأحاديث الضعيفة التي تحث على فضائل الأعمال.
قبل أن نبدأ في الحديث عن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، علينا أن نبين ما معنى الحديث الضعيف؟ وما أقسام الحديث الضعيف، وهل يجوز العمل به؟ وما معنى فضائل الأعمال.
معنى الحديث الضعيف:
ما لم تتوافر فيه شروط الصحة والُحسن، أي ما لم يكن صحيحاً ولا حسناً، فلو رواه شخص عدل لكن ضبطه ضعيف، وليس بخفيف الضبط، فإن هذا الحديث يكون ضعيفاً، وإذا رواه بسند منقطع يكون ضعيفاً أيضاً؛ وهلمَّ جرّا [4].
أقسام الحديث الضعيف:
أقسامه كثيرة:
من ناحية السند: منقطع، معلق، معضل، مرسل، مدلس.
من ناحية فقد العدالة: موضوع، متروك، منكر، مبهم.
من ناحية فقد الضبط: مدرج، مضطرب، مقلوب.
من ناحية فقد السلامة من الشذوذ: الشاذ.
من ناحية فقد السلامة من العلة: المعلل.
أهل العلم والعمل بالحديث الضعيف:
لأهل العلم في العمل بالحديث الضعيف أقوال وآراء متباينة، فالبعض قال بالعمل بالحديث الضعيف في أمور معينة كما الحث على فضائل الأعمال، والبعض الآخر قال بعدم العمل بالأحاديث الضعيفة بل العمل يكون بالحديث الصحيح والحسن فقط والسنة النبوية الثابتة فيها ما يدل على فضائل الأعمال ونكون بهذا في غنى عن العمل بالحديث الضعيف وبهذا العمل نصل إلى تنقيح السنة النبوية مما ألصق بها الأحاديث الضعيفة بل حتى الموضوعة والمكذوبة على نبينا صلوات ربي وسلامه عليه.
وفي متابعة من يقول بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال مع بيان سند الحديث وبيان مدى ضعف الحديث نجد البعض منهم أتى على بعض الأحاديث الضعيفة من دون أن يأتي بالسند، ومن دون بيان أن الحديث ضعيف وخاصة من استشهد بالحديث وهو من غير أهل الحديث، فإن لم يميز هو الحديث الضعيف فكيف بعوام الأمة ليميزوا، خاصة في زامن قل فيه العالم بعلم الحديث وبعلل الحديث والصحيح من الضعيف منه، فقد استند بعض القائلين بالعمل بالحديث الضعيف يقول الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: ‏" إذا روينا في الحلال والحرام تشددنا؛ وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا " أ. هـ [5].
وما نقل عن الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في هذا الموضوع:
وقال النووي في كتابه " الأذكار " قال العلماء من المحدثين و الفقهاء و غيرهم: يجوز و يستحب العمل في الفضائل و الترغيب و الترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعا وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع و النكاح و الطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك. انتهى.
وقال النووي في (التقريب): يجوز عند أهل الحديث الضعيف ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف و العمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله و الأحكام. انتهى. [6].
وقال العلامة الشنقيطي: "مع أن الضعيف يعمل به عند المحدثين، والأصوليين في فضائل الأعمال؛ بشروط مقررة في محلها " [7].
ولدى العاملين بالحديث الضعيف استشهادات كثيرة من أقوال أهل العلم في هذا الأمر، وإنهم يرون أن العمل بالحديث الضعيف يكون تحت شروط وهي:
1- أن لا يكون موضوعا. ‏ ‏
2- أن يعرف العامل به كونه ضعيفا. ‏ ‏
3- أن لا يشهر العمل به[8].
ومع هذا فإن القائلين بالعمل بالحديث الضعيف متساهلين في هذه الشروط من علماء وعامة فهم يعملون بالحديث دون معرفة صحته من ضعفه، وإن عرفوا ضعفه لم يعرفوا درجة الضعف، ومع هذا فإنهم يشهرون العمل بالحديث الضعيف كما لو كان صحيحاً وكان هذا سبباً في دخول كثير من العبادات في مجتمعات الأمة الإسلامية لم ينزل الله - تعالى - بها من سلطان ومنها: صلاة الرغائب، والتوسعة على الأهل في يوم عاشوراء، وغيرها من الأمور سنذكر بعضا منها في آخر البحث بإذن الله - تعالى -.
هذا رأي من قال بالعمل بالحديث الضعيف
وقد رد عدد من علماء الأمة على من قال بالعمل بالحديث الضعيف من نواحي عدة ومنها:
فرد الشيخ الألباني -غفر الله تعالى له - معقبا على الشروط التي وضعت للعمل بالحديث الضعيف قائلاً: وهذه شروط دقيقة وهامة جدا؛ لو التزمها العاملون بالأحاديث الضعيفة؛ لكانت النتيجة أن ‏تضيق دائرة ‏العمل بها؛ أو تلغى من أصلها وبيانه من ثلاثة وجوه: ‏
‏أولا: يدل الشرط الأول على وجوب معرفة حال الحديث الذي يريد أحدهم ‏أن يعمل به؛ لكي يتجنب العمل به إذا كان شديد الضعف. وهذه المعرفة مما يصعب الوقوف عليها من ‏جماهير الناس؛ ‏وفى كل حديث ضعيف يريدون العمل به، لقلة العلماء بالحديث، لاسيما في العصر الحاضر؛ ‏وأعنى بهم ‏أهل التحقيق الذين لا يحدثون الناس إلا بما ثبت من الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ‏وينبهونهم على الأحاديث الضعيفة، ويحذرونهم منها، بل إن هؤلاء هم أقل من القليل[9].
والخلاصة:
أن التزام هذا الشرط يؤدى عمليا إلى ترك العمل بما لم يثبت من الحديث لصعوبة معرفة الضعف ‏الشديد ‏على جماهير الناس فهو في النتيجة يجعل القول بهذا الشرط يكاد يلتقي مع القول الذي اخترناه ‏‏. هو ‏المراد. ‏أ. هـ.
ثانيا: ‏أنه يلزم من الشرط الثاني: " أن يكون الحديث الضعيف مندرجا تحت أصل عام... "؛ ‏أن العمل في الحقيقة ليس بالحديث الضعيف؛ وإنما الأصل العام؛ والعمل به وارد، ‏وُجد الحديث الضعيف أو لم يوجد، ولا عكس، ‏أعنى العمل بالحديث الضعيف إذا لم يوجد الأصل العام؛ فثبت أن العمل بالحديث الضعيف بهذا ‏الشرط ‏شكلي؛ غير حقيقي. وهو المراد. ‏
ثالثا: إن الشرط الثالث يلتقي مع الشرط الأول في ضرورة معرفة ضعف الحديث؛ لكي لا يعتقد ثبوته ‏وقد عرفت أن الجماهير الذين يعملون في الفضائل بالأحاديث الضعيفة لا يعرفون ضعفها؛ وهذا ‏خلاف المراد. ‏
جملة القول: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ أن يَدَعْو العمل بالأحاديث الضعيفة ‏مطلقا؛ ‏وأن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت منها عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ففيها ما يغنى عن ‏الضعيفة. ‏
وفى ذلك منجاة من الوقوع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأننا نعرف ‏بالتجربة أن ‏الذين يخالفون في هذا قد وقعوا فيما ذكرنا من الكذب لأنهم يعملون بكل ما هب ودب من الحديث‏؛ ‏وقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا بقوله: ‏((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع))[10]
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله تعالى -: "والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال ‏؛ لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح؛ خصوصا إذا كان الناقل له من علماء ‏الحديث الذين يرجع إلى قولهم في ذلك؛ وأنه لا فرق بين الأحكام، وبين فضائل الأعمال ونحوها ‏‏، في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة بل لا حجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله-صلى الله عليه ‏وسلم- من حديث صحيح أو حسن". أ. هـ [11]
أما رد من قال بان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - قال بالعمل بالحديث الضعيف:
فإن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - رد بالقول: ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومَن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن.. وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه، والحسن عنده ما تعددت طرقه، ولم يكن في رواته متهم، وليس بشاذ فهذا الحديث، وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به. ولهذا مثَّل أحمد الحديثَ الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما وهذا مبسوط في موضعه. أ. هـ [12].
وفي موضع آخر قال شيخ الإسلام: في قول أحمد: "إذا جاء الحلال والحرام شدّدنا في الأسانيد وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد " وكذلك ما عليه العلماء بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم. ا. هـ [13].
وعقب ابن القيم - رحمه الله تعالى - وقال: الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن. ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف. وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس. أ. هـ [14].
وقال ابن رجب - رحمه الله تعالى -: وكان الإمام أحمد يحتج بالضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحس. أ. هـ [15].
ومن العلماء المعاصرين في زماننا اليوم من يؤيد قول شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب - رحمه الله تعالى -، كالشيخ الألباني في مقدمات كتبه:
- صحيح الجامع الصغير وزياداته.
- صحيح الترغيب والترهيب.
- وفي كتاب تمام المنة.
- وكتابة أحكام الجنائز وبدعها.
والشيخ مقبل ابن هادي في المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح السؤال؟ هل يعمل بالحديث الضعيف.
والشيخ محمد بن عثيمين قال - رحمه الله -: الذي يظهر لي أن الحديث الضعيف لا تجوز روايته، إلا مبيناً ضعفه مطلقاً، لاسيما بين العامة، لأن العامة متى ما قلت لهم حديثاً، فإنهم سوف يعتقدون أنه حديث صحيح، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله. أ. هـ [16]
والشيخ عبد الكريم الخضير- حفظه الله تعالى - في كتابه: كتاب قيم بعنوان: "الاحتجاج بالحديث الضعيف".
مسائل ذكرها الشيخ الألباني في مقدماته للتحذير من العمل بالحديث الضعيف:
1- ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: ظن بعض طلبة العلم أنه لا خلاف في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وقد نقلوا في هذا كلام الشيخ النووي - رحمه الله تعالى -وفي نقله على الإجماع نظر، فبعض المحققين يرى أنه لا يعمل به أبداً وهذا ما ذكره الشيخ القاسمي في كتابه "قواعد التحديث: حكاه ابن سيد الناس في " عيون الأثر" عن يحيى بن معين؛ ‏ونسبه في" فتح المغيث" لأبى بكر بن العربي؛ والظاهر أن مذهب ‏البخاري ومسلم ذلك أيضا.. وهو مذهب ابن حزم.." انتهى كلامه.
وبهذا الرأي قال الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى - وقال مضيفاً عليه: الأول: أن الحديث الضعيف إنما يفيد الظن المرجوح؛ ولا يجوز ‏العمل به اتفاقا؛ فمن أخرج من ذلك العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ‏لابد أن يأتي بدليل؛ وهيهات!.
الثاني: أنني أفهم من قولهم: ".. في فضائل الأعمال "أي: الأعمال ‏التي تثبت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعا ويكون معه حديث ‏ضعيف يسمى أجرا خاصا لمن عمل به، ففي مثل هذا يعمل به في فضائل ‏الأعمال لأنه ليس فيه تشريع ذلك العمل به؛ وإنما فيه بيان فضل خاص ‏يرجى أن يناله العامل به.
وحمل الشيخ القاري في كتابه " المرقاة"(2/381): "قوله: إن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد ‏إجماعا كما قال النووي؛ محله الفضائل الثابتة من كتاب أو سنة "
لأننا لا نراهم يعملون بأحاديث ضعيفة لم ‏يثبت ما تضمنته من العمل في غيره من الأحاديث الثابتة؛ مثل استحباب ‏النووي وتبعه المؤلف إجابة المقيم في كلمتي الإقامة بقوله " أقامها الله ‏وأدامها "؛ مع أن الحديث الوارد في ذلك ضعيف. انتهى كلامه.
وخلاصة القول: أن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لا يجوز ‏القول به على التفسير المرجوح؛ إذ هو خلاف الأصل ولا دليل عليه؛ ‏ولابد لمن يقول به أن يلاحظ الشروط:
- أن لا يكون موضوعا. ‏ ‏
2- أن يعرف العامل به كونه ضعيفا. ‏ ‏
3- أن لا يشهر العمل به
وأن يلتزمها في عمله؛ ‏والله الموفق. [17]
2- حضّ الإمام مسلم على طرح الأحاديث الضعيفة:
فقد حض الإمام مسلم - رحمه الله تعالى -على طرح العمل بالحديث الضعيف لما رأى من بعض من نصب نفسه محدثاً وأي بالأحاديث الضعيفة والواهية السند، وتناسى الأحاديث الصحيحة الثابتة مما نقله ثقات المشهورين بالصدق والأمانة.
وإن من يقومون بنقل هذه أحاديث الضعيفة هم أكثر الناس علما بضعفها ولكنهم يحدثون أناس أغبياء وهم ينقلون عن أناس غير مرضيين في قولهم، وبين الإمام مسلم أن عدد من علماء الحديث قد حذر الرواية من هؤلاء الرواة وممن حذر:
الإمام مالك، و وشعبة، وسفيان، ويحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرحمن ابن مهدي، وغيرهم. لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها، خَفِّ على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت. أ. هـ [18].
3- وجوب رواية الأحاديث الصحيحة فقط، والدليل عليه.
أتى الإمام مسلم في هذه القاعدة بأدلة من القرآن استدلال على منع رواية الأحاديث الضعيفة عن المتهمين بالبدع، فاستدل بقول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)[سورة الحجرات: 6]. وقول الله - تعالى -: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)[سورة البقرة: 282]. وقول الله - تعالى -: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [سورة الحجرات: 2].
فدل ما ذكرنا من الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر، وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه، فقد يجتمعان في أعظم معانيهما، إذا كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم.
كما أن شهادته مردودة عند جميعهم، ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار، كنحو دلالة القرآن عل نفي خبر الفاسق، وهو الأثر المشهور عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من حَدَّث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين))، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة..... انتهى. [19].
4- قاعدة: (العمل بالحديث الضعيف) ليست على إطلاقها "صحيح الترغيب والترهيب، عاقبة التساهل برواية الأحاديث الضعيفة وكتم بيانها.
تساهل العلماء برواية الأحاديث الضعيفة كان سبب في الابتداع في الدين، فكثير من العبادات التي يعمل بها الآن أتت لاعتمادهم على الأحاديث الواهية والموضوع منها مثل التوسعة على الأبناء في عاشوراء وغيرها ممن أتى في كتاب الشيخ الألباني " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها ‏السوء في الأمة ".
هذه القاعدة مقيدة بقيدين:
أ- حديثي:
فهو قولهم: "الحديث الضعيف" فإنه مقيد اتفاقا-‏بالضعيف الذي لم يشتد ضعفه؛بله الموضوع كما بينه الحافظ ابن حجر ‏العسقلاني في رسالته: " تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب "، نقلا عن تلميذه الحافظ ‏السخاوي: قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم:
"يجوز ويستحب ‏العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف؛ مالم يكن ‏موضوعا. وأما الأحكام كالحلال والحرام؛ والبيع والنكاح والطلاق وغير ‏ذلك فلا يعمل فيها؛ إلا بالحديث الصحيح أو الحسن؛ إلا أن يكون في ‏احتياط في شيء من ذلك ". انتهى.
وأشار الشيخ الألباني في موضع آخر أن كل من يريد العمل بحديث ضعيف ينبغي أن يكون على علم بضعفه ‏لأنه لا يجوز العمل به إذا كان شديد الضعف.
‏ولازم هذا الحد من العمل بالأحاديث الضعيفة وانتشارها بين الناس؛ لو ‏قام أهل العلم بواجب بيانها[20].
ب- فقهي:
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -في توضيح شرط سابق: "" وأن يكون الحديث الضعيف مندرجا تحت أصل عام " إلا أن الشيخ الألباني غفر الله له يرى أن هذا غير كاف لان غالب البدع تندرج تحت ‏أصل عام؛ ومع ذلك فهي غير مشروعة؛ وهى التي يسميها الإمام ‏الشاطبي بالبدع الإضافية؛ وواضح أن الحديث الضعيف لا ينهض لإثبات ‏شرعيتها؛ فلابد من تقييد ذلك بما هو أدق منه كأن يقال: أن يكون ‏الحديث الضعيف قد ثبت شرعية العمل بما فيه بغيره مما يصلح أن ‏يكون دليلا شرعيا؛ وفى هذه الحالة لا يكون التشريع بالحديث الضعيف ‏؛ وغاية ما فيه زيادة ترغيب في ذلك العمل مما تطمع النفس؛ فتندفع ‏إلى العمل أكثر مما لو لم يكن قد روى فيه هذا الحديث الضعيف. انتهى.
قال ‏شيخ الإسلام ابن تيمية في"مجموع الفتاوى " (1/251): وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي؛ وروى في فضله ‏حديث لا يعلم أنه كذب؛ جاز أن يكون الثواب حقا، ولم يقل أحد من ‏الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ‏ومن قال هذا فقد خالف الإجماع. انتهى
5- شرائط العمل عند الحافظ ابن حجر
ذكر الإمام ابن حجر - رحمه الله تعالى - شروطاً للعمل بالحديث الضعيف وهي:
- الأول: متفق عليه أن يكون الضعف غير شديد؛ فيخرج من ‏انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب؛ ومن فحش غلطه. ‏
- الثاني: أن يكون مندرجا تحت أصل عام؛ فيخرج ما يخترع ‏بحيث لا يكون له أصل أصلا.
- الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته؛ لئلا ينسب إلى النبي ‏- صلى الله عليه وسلم – ما لم يقله. قال: والأخيران عن ابن عبد السلام؛ ‏و عن صاحبه ابن دقيق العيد. والأول نقل العلائي الاتفاق عليه.
هذا ما قاله الإمام السخاوي - رحمه الله تعالى -.
6- ما توجيه الشروط المذكورة على أهل العلم من التمييز:
في هذه القاعدة يبين الشيخ الألباني أن على أهل العلم والمعرفة أن الشروط التي قالها الإمام ابن حجر توجب عليهم أن يبينوا صحيح الحديث من سقيمة ويبينوا أمرين للناس:
- الأول: الأحاديث الضعيفة من الصحيحة؛ لكي لا يعتقد العاملون بها ‏ثبوتها؛ فيقعوا في آفة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏كما تقدم في كلام الإمام مسلم وغيره.
‏من له عناية تامة بالتمييز الأول؛ كالحافظ المنذري على تساهله ‏المتقدم بيانه- والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتبه، وتلميذه الحافظ ‏السخاوي في كتابه: " المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث ‏المشتهرة على الألسنة "؛ وغيرهم.
وفى عصرنا هذا الشيخ أحمد ‏شاكر - رحمه الله - في تحقيقه وتعليقه على " مسند الإمام أحمد ‏‏"وغيره ومثله اليوم أقل من القليل.
‏‏- والآخر: الأحاديث الشديدة الضعف من غيرها؛ لكي لا يعملوا بها، ‏فيقعوا في الآفة المذكورة.
وبين - رحمه الله تعالى - أن تمييز الحديث الضعيف جدا أهم من العناية بتمييز الصحيح من الحسن.
7- ما ذكره المنذري من تساهل العلماء في الترغيب ‏والترهيب، ‏والجواب عليه.
قال الإمام المنذري - رحمه الله تعالى - في مقدمة كتابه: " أن العلماء أساغوا ‏التساهل في أنواع من الترغيب والترهيب؛ حتى إن كثيرا منهم ذكروا ‏الموضوع؛ ولم ‏يبينوا حاله.
ورد الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى -وقال إن ذكر الأحاديث بأسانيدها لا بأس فيه وهذا عمل المحدثين من الحفاظ السابقين من باب حفظ السنة، فقد نقلوا الأسانيد كاملة عن شيوخهم وكان من المحدثين من هو عارف بالطبقات وعلم الرجال وعلل الحديث وقواعد الجرح والتعديل، فقد ميزوا صحيحها من سقيمها [21].
‏يتيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]