عرض مشاركة واحدة
  #112  
قديم 16-09-2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب اليمين]
صـــــ 80 الى صــــــــ90
الحلقة (88)

[مبحث تعداد الكفارة بتعدد الأيمان]
تتعدد الكفارة بتعدد الأيمان على تفصيل في المذاهب (1) .
[مبحث الأصول التي تعتبر في الأيمان]
الأصول التي تعتبر في بر الأيمان أو حنثها في الإفتاء والقضاء أمور:
منها النية، ومنها العرف ومنها معنى اللفظ الغوي، أو الشرعي، ومنها السبب الباعث على حلف اليمين، وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب(1) .

(1) الحنفية - قالوا: في هذه المسألة رأيان: الأول تتعدد الكفارة بتعدد الأيمان، سواء حلف في مجلس واحد في مجالس متعددة، ولو قال: أردت باليمين الثاني عين اليمين الأول لا يقبل قوله. الثاني أنها لا تتعدد. فإذا كثرت الأيمان تداخلت ويخرج بالكفارة الواحدة عن عهدة الجميع وهو قول محمد، واختاره بعضهم.
الحنابلة - قالوا: إذا كرر يميناً فلا يخلو: إما أن تكون كفارة اليمين الثاني من جنس كفارة اليمين الأول أو لا، فإن كانت كذلك كقوله: واللُه لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، فعليه كفارة واحدة، لأن كفارة هذه الأيمان من جنس واحد فتتداخل، سواء حنث في الجميع أو حنث في البعض وتنحل في الباقي. ومثل ذلك ما إذا حلف بنذروكرر الحلف به ثانياً وثالثاً الخ، فإن كفاراتها تتداخل، لأنها من جنس واحد. أما إن كانت كفاراتها مختلفة كما إذا حلف بالله وبالظهار تعددت الكفارة لأنها من جنسين مختلفين فلا تتداخل.
ومن كرر يميناً واحدة موجبها واحد على فعل واحد كقوله: والله لا أكلت. والله لا أكلت فعليه كفارة واحدة، لأن سببها واحد والظاهر منه التأكيد.
المالكية - قالوا: تتعدد الكفارة بأمور: الأول: أن يقصد بيمينه تكرر الحنث كقوله: والله لا كلمت زيداً، ونوى أنه كلما كلمه لزمه الحنث، فتتكرر بتكرر المحلوف عليه، وتلزمه في كل مرة يكلمه.
الثاني: أن يكون تكرر الحنث مستفاداً من العرف لا من مجرد اللفظ؛ فمن ترك الوتر مثلاً ثم عوتب على تركه فحلف أن لا يتركه فتلزمه الكفارة كلما تركه، لأن العرف يدل على أنه لا يتركه ولا مرة واحدة، فكأنه قال: كلما تركته فعلي كفارة.
الثالث: أن يكرر اليمين على شيء واحد كقوله: والله لا أدخل، والله لا أدخل وينوي به تعدد الكفارات؛ فإذا دخل لزمه ثلاث كفارات بتعدد اليمين؛ أما إذا قصد بتعدد اليمين التأكيد دون الكفارات لم تتعدد الكفارة اتفاقاً؛ أما إذا نوى إنشاء اليمين ففيه خلاف، والمشهور أنها لا تتعدد، سواء اتحد المجلس أو تعدد، وكذا إذا حلف على أجناس مختلفة كقوله: والله لا أدخل، ولا آكل، ولا ألبس، فإن نوى بذلك تعدد الكفارات لزمته متعددة، أما إذا نوى الإنشاء ففيه الخلاف المذكور؛ والمشهور أنها لا تتعدد، ولا يتأتى التأكيد في هذا؛ لأنه لا يتأتى غلا إذا كان المحلوف عليه واحداً.
الرابع: أنيحلف بصيغة يدل لفظها على التكرار بالجمع كأن يقول: إن فعلت كذا فعلي أيمان أو كفارات؛ فإنه يلزمه بذلك أقل الجمع وهو ثلاث كفارات ما لم ينو أكثر من ثلاثة، ولو قال: علي عشرة لزمه العشرة.
الخامس: أن يدل لفظه على التكرار بالوضع كأن يقول: كلما أو مهما فعلت كذا فعلي يمين أو كفارة فتتكرر الكفارة كلما فعل، لأن كلما ومهما تدل على التكرار وضعاً. أما لو قال: متى ما فعلت كذا فإن الكفارة لا تتكرر، بل ينحل اليمين بالفعل الأول وهذا هو الراجح، ولا تتكرر أيضاً إذا قال: والله لا أكلمه غداً ولا بعد غد، ثم حلف ثانياً لا يكمله غداً وكلمه غداً فإن عليه كفارة واحدة؛ لأن متعلق اليمين الثانية جزء من متعلق اليمين الأولى، فإن الأولى تشمل أمرين: غداً وبعد غد، والثانية مقصورة على الغد فهي جزء متعلق بالأولى، أما إذا حلف لا يكلمه غداً ثم حلف لا يكلمه غداً ولا بعد بعد فكلمه غداً فعليه كفارتان، لأن اليمين الثانية ليست جزءاً من متعلق اليمين الأولى، ولا يلزمه شيء سوى الكفارتين عندما يكلمه بعده؛ أما إذا لم يكلمه غداً وكلمه بعد غد فعليه كفارة واحدة.
الشافعية - قالوا: تتعدد الكفارة بتعدد أيمان القسامة وبتعدد الأيمان الربعة وفي اليمين الغموس: وهو ما إذا حلف أن له على فلان كذا كاذباً وكرر الحلف. وفيما إذا قال: والله كلما مررت عليك لأسلمن عليك، فإنه إذا لم يسلم عليه في كل مرة يحنث وتلزمه الكفارة. أما إذا قال: والله لا أدخل الدار، وكرر ذلك؛ فإنه تلزمه كفارة واحدة وإن فصل بينها فاصل، إلا إذا كفر عن الأولى
(1) الحنفية - قالوا: هذه الأمور تعتبر في اليمين على التفصيل الآتي: الأول العرف، وهو الأصل العام الذي تبنى عليه الأيمان عندهم فيقدم على جميع الأصول المذكورة، وتوضيح ذلك أن اللفظ المذكور في اليمين ينظر إلى معناه المتعارف عند الناس، سواء كان عرفاً خاصاً أو عاماً بقطع النظر عن معناه اللغوي أو الشرعي، مثال ذلك أن يقول: والله لا آكل رأساً فيحنث إذا أكل رأساً من الرؤوس التي جرت العادة ببيعها في الأسواق كرؤوس الغنم والبقر وهكذا، وهو المعنى الذي يقصده الناس من لفظ الرؤوس التي تؤكل، فلا يحنث بأكل رأس الطير كالبط والأوز ولا بأكل رأس العصافير ولا بأكل رأس السمك إلا إذا اصطلح الناس على بيعها في الأسواق وحدها مع أن لفظ الرأس في اللغة يطلق عليها ويعمها ولكن هذا المعنى اللغوي لا يعتبر، بل المعتبر هو المعنى العرفي كما عرفت. وكذلك إذا قال: والله لا أركب وتداً فإنه لا يحنث إذا ركب الجبل مع أن الجبل سماه القرآن وتداً، ولكن الوتد في العرف غير الجبل، على أنه لا بد من ذكر اللفظ الذي يدل على المعنى العرفي المقصود؛ فإذا فهم المعنى العرفي من العبارة بدون لفظ يدل عليه فإنه لا يعتبر مثال ذلك أن يقول: والله لا أخرج من الباب فخرج من السطح فإنه لا يحنث، وإن كان المفهوم عرفاً من هذه العبارة أنه يريد أن لا يخرج مطلقاً لا من الباب ولا من السطح، ولكن لم يذكر في العبارة لفظ يدل على هذا الغرض فلا يعتبر؛ لأن العرف لا يجعل غير الملفوظ ملفوظاً، وكذا إذا حلف لا يضربه سوطاً فضربه بعصا فإنه لا يحنث، وإن كان المعنى المقصود عرفاً أنه لا يؤذيه بالضرب مطلقاً لابالسوط ولا بالعصا، ولكن لفظ العصا غير مذكور فلا يعتبر معناه.
وكذا إذا حلف لا يبيع هذه السلعة بعشرة فباعها بتسعة فإنه لا يحنث لأنه وإن كان غرضه المفهوم عرفاً أنه يريد بيعها بأكثر من عشرة فلا يبيعها بتسعة فأقل، ولكن هذا الغرض غير مسمى في اللفظ، لأنه إنما سمى العشرة وهي لا تطلق على التسعة، والعرف لا يجعل غير الملفوظ ملفوظاً. وكذا إذا حلف أنه لا يبيعها بعشرة فباعها بأحد عشر فإنه لا يحنث، لأن غرضه الزيادة على العشرة فلا يبيعها بالعشرة وحدها، والعشرة تطلق على العشرة وحدها وتطلق على العشرة مقرونة بعدد آخر، فالعرف يخصها بالعشرة وحدها لأنها غرضه فلا يحنث، أما إذا حلف لا يشتري هذه السلعة بعشرة فاشتراها بأحد عشر فإنه يحنث، لأن غرضه المفهوم عرفاً أنه يريد أن يشتريها بأقل من عشرة لا بأكثر، واللفظ يدل على هذا لأن العشرة تطلق على العشرة مفردة ومقرونة بعدد آخر كما ذكرنا. فيحنث بالأحد عشر، لأن العشرة وجدت مقرونة بعدد آخر، والزيادة على شرط الحنث لا تمنع الحنث. وإذا حلف لا يشتريها بعشرة فاشتراها بسبعة فإنه لا يحنث، لأن العشرة لم توجد لا مفردة ولا مقرونة بعدد آخر، ويتضح من هذا أن الأيمان مبنية على الألفاظ العرفية والأغراض التي تدل عليها هذه الألفاظ، أما الأغراض العرفية الزائدة على الألفاظ فإنها غير معتبرة.
أما إذا حلف لا يبيع هذه السلعة بعشرة فباعها بأحد عشر فإنه لا يحنث، لأنه غرضه في العرف أنه يريد بيعها بزيادة وقد حصلت واللفظ يدل على ذلك لأن العشرة تطلق على العشرة وحدها وتطلق على العشرة إذا قرنت بعدد آخر. وغرض البائع عرفاً أنه لا يبيعها بالعشرة وحدها فلا يحنث إذا باعها بأحد عشر، بخلاف ما إذا حلف لا يشتريها بعشرة فإن غرضه في العرف أنه لا يشتريها بالعشرة وحدها أو مقرونة بعدد آخر، لأنه يريد نقص ثمنها فيحنث بالزيادة كما تقدم.
وإذا حلف لا يشتريها بعشرة فاشتراها بتسعة لا يحنث لأنه لم توجد العشرة لا مفردة ولا مقرونة. وكذا إذا حلف لا يبيعها بعشرة فباعها بتسعة.
ومثال تعيين أحد معاني المشترك أن يقول: امرأته طالق إن خرج اليوم وأراد بالخروج السفر فإنه يصدق ديانة، وذلك لأن الخروج لفظ مشترك بين السفر والخروج من المنزل والخروج من المسجد وهكذا، فيصح أن ينوي به أحد أفراده فيصدق ديانة لا قضاء، وكذا إذا حلف لا يسكن مع فلان وأراد مساكنته في محل خاص فإنه يصدق ديانة، لأن المساكنة مشتركة بين المساكنة في دار خاصة والمساكنة في الدار مطلقاً؛ فإذا أراد بها داراً خاصة يصدق لأنه نوى ما يحتمله اللفظ المشترك، أما إذا نوى بالخروج السفر إلى الشام، وبالمساكنة أن يسكن معه في ملكه لا بالإجاره فإنه لا يصدق. لأن اللفظ لا يدل عليه ولا يحتمله. وإنما يعتبر المعنى العرفي اللفظ إذا لم يستعمله العرف في معنى آخر مجازاً، كما إذا حلف لا يضع قدم في هذه الدار فإن معنى هذه اللفظ إذا لم يستعمله العرف في معنى آخر مجازاً، كما إذا حلف لا يضع قدمه في هذه الدار فإن معنى هذا اللفظ وهو وضع القدم في الدار لم يقصده العرف من هذه العبارة. بل استعمل اللفظ في الدخول مطلقاً، فلو وضع قدمه في الدار لم يقصده العرف من هذه العبارة. بل استعمل اللفظ في الدخول مطلقاً، فلو وضع قدمه بدون دخول فإنه لا يحنث. وكذا إذا قال: والله لآكل من هذه الشجرة ولا ثمر لها فينصرف يمينه إلى الأكل من ثمنها فإذا أكل منها نفسها فإنه لاحنث لأن الأكل من خشبها لا يريده العرف فلا ينظر للفظ في هذه الحالة.
الثانية: النية وهي تعمل في الملفوظ لتعين بعض ما يحتمله اللفظ ولو لم يكن متعارفاً. كما إذا حلف لا يهدم بيتاً ونوى بيت العنكبوت فإنه يحنث إذا هدمه؛ وإن لم يكن بيتاً في العرف ولكن الحالف نوى ما يحتمله اللفظ فيعمل بنيته. والنية تخصص العام، والعبرة بنية الحالف في اليمين بالله إن كان مظلوماً. فإذا حلفه شخص على فعل شيء ظلماً فحلف له ونوى بيمينه غير ما يريده المحلف لا يحنث. أما إن كان ظالماً فيعتبر نية المحلف. ومثله الحلف بالطلاق تعتبر نيته ديانة إن كان مظلوماً. وإلا فلا ترفع عنه الحنث ديانة كما لا ترفع عنه قضاء على أي حال بخلاف العرف فإنه يخصصه ديانة وقضاء. وكذلك تخصص الجنس بإرادة أحد أنواعه، وكذلك تعين أحد معاني المشترك المحتملة اللفظ. أما تعيم الخاص بالنية بأن يذكر لفظاً خاصاً ويريد منه العام كما إذا حلف لا يشرب لفلان ماء وأراد بذلك قطع علاقته معه في كل ما له فيه منه فإن نيته لا تنفع، لأن اللفظ لا يحتمله. فمثال تخصيص العام بالنية: أن يحلف بأن لا يأكل طعاماً أو يشرب شراباً وينوي بحلفه طعاماً خاصاً فإنه يصدق ديانة لا قضاء. أما إذاحلف أن لا يأكل بدون أن يقول طعاماً ونوى أن لا يأكل طعاماً خاصاً فإنه لا يصدق لا ديانة ولا قضاء. لأنه لم يذكر العام في عبارته. ومثله ما إذا قال: والله لأضربنه خمسين ونوى ضربه بسوط معين فإنه لا يحنث إذا ضربه بأي شيء؛ لأنه السوط لم يذكر حتى يصح تخصيصه، والنية إنما تعمل في الملفوظ. فلا تعتبر نيته في هذه الحالة. وإنما تنفع نية تخصيص العام إذا نوى قصره على بعض أفراده. أما إذا نوى قصره على بعض متعلقاته فإن النية لا تنفع. فإذا نوى بقوله: والله لا آكل طعاماً قصر الطعام على بعض أفراده كاللحم مثلاً تنفعه. لأن الطعام تحته أفراد كثيرة كاللحم والفاكهة والخبز الخ.
فإذا أراد باللفظ العام فرداً من هذه الأفراد صح أما إذا نوى شيئاً متعلقاً بذلك العام خارجاً عن أفراده فإنه لا ينفع. كما إذا نوى أنه لا يأكل طعاماً في زمن معين أو مكان معين. لأن الزمان والمكان غير داخلين في أفراد الطعام فلا تنفع إرادتهما منه.
ومثال تخصيص الجنس بإرادة أحد أنواعه أن يحلف بأن لا يتزوج امرأة وينوي بذلك نوعان خاصاً من النساء كعربية فإنه يصدق ديانة؛ لأن الإنسان يتنوع إلى عربي وحبشي وزنجي ورومي وتركي وهكذا، فيصح تخصيص الجنس بنوع من أنواعه، "إن شئت قلت تخصيص النوع بصنف من أصنافه"، أما إذا نوى تخصيصه بصفة من صفاته الضرورية كشخص المرأة بكونها مصرية أو عراقية أو شامية فإن نيته لا تنفع لا ديانة ولا قضاء، لأن الصفة ليست من مدلول لفظ المرأة بل هو تخصيص بالمكان فلا تنفع فيه النية.
الثالث: المعنى اللغوي وهو لا يعتبر مع العرف إلا إذا وقع مشتركاً بين اللغة والعرف، فيعتبر المعنى اللغوي على أنه من العرف، ومثله المعنى الشرعي كما تقدم بيانه.
الرابع: السبب الباعث على الحلف، فإذا حلف بسبب صفة في المحلوف عليه ثم زالت هذه الصفة فإنه لا يحنث بفعله. أما إذا لم تزل هذه الصفة أو لم تكن موجودة وقت الحلف أصلاً فإنه يحنث.
فمثال ما فيه صفة زالت بأن يحلف أن لا يأكل هذا العنب وهو رطب فإذا زالت رطوبته واكله زبيباً فإنه لا يحنث أما إذا لم تزل منه صفة الرطوبة فإنه يحنث بأكله وهو ظاهر.
ومثال الصفة التي لم تكن موجودة وقت الحلف أن يقول: والله لا أكلم هذا الصبي أو لا آكل من هذا الحمل "ولد الشاة الصغير" فإنه يحنث إذا كلمه وهو شيخ أو أكله وهو كبش، وذلك لأن صفة الصغر الموجودة في الصبي وفي الحمل تلغو مع الإشارة، ولا تعتبر إلا الذات المشار إليها وهي باقية في الصغر والكبر، فلم تكن موجودة وقت الحلف بهذا الاعتبار فلا ينظر إليها في اليمين فإذا كان الباعث له على اليمين سبباً آخر سوى الصغر فإن يمينه ينصر إليه. كما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي خوفاً على عرضه أو لكونه سفيهاً فكلمه وهو شيخ لزوال السبب فإنه لا يحنث، لأن الوصف كان موجوداً وقت الحلف وقد زال، والإشارة غير موجودة فلا يحنث؛ وهذا يشبه بساط اليمين عند المالكية.
الخامس: الحلف على ما يصح امتداده زمناً كالقيام والقعود واللبس والسكن والركوب: فهذه الأشياء ونحوها لا يصح امتدادها زمناً مخصوصاً فيقال: قام ساعة وقعد يوماً وسكن شهراً ولبسه يومين وهكذا. فإذا حلف على ما يمتد وهو متلبس بالفعل كأن قال: والله لا أقوم وهو قائم أو قال: والله لا أقعد وهو جالس أو قال: والله لا أسكن وهو ساكن ففيه خلاف؛ فبعضهم يقول: إنه لا يحنث في يمينه على أي حال، وبعضهم يقول: يجب عليه أن يفعل المحلوف عليه فوراً ولا يغفر له غلا الزمن الذي يتمكن فيه من الفعل، فإذا حلف وهو راكب وجب عليه أن ينزل فوراً وإلا حنث في يمينه، وكذا إذا حلف وهو قائم فإنه يلزمه القعود حالاً وإلا حنث وهكذا، وإذا حلف وهو غير متلبس بالفعل كما إذا حلف لا يركب وهو غير راكب ثم ركب فإنه يحنث بابتداء الركوب واستمراره؛ فيلزمه بكل لحظة يتمكن فيها من النزول حنث، وبعضهم يقول: لا يحنث إلا في الإبداء على أي حال ورجحه بعضهم. والتحقيق أن المعتبر في كل هذا هو العرف، فإذا كان استمرار الركوب والقيام والقعود ونحوها يسمى ركوباً وقياماً وقعوداً في العرف حنث بالاستمرار وإلا فلا يحنث. أما الأشياء التي لا تقبل الامتداد كالدخول والخروج والتطهر والتزوج فإنه لا يحنث إذا حلف وهو متلبس بها باتفاق، فإذا حلف لا يتزوج وهو متزوج أو لا يتطهر وهو متطهر، أو لا يدخل هذه الدار وهو فيها، أو لا يخرج منها وهو خارج، فإنه لا يحنث بالاستمرار. وهناك قواعد أخرى تذكر لمناسباتها فيما يأتي.
المالكية - قالوا: الأصول المعتبر في الأيمان خمسة: الأول النية وتقدم في الاعتبار على جميع الأصول، وهي تخصص لفظ العام وتقيد لفظ المطلق وتبين المجمل. فمثال العام "وهو اللفظ الذي يستغرق أفراده الصالحة له بدون حصر" أن يقول: والله لا آكل سمناً، فلفظ السمن عام يتناول جميع أفراده كسمن الضأن وسمن البقر والجاموس وسمن الجمال ونحو ذلك، فإن نوى بيمينه هذا تخصيص ذلك العام فلا يخلو: إما أن ينوي منع نفسه من أكل سمن الضأن فقط وإباحة أكل غيره من سمن البقر والجمال ونحوها، أو ينوي منع نفسه من أكل سمن الضأن ولم يلاحظ إباحة غيره، والنية تنفعه في الحالتين. فأما في الحالة الأولى فإن النية تنفع فيها بلا خلاف، لأنها قد خالفت ما يقتضيه لفظ العام حقيقة لأن لفظ العام يقتضي أنه حظر على نفسه أكل السمن بجميع أفراده، والنية تقتضي أنه أباح لنفسه أكل ما عدا سمن الضأن وبينهما منافاة حقيقية، وقد اشترط بعضهم وجود هذه المنافاة، وهذه الحالة تحقق فيها هذا الشرط فتنفع فيها النية بلا خلاف، وأما في الحالة الثانية فإن النية تنفع فيها على المعتمد، وذلك لأنها خصت لفظ العام بالمعنى الخاص، فعبر بالعام وهو لفظ السمن عن معنى الخاص وهو سمن الضأن، ولا منافاة بين العام وأفراده، لأن سمن الضأت وهو الخاص فرد من أفراد السمن وهو العام، ولا منافاة بين العام وأفراده، ولكن بينهما مغايرة وهي كافية فلا تشترط المافاة الحقيقية على المعتمد.
ومثال المطلق كقوله: والله لا أكلم رجلاً ونوى رجلاً جاهلاً أو في المسجد أو في الليل، فإنه لا يحنث إذا كلم رجلاً عالماً أو في غير المسجد أو في النهار. وكذا من حلف ليكر من رجلاً ونرى به زيداً لا يبر بإكرام غيره، لأن رجلاً مطلق وقيده بخصوص زيد فصار معنى اليمين لأكر من زيداً، ومثال المجمل أن يقول، زينب طالق وله زوجتان اسم كل منهما زينب، فلفظه مجمل فإذا قال: أردت زينب بنت فلان فإنها هي التي تطلق، ثم إن كان الحلف بطلاق ونحوه يشترط أن يكون لفظ العام أو المطلق محتملاً لما نواه بالتساوي في العرف، كما إذا حلف بالطلاق لامرأته أنه لا يتزوج عليها مدة حياتها ونوى ما دامت في عصمته، فإذا طلقها بائناً وتزوج عليها وادعى أنه نوى بيمينه ما دامت في عصمته، فإنه يقبل قوله قضاء، لأن لفظ حياتها مفرد مضاف يعم كل وقت من أوقات حياتها، وهو يشمل الوقت الذي تكون معه في عصمته وغيره فإذا نوى وقت كونها في عصمته بخصوصه فإنه يكون قد قصر العام على بعض أفراده وهو تخصيص له، واللفظ محتمل لذلك الوقت الذي نواه وغير بالسواء، أما إذا لم يكن اللفظ محتملاً لهما بالسواء فلا يخلو: إما أن يكون ما نواه قريباً من ظاهر اللفظ أو مخالفاً له جد المخالفة. فإن كان قريباً فإن قوله يقبل عند المفتي مطلقاً، سواء كان الحلف بالله أو بالطلاق والعتاق. ويقبل عند القاضي إن كان الحلف بالله، أما في الطلاق والعتاق فإنه لا يقبل، وإن كانت المخالفة بعيدة فلا يصدق في شيء من دعواه لا في القضاء ولا في الفتوى.
فمثال المخالفة القريبة من المساواة المثال المتقدم وهو: والله لا آكل سمنا ناوياً به سمن الضأن فلفظ السمن عام يتناول سمن الضأن الذي نواه وغيره، ولكن ظاهر اللفظ يغلب في غير الضأن وهو سمن الجاموس مثلاً، وسمن الضأن ليس بعيداً منه، فاستعمال اللفظ فيه بخصوصه بنية يصح سواء نوى إخراج غيره أو لم ينو على المعتمد كما تقدم، هذا إذا كان لفظ السمن غالب الاستعمال في سمن الجاموس أو البقر، أما إذا كان غالباً في سمن الضأن كان ما نواه مساوياً لظاهر اللفظ.
ومثال المخالفة البعيدة من اللفظ أن يقول: زوجي طالق أو حرام وينوي طلاق زوجته التي ماتت أو ينوي أكلها مال اليتيم حراماً فإن إرادة هذا بعيدة من اللفظ، فلا يصدق لا في القضاء ولا في الفتوى إلا إذا قامت قرينة على صدق ما يريد.
الثاني: بساط اليمين وهو السبب الحامل على اليمين. فإذا عدمت النية الصريحة أو لم تنضبط يعتبر سبب اليمين، لأنه في حكم النية فيخصص العام ويقيد المطلق كالنية مثاله: من وجد الزحام على الجزار فحلف أن لا يشتري لحماً في ليلته ثم اشترى بعد أن انقض الزحام أو من جزار آخر لا زحام عنده فإنه لا يحنث، لأن سبب اليمين يخصصه بالزحام. وكذا إذا سمع طبيباً يقول: أكل لحم الحيوان المريض ضار فحلف أن لا يأكل اللحم فلا يحنث بأكل لحم السليم، لأن سبب اليمين خاص بالمريض وكذا إذا حلف ليشترين دار فلان ولكن صاحبها أبى بيعها بثمن مثلها فإنه لا يحنث على الصحيح لأن يمينه مقيد بما إذا رضي صاحبها، وكذا إذا حلف ليبيعن فأعطي أقل من الثمن. وكذا إذا كان شخص يأخذ من الناس زكاة مالهم لينفقها على الفقراء فقيل له: أنت تفعل ذلك لتأخذ منه لنفسك، فحلف أنه لا يزكي ولم ينو شيئاً فإنه لا يحنث إذا أخرج زكاة ماله، وإنما يحنث بتزكيته للناس. وكذا إذا ضاع من شخص عقد من العقود ثم حلف للشهود بالطلاق أنه قد ضاع وأنه غير موجود في الدار ليكتبوا له غيره ثم وجده في الدار فإنه لا يحنث.
الثالث: العرف وهو قسمان: عرف قولي، وعرف فعلي، فالعرف القولي هو الذي ينصرف إليه القول عند الإطلاق في العرف، كلفظ الدابة المختصة في العرف بالحمار. والمملوك المختص بالأبيض، والثوب المختص بالقميص، فمن حلف لا يشتري دابة لا يحنث بشراء الفرس، وإنما يحنث بشراء الحمار، وكذا من حلف لا يشتري مملوكاً فاشترى أسود، أو حلف لا يشتري ثوباً فاشترى عمامة فإنه لا يحنث، وأما العرف الفعلي فهو ما تعارف الناس على استعماله، فإذا حلف لا يأكل خبزاً وكان المتعارف عند أهل البلد أنهم لا يأكلون إلا الشعير ولفظ الخبز يتناول الشعير والقمح فإنه لا يحنث بأكل القمح، لأن العرف الفعلي يخصه بالشعير. وقيل إن العرف الفعلي لا يخصص فيحنث بأكل القمح: والظاهر الأول، وإنما يعتبر العرف إذا عدمت النية والبساط.
الرابع: المدلول الشرعي، فمن حلف لا يصلي أو لا يتطهر أو لا يزكي حملت على الأركان الشرعية لا على اللغوية، فيحنث إذا صلى الظهر أو العصر وهكذا، ويقدم المدلول الشرعي على اللغوي على الراجح.
الخامس: المدلول اللغوي، فمن حلف لا يركب دابة حنث بركوب أي حيوان يدب على وجه الأرض ولو التمساح، وكذا من حلف لا يلبس ثوباً فإنه يحنث بلبس العمامة، وإنما يعتبر المعنى اللغوي عند عدم وجود أصل من الأصول المتقدمة.
الحنابلة - قالوا: اليمين تعتبر فيها أولاً النية فيرجع إلى نية الحالف بشرطين:
الأول: أن يكون غير ظالم وإلا فلا تعتبر نيته إن كان ظالماً بل تعتبر نية المحلف.
الثاني: أن يحتمل لفظه ما نواه، فإن احتمله احتمالاً قريباً أو متوسطاً يقبل قوله ديانة وقضاء وأما إذا احتمله احتمالاً بعيداً فإنه يقبل ديانة أي فيما بينه وبين الله، أما إذا لم يحتمل لفظه ما نواه كأن حلف أن لا يأكل خبزاً ونوى بذلك أن لا يدخل بيتاً فإن نيته لا تعتبر، وما تعتبر فيه النية أنواع:
منها: أن ينوي بالعام الخاص، كأن يحلف لا يأكل لحماً واللحم تحته أفراد كثيرة: لحم الشاة ولحم البقر ولحم الجمل وهكذا، فإذا نوى باللفظ العام فرداً من هذه الأفراد تصخ نيته ويقبل منه قوله، ومنها أن يحلف على فعل شيء أو تركه وينوي في وقت معين مثل أن يقول: والله لا أتغدى وينوي اليوم، أو يقول: والله ما أكلت ويريد الساعة وهكذا، فإن نيته تعتبر ويخص يمينه بذلك الوقت الذي نواه. ومنها: أن ينوي ليمينه غير ما يفهمه السامع منه، كما إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً ونوى بقلبه طالق من وثاق أو من العمل الفلاني كالخياطة مثلاً فإنها لا تطلق فيما بينه وبين الله، وإن كان لا يصدق قضاء؛ لأن لفظ الطلاق يحتمل ما نواه احتمالاً بعيداً. ومنها أن يريد بالخاص العام كما إذا قال: والله لا شربت لفلان ماء من العطش ونوى بذلك أنه لا يتناول منه شيئاً فيه منة من أكل ولبس ونقود ونحوها، فاستعمال الخاص في العام صحيح ونيته في اليمين معتبرة، أما إذا جلس في ظل داره أو ضوء ناره لا يحنث لأن اللفظ لا يتناول مثل هذا، وكذا إذا حلف لا يسكن مع زوجه في الدار الفلانية ولكنه نوى بذلك جفاءها وعدم معاشرتها فله نيته؛ لأنه أراد بالخاص العام.
ثانياً: يعتبر سبب اليمين، فإذا لم ينو بلفظه شيئاً لا ظاهر اللفظ ولا ما يحتمله يرجع في يمينه إلى السبب الذي حمله على الحلف، فإذا كان لشخص دين على آخر وطلبه منه بشدة فحلف له المدين أن يقضيه حقه غداً ثم قضاه قبل ذلك فإنه لا يحنث، لأن سبب اليمين يقتضي تعجيل الوفاء، والسبب يدل على النية. أما إذا لم تكن له نية وليس ليمينه سبب فإنه يحنث إذا قضاه قبل الموعد المضروب فإن قضاه حقه قبل الغد حنث كما لو أخره.
ثالثاً: أن تتغير صفة المحلوف عليه بما يزيل اسمه ثم تعود له تلك الصفة
ثانياً كغصن انكسر ثم أعيد، وقلم كسر ثم بري، ودار هدمت ثم بنيت، فلو حلف لا يستظل تحت هذا الغصن ثم انكسر وأعيد فإنه يحنث إذا استظل تحته، وإذا حلف لا يكتب لهذا القلم ثم كسره وبراه فإنه يحنث بالكتابة به، وإذا حلف لا يدخل هذه الدار فهدمت وبنيت فإنه يحنث بدخولها.
رابعاً: أن تتغير الصفة بما لا يزيل الاسم كما إذا حلف لا يأكل لحماً مشوياً فأكله مطبوخاً فإنه يحنث. أما إذا حلف لا يلبس هذا الثوب وهو رداء ثم غيره عن كونه رداء ولبسه فإنه لا يحنث لأن الحال قيد في عاملها.
خامساً: يعتبر بعد ذلك مدلول الاسم وهو ثلاثة أقسام:
عرفي، وشرعي، ولغوي وهو الحقيقي فيقدم في الاعتبار المعنى الشرعي، فإذا حلف لا يصلي ولم ينو شيئاً انصرف يمينه إلى الصلاة الشرعية لا إلى اللغوية وهي الدعاء. ويحنث بصلاة الجنازة لأنها صلاة شرعاً، ويحنث بتكبيرة الإحرام لأنه يكون بها مصلياً، أما إذا قال: والله لا أصلي صلاة فإنه لا يحنث إلا إذا صلى ركعة لأنها هي التي يقع عليها اسم الصلاة، ولا يحنث إلا إذا صلى صلاة صحيحة، فلو صلى بدون طهارة أو بدون تكبيرة الإحرام فإنه لا يحنث، ومثلها سائر العقود فإنه لا يحنث بالفاسد منها ما عدا الحج فإنه يحنث بالفاسد منه ثم يقدم المعنى العرفي على المعنى اللغوي.
وإذا حلف ليقضينه حقه غداً ونوى به مطله ثم قضاه قبل ذلك يحنث أيضاً، لأن اليمين انعقد على ما نواه وقد خالفه.
وإذا حلف ليبيعن هذه السلعة بمائة فباعها بالمائة أو بأكثر منها لا يحنث، أما إذا باعها بأقل فإنه يحنث لأن قرينة الحال تدل على أنه يريد الكثرة: وإذا حلف لا يشتريه بمائة فاشتراه بها أو بأقل لا يحنث، وبأكثر يحنث عكس الأول لدلالة قرينة الحال على أنه يريد القلة. وإذاحلف لا يلبس هذا الثوب بسبب منة عليه فباعه واشترى بثمنه ثوباً آخر يحنث بلبسه، وإذا اشتراه على وجه لا منة فيه أو اشتراه وكساه به لا يحنث، لأن السبب قد زال وهو المنة.
سادساً: التعيين بالإشارة، لم يكن للحالف نية ولم يكن لليمين سبب فإنه يرجع إلى الإشارة لأنها تعين المقصود وتدل على غرض الحالف أكثر من دلالة اللفظ على معناه، فإذا حلف على معين كما إذا قال: والله لا آكل هذه البيضة فإنه يحنث بأكلها إذا لم ينو شيئاً يحتمله اللفظ، أو يكون ليمينه سبب يرجع إليه. فإذا انعدمت صفة المحلوف عليه المعين كما إذا حلف لا يأكل هذه البيضة فصارت فرخاً فإن ذلك على ثلاثة أقسام: الأول: أن تنعدم الصفة وتستحيل الأجزاء بتغير الاسم كما في البيضة إذا صارت فرخاً. والحنطة إذا صارت زرعاً، والخمر إذا صار خلاً. وفي هذه الحالة يحنث بالأكل من الفرخ والزرع والشرب من الخل.
الثاني: أن تنعدم صفته ويزول اسمه مع بقاء أجزائه كالرطب إذا صار تمراً أو دبساً أو عمل حلوى "مربة" فإن أجزاءه لم تنعدم بذلك وإن تغيرت صفته وزال اسمه، فإنه إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب فإنه يحنث إذا أكل منه وهو تمر أو وهو "مربة" وكذا إذا حلف لا يكلم هذا الصبي فإنه يحنث إذا كلمه وهو شيخ، لأن الصفة انعدمت وزال الاسم مع بقاء الأجزاء، ومثله إذا حلف؟؟ من هذا الحمل "ولد الشاة الصغيرة" فأكل منه وهو كبش. وكذا إذا حلف لا يأكل هذه الحنطة فصارت دقيقاً أو هريسة يحنث بالأكل منها.
الثالث: أن تتبدل الإضافة كما إذا قال: والله لا أدخل دار فلان فباعها لغيره أو قال: والله لا أكلم امرأته علي فطلقها فإنه يحنث إذا كلم المرأة بعد طلاقها أو دخل الدار بعد بيعها.
الشافعية - قالوا: الأيمان إن كانت بالله تعالى فإنها تبنى على العرف فيحمل اللفظ فيها على معناه المتعارف ولو كان مجازاً، سواء كان مجازاً متعارفاً أو لا. أما إذا كان اليمين بالطلاق فإنه يبني اللفظ فيه على معناه اللغوي ولا ينظر فيه للعرف، فإذا قال: والله لا آكل من هذه الشجرة فإنه يحنث إذا أكل من ثمرها، مع أن مدلول لفظ الشجرة الحقيقي هو الشجرة والورق ولكن هذه العبارة استعملت عرفاً في ثمر الشجرة فصارت مدلولاً لها في العرف. وكذلك إذا حلف أمير لا يبني داره يحنث إذا بناها الغير، وكذلك إذا حلف لا يحلق رأسه فحلق له غيره بأمره فإنه يحنث على المعتمد نظراً للعرف ما لم ينو شيئاً آخر فيعمل بنيته.
وكذا إذا حلف بالله لا يأكل هذه البيضة فبلعها بدون مضغ حنث، لأن البلغ أكل في العرف أما إذا حلف بالطلاق لا يأكلها فبلعها بدون مضغ لا يحنث لأن البلع بدون مضغ لا يسمى أكلاً في اللغة. واليمين بالطلاق يبنى على اللغة لا على العرف كما علمت.
أما النية فإنها معتبرة في الأيمان ما لم ينو ما لا يحتمله اللفظ، وقد تقدم أنه إذا قال: والله ما فعلت كذا ونوى أن يقول: وهو الله، لا ينعقد يمينه. وكذا إذا قال: بالله فعلت كذا نوى الاستعانة بالله في فعله فإنه يقبل قوله ديانة لا قضاء، لأن التورية تصح في اليمين ما لم تكن بحضرة قاض. وإذا نوى مستحيلاً فإن النية لا تنفع كما إذا قال: والجناب الرفيع ونوى به اليمين بالله بإنه لا ينعقد لأن معنى الجناب فناء دار الإنسان وهو مستحيل في حقه تعالى، والنية لا تعمل في المستحيل.
وإذا حلف لا يصلي فإنه لا يحنث بصلاة الجنازة، لأنها لا تسمى صلاة في العرف وإن كانت صلاة في الشرع، لكن العرف مقدم في اليمين، فلا يحنث إلا إذا صلى صلاة صحيحة ذات ركوع وسجود، ولا يحنث بالفاسدة، ومثلها سائر العقود فإذا حلف لا يفعلها فلا يحنث إلا بالصحيح منها ما عدا الحج، فإنه إذا حلف لا يحج حجاً فاسداً فإنه يحنث به



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.11 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]