عرض مشاركة واحدة
  #879  
قديم 07-11-2013, 08:06 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ


الدكتور منصور العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لقد ذكرنا في مقالتين سابقتين نشرتا على هذا الموقع وهما مقالة "خلق الأرض في يومين" ومقالة "وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين" إن الحياة على هذه الأرض لم يكن لها لتظهر لو لم يتم تصميم جميع أجزاء هذا الكون بتقدير بالغ في جميع مراحل خلقه حيث أن خللا بسيطاﹰ في تصميم مرحلة ما من هذه المراحل قد يحول دون أن تكون الأرض بالشكل والمواصفات التي هي عليها الآن.
وذكرنا كذلك بأن الأرض قد تم تصميمها بتقدير بالغ لكي تكون مؤهلة لظهور الحياة عليها وذلك من حيث تحديد بعدها عن الشمس التي تمدها بالطاقة وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس وكذلك إمالة وتأرجح محورها وشدة مجالها المغناطيسي وسمك قشرتها.
وبما أن الكائنات الحية تحتاج لبناء أجسامها إلى عدد كبير من العناصر الطبيعية فقد تم توفير جميع العناصر التي أنتجتها نجوم هذا الكون في قشرة هذه الأرض بنسب متفاوتة. وأما تضاريس الأرض فقد تم تشكيلها بشكل بارع بحيث يكون فيها مناطق منخفضة لاستيعاب مياه الأرض فيها ومناطق مرتفعة لا يمكن للمياه أن تغمرها وذلك لتكون مناسبة لظهور مختلف أشكال الحياة عليها.
أما جو الأرض فقد تم تصميمه بحيث أن محتوياته عند بداية تكونه تختلف عن محتوياته عما هي عليه الآن وذلك لأن جو الأرض الأولي المكون من غازات الهيدروجين والأمونيا والميثان وبخار الماء قد لعب دوراً بالغ الأهمية في تكون المواد العضوية البسيطة التي تلزم لظهور الحياة لاحقا.
ونظرا للدور البالغ الأهمية الذي يلعبه الماء في ظاهرة الحياة على الأرض فقد لزم أن نفرد له مقالة خاصةنبين فيها بعض الحقائق العلمية المتعلقة بخصائص الماء وكذلك الدور الذي يلعبه في ظاهرة الحياة على الأرض مصداقاﹰ لقوله تعالى "وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ أفلا يؤمنون" الأنبياء 30.
يقدّر علماء الجيولوجيا كمية الماء الموجودة على الأرض بستة عشر بليون كيلومتر مكعب أو ما يساوي ستة عشر بليون بليون طن أي أن نسبة كتلته إلى كتلة الأرض تبلغ خمسة وعشرون بالألف. ويوجد القسم الأكبر من هذه الكمية والتي تقدر بثلاثة عشر بليون كيلومتر مكعب في طبقات الأرض الواقعة تحت القشرة الأرضية وهي موجودة على شكل بخار ماء مضغوط وذلك بسبب الحرارة العالية لباطن الأرض. أما الكمية المتبقية والتي تقدّر بثلاثة بلايين كيلومتر مكعب فإن نصفها يدخل في تركيب الصخور والمعادن الموجودة في القشرة الأرضية بينما يوجد النصف الآخر في المحيطات والبحار والأنهار. ويتجمع معظم الماء الموجود على سطح الأرض في محيطات وبحار الأرض إلا أن هناك ما يقرب من مائة مليون كيلومتر مكعب من الماء موجودة على اليابسة في تجاويف القشرة الأرضية وفي البحيرات والأنهار والتربة على شكل سائل وفي المناطق الجبلية والجليدية على شكل جليد. ويعتقد العلماء أن الماء الموجود على سطح الأرض قد خرج من باطنها فبعد أن تكونت القشرة الأرضية الصلبة بدأ الماء يخرج من باطن الأرض على شكل بخار مع الحمم التي تقذفها البراكين من باطن الأرض إلى سطحها وذلك مصداقا لقوله تعالى "والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها مائها ومرعاها" النازعات 30-31. ويقدّر علماء الجيولوجيا كمية الماء الذي يخرج من باطن الأرض في السنة الواحدة بحوالي كيلومتر مكعب واحد أو ما يعادل ألف مليون طن ويعتقدون أن هذه الكمية كافية لتشكيل الاحتياطي الإجمالي للماء على سطح الأرض بمرور بلايين السنين على نشأة الأرض.
لقد كان هذا الماء عند أول نشأة الأرض على شكل بخار يملأ جو الأرض الأولي بسبب ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض في تلك الحقّبة من الزمن وبعد أن برد هذا السطح بدأ بخار الماء بالتكثف ليسقط على شكل أمطار غزيرة لعبت دوراً كبيرا في تشكيل بعض تضاريس الأرض كالأودية والسهول الغنية بالتراب. ولو أن جميع ما في الأرض من ماء قد خرج من باطنها واستقر على سطحها لما وسعته المحيطات ولوصل ارتفاع الماء فوق سطح الأرض إلى ثلاثين كيلومتر ولكن من لطف الله بالناس أن تسعين بالمائة من هذا الماء لا زال محبوساً كبخار تحت القشرة الأرضية. ويقوم هذا المخزون الضخم من الماء المحبوس تحت القشرة الأرضية بتعويض كمية الماء الموجودة على السطح إذا ما نقص بسبب هروب بعضه إلى الفضاء الخارجي أو اتحاده بشكل دائم مع بعض العناصر والمركبات الأرضية. ولو أن الأرض بقيت على شكل كرة ملساء كما كان حالها عند بداية خلقها لغطت كمية الماء الموجودة على سطحها فقط جميع سطح الأرض بارتفاع ثلاثة كيلومترات. ولكن بتقدير من الله عز وجل وبسبب ضغط الماء الهائل على قشرة الأرض التي كانت طرية ورقيقة عند بداية تكونها فقد بدأ جزء من سطح الأرض بالانخفاض تحت وطأة هذا الضغط ممّا جلب مزيداً من الماء لهذا الجزء الذي واجه مزيداً من الانخفاض. وقد توالت هذه العملية حتى تجمع الماء في جهة واحدة من سطح الأرض وانحسر عن الجزء المتبقي من السطح الذي ارتفع مستواه بسبب الضغط المعاكس على القشرة من داخل الأرض مكونا اليابسة. ولقد تأكدت هذه الحقيقة بعد اكتشاف علماء الجيولوجيا أن المحيطات الحالية كانت محيطا واحدا وكذلك القارات التي كانت قارة واحدة ولكن وبسبب حركة الصفائح التي تتكون منها القشرة الأرضية بدأت القارة الأولية بالانقسام إلى عدة قارات بشكل بطيء جدا بما يسمى ظاهرة انجراف القارات.
وتغطي المحيطات الآن ما يقرب من سبعين بالمائة من سطح الأرض بينما تشكل اليابسة ثلاثين بالمائة من سطحها ويبلغ متوسط ارتفاع اليابسة عن سطح البحر ما يقرب من كيلومتر واحد بينما يبلغ متوسط انخفاض المحيطات عن سطح البحر أربعة كيلومترات تقريباً. إن تحديد نسبة مساحة سطح اليابسة إلى مساحة سطح المحيطات لم يتم بطريقة عشوائية بل تم تقديره بشكل بالغ حيث بينت دراسات العلماء أن أية زيادة أو نقصان فيها قد يحول دون ظهور الحياة على الأرض. فمتوسط درجة حرارة سطح الأرض سيختلف عن الرقم الحالي البالغ خمسة عشر درجة فيما لو تغيرت هذه النسبة وذلك بسبب الاختلاف الكبير في الحرارة النوعية لكل من تراب اليابسة وماء المحيطات. وستتغير كذلك كمية ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي بسبب تفاوت نسب امتصاص البر والبحر لهذا الغاز الذي يعتبر مصدر الغذاء الرئيسي لجميع الكائنات الحية وكذلك فإن كمية الماء التي ستسقط على اليابسة ستزداد أو تنقص تبعاً لقيمة النسبة بين مساحة كل من البر والبحر. وقد يقول قائل أن كمية الماء الهائلة الموجودة في المحيطات قد تكون أكبر ممّا تحتاجه الكائنات الحية وأن محيطات بمتوسط عمق أقل من ذلك قد تكون كافية لهذا الغرض. ولكن هنالك حكمة بالغة وراء تقدير تلك الكمية من الماء حيث أن مياه الأمطار التي تعود للمحيطات من خلال الأنهار تحمل معها كميات كبيرة من أملاح تراب اليابسة ممّا يزيد من ملوحتها مع مرور الزمن. إن زيادة ملوحة المحيطات عن حد معين سيؤدي حتما إلى موت جميع الكائنات الحية فيها وأكبر دليل على ذلك الحال الذي هو عليه البحر الميت في الأردن. ولكن بتقدير من الله وبفضل منه وبسبب هذه الكمية الهائلة من المياه في المحيطات فإن ملوحتها لا زالت دون الحد الذي يمنع عيش الكائنات الحية فيها رغم أن أنهار الأرض تلقي فيها كميات كبيرة من الأملاح منذ ما يزيد عن أربعة آلاف مليون سنة وصدق الله العظيم القائل "وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها" فاطر 12.
إن تحديد نسبة مساحة سطح اليابسة إلى مساحة سطح المحيطات لم يتم بطريقة عشوائية بل تم تقديره بشكل دقيق حيث بينت دراسات العلماء أن أية زيادة أو نقصان فيها قد يحول دون ظهور الحياة على الأرض
ويتفرد كوكب الأرض من بين جميع كواكب المجموعة الشمسية بوجود هذه الكمية الضخمة من الماء على سطحه وذلك يعد أن تأكد للعلماء من خلال إرسال مركبات فضائية إلى كواكب المجموعة الشمسية أن سطوحها تخلو تماماً من الماء. ولا زال العلماء يتساءلون عن مصير الماء الذي كان موجوداً على هذه الكواكب حيث أنها قد تكونت بنفس الطريقة التي تكونت بها الأرض ولا بد والحال هذا أن جميعها قد أخذ نصيبه من الماء وكذلك من بقية العناصر والمركبات الطبيعية. ومن الخطأ أن نعتقد أن الماء إذا ما توفر في كوكب ما فلابد أن يشكل محيطات وبحار على سطحه كما هو الحال مع الأرض وذلك لأن الظروف التي يتشكل خلالها الكوكب هي التي تحدد الطريقة التي سيكون عليها حال الماء على سطحه. وهذا يعني أن ضمان ظهور الماء على سطح الكوكب يحتاج لتقدير بالغ في تحديد تسلسل الأحداث التي يمر بها تشكل الكوكب عند نشأته وأن حدوث خطأ بسيط في تسلسل هذه الأحداث قد يحول دون ظهور الماء عليه. ولو قمنا بتقصي الأسباب التي قد تحول دون ظهور الماء على سطح كوكب ما، على الرغم من توفر الماء في جوفه لما أحصيناها عدداً. فعلى سبيل المثال،فمن الممكن أن الكواكب التي هي أبعد من الأرض عن الشمس قد تكونت قشرتها بشكل أسرع ممّا حدث على الأرض ممّا حالت دون خروج الماء من باطنها إلى ظاهرها من خلال البراكين. ومن الممكن أن هذا الماء قد تجمد بكامله في الكواكب الأبعد من الأرض عن الشمس بسبب البرودة الشديدة وتجمع في طبقات قشرة الكوكب أو عند أقطابه. ومن الممكن أنه قد تسرب إلى الفضاء الخارجي مع مرور الزمن وخاصة في الكواكب القريبة من الشمس بسبب ارتفاع درجة حرارة سطحها. ومن الممكن أيضا أن تكون قشرة الكوكب من السماكة بحيث أن الماء قد غار في طبقاتها المختلفة ولم يصل إلى باطن الكوكب الحار الذي يستطيع أن يخرجه كبخار مع البراكين وصدق الله العظيم القائل " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا علي ذهاب به لقادرون ".
إن عملية نقل الماء من المحيطات وتوزيعها على اليابسة تتم بآليات بالغة الإتقان حيث تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير الماء من المحيطات بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان.
ويقدّر العلماء كمية الماء المتبخر من المحيطات في السنة الواحدة بأربعمائة ألف كيلومتر مكعب ومن اليابسة بستين ألف كيلومتر مكعب وتحتاج هذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر من المحيطات إلى كمية هائلة من الطاقة تقدّر بمائتين وخمسين مليون بليون كيلواط ساعة في السنة الواحدة.
تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير الماء من المحيطات بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان.
وتتكفل الشمس بتوفير هذه الكمية الهائلة من الطاقة لعملية تبخير الماء من خلال الإشعاع الذي يصل إلى الأرض على شكل أمواج ضوئية وحرارية. ومن حسن التقدير أن طاقة التبخير هذه لا تذهب هدراً بل يتم الاستفادة منها عندما يتكثف بخار الماء في الجو فتنطلق هذه الطاقة لتسخن جو الأرض وخاصة أثناء الليل. وبعد أن يصعد هذا الماء المتبخر إلى طبقات الجو العليا مع التيارات الهوائية الصاعدة يبدأ البخار بالتكثف على شكل غيوم بسبب البرودة الشديدة لطبقات الجو العليا وصدق الله العظيم القائل "وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون" الأعراف 57.
إن رفع هذا الكمية الهائلة من الماء إلى ارتفاع عدة كيلومترات فوق سطح البحر يحتاج إلى كمية هائلة من الطاقة لا تقل عن كمية الطاقة التي لزمت لتبخيرها. وتقوم الشمس أيضا بتوفير هذه الطاقة من خلال تسخين الهواء الملامس لسطح الأرض والذي يرتفع إلى الأعلى حاملاً معه بخار الماء وذلك بسبب أن كثافة الهواء الساخن أقل من كثافة الهواء البارد. إن هذه الطاقة تعاد بكاملها إلى الأرض عند نزول الماء على شكل أمطار من خلال تحول طاقتها الوضعية إلى طاقة حركية ويتحول جزء كبير من هذه الطاقة الحركية إلى طاقة حرارية عند ارتطام قطرات الماء بسطح الأرض أماالجزء المتبقي فيبقى كطاقة حركية تنقل مياه الأنهار والسيول والجداول من أعالي الجبال إلى المحيطات والبحار والبحيرات. ويستفاد من هذه الطاقة الحركية في مياه الأمطار لنقل التراب من رؤوس الجبال الشاهقة إلى السهول المنبسطة الصالحة للزراعة.ولولا هذا التقدير لخلت هذه السهول مع مرور الزمن من العناصر والمركبات اللازمة للحياة. وقد استفاد الإنسان في العصور الماضية من هذه الطاقة الحركية في تشغيل النواعير لرفع الماء من الأنهار والطواحين لطحن الحبوب وفي هذا العصر في توليد كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية. وبعد أن يرتفع بخار الماء إلى طبقات الجو المختلفة يبدأ بالتكثف ليكون الغيوم التي تسوقها الرياح إلى مناطق اليابسة حيث تبدأ حبيبات الماء بالتكون لتسقط على شكل أمطار وثلوج وبرد وصدق الله العظيم القائل "ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلّب الله الليل والنهار إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار" النور 43-44.
وصف الله سبحانه السحاب أنه ثقيل (أقلّت سحاباً ثقالاً) كشف العلم الحديث أنه كل عام تهطل أمطار حجمها حوالي 460.000كم3 أما ثقلها فيقدر بآلاف ملايين الأطنان فمن أخبر محمد أنها ثقيلة
ولو قدر لهذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر أن تنزل دفعة واحدة على سطح جميع القارات لوصل ارتفاع الماء إلى عشرة أمتار ولكن من لطف الله بعباده أن 370 ألف كيلومتر مكعب منها ينزل على المحيطات بينما ينزل على اليابسة فقط 90 ألف كيلومتر مكعب.ولو وزع هذا الرقم الأخير على جميع مناطق اليابسة بالتساوي لكان نصيب كل متر مربع من الأرض مترا مكعبا واحدا من الماء. ومن لطف الله بالناس أن هذا الماء ينزل على مدى عدة أشهر وإلا فان نزول مثل هذه الكمية خلال يوم أو حتى أسبوع قد يتسبب في حدوث كوارث لا تحمد عقباها وصدق الله العظيم القائل "وأنزلنا من السماء مآء بقدر فأسكناه في الأرض وإنّا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنّات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين" المؤمنون 18-20. وإن ما حل بقوم سيدنا نوح عليه السلام من دمار وعذاب كان بسبب زيادة سقوط المطر عن الحدود التي قدرها الله وقد صور القران الكريم هذا المشهد العجيب بقوله سبحانه "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد ٌقدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر" القمر 11-14.
إن كمية الماء التي تسقط على اليابسة والتي تقدّر بتسعين ألف كيلومتر مكعب تعود في النهاية إلى المحيطات والبحار حيث يعود ثلاثون ألف كيلومتر مكعب منها بشكل مباشر بواسطة الأنهار بينما تعود الستين ألف المتبقية بطريقة غير مباشرة من خلال عملية التبخر وذلك بعد أن يتم الاستفادة منها من قبل الكائنات الحية المختلفة وخصوصا النباتات التي تستهلك الجزء الأكبر من هذه الكمية بامتصاصها من التربة. ومن الجدير بالذكر أن مجموع ما يستهلكه البشر سنوياً من الماء للأغراض الزراعية والمنزلية والصناعية يقدّر بثلاثة آلاف كيلومتر مكعب أي ما يساوي ثلاثة آلاف بليون متر مكعب فقط.إن عملية توزيع مياه الأمطار على جميع مناطق اليابسة لا تتم بشكل متساوي بسبب التفاوت الكبير لتضاريس اليابسة ومقدار بعدها عن المحيطات حيث تسقط الأمطار بكميات كبيرة على المناطق الساحلية وتقل تدريجياً كلما ابتعدنا عن شواطئ المحيطات والبحار.ومن فضل الله على الناس أن قام بتوفير آليات مختلفة لتزويد المناطق التي لا تسقط عليها كمية كافية من الأمطار بما يكفيها من الماء الذي يبعث فيها الحياة.فقد سخّر الله الأنهار التي تحمل الماء من المناطق الغنية به إلى المناطق الصحراوية الجافة كنهر النيل الذي يجلب الماء من الحبشة إلى السودان ومصر وكنهري دجلة والفرات التي تجلب الماء من تركيا إلى سوريا والعراق وكذلك الحال مع بقية أنهار الأرض وصدق الله العظيم القائل "أمّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون" النمل 61.ومن عجائب تصميم الأنهار أن ميلان الأرض قد تم تقديره بشكل بالغ الدقة بحيث أن الماء ينساب بشكل طبيعي من منابع الأنهار إلى مصابها رغم أنها تجري لآلاف الكيلومترات وصدق الله العظيم القائل " وهو الذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كلّ الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون " الرعد 3.
وبما أن الأمطار لا تسقط إلا في أشهر محددة من السنة في معظم أرجاء اليابسة فقد وفر الله وسائل عدة لحفظ مياه هذه الأمطار لتزود الكائنات الحية بالماء على طول أشهر السنة. ومن هذه الوسائل الثلوج التي تغطي قمم الجبال الشاهقة والتي تذوب في الصيف لتمد الأنهار والينابيع وبحيرات الماء العذب بكميات كبيرة من الماء وكذلك طبقات الصخور التي تختزن كميات كبيرة من المياه الجوفية فتخرج على شكل ينابيع لا تكاد تخلو منها أيّ منطقة علىهذه اليابسة. ومن عجائب التقدير أن هذه الينابيع قد تتفجر في مناطق قاحلة لا يسقط عليها المطر أبداً فيأتيها الماء من أماكن بعيدة على شكل أنهار تجري عبر طبقات الصخور وصدق الله العظيم القائل "ألم تر أنّ الله أنزل من السماء مآء فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرا ثمّ يجعله حطاما إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب" الزمر 21 والقائل سبحانه "وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء مآء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين" الحجر 22. وبما أنه لا يمكن لكثير من الكائنات الحية أن تعيش بدون الماء لفترات لا تتجاوز عدة أيام فإن من فضل الله عليها أن قام بتوزيع مصادر الماء في كل ركن من أركان هذه الأرض لكي ينتشر البشر وبقية الكائنات الحية في جميع أرجاء الكرة الأرضية وصدق الله العظيم القائل "وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء مآء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه ممّا خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا ولقد صرّفناه بينهم ليذّكروا فأبي أكثر الناس إلاّ كفورا" الفرقان 48-50.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد مكن الحيوانات من الحركة لتصل إلى مصادر الماء والغذاء لتأخذ منهما حاجتها فقد صمم آليات معقدة لتوفير الماء للنباتات التي لا يمكنها الحركة على الإطلاق. فقد تم تهيئة تراب الأرض وتشكيل الصخور التي تحتها بحيث تحتفظ بماء الأمطار لفترات طويلة ولكي تتمكن النباتات بمختلف أنواعها من الحصول على حاجتها من الماء في فترات انقطاع المطر عنها. وقد زود الله هذه النباتات بجذور يمكنها الغوص في أعماق التراب والصخور لكي تصل إلى أماكن الماء وصدق الله العظيم القائل "وأنزلنا من السماء مآء بقدر فأسكناه في الأرض وإنّا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنّات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون" المؤمنون 18-19.
ومن البدهي أن يثار التساؤل حول السبب الذي جعل الماء أحد أهم عناصر الحياة التي لا يمكن لها أن تظهر على الأرض ولا على أيّ كوكب آخر بدونه. وللإجابة على هذه التساؤل لابد من التذكير بحقيقة مهمة عن طبيعة الحياة وهي قدرة الكائنات الحية على أن تصنع نسخاً عن نفسها بنفسها من العناصر والمركبات الموجودة على الأرض. فجميع أنواع الكائنات الحية تبدأ عملية تصنيعها من خلية واحدة يحتوي شريطها الوراثي على جميع مواصفات جسم الكائن الحي ويتم تصنيع الكائن من خلال التعليمات التي يصدرها هذا الشريط لبعض مكونات الخلية. وتحتاج الكائنات الحية لبناء أجسامها إلى مواد مختلفة بمواصفات محددة وهذه المواد يتم تصنيعها من تراب هذه الأرض الذي يحتوي على جميع العناصر الطبيعية التي أنتجتها نجوم هذا الكون. وبما أن عملية تصنيع الكائنات الحية وما تحتاجه من مواد عضوية تتم بدون تدخل أيّ قوة خارجية فعلى هذه المواد أن تصنع نفسها بنفسها وأن تأخذ مواقعها في جسم الكائن من تلقاء نفسها. وبما أن هذه المواد ليس لها أيدي تمسك بها أو أرجل تمشي عليها فمن المستحيل أن تقوم بهذه المهمة إذا ما بقيت في أماكن تواجدها في تراب هذه الأرض. إن الطريقة الوحيدة التي تسهل حركة هذه المواد هو من خلال إذابتها في سائل ما يسمح لجزيئاتها بالحركة من خلال ظاهرة طبيعية وهي ظاهرة الانتشار. وفي مثل هذا السائل يمكن لجزيئات المواد المختلفة أن تتحرك بحرية ممّا يساعدها على الالتقاء ببعضها البعض وقد يؤدي هذا الالتقاء إلى حدوث التفاعلات الكيميائية بين هذه المواد لإنتاج مواد أكثر تعقيداً. إن وجود مثل السائل هو أول شرط من شروط ظهور الحياة في أيّ مكان في هذا الكون فالمواد في حالتها الصلبة وخارج هذا الوسط السائل تحتاج إلى من يخلطها باستمرار لكي يحدث التفاعل فيما بينها أما في حالة وجودها مذابة في السائل فإن هذه المواد ستتحرك من تلقاء نفسها بسبب خاصية الانتشار.
جعل الله الماء أحد أهم عناصر الحياة التي لا يمكن لها أن تظهر على الأرض ولا على أيّ كوكب آخر بدونه
ويؤكد العلماء على أن الحياة ظهرت على الأرض بسبب الخصائص الفريدة والعجيبة للماء فبدون هذه الخصائص لا يمكن للحياة أن تظهر أبداً. وممّا أثار استغراب العلماء أن جميع خصائص الماء الفيزيائية والكيميائية هي خواص شاذة أيّ أنها تختلف عن خواص مركبات مشابهة لها في التركيب ممّا حدا بعالم الكيمياء الفيزيائية الروسي "إيغور بتريانوف"بأن يصفه بأنه أغرب مادة في هذا الكون وذلك في كتابه "الماء تلك المادة العجيبة". لقد اثبت العلماء أن الماء هو السائل الوحيد من بين جميع السوائل الطبيعية الذي يصلح لأن يكون وسطاً مناسباً لحدوث التفاعلات الكيميائية التي تلزم لتصنيع المواد التي تحتاجها أجسام الكائنات الحية. فقد وجد العلماء أن الماء هو أفضل المذيبات على الإطلاق بسبب ارتفاع ثابت عزله الكهربائي وهذه الخاصية بالغة الأهمية للحياة حيث أن الكائنات الحية تحتاج لآلاف الأنواع من الجزيئات التي يجب أن تصنع في داخل هذا الماء وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت هذه الجزيئات قابلة للذوبان في الماء. ويستطيع الماء إذابة مختلف أنواع العناصر والمركبات العضوية وغير العضوية وسواء أكانت هذه المواد في حالتها الصلبة أو السائلة أو الغازية. أما الخاصية الثانية التي لا تقل أهمية عن الأولى فهي أن الماء له القدرة على تأيين أنواع مختلفة من الجزيئات الضرورية للحياة أيّ أن الجزيء يتفكك إلى أيونات موجبة وأخرى سالبة وهذا شرط ضروري لحدوث التفاعلات الكيميائية بين المواد المختلفة. بل الأعجب من ذلك أن الماء له القدرة على تأيين بعض جزيئاته وهذه الظاهرة ضرورية لإتمام كثير من التفاعلات الكيميائية التي تجري في داخل الخلايا الحية. فجزيء الماء المتأين ينتج أيون الهيدروجين الموجب والمسؤول عن ظاهرة الحموضة وأيون الهيدروكسايد السالب المسؤول عن ظاهرة القاعدية. وقد وجد العلماء أن بعض الأنزيمات لا تعمل إلا عند درجات محددة من الحموضة أو القاعدية في الماء.

يتبــــــــــــــــــع

 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.27 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]