الموضوع: خالد بن الوليد
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-12-2022, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,874
الدولة : Egypt
افتراضي خالد بن الوليد

خالد بن الوليد

ساير بن هليل المسباح

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

خالد بن الوليد رضي الله عنه شخصية غير عادية في تاريخ الإسلام والمسلمين؛ فهو قبل الإسلام ابن الوليد بن المغيرة، الذي صرف الناس عن الإيمان بالله تعالى وبكتابه، حين قال بعد تفكير طويل وتعمُّق فيما يصف القرآن به بعدما حيَّرهم شأن القرآن، من أين يأتي؟ وكيف أن تأثيره لا ينكر على من سمعه؟ وكان الوليد رجلًا مسموع الكلمة في قريش، وله رأي مقبول، فكانت كلمته التي سجلها القرآن عليه: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ [المدثر: 24]، ثم يأتيه الجواب اللائق بمثله: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ [المدثر: 26].

ومَثَلُ هذا الرجل كمثل الكاتب الأجير الذي عرف شيئًا من أحكام الشريعة، ويُؤتَى به ليزين لأهل الباطل باطلهم، أو ليبثَّ الشُّبُهات التي تشكك في دين الله وفي أحكامه.

ومن بيت هذا الرجل الذي حارب نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، يخرج رجلان يحاربان عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ويدافعان عنه، وعن دينه وكتابه المبين.

أما الأول، فصار اسمه مقرونًا بالضعفاء، ونصرة الضعفاء، والقنوت للضعفاء: ((اللهم أنجِ المستضعفين، اللهم أنجِ الوليد بن الوليد))؛ هكذا كان يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته في صلاة الفجر.

وهذا من عجائب حياة الرسل؛ فالأب عدوٌّ من الأعداء، مذموم في القرآن والسنة، والابن صاحب من الأصحاب، محمود في الكتاب والسنة.

أما الابن الثاني، فهو العَلَمُ الكبير، ورغم أن إسلامه تأخر عن إسلام أخيه الوليد، إلا أن شأنه أعجب، وتضحيته أعظم.

لأنك إذا عرفت من هو خالد بن الوليد قبل أن يُسْلِمَ، عرفت التضحية العظيمة التي قدمها من أجل أن يدخل في هذا الدين.

فهو ابن رجل يذمه القرآن صباحَ مساء، يُتلَى في المساجد ويحفظه المسلمون، وسيحفظه هو، وسيسمعه في صلواتهم وتلاوتهم، ولا يستطيع أن يعترض أو أن يغير شيئًا.

وهذا أمر في غاية الصعوبة أن تسمع ذمَّ أبيك، أو أن تقرأ ذمه وتحفظه، وتحفِّظه لأولادك، بل وتؤجر على ذلك، وتزداد حسناتك، كلما أكثرت من ذلك.

هذا أمر شاق على النفس، لا يتجاوزه إلا ذو روح عظيمة، وقد تجاوزه خالد رضي الله عنه.

الأمر الثاني في معرفة قيمة التضحية التي قدمها خالد ليصبح من المسلمين.

فخالد هو قائد خيل قريش وصاحب قُبَّتِها، وفارسها الأول، ومقدمها في الحرب والقتال، فهو يعيش المجد من كل أطرافه، وهو في نفس الوقت يعتبر ظاهريًّا القائد المقابل للنبي صلى الله عليه وسلم الذي يقود المسلمين في سلمهم وحربهم.

ثم يتنازل عن كل هذا ليكون جنديًّا في الجيش الذي كان يقود الحرب ضده، ويصبح يتلقى الأوامر بعد أن كان يلقيها، وينفذ الخطط بعد أن كان هو من يرسمها.

هذا شأن عجيب آخر من أعاجيب شأن خالد بن الوليد.

وهذا يدل على صدق نيته، وحقيقة رغبته في الدخول في هذا الدين، وهذا أمر متكرر في صحابة رسول الله، لا بد أن تجد أن أحدهم قد ضحى بشيء، أو تنازل عن شيء يملكه؛ لكي يدخل في هذا الدين، ويثبت عليه.

خالد بعد وفاة رسول الله لم يمكث في المدينة إلا قليلًا، بل إنه من حين ما خرج لحروب الردة لم يَعُدْ إليها، فهو – أولًا - كان في بعث جيش أسامة بن زيد، ثم بعد ذلك بدأت المرحلة الأهم في حياته، فصار رجل المرحلة في وقتها، وصار رجلُ أبي بكر الصديق يبعث به من مكان إلى مكان أخطرَ منه، ومن قوم أشداء إلى من هم أشد منهم، فبدأ بطليحة الأسدي، ومالك بن نويرة، ثم أهل اليمامة، ثم بعد ذلك إلى العراق رفقة المثنى بن حارثة، ثم الرحلة المدهشة في الانتقال من العراق إلى الشام في خمسة أيام، ثم القيادة الكبرى لمعركة اليرموك، وتوحيد القيادات المتفرقة تحت قيادته، وتحقيق الفتح على يديه، وكان استفتاح كتاب أبي بكر إليه من أبلغ الاستفتاحات في الكتب: "فإذا أتاك كتابي هذا فانهض إلى اليمامة"، "فإذا أتاك كتابي هذا فانهض إلى العراق"، "فإذا أتاك كتابي هذا فانهض إلى الشام".

وفي نهاية المطاف يقول: "ما من ليلة تهدى إليَّ عروس أنا لها راغب بأحب لي من ليلة مطيرة شديدة البرد في سَرِيَّة من المهاجرين أصبح فيها العدو".

أمام هذه الكلمة تتهاوى كل أحزان الحياة، وتتضاءل حتى لا تكون شيئًا أمام هذه الهمة، التي لم تفكر في شيء من أماني الحياة الأخرى، التي يراها البعض غاية المُنى، وفلك الحياة، وركن السعادة والراحة.

كم هي صغيرة أمانينا الدنيوية أمام أمنية سيف الله وسيف رسوله!

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وإثم وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فخالد بن الوليد رضي الله عنه الذي قال عن جسده: "أنه لا يوجد فيه موضع شبر إلا وفيه رمية بسهم، أو ضربة بسهم، أو طعنة برمح".

جسدٌ كله إصابات وعلامات تدل على جسد عاش كثيرًا في المعارك، وكان قلب المعارك محله فيها، فهناك تجد خالد بن الوليد يصول ويجول ويقود الصفوف، لا في الأطراف منها حتى يمتلك النظر الثاقب، وهذا أحد سببين يرفعان معنويات المقاتلين معه أن يَرَوا قائدهم في أول الصفوف، يطاعن الفرسان، ويجندل الشجعان، والسبب الثاني في رفع معنويات المقاتلين معه أن تكون جنديًّا في جيش يقوده خالد بن الوليد، هذه وحدها تطرد الخوف، وتطمئن للقيادة، وهذه الثانية تَبَعٌ للأولى، فلو لم يشاهدوه يتقدمهم لَما جاءت الثانية.

لقد قاتل يوم مؤتة بتسعة أسياف، ولم تصمد في يده إلا صفيحة يمانية، فقد كان مستمرًّا في القتال لا يتوقف، تتكسر السيوف ولا ينكسر هو.

وشرب السُّمَّ توكلًا على الله تعالى، ويقينًا أنه لا يملك الضر والنفع إلا الله تعالى أمام حشد من الكافرين، لا يؤمن إلا بالماديات فقط، فجاءهم رجال يؤمنون بالرب الذي خلق الماديات وأوجدها، ولو كان الأمر بالماديات، لَما خرجوا من جزيرة العرب، فكل الحسابات تقول: إن الخسارة من نصيبهم.

ثم ماذا بعد كل هذا؟ هنا مربِط الفرس وغاية الحديث.

الغاية من هذا أن صاحب هذه البطولات وهذا المجد لم يفتخر يومًا بما فعل، ولم يُنقَل أنه أثنى على نفسه بقتاله ضد المرتدين، أو ضد الفرس، أو ضد الروم في اليرموك، المعركة التي غيَّرت وجه التاريخ إلى الأبد.

أمضى حياته جنديًّا من جنود الإسلام، يأتمر بأمر أميرهم، لا عصيان ولا تشغيب، ولا بحث عن منصب أو إمارة، كما وقع لقادة جاؤوا من بعده.

لزم جماعة المسلمين، وبقيَ في صفوفهم حتى وافاه الأجل على فراشه، لم تُكسَرْ له راية، ولم ينهزم له جيش، وكان النصر حليفه أينما كان، مع أنه سعى إلى الشهادة سعيًا حثيثًا، ولكن سيف الله لا يُغلب ولا يُقتل، فسيف الله غالبٌ لا مغلوب، وقاتلٌ لا مقتول.

وهو رمز من رموز الإسلام والجهاد، فلا يفخر أحد علينا بقتل خالد بن الوليد.

وهذا الرمز الذي لم تنكسر له راية، لم يفخر على أحد بذلك، ولم يُصِبْهُ الغرور من ذلك، فلا يرى نفسه فوق الناس، أو يبطل عمله بكثرة الحديث عنه، وهذا شأن المخلصين في عبادتهم، يريدون الله وما عند الله.

أخيرًا يوم مات خالد بن الوليد، لم تبقَ امرأة من بني مخزوم إلا وقصَّت من شعر رأسها ووضعته على قبر خالد بن الوليد؛ فخرًا به، واعتزازًا بنسبه.

ألَا على مثل سيرة خالد فلتنشأ الأجيال، وتكون هي القدوات، ونبراس المؤمنين، لا ما أُصيب به أبناء المسلمين من تفاهات يَرَونها كل يوم، فتضيع منهم أبناؤهم وبناتهم.

رحم الله أبا سليمان؛ خالد بن الوليد، ورضيَ عنه إلى يوم الدين.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغِنى، اللهم إنا نسألك حبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بحفظك، ووفقنا إلى طاعتك، وارحمنا برحمتك، وارزقنا من رزقك الواسع، وتفضل علينا من فضلك العظيم، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم أصلح إمامنا ولي أمرنا، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين، وفجور الفاجرين، واعتداء المعتدين.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]