الموضوع: مقاصد المكلفين
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19-07-2019, 09:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,552
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين


مقاصد المكلفين (2)


زين العابدين كامل

أشرنا في المقال السابق إلى خطورة أمر النية، وأن مقاصد العباد ونياتهم محلُّ نظر الباري -جلَّ وعلا-، وأمر النيات يحتاج دائما إلى تقويم وتهذيب ورعاية، وذكرنا أن الشرع لم يعتد أو يعتبر الأفعال التي وقعت دون قصد وإرادة، كالأعمال الصادرة من المجنون والمخطىء والساهي والغافل والنائم ونحو ذلك، فلا يُعتدُّ بها إن كانت طاعات، ولا يعاقب عليها إن كانت معصية، وفي هذا المقال نسلط الضوء على مسألة مهمة ألا وهي: أن النيّة هي سر العبودية وروحها.


يقول ابن حزم -رحمه الله- في هذه المسألة «النية هي سر العبودية وروحها، ومحلها من العمل محل الروح من الجسد، ومحال أن يجعل في العبودية عملا لا روح له معه، بل هو بمنزلة الجسد الخراب»، والذي يظهر من استقراء الأدلة الشرعية، أن المخاطب والمأمور بالتكاليف الشرعة هو النفس الإنسانية، وأما الجسد فهو الآلة القائمة بتنفيذ الأمر، فإذا قام البدن بعمل معين بلا نية في القلب والنفس، كان ذلك كشجرة لا أصل لها ومن ثم لا فائدة فيها.

أعمال القلوب

لذا اهتم الشرع بأعمال القلوب وجاءت النصوص واضحة في ذلك، لأن القلب هو موضع الإيمان، ولابد من إرادة قلبية قبل الشروع في أي عمل من أعمال الجوارح؛ فالقلب هو ملك الأعضاء، وهو مصدر التوجيه، وهو محل الأسرار، والأعضاء هي الجنود والرعايا، يقول الله -تعالى- في حق من قاموا بتحقيق مفهوم الولاء والبراء: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (المجادلة:22)، وقال -تعالى- {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} (الحجرات:7)، وقال -تعالى-: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (الحجرات: 14)، والآيات حول هذا المعنى كثيرة.

ومن السنة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره ثلاث مرات» (أخرجه البخاري) ويقول أيضاً: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (أخرجه البخاري)، وكان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، وقال أيضاً: «إن القلوبَ بين أُصبعين من أصابِع الله يُقلِّبُها كيف يشاء» (أخرجه أحمد والترمذي وحسنه الألباني)، وليس معنى ذلك أنه يكفي التصديق بالقلب فقط،بل لابد من عمل القلب والجوارح معاً.

ومن العجيب أن المرجئة استدلت ببعض الأدلة سالفة الذكرعلى أن الإيمان هو مجرد التصديق بالقلب فقط، وأن أعمال الجوارح ليست من الإيمان، يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية -رحمه الله-: «أجمع السلف أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص»؛ فلابد من قول القلب وعمل القلب، ثم قول اللسان وعمل الجوارح. فأما قول القلب: فهو التصديق الجازم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، ثم إن هذا التصديق يتبعه عمل القلب، وهو حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- وتعظيم الله ورسوله، والتوكل والإخلاص والإنابة والرضا واليقين والخوف والخشية ونحو ذلك،ثم قول اللسان وأعمال الجوارح من صلاة وصيام ونحو ذلك.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.84%)]