عرض مشاركة واحدة
  #331  
قديم 01-03-2023, 02:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 179 الى صـــــــــ203

الحلقة (285)


مبحث البغاة والمحاربين
التفسير : الأصل في هذا الباب ما روي عن انس بن مالك رضي الله عنه أن ناسا من عرينة قدما المدينة فاجتووها فبعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في إبل الصدقة وامرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي وساقوا الإبل فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثارهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلافن وسمر أعينهم والقاهم في الحرة قال أنس : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا ) فنزل قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض . وذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } آية 33 من سورة المائدة روي عن عكرمة والحسن البصري . وعبد الله بن عباس رضي تعالى عنهم أن هذه الآية نزلت في المشركين وقال أبن عباس : كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد وميثاق فنقضوا العهد والفسدوا في الرض فخير الله رسول إن شاء أن يقتل وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف رواه أبن جرير
والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات الذميمة كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري عن أنس بن مالك ( أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة وسقمت أجسادهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك فقال : ( ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها ) فقالوا : بل فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم . وسمرت أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا ) واللفظ لمسلم . وتسمى هذه الآية آية المحاربة وهي المضادة والمخالفة وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل
وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب : إن قبض الدراهم والدنانير من الافساد في الرض وقد قال الله تعالى : { وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يجب المفسدين } آية 205 من سورة البقرة
{ ذلك لهم خزي في الدنيا } أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم من الرض خزي لهم بين الناس وشر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة وهذا يؤيد قول من قال : إن الآية نزلت في المشركين فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : ( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل اولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه )
وعن علي رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء عفا عنه ( رواه الإمام أحمد والترمذي وأبن ماجة وقال الترمذي حسن غريبن وسئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث فقال : روي مرفوعا وموقوفا قال : ورفعه صحيح
قال تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } أية 34 من سورة المائدة أما على رأي من قال : إن الآية في أهل الشرك فظاهر وأما المحاربون المسلمون فإن تابوا قبل المقدرة عليهم فإنه يسقط عنهم أحكام القتل والصلب وقطع الرجل وهل يسقط قطع اليد أم لا ؟ فيه قولان للعلماء وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة
روي عن عامر الشعبي قال : ( جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي الله تعالى عنه بعد ما صلى المكتوبة فقال : يا أبا موسى هذا مقام العائد بك أنا فلان بن فلان المرادي إني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادا وإني تبت من قبل أن تقدروا علي فقام أبو موسى فقال : إن هذا فلان بن فلان وغنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا وغنه تاب من قبل أن نقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير فإن يك صادقا فسبيل من صدق وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه فأقام الرجل ما شاء الله ثم أنه خرج فأدركه الله الله تعالى بذنوبه فقتله )
الحنفية والشافعية قالوا : تجوز الصلاة عليه بعد القتل وإذا صلب وقتل يصلى عليه خلف الخشبة
وقال بعضهم لا يصلى عليه تنكيلا به وقالوا : لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام حتى لا يؤذي الناس بريحه
قبول شهادة من تاب
المالكية والشافعية قالوا : إن من تاب من المحاربة ولم يظهر عليه صلاح العمل لا تقبل شهادته حتى يظهر صلاح العمل للأخذ بالاحتياط لأموال الناس وأبضاعهم فإن من لم يظهر عليه صلاح العمل بعد التوبة كانه لم يتبن فلا يخرجه عن التهمة في شهادته إلا اصلاح العمل والمشي على طريق كل المؤمنين قال تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح } وقال تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } ونحوهما من الآيات
الحنفية والحنابلة قالوا : تقبل شهادة من تاب من المحاربين وإن لم يظهر عليه صلاح العمل لأن رد الشهادة ليس من تمام الحد وإنما هو للفسق وقد ارتفع بالتوبة . وللعمل بظاهر الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه و سلم : ( واتبع السيئة الحسنة تمحها ) فشرط في محوها اتباع الحسنة لها
إذا قتل المحارب من لا يكافئه
الحنفية والحنابلة قالوا : إن المحارب إذا كان في المحاربة من لا يكافئه في الدين كالكافر :
والعبد والولد وعبد نفسه فقتله في حالة الإغارة وقطع الطريق فلا يقتل به بعد القبض عليه بل تجب الدية لأولياء الدم أو قيمة العبد لأن القصاص سقط عنه
المالكية والشافعية في إحدى روايتهم قالوا : إن المحارب يقتل إذا قتل من لا يكافئة أو قتل ولده أو قتل عبدا ولو عبد نفسه والله تعالى أعلم
اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق
الشافعية - قالوا : من لزمه قصاص في نفس وقطع لطرف آدمي وحد قذف لآخرن وطالبوه بذلك جلد اولا للقذف ثم قطع لقصاص الطرف ثم قتل لقصاص النفس لأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع فإن اجتمع مع ذلك تعزير لآدمي بدئ به ويبادر بقتله بعد قطعه لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله جزما وكذا إن حضر وقال : عجلوا القطع وانا أبادر بالقتل بعده ولو أخر مستحق النفس حقه جلد للقذف اولان فإذا برئ قطع للطرف ولو أخر متسحق طرف حقه جلد ووجب على مستحق القصاص الصبر بحقه حتى يستوفى الطرف فإن بادرفقتله فلمستحق الطرف دية في تركة المقتول ولو أخر مستحق الجلد فالقياس صبر الآخرين
ولو اجتمعت حدود الله تعالى قدم وجوبا الأخف فالأخف أو اجتمعت عقوبات لله تعالى والآدميين قدم حد قذف على زنا والأصح تقديمه على حد شرب وإن القصاص قتلا وقطعا يعدم على حد الزنا ولو اجتمع قتل قصاص في غير محاربة وقتل محاربة قدم السابق منهما ورجع الآخر إلى الدية ومن زنى مرات أو سرقن أو شرب كذلك أجزأه عن كل جنس حد واحد
مبحث شروط الإمامة
اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على : أن الإمامة فرض وأنه لا بد للمسليمن من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان وعلى أن الأئمة من قريش وأنه يجوز للإمام أن يستخلف
واتفقوا : على أن الإمام يشترط فيه : أولا أن يكون مسلما ليراعي مصلحة الإسلام والمسلمين فلا تصح تولية كافر على المسلمين
ثانيا - أن يكون مكلفا ليلي أمر الناس فلا تصح إمامة صبي ولا مجنون بالإجماع وقد ورد في الحديث الشريف ( نعوذ بالله من إمارة الصبيان ) رواه الإمام أحمد رحمه الله
ثالثا - أن يكون حرا ليفرغ للخدمة ويهاب بخلاف العبد حيث أنه مشغول بخدمة سيده ولا هيبة له وأما ما رواه الإمام مسلم من قوله صلى الله عليه و سلم من قوله : ( اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي ) فمحمول على غير الإمامة العظمى
رابعا - أن يكون الإمام : ذاكرا ليتفرغ ويتمكن من مخالكة الرجال فلا يصح ولاية امرأة لما ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) ولا تصح ولاية خنثى
خامسا - أن يكون : قرشيا لما رواه النسائي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الأئمة من قريش ) وبه أخذ الصحابة رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم إذا وجد قرشي جامع لشروط فإن عدم فمنتسب إلى كنانة فإن عدم فرجل من ولد سيدنا إسماعيل صلى الله عليه و سلم فإن لم يوجد فرجل من جرهم فإن عدم فرجل من ولد إسحاق ولا يشترط فيه كونه هاشميا باتفاق فإن الصديق وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا من بني هاشم
سادسا - أن يكون عدلا قال الشيخ عز الدين : إذا تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقا
سابعا - أن يكون : عالما مجتهدا ليعرف الأحكام ويتفقه في الدين فيعلم الناس ولا يحتاج إلى استفتاء غيره
ثامنا - أن يكون : شجاعا وهي قوة القلب عند البأس لينفرد بنفسه ويدبر الجيوش ويقهر الأعداء ويفتح الحصون ويفق أما أحداث الأيام وما يحجث له من فتن وما يجد في عهده من أزمات
تاسعا - أن يكون : ذا رأي صائب حتى يتمكن من سياسة الرعية وتدبير المصالح الدنيوية
عاشرا - أن يكون : سليم السمع والبصر والنكق ليتأتى منه فصل الأمور ومباشرة أحوال الرعية
واتفق الأئمة - على أن الإمامة تنعقد ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم من غير شرط عدد محدد ويشترط في المبايعين للإمام صفة الشهود من عدالة وغيرها وكذلك تنعقد الإمامة باستخلاف الإمام شخصا عينه في حياته ليكون خليفته على المسلمين بعده كما عهد سيدنا أبو بكر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بقوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم عند آخر عهده من الدنيا وأول عهده بالآخرة في الحالة التي يؤمن فيها لكافر ويتقي فيها الفاجر غني استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذاك علمي به وعلمي فيه وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وانعقد إجماع الأمة على جوازه

حكم الخارجين على الإمام
واتفق الأئمة على : أن الإمام الكامل تجب طاعته في كل ما يأمر به ما لم يكن معصية . وعلى أن أحكام الإمام وأحكام نائبه ومن ولاه نافذة وعلى أنه إذا خرج على إمام المسلمين أو عن طاعته طائفة ذات شوكة وإن كان لهم تأويل مشتبه ومطاع فيهم فإنه يباح للإمام قتالهم حتى يفيثوا إلى أمر الله تعالى فإن فاؤوا كف عنهم
والأصل في جواز قتالهم قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما } الآية 9 من سورة الحجرات وإن لم يذكرفيها الخوج على الإمام لكنها تشمله لعمومها أو تقتضيه لأنه إذا طلب القتال لبغي طائفة على طائفة فللبغي على الإمام أولى والإجماع منعقد على جواز قتال البغاة من غير مخالف وللأحاديث الواردة في ذلك
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : أخذت السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلى الله عليه و سلم . وفي قتال المرتدين من أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي قتال البغاة من الإمام على رضي الله تعالى عنه
وتحصل مخالفة غلامام بأحد أمرين إما بخروج عليه نفسه وإما بسبب ترك الانقياد له أو لا بهذين المرين بل بخروج عن طاعته بسبب منع حق مالي لله تعالى أو حق لآمي كقصاص أو حد توجه عليهم لأن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قاتل مانعي الزكاة بسبب منعهم إخراج الزكاة ولم يخرجوا عليه وإنما منعوا الحق المتوجه عليهم
قالوا : وإنما يكون مخالفو الإمام بغاة بشرط حصول شوكة لهم بكثرة أو قوة بحيث يمكن مقاومة الإمام ويشترط تأويل يعقتدون به جواز الخروج عليه أو منع الحق المتوجه عليهم
ويشترط أن يكون لهم مطاع فيهم يحصل به قوة لشوكتهم وإن لم يكن إماما منصوبا لأن الامام علي رضي الله تعالى عنه قالتل أهل الجمل ولا إمام لهم وقالتل أهل صفين قبل نصب إمامهم
الحنفية قالوا : إن الخارجين عن طاعة الإمام الحق أربعة اصناف
أحدها الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة يأخذون أموال الناس ويقتلونهم ويخيفون الطريق وهم قطاع الطريق
الثاني قوم كذلك إلا أنهم لا منعة لهم لكن لهم تأويل فحكمهم حكم قطاع الطريق إن قتلوا قتلوا . . . الخ
الثالث قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية توجب قتالهم بتأويلهم وهؤلاء يسمون بالخوارج يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وحكمهم عند جمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حكم البغاة
المالكية قالوا : يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا دفعا لفسادهم لا لكفرهم لأنهم فسقة وليسوا كفارافي الراجح من قول العلماء المجتهدين وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون لهم حكم المرتدين
الرابع قوم مسلمون خرجوا على الإمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم وهم البغاة . لأنهم غنما خالفوا بتأويل جائز باعتقادهم لكنهم مخطئون فيه فهم فسقة والأحاديث الواردة فيما يقتضي ذمهم كحديث ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) وحديث ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية ) فهو من خرج بلا تأويل
قالوا : لو أظهر قوم رأي الخوراج المبتدعة الذين يكفرون من ارتكب كبيرة ويطعنون بذلك على الأئمة ولا يحضرون معهم الجمعة والجماعة . فهؤلاء يتركون ولا نكفرهم ولا نتعرض لهم إذا لم يخرجوا عن طاعة الإمام ولم يقاتلوا أحدا لأن اعتقاد الخوراج أن من أتى كبيرة كفر وحبط عمله وخلد في النار وإن جار الإمام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة فطعنوا في الأئمة لأن الإمام على كرم الله وجهه سمع رجلا من الخوارج في المسجد يقول : لا حكم إلا لله وسلوه وعرض بتخطئته في الحكم . فقال : كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساحجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤكم بقتال . فجعل حكمهم حكم أهل العدل فإن قاتلونا فحكمهم إن لم نكفرهم كحكم قطاع طريق فإن قتلوا أحدا ممن يكافئهم أقتص منهم كغيرهم
المالكية قالوا : يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجها
- 1 - أن يقصد الإمام بالقتال ردعهم لا قتلهم
- 2 - وأن يكف عن مدبرهم
- 3 - ولا يجهز على جريحهم
- 4 - ولا تقتل أسراهم
- 5 - ولا تغنم أموالهم
- 6 - ولا تسبى ذراريهم
- 7 - ولا يتعان عليهم بمشرك
- 8 - ولا يوادعهم على مال
- 9 - ولا تنصب عليهم الردعات
- 10 - ولا تحرق مساكنهم
- 11 - ولا يقطع شجرهم
قالوا : لو خرج جماعة على الإمام ومنعوا حقا لله أو لآدمي أو ابوا طاعته يرديون عزله لو كان جائرا إذ لا يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه على من له قدرة من المسلمين
فيجب على الإمام أن ينذر هؤلاء البغاة ويدعوهم لطاعته فإن هم عادوا إلى الجماعة تركهم وإن لم يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه على لم يطيعوا أمره قالتهم بالسيف والرمح والنبل والتفريق وقطع الميرة والماء عنهم ورميهم بالأحجار والنار إذا لم يكن فيهم نسوة وذرية وحرم سبي ذراريهم لانهم مسلمون وحرم إتلاف أموالهم وأخذه بدون احتياج له وحرم رفع رؤوسهم بعد قتلهم لأنه مثلة بالمسلمين ويستعان على قتالهم بما لهم من سلاح وخيل إن احتيج للاستعانة به عليهم وبعد الاستغناء عنه يرد إليهم كغيره من الأموال فإن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم تركوا ولا يسترقوا ولا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم فإن لم يؤمنوا أجهز على جريحهم واتبع منهزمهم جوازا وكره قتل جده أو ابنه إن قتله ورثه وإن كان عمدا لكنه غير عدوان . والمرأة أن قالتلت بسلاح قتلت وإلا فلا
الحنفية قالوا : إذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة الإمام يستحب للإمام أن يدعوهم إلى العود إلى الجماعة ويكشف عن شبهتهم التي أوجبت خورجهم لأن الإمام عليا رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حرورا وليس ذلك بواجب بل مستحب لأنهم كمن بلغتهم الدعوة الإسلامية لا تجب دعوتهم ثانيا
وقالوا : ولا يبدأ بقتال البغاة حتى يبدؤوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم . وقيل : يجوز لنا أن نبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا لأن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع على قصد القتال والامتناع عن طاعته . لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع لتقوى شوكتهم وتكثر جمعهم خصوصا والفتنة يسرع أليها أهل الفساد وهم الأكثر فيدار على الدليل ضرورة لدفع شرهم ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان والمروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه من لزوم البيت من قوله : الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من فر من الفتنة أعتق الله رقبته من النار ) وقال صلى الله عليه و سلم لواحد من الصحابة : ( كن حلسا من أحلاس بيتك ) رواه عنه الحسن بن زياد فهو محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام وما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قعدوا في الفتنة محمول على أنه لم يكن لهم قدرة ولاغناء أما إعانة الإمام العادل الحق فمن الواجب عند الغناء والقدرةز لقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } الآية
قالوا : فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم واتبع موليهم دفعا لشرهم كي لا يلحقوا بهم . وإن لم يكن لهم فئة لهم يجهز على جريحهمن ولم يتبع موليهم لاندفاع الشر بدون ذلك وهو المطلوب
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لا يجوز للإمام أن يبدأ بقتال أهل البغي حتى يبدؤوا هم بالقتال إذا تركوه بالتولية والجراحة المعجزة عنه لم يبق قتلهم دفعا ولما روى أبن أبي شيبة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل : ( لاتتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ومن القى سلاحه فهو آمن ) واسند أيضا ( ولا يقتل أسير ) ولا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أمينا فطنا ناصحا يسألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها فإن اصروا نصحهم وخوفهم سوء عاقبة البغي ثم يعلمهم بالقتال
حكم المال والأسرى
الحنفية والمالكية قالوا : لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لآنهم مسلمون ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها لقول الإمام علي رضي الله عنه يوم الجمل : ( ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال ) وهو القدوة لنا في هذا الباب ولأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه لأن الإمام عليا رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتملك ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى . ولما رواه الحاكم في المستدرك والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن أبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها )
قال الإمام محمد : وبلغنا أن الإمام عليا رضي الله عنه ألقى ما أصاب من عسكر أهل النهروان في الرحبة فمن عرف شيئا أخذه حتى كان آخره قدر حديد لإنسان فأخذه
وروى أبن أبي شيبة أن عليا كرم الله وجهه لما هزم طلحة واصحابه أمر مناديه فنادى أن لا يقتل مقبل ولا مدبر يعني بعد الهزيمة ولا يفتح باب ولا يستحل فرج ولامال
وأما الأسير فللإمام الخيار فيه فيحكم نظره فيما هو أحسن المرين في كسر الشوكة من قتله وحبسه ويختلف ذلك بحسب الحال لا بهوى النفس والتشفي
وإذا أخذت المرأة من أهل البغي وكانت تقاتل حبست ولا تقتل إلا في حال مقاتلتها دفعا عن النفس وإنما تحبس للمعصية ولمنعها من الشر والفتنة لما روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل : وإياكم والنساء وإن شتمن أعراضكم وسببن امراءكم ولقد رأيتنا في الجاهلية وإن الرجل ليتناول المرأة بالجريدة أو بالهراوة فيعبر بها هو وعقبه من بعده )
الشافعية - قالوا : إذا طلب أهل البغي من الإمام الامهال اجتهد فيه وفي عدمه وفعل ما رآه صوابا فإن ظهر أن استمالهم للتأمل في إزالة الشبهة أمهلهم ليتضه لهم الحق وإن ظهر أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم لم يمهلهم فإذا وقع القتال بينهم فلا يجوز قتل مدبرهم ولا من ألقى سلاحه ولا جريحهم ولا أسيرهم إذا كان الإمام يرى رأيا فيهم لقوله تعالى { حتى تفيء } والفيء الرجوع عن القتال بالهزيمة ولأن قتالهم شرع للدفع عن منع الطاعة وقد زال ويحبس أسيرهم
إن كان صبيا أو امرأة أو عبدا حتى تنقضي الحرب ويفرق جمعهم
وقالوا : إذا انقضت الحرب يجب على الإمام أن يرد إلى البغاة سلاحهم وخيلهم وغيرها ويحرم استعمال شيء من سلاحهم وخيلهم وغيرها من أموالهم إلا لضرورة كما إذا خيف انهزام أهل العدل ولم يجدوا غير خيولهم فيجوز لهم ركوبها واستعمال أسلحتهم لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) ولا يقاتلون بشيء فظيع كالنار والنجنيق إلا للضرورة ولا يستعان عليهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مدبرين
الحنفية قالوا : ويحبس الإمام أموال البغاة فلا يردها عليهم ولا يقسمها حتى يتوبوا فيردها عليهم أما عدم القسمة فلأنها ليست غنائم وأما الحبس فالدفع شرهم بكسر شوكتهم ولهذا يحبسها عنهم وإن كان لا يحتاج إليها إلا أنه يبيع الكراع لأن حبس الثمن أنظر وأيسر وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانيا لأنه لم يحمهم
مبحث حكم المرتد - تعريف المرتد
الردة - والعياذ بالله تعالى - كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختارا بعد الوقوف على الدعائم والتزامه أحكام الإسلام ويكون ذلك بصريح القول كقوله : أشرك بالله أو قول يقتضي الكفر كقوله : إن الله جسم كالأجسام أو بفعل يستلزم الكفر لزما بينا كإلقاء مصحق أو بعضه ولو كلمة أو حرقه استخفافا لا صونا أو علاجا لمريض ومثل إلقائه وتركه في مكان قذر ولو طاهرا كبساق أو تلطيخه به نحو تقليب ورق بالبصاق ومثل المصحق الحديث وأسماء الله الحسنى وكتب الحديث وكذا كتب الفقه إذا كان علي وجه الاستخفاف بالشريعة الإسلامية وأحكامها أو تحقيرها وكذا أسماء النبياء . وشد الزنار ميلا للكفر أما لو لبسه لعبا فهو حرام . مع دخول الكنائس . أو سجوده لصنم . وكذلك يكفر بتعلم السحر والعمل به لأنه كلام يعظم غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير وكذلك يكفر بقوله : إن القالم قديم وهو ما سوى الله تعالى لأنه يستلزم عدم وجود الصانع أو يقول : إن العالم باق على الدوام فلا يفنى لأنه يستلزم إنكار القيامة ولو أعتقد حدوثه وهو تكذيب للقرآن الكريم وكذلك الشك في قدم العالم أو بقائه أو أنكر وجود الله تعالى ويكفر كذلك من قال : بتناسخ الرواح أي أن من مات تنتقل روحه إلى غيره لأن فيه إنكار البعث ويكفر إذا أنكر حكما أجمعت ألامة عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا أو إنكار الصوم ويكفر إذا أنكر بقوله بجواز اكتساب النبوة وتحصيلها بسبب الرياضة لأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي أو سب نبي أجمعت الأمة على نبوته أو سب ملكا من الملائكة يجمع على ملكيته ويكفر أن عرض في كلامه بسب نبي أو ملك بأن قال عند ذكره أما أنا فلست بزان أو بساحر أو ألحق بنبي أو ملك نقصاص ولو ببدنه كعرج وشلل أو طعن في وفور علمه إذ كل نبي أعلم أهل زمانه وسيدهم صلى الله عليه و سلم أعلم الخلق أجمعين أو طعن في أخلاق نبي او في دينه ويكفر إذا ذكر الملائكة بالأوصاف القبيحة أو طعن في وفور زهد نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
قال الأئمة : لا بد في إثبات الردة من شهادة رجلين عدلين ولا بد من اتحاد المشهود به فإذا شهدا بأنه كفر قال القاضي لهما باي شيء ؟ فيقول الشاهد : يقول كذا اويفعل كذا
واتفق الأئمة الأربعة عليهم رحمه الله تعالى : على أن من ثبت ارتداده عن الإسلام والعياذ بالله وجب قتله وأهدر دمه وعلى أن قتل الزنديق واجب وهو الذي يضمر الكفر ويتظاهر

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]