عرض مشاركة واحدة
  #661  
قديم 18-05-2008, 10:44 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .....مثل أصحاب القرية الذين كذبوا المرسلين

وقال:﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ﴾، ولم يقل:﴿ إنْ يُردِ الرَّحْمنُ بي ضُرًّا ﴾، فأدخل الباء على الضرِّ، وقدَّم المفعول ؛ لأن المقصود هو بيان كونه تحت تصرف الرحمن، يقلبه كيف يشاء، في البؤس، والرخاء، وليس الضرُّ بمقصود بيانه. كيف، والقائل مؤمن يرجو الرحمة والنعمة، بناء على إيمانه بحكم وعد الله تعالى ؟ ويؤيِّد هذا قوله من قبل:﴿الَّذِي فَطَرَنِي ﴾، حيث جعل نفسه مفعول الفطرة ؛ فكذلك جعلها مفعول الإرادة. وقرىء:﴿ إنْ يَردْن ، بفتح الياء، على معنى: إن يوردني ضرًّا. أي: يجعلني موردًا للضرِّ.
وقال في الزمر:﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ (الزمر: 38)، وقال هنا:﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ ﴾، فما الحكمة في اختيار صيغة الماضي، وذكر المريد باسم الله هناك، واختيار صيغة المضارع، وذكر المريد باسم الرحمن هنا ؟ ويجاب عن الأول بأن التعليق الشرطي في الجمل الشرطية نوعان: خبري، ووعدي.
أما الخبري فهو الذي يكون مضَمَّنًا جوابًا لسؤال سائل: هل وقع كذا ؟ أو يكون ردًّا لقول قائل: قد وقع كذا. فهذا يقتضي المضي لفظًا ومعنى، ولا يصح فيه الاستقبال بحال ؛ ومنه قوله تعالى:﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (الزمر: 38).
وأما الوعدي فالغرض منه هو التعليق المحض المجرد من أي معنى آخر. وهذا يقتضي الاستقبال، ولا يصلح فيه المضي ؛ ومنه قوله تعالى:﴿ وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ( يس: 22- 23).
ويجاب عن الثاني بأن لفظ الجلالة ﴿ اللَّهِ﴾، ولفظ الرحمة ﴿ الرَّحْمنُهما الاسمان المختصان بواجب الوجود من بين أسمائه الحسنى ؛ كما أشار إلى ذلك جل وعلا بقوله:﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾(الإسراء: 110)،والأول هو اسمه الذي يدل على هيبته وعظمته. والثاني هو صفته التي تدل على رأفته ورحمته.
فلما أخبر الله تعالى عن نفسه في سورة الزُّمَر بأنه عزيز ذو انتقام بقوله:﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (الزمر: 37)، ثم ذكر ما يدل على عظمته بقوله:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (الزمر: 38)، ناسب ذلك ذكر الاسم المنبىء عن العظمة ؛ وهو﴿ اللَّهِ جل وعلا.
ولما أخبر سبحانه عن صاحب ياسين بأنه أظهر في دعوته لقومه إلى عبادة الله تلطفه بهم، ومداراته لهم، وإشفاقه عليهم بقوله:﴿ وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (يس: 22)، ناسب ذلك ذكر الاسم المنبىء عن الرحمة ؛ وهو﴿الرَّحْمَنَالمتَّصف بالرحمة على وجه التمام والكمال. وكيف لا يذكر هذا الاسم الجليل، وقد سبقه الكفرة إلى ذكره عندما قالوا:﴿ وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَىْءٍ ؟ فهو أولى بذكره منهم !
ثم قال:﴿لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ على ترتيب ما يقع من العقلاء، فذكر الشفاعة أولاً، ثم ذكر الإنقاذ ثانيًا ؛ وذلك لأن من يريد دفع الضُّرِّ عن شخص أضرَّ به شخص آخر، يدفع بالوجه الأحسن، فيشفع أولاً. فإن لم يقبل، لجأ إلى إنقاذه بما أوتي من قوة. وهذه الآلهة لا تنفع شيئًا من النفع عند الرحمن، وليست لديها القدرة على الإنقاذ من ذلك الضر بالنصرة والمظاهرة، إن أخفقت في شفاعتها. وهو ترَقٍّ من الأدنى إلى الأعلى، بدأ أولاً: بنفي الجاه، وذكر ثانيًا: انتفاء القدرة، وعبَّر عنه بانتماء الإنقاذ ؛ لأنه نتيجته. ونفى ذلك بـ﴿لا الدالة على نفي ما بعدها نفيًا شاملاً، لا أمل معه أبدًا في حصول ما ذكر. وإنما ذكر الشفاعة والإنقاذ ؛ لأنهم كانوا يتخذون الآلهة شفعاء ووسائط عند الله سبحانه ؛ كما قال تعالى:﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس: 18).
وقد ثبت بهذه الآيات أن الله تعالى معبود من كل وجه: فالبنظر إلى جانبه سبحانه فهو فاطرٌ، وربُّ مالكٌ، يستحق العبادة ؛ سواء أحْسَنَ، أم لم يُحْسِنْ. وبالنظر إلى إحسانه فهو رحمن. وبالنظر إلى الخوف والرجاء فهو يدفع الضر. وثبت بذلك أن غير الله تعالى لا يصلح أن يعبد بوجه من الوجوه ؛ لأن أدنى مراتب المعبود أن يُعَدَّ ليوم كريهة يُرجَى منه فيه دفع ما يقع من ضُرٍّ بالعابد في ذلك اليوم. وغير الله تعالى ليست لديه القدرة على دفع شيء إلا بإذنه وإرادته ؛ كما قال سبحانه:﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ(البقرة: 255).فمن يعبد من دون الله آلهة هذا شأنها، يكون في ضلال ظاهر بيِّن، لا يخفي على أحد من ذوي العقول والبصائر. وهذا ما أراده بقوله:﴿ إِنّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبينٍ ﴾.
وبعد أن تحدث بلسان الفطرة الصادقة العارفة الواضحة، أعلن قراره بالإيمان في وجه قومه المكذبين المهددين المتوعدين، غيرَ مُبالٍ بالعواقب ؛ لأن صوت الفطرة في قلبه كان أقوى من كل تهديد، ومن كل تكذيب ؛ وذلك قوله:﴿ إِنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ . وهو عبارة عن جملتين: الأولى خبرية لفظًا ومعنى. والثانية إنشائية معطوفة على الأولى.
يتبــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.57 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]