عرض مشاركة واحدة
  #611  
قديم 09-05-2008, 03:55 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

كابوس الكفــــر

بقلم الكاتب التركي هارون يحيي

النزوع إلى الشر، الظلم، الحزن، التشاؤم، الاضطراب، العزلة، الخوف، الضغط النفسي، الإحباط، انعدام الأمن والطمأنينة، تشتت الذهن، القلق، الغضب، الغيرة، الامتعاض، إدمان المخدرات، تضعضع الأخلاق، المقامرة، البغاء، الجوع، الفقر، التفسخ الاجتماعي، السرقة، الحرب، الصراع، العنف، الاضطهاد، الخوف من الموت...هذه الظواهر وغيرها يتكرر الحديث عنها في الصحف والمجلات ومحطات التلفزة بشكل يومي. وتخصص الصحف الكبيرة صفحات كاملة لهذه الموضوعات، كما تنشر صحف أخرى سلسلة من المقالات التي تتناول الجوانب النفسية والاجتماعية لهذه القضايا. غير أن احتكاكنا بهذه القضايا لا يقتصر على الصحف وحدها، بل نحن نواجه هذه المشكلات بشكل متكرر في سياق حياتنا اليومية، وأهم من ذلك، لكل واحد منا تجارب شخصية معها.
يكافح الناس والمجتمعات للتحرر من وطأة هذه الاضطرابات والظواهر السلبية، ومن مثل هذه الهياكل الاجتماعية الضارة والعليلة التي هيمنت على العالم منذ عصور. ويكفينا للتيقن من ذلك أن نلقي نظرة خاطفة على دولة اليونان القديمة وعلى الإمبراطورية الرومانية العظمى وروسيا القيصرية
وعلى ما يسمى بعصر التنوير، بل حتى القرن العشرين قرن البؤس الذي شهد حربين عالميتين اثنتين وكوارث اجتماعية واسعة النطاق. وأيا كانت الحقبة الزمنية أو الحيّز الجغرافي الذي تصوّب إليه نظرك، فإن الصورة تظل هي هي، بلا اختلاف ذي بال.
ويثور سؤال هنا وهو: لماذا عجز الناس، والحال كذلك، عن الإتيان بحلول لهذه المشكلات، أو على الأقل، بذل الجهود لتخليص مجتمعاتهم من هذه العلل الاجتماعية؟
الواقع أنه لم يسلم مجتمع في أي عصر من العصور من هذه المشكلات، ومع هذا استمرت خيبة الناس في التخلص منها وما ذاك لا لعدم صلاحية الوسائل المستخدمة لبلوغ هذه الغاية. فقد تداووا بكل الأدوية وجربوا نظماً سياسية شتى، وبسطوا قوانين شمولية فاشلة، وأقاموا الثورات، وتبنوا أيدلوجيات منحرفة، هذا في حين اتسم سلوك البعض الآخر باللامبالاة تجاه هذه المشكلات وآثروا التسليم بالوضع القائم.
وفي عصرنا هذا الراهن أشرب الناس، أو كادوا، هذا النمط الحياتي، أعني اللامبالاة. فهم مسلمون بأن هذه المشكلات هي من حقائق الحياة التي لا يملك أحد تغييرها. لذلك فهم موقنون بأن وجود مجتمع يتمتع بالحصانة من هذه المشكلات إنما هو ضرب من المحال أو حلم طوباوي بعيد المنال. ورغم امتعاضهم المتكرر والمعلن من هذا النمط الحياتي إلا أنهم يركنون إليه ويعتنقونه بكل سهولة وذلك بسبب ما قرّ في نفوسهم من استحالة وجود بديل آخر لهذا النمط الحياتي.
إن الترياق الوحيد لهذه المشكلات كلها يكمن في اعتناق مبادئ "الدين الحق". فلا أمل في تغيير هذه الصورة الكالحة التي ستبقى ما بقي التجاهل لحدود الله وإبدالها بصورة أخرى هادئة ومشرقة إلا إذا سادت قيم الدين الحق. وبعبارة أخرى، سيظل الناس نهبا لهذه المعضلات طالما تناءوا عن قيم القرآن. ولو شئنا أن نعرف هذا الوضع بعبارة بسيطة لقلنا إنه: كابوس الكفر.
لقد دفعت أرحام المطابع بكتب كثيرة حاول مؤلفوها التعامل مع المشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجهها المجتمعات اليوم، إلا أن الخاصية التي تميّز هذا الكتاب هي أنه يركّز على الحل الأكثر واقعية، كما أنه ينذر الناس من مغبة المستقبل الكئيب الذي ينتظرهم إذا عشوا عن هذا الحل.
وإننا لنرجو أن يدرك الذين يقبلون على هذا الكتاب بعقل متفتح وضمير واع أن معاني السلام والثقة المتبادلة وتوفر حياة اجتماعية مثالية لا تتأتى إلا بتقمّص قيم القرآن والإقبال على الدين الحق، وهو الدين الإسلامي.
عندها سيندرج هؤلاء في سلك الناجين من رهق المعاناة، معنوية كانت أو حسية، ومن نصب المتاعب التي سلف الحديث عنها، وسيحيون في بحبوحة من الرحمة والحب والاحترام والسلام والثقة، وستسود بينهم القيم الأخلاقية. وسيتوسلون إلى مرضاة الله بمراعاة حدوده والتزام هدي القرآن. وبهذا يقوى إيمانهم بالله فيفرغ الله عليهم شئآبيب رحمته ويثيبهم جنات الفردوس بعد الممات.
مـا الــدين الحـــق؟

من أين أتيت وإلى أين أذهب؟ ما هدف ومعنى حياتي؟ ما حقيقة الموت؟ هل هناك حياة أخرى بعد الموت؟ هل الجنة والنار توجدان حق؟ ما هو أصل الحياة؟ أين الله؟ ماذا يريد منا خالقنا؟ كيف لي أن أفرّق بين الحق والباطل؟ أين أعثر على إجابات لهذه الأسئلة؟
لقد حاول الناس في كل العصور الإجابة على هذه الأسئلة المهمة وفكروا فيها بجد وأوسعوها نقاشا، ومع ذلك، وخلافا للاعتقاد الشائع، فقد خرجت أفضل الإجابات على هذه الأسئلة وعلى مر العصور من مشكاة "الدين الحق" الذي تنزل به الوحي الإلهي لا من قرائح الفلاسفة وعقول المفكرين.
كثيرة هي الأديان التي أوت إليها أفئدة الناس وجذبت الأتباع على امتداد العالم، ومن هذه الأديان على وجه التمثيل لا الحصر: البوذية والشامانية والوثنية، إلا أنه لا أحد من هذه الأديان تنزل به الوحي الإلهي. ولهذا فهي لا تزيد على كونها فلسفات أو حركات. وبعض هذه الأديان، وبحكم اقتصارها على معان رمزية أو ثقافية، لم تأت بأي حلول اجتماعية أو نفسية للمشكلات. كما أن الأشخاص الذين اضطلعوا بمهمة تطوير هذه الأديان قد أهمتهم هذه الأسئلة الملحة، إلا أنهم عجزوا عن الإتيان بإجابات يعوّل عليها. ومع هذا فهناك بعض الأديان الصحيحة والتي يتعيّن علينا تقييمها وفرزها من الأديان الباطلة. وإن أبرز سمة تميّز الأديان الصحيحة من الأديان الزائفة هي الأصل الذي خرجت منه، إذ تتصل جذورها جميعا بالوحي. لقد أخبر الله سبحانه وتعالى الناس في القرآن عن هيمنة وعلو الدين الحق على ما عداه من أديان أو فلسفات أو نظم اجتماعية، وذلك في قوله: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا" (الفتح: 28)، وفي قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِه َالْمُشْرِكُونَ" (الصف: 9)
إن اليهودية والنصرانية والإسلام هي الديانات التي ترجع أصولها إلى الوحي. فهي في أصولها تنزلات وحيية من الله تبارك وتعالى، إلا أن فسادا عريضا قد اعترى الديانتين النصرانية واليهودية بعد موت عيسى وموسى عليهما السلام. فقد غشيت غاشية التحريف والحذف والإضافة كتابي العهد الجديد (الإنجيل) والعهد القديم (التوراة)، وباختفاء الكتب الأصلية بمرور الوقت ظهرت نسخ محرفة كثيرة للعهدين الجديد والقديم، ولف النسيان المطبق النسختين الأصليتين من الكتابين. ولهذا تفرقت السبل بأتباع الديانتين عن سبيل الدين الإلهي الأصيل، فأقاموا معتقداتهم وطقوسهم وطرائقهم التعبدية والحياتية على فهم محرف لدين اختلقه الأحبار والرهبان. ولا تزال هذه التفسيرات والمعتقدات الزائغة باقية إلى يوم الناس هذا. ولهذا عجزت هذه الأديان المحرفة عن تقديم حلول للمشكلات سالفة الذكر.
بعد هذا التحريف الذي طرأ على هاتين الديانتين أوحى الله آخر الكتب السماوية والذي أريد له أن يبقى بريئا من التحريف إلى يوم القيامة وذلك بعد أن تعهد الله بحمايته وحفظه من عبث العابثين وتحريف المبطلين، يقول الله تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر: 9).
لقد بقي القرآن ولأربعة عشر قرنا من الزمان بهيئته الأولى ونسخته الأصلية بريئا من غوائل التحريف والدس. فقد بقي كل حرف من النسخة الأولى للقرآن والتي كتبت بخط اليد كما هو في المصاحف التي في أيدي المسلمين اليوم. ففي كل مصر من أمصار العالم يتلو المسلمون كتابا واحدا مما يبرهن على أن القرآن مكلوء برعاية إلهية خاصة.
لقد أوصل الله رسالاته للبشر بواسطة الرسل أو من طريق الكتب وذلك على امتداد التاريخ. فقد فرض الله على آدم، أول إنسان خلقه الله في الأرض، ذات المبدأ الذي أنزله على الرسل الذين تتالت بعثاتهم بعده. وبعبارة أخرى، فقد كان الإنسان الأول على علم تام بوجود الله. ثم حمي تنزل الكتب وبعث الرسل بعد ذلك وتتابع عبر حقب الزمان. وهذه الحقيقة أشار إليها القرآن في قوله تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُم ُالْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (البقرة: 213)
وكما أشارت الآية آنفة الذكر، فقد أوصل الله رسالاته لبني الإنسان عبر رسله وكتبه. وقد دأب الرسل على تحذير أقوامهم وتذكيرهم بيوم القيامة وخوّفوهم من جهنم التي سيخلّد الله فيها من يكفر برسالاته من البشر، كما بشر هؤلاء الرسل من يستجيب لدعوة الله من أقوامهم بالخلود الأبدي في جنات الفردوس. إن الله الذي تكفل بخلق الإنسان هو الذي يعلم أي نوع من الحياة يصلح له ويجلب له الراحة والطمأنينة في الحياة الدنيا. وهذا هو السبب في كون القيم الأخلاقية ونمط الحياة الذي يرتضيه الله للناس هو الذي يضمن لهم حياة طيبة في الدنيا وفي الآخرة. صفوة القول، فبما رحمة من الله كان الدين هو النظام الذي يمكن الإنسان من أن يعيش حياة تجري على نسق مثالي على الصعيدين النفسي والاجتماعي.
رغم أن الوصايا والرسالات التي أنزلها الله إلى خلقه كانت متنوعة بحسب تنوع بيئات الناس وأحوالهم وأزمنتهم، إلا أن الأديان السماوية تلتقي في أصول المعتقدات والمثل الأخلاقية التي يراد للناس التشبث بها. فقد جاءت كل الرسالات السماوية بحقائق جوهرية حول وجود الله، وأوضحت أسماء الله وصفاته، وبينت الغرض من خلق الإنسان وغيره من المخلوقات، ورسمت المنهج الذي يحقق للناس العبودية الحقة لله، وجلت كل ما يرتضيه الله من أنماط السلوك والعمل، وكشفت عن المبدأ الذي يعين الناس على التفريق بين الحق والباطل، وبين السيئ والحسن، وكيف يجعل الإنسان من حياته مطية تبلغه رضا الله وتدخله جنات الفردوس.
عليه فإن الدين الحق عند الله هو الإسلام. فهو أصل ومادة كافة الأديان التي عبد الناس الله بها منذ عهد أول رسول في الأرض، آدم عليه السلام. والإسلام يعني الاستسلام لإرادة الله الغالب. وهذه الحقيقة يؤكدها القرآن على النحو التالي: "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (آل عمران: 19).
ورغم أن الأديان الصحيحة نسبت إلى الرسل التي جاءوا بها فقيل اليهودية والنصرانية، إلا أن الأديان التي جاء بها هؤلاء الرسل كانت كلها دينا حقا واحدا. وبعبارة أخرى، فقد كانت كلها إسلاما في عهودها: "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير" (الحج: 78).
إن الناس الذين أنزلت عليهم كتب سماوية (اليهود والنصارى) سبقت نزول القرآن، كانوا في الحقيقة مسلمين، وهذه الحقيقة يعبر عنها القرآن على لسان أصحاب المعتقد السليم من اليهود والنصارى: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُون وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ" (القصص: 52-53 ).وقد دحض الله مزاعم اليهود والنصارى في هذا الصدد مصححا خطأ ما ذهبوا إليه بقوله: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (آل عمران: 67).
وإذا أجلنا النظر في القرآن نجد أن كل الرسل بمختلف عصورهم جاءوا بمنظومة واحدة من المعتقدات والعبادات. فقد وردت الإشارة في القرآن إلى رسول الله زكريا ونداء الملائكة له وهو قائم يصلي: "فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ " (آل عمران: 39).ورسول الله شعيب حين خاطبه قومه قائلين: "قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ " (هود: 87).ورسول الله إدريس: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا" (مري: 55م)، وعن رسل الله اسحق ويعقوب: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين" (الأنبياء: 73)ورسولا الله داوود وسليمان: "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ" (يونس: 78)،ورسول الله عيسى أنه قال: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا" (مريم:1 3)ولقمان حين خاطب ابنه ناصحا: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (لقمان: 17)وقوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان: 13)، ومريم حين أوصاها الله قائلا: "يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ" (آل عمران : 43).
وليست هذه سوى بعض الأمثلة لبعض طرق العبادة ومبادئ العقيدة ويمكن تعميمها على كافة رسل الله طالما أن الدين الحق نفسه هو الذي أنزل على كافة الرسل. وفي الآية التالية تتجلى الملامح الجوهرية الثابتة لهذا الدين الحق : "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّه َمُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاة َوَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"(البيّنة: 5)
عليه فإن الدين عند الله هو الإسلام. هذه الحقيقة الثابتة يعبر عنها القرآن في قوله تعالى:"وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين"َ(آل عمران: 85)
لماذا أنزلت الأديــــان؟

لقد أودع الله في أصل فطرة الإنسان ومنذ لحظة خلقه ميلا إلى إدراك وجود الله وذلك باستخدام ما عنده من ملكات الوعي والحكمة. إن من الحقائق الجلية أن كل شيء في الكون من أكبر ما فيه من موجودات إلى أصغرها، هو من خلق وتدبير الله. ففي كل شيء يحيط بنا آية وبرهان على وجود الله. فقد خلق الله الطير الذي يحلق في جو السماء والأسماك التي تسبح في قيعان البحار والإبل التي تجوب الصحراء وطيور البنغوين التي تعمر الدائرة القطبية الجنوبية للكرة الأرضية والبكتريا التي تتخذ من أجسادنا سكنا والتي لا ترى بالعين المجردة والثمار والنباتات والغيوم والكواكب والمجرات العظيمة في أكمل هيئة وأحسن تقويم وزودها جميعا بأنظمة وأجهزة حساسة ومزايا راقية.
وبالمثل، كل النظم التي تعين على استمرار الحياة في الأرض مرسومة وفق توازن دقيق. فحدوث أدنى اختلال أو انحراف في هذه التوازنات، ولو قيس بالمليمتر، من شأنه أن يجعل الحياة على وجه الأرض مستحيلة. وإن التأمل في هذه التوازنات ليكشف عما تنطوي عليه من حساب دقيق رائع وخطة بديعة. فلو تراجعت سرعة دوران الأرض حول الشمس عن معدلها الحالي لأسفر ذلك عن فروق هائلة في درجات الحرارة بين الليل والنهار، كما ستؤدي الزيادة في سرعة دوران الأرض حول الشمس إلى حدوث أعاصير وفيضانات مما يشكل تهديدا خطيرا للوجود على كوكب الأرض.
كما توجد توازنات أخرى دقيقة تجعل الحياة ممكنة على ظهر كوكبنا الأرضي. لهذا يستحيل عقلا القول بأن هذه التوازنات الدقيقة الرائعة هي وليدة المصادفة العمياء. فكاميرا التصوير أو السيارة تدل الإنسان على وجود صانع حاذق واع، وبالمثل يتعين على المرء أن يستنتج أن الكون وما فيه من شبكة نظم مترابطة ليس كياناً مستقلا بذاته خالقا لها. وتتكرر في القرآن الآيات التي يلفت الله فيها أنظارنا إلى أدلة وجوده وآيات حكمته المبثوثة في الكون: "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُون" (النحل: 10-13) وفي قوله تعالى: "أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُون " (النحل: 17).
حري بمن يتأمل الآيات سالفة الذكر أن يقر، ولو كان مجرداً تماماً من المعارف الدينية، بوجود الله وأن ينبهر من قدرة الله وحوله. إن نظر الإنسان في جسده، ذلك الكيان الذي يموج بمنظومات معقدة ومترابطة، كفيل بجعل الإنسان يقر بجلال خلق الله. وكذلك بمقدور الشخص الذي لم يطلع على كتاب الله الموحى أن يهتدي إلى خالقه بملاحظة وتأمل ما يحيط به من مخلوقات. فالكون يزخر بالأدلة على وجود الله لكن لا يقف على هذه الأدلة إلا الذين أوتوا قرائح متقدة: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (آل عمران: 190-191).
وهنا، أي بعد الإقرار بوجود الله، تتجلى الحاجة إلى الدين أكثر. وذلك ببساطة لأن الشخص الذي يقر بوجود الله سيرغب حتما في التقرب إليه، ومعرفة المزيد عنه والبحث عن سبل لاكتساب حبه ورحمته، والسبيل الوحيدة إلى هذه الغايات تكمن في فهم قيم القرآن كلام الله الخالد ودستور الإسلام السماوي، دين الحق.


لقد دعا الله الناس في كل العصور للإيمان به وأعد جهنم لكل من رفض الاستجابة لهذه الدعوة.
القرآن يزود الإنسان بكل المعارف الضرورية له

لم يخل عصر من العصور من كتب منزلة ورسل مرسلون إلى بني الإنسان، كل ذلك لأجل أن يعرّف الله نفسه للإنسان وليعلمه أنماط السلوك والقيم الأخلاقية وأسلوب الحياة الذي يريد له العيش وفقه وهيئه له. لقد أرشدت تلك الكتب وتلك الرسل الإنسان إلى المعاني الحقيقية لمفاهيم الخير والشر والخطأ والصواب، ولفتت نظره إلى ما سيقفو الموت من حياة أخروية يثاب فيها المحسن ويعاقب فيها المسيء.
وبهذه الكيفية بيّن الله كل ما يحتاج الإنسان إلى معرفته على امتداد حياته عن طريق الأديان السماوية، فلم تغادر هذه الأديان كبيرة ولا صغيرة فيما يتصل بكيفية تحقيق حياة قيمة وطيبة في هذه الدنيا وفي الآخرة إلا جاءت بها. وقد وردت الإشارة إلى الغاية الأولى من خلق الإنسان وإرسال الرسل وإنزال الديانات في آيات كثيرة من آي الذكر الحكيم : "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين "(النحل: 89)،"وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا"(الإسراء: 105)، "ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ"(الأنعام: 154).
القرآن يبين الغاية الحقيقة من خلق الإنسان

شهد التاريخ على امتداد حقبه خلق وحياة وفناء مليارات من البشر. قلة قليلة من هؤلاء البشر جهدت وسعت لمعرفة الغاية الحقيقية للحياة، أما البقية الباقية فانجرفت مع تيار الأحداث اليومي وقضوا حياتهم جرياً وراء غايات صغيرة تافهة. ولهذا كانت غاية وجودهم وشغلهم الشاغل هو أن يحققوا رغباتهم الخاصة. إن موقفا باطنيا غير مسئول يميّز هذا الضرب الطاغي من السلوك في كل المجتمعات في مختلف عهود التاريخ تقريبا. فكل جيل، باستثناء حالات قليلة، وقع في ذات الأخطاء التي وقع فيها الجيل السابق وتبنى بكل بساطة أهداف وقيم آبائهم الأولين. وهي دائرة مفرغة لا تزال تدور إلى يوم الناس هذا.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.19 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.63%)]