عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 18-05-2020, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان


ولعلَّ الجميع يعلم أنَّ النوم هو المانِع الرئيسي مِن صلاة الفجر، والرجل يضربه في رأسه؛ لأنَّها محل العقل، وأشرف ما في الإنسان، والسبب في النوم.



أيها المؤمنون والمؤمنات، الأمر جدٌّ وليس فيه هزل، ومَن اعتاد المخالفة يوشك أن يقَع في الفِتنة، ومَن وقع في الفتنة وقَع في العذاب الأليم؛ ï´؟فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌï´¾ [النور: 63].



3- نافلة أعظمُ مِن الدنيا وما فيها:

سُنَّة صلاة الفجر - الصبح - هي أكثرُ صلاة نافلة مِن نوافل الصلوات خصَّها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتعظيم الأجْر بصورة لافتة حقًّا للنظر، فعلى سبيل المثال قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الإمام مسلمٌ عن عائشة - رضي الله عنها -: ((ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))، وفي رواية أحمد: ((ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا جميعًا)).



ووقفة يا إخواني وأخواتي مع هذا الحديث العجيب، ما الذي يمنعنا مِن صلاة الصبح؟! أليس جزءًا ضئيلاً جدًّا جِدًّا جدًّا مِن الدنيا؟! إما سهر بالليل في أمْر من أمور الدنيا، وإما رغبة في أخْذ قسط من النوم؛ لكي تستطيع أن تقوم في السابعة أو الثامنة أو بعدَ ذلك لأمْر آخر مِن أمور الدنيا؛ أليس كذلك؟!



عُد - أخي وأختي في الله - واقرأ الحديثَ العجيب، الدنيا - كلّ الدنيا - بكل ما فيها مِن أموال وكنوز، ومناصِب وأعمال، ومغريات وملهيات، لا تصل إلى قِيمة ركعتي الفجر! ولاحظ أنَّ كل هذا الفضل لركعتي النافلة، فما بالك بركعتي الفرْض؟! وسبحان الله! ليستْ هذه القيمة العالية لطول القيام في هاتين الركعتين أو لكثرة القراءة، فإنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان عادةً ما يخفِّف القراءة فيهما جدًّا؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ في الركعة الأولى بسورة: (قل يا أيها الكافرون)، وفي الركعة الثانية بسورة: (قل هو الله أحد)، ويَرْوي النَّسائي عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنَّها كانت تقول: إن كنت لأرَى رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّي ركعتي الفجر فيخفِّفهما حتى أقول: أَقَرَأَ فيهما بأمِّ الكتاب - الفاتحة؟! إذًا ليستِ القراءة الطويلة هي السببَ في زيادة الفضل حتى يصل إلى أن يَزيد على الدنيا بكاملها، إنَّما هو التوقيت الذي تُقام فيه هذه الصلاة الكريمة، فالذي ترَك الدنيا جميعًا واستيقظ قبلَ ميعاد إقامة صلاة الصبح؛ حتى يصلي ركعتي الفجْر هو الذي نجَح في الاختبار، وكما ترَك الدنيا جميعًا من أجل هذه الصلاة، فإنَّ الله - تعالى - يُعطيه أجرًا أكبر من الدنيا جميعًا بهذه الصلاة؛ روى البخاري عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "لم يكُنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على شيء مِن النوافل أشدَّ مِنه تعاهدًا على ركعتي الفَجْر".



وذكَرَ الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" أنَّه لم يُحفظ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه صلى سُنَّة الصلاة قبلها ولا بعدَها في السفر إلا ما كان من سُنة الفجر؛ لذلك روى الإمام أبو داود والإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تَدَعوا ركعتي الفجْر وإن طردتْكم الخيل))! فحتى عندَ لِقاء العدوِّ، ومطاردة الخيل، واحتدام اللِّقاء، لا تدَعُوا ركعتي النافلة، فما بالكم بالفرْض؟!



ولهذه القيمة العالية كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقْضِي هذه النافلة إذا فات موعدُها، فيصليها بعدَ صلاة الصبح أو بعد شروق الشمس، وذلك سواء فاتت وحدَها أو فاتت مع صلاة الصبح، وهذا لا يحدُث مع بقية النوافل، اللهمَّ إلا قيام الليل.



إذًا هذا التفخيم الهائِل لركعتي النافلة يُعطي بالتبعية قيمةً أعظم ومكانةً أسمى لركعتي الفرْض، وهذا أمرٌ فريد جدًّا، ويستحق التدبر، فيا باحثًا عن قيراط بسيط في الدنيا، كيف تَنام عمَّا هو خيرٌ من الدنيا جميعًا؟!



4- فقه خاص وذِكر خاص:

لقد جعَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهذه الصلاة أشياءَ خاصة جدًّا لا تتكرَّر مع غيرها مِن الصلوات؛ بحيث يُعطيها تميزًا واضحًا بيْن الصلوات، وكل الصلوات هامَّة، وكل الصلوات عظيمة، ولكن عندما تلاحِظ اختلافًا في هذه الصلاة بالذات عن غيرِها، فإنَّ في هذا إشارةً إلى تفرد هذه الصلاة بفضْل أعظم، وهذه أمثلة مِن هذا التفرد:



أولاً: هي أوَّل الصلوات افتراضًا على المسلمين هي وصلاة العصر، وكانت كهيئتها الآن؛ أي: كانت ركعتين، وكذلك كانتْ صلاة العصر ركعتين، ثم زِيدت صلاة العصر إلى أربع بعدَ الإسراء والمعراج، وبقيت صلاة الصبح كما فرضت أوَّل مرَّة، ومعنى هذا أنَّ المسلمين يصلُّون هذه الصلاة بهيئتها هذه، وفي موعدِها هذا مِن أوائل أيَّام البعثة، وهذا أمرٌ لافت للنظر، وكأنَّها صلاة لا يَستغني عنها مسلم أو مؤمِن في الأرْض، فكانت من أوائل الشرائع التي نزلت على الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم.



ثانيًا: أذان الصبح مختلِف عن بقية الصلوات، فكما روى أبو داود عن أبي محذورة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - علَّمه أن يقول في أذان الصبح بعدَ حي على الفلاح: "الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم".



وقِفوا أيُّها المؤمنون والمؤمنات، أمامَ هذه العبارة العميقة: "الصلاة خيرٌ من النوم"، ما الذي يمنعك غالبًا مِن إدراك صلاة الفجْر؟ أليس النوم ولذَّتُه، وراحته وحلاوته؟! ها قدْ سمعتَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخبرك - وهو الصادِق المصدوق - أنَّ صلاة الفجر خيرٌ من النوم مهما كان النوم في اعتباراتك هامًّا ومفيدًا!



الصلاة خيرٌ من النوم، إنْ كنت تُصَدِّق الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُدرك أنَّ كلامه هو الحق الذي لا باطل فيه، فليس هناك معنى لعدمِ الاتباع، وإنْ كنت ترى أنَّ النوم أفيد مِن الاستيقاظ وأفضل لظروفك وأنسب لحياتك، فهذا شيء خطير يحتاج إلى وقْفة، القضية يا إخواني ويا أخواتي قضيةُ إيمان!



ثالثًا: جعَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذكارًا خاصَّة تُقال بعد صلاة الصبح مختلفة عن كلِّ صلاة، فبالإضافة إلى ختام الصلاة المعتاد الذي أوصى به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - دُبرَ كل صلاة، مثل التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، والاستغفار، والأدعية المختلفة الواردة، فوق كل ذلك أضاف - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذكارًا خاصَّة بصلاة الصبح ليستْ في غيرها من الصلوات، فعلى سبيلِ المثال ما رواه الترمذيُّ - وقال حسن صحيح - عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال في دُبر صلاة الفجْر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلَّم: لا إله إلا الله وَحْدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير - عشرَ مرات، كُتبت له عشرُ حسنات، ومُحيت عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات، وكان يومَه هذا كلَّه في حرز مِن كل مكروه، وحرس مِن الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يُدرِكه في ذلك اليوم إلا الشِّرْك بالله))، كذلك روى أبو داود والنَّسائي عن مسلم بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال لي النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صليتَ الصبح فقل قبل أن تتكلَّم: اللهم أَجِرني من النار - سبع مرات - فإنك إن متَّ مِن يومك كَتَب الله لك جوارًا من النار))، فهذه فضائلُ لا تُقدَّر بثَمَن، ولا تُحَصَّل إلا بذِكرها في هذا التوقيت.



رابعًا: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الذي كان عادةً يأمر المسلمين بالتخفيف في الصلاة - يطيل في قراءة الصبح - فكما روى مسلم عن أبي برزة الأسْلمي - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ في صلاة الصبح مِن المائة إلى الستِّين آية، وكان ينصرِف حين يعرف بعضنا وجه بعض؛ بمعنى: أنَّ شروق الشمس قد اقتربَ حتى إنهم يستطيعون أن يميِّزوا وجوه بعضهم البعض.



وواضح اهتمام رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالقِراءة الطويلة في هذه الصلاة بالذات، والتي تؤدَّى في وقت يكون فيه القلب عادة خاليًا مِن هموم الدنيا ومشاكلها، كما أنَّ المسلم يفتتح يومَه بهذه الصلاة، فما أجمل أن يفتتح يومَه بكمٍّ لا بأس به مِن الآيات الحكيمات! وقد عبَّر الله - عزَّ وجلَّ - عن صلاة الفجر بكلمة: ï´؟وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاï´¾ [الإسراء: 78]؛ وذلك لأنَّ قراءة القرآن في هذه الصلاة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار كما ثبت في الحديث.



خامسًا: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في يوم الجُمُعة في صلاة الصبح قراءة خاصَّة، فكان من سُنته - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما جاء في البخاري وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الركعة الأولى بسورة السَّجْدة، وفي الركعة الثانية بسورة الإنسان، وهذا تميُّز لا يحدُث في أي صلاة مفروضة أخرى، اللهم إلا صلاة الجُمُعة، وهي صلاة متميزة أيضًا.



سادسًا: صلاة الصبح لا تُقصر ولا تُجمع، والظهر والعصر يقصران ويجمعان، والمغرب يُجمع مع العشاء، ولكن لا يقصر، والعشاء تُجمع وتقصر، أما الصبح فمتفرد جدًّا؛ لا يقصر ولا يجمع، لا في سفر، ولا في حضَر، ولا في حجّ، ولا في جهاد، ولا في خوف، ولا في غيره، وهذا - ولا شك - تميز يلفت الأنظار.



أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا من المحافظين على صلاة الفجر، المشتاقين إليها.



5- وقت مشهود:

عظَّم الله - عزَّ وجلَّ - من وقت الصبح في كتابه الكريم، فلم يُقسِم - سبحانه وتعالى - في كتابه بوقت صلاة إلا بوقتِ الصبح والعصر؛ قال تعالى: ï´؟وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍï´¾ [الفجر: 1 - 2]، كما أنَّ هذا الوقت وقتٌ مشهود، والذي يشهده خلق عظيم مِن خلْق الرحمن - سبحانه وتعالى - وهم الملائكة! كل ملائكة السماء النازِلة إلى الأرْض تشهد هذه الصلاة! روى البخاريُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تفضُل صلاةُ الجميع - الجماعة - صلاةَ أحدكم وحدَه بخمس وعشرين جزءًا، وتجتمعُ ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجْر))، ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: فاقرؤوا إن شِئتم: ï´؟إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاï´¾ [الإسراء: 78]، فتخيل - يا عبد الله - كيف رفَع الله - عزَّ وجلَّ - مِن قدْر هذه الصلاة حتى جعلها موعدًا لالتقاء ملائكة الليل وملائكة النهار! ثم إنَّ هناك زيادةً في البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يذكر فيها أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أضاف شيئًا هامًّا بالنسبة لملائكة الليل، وهم الذين يصعدون إلى السماء بعد شُهود صلاة الفجر مباشرةً؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثم يعرج الذين باتوا فيكم - ملائكة الليل - فيسألهم ربُّهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركْناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، فانظر وتدبر إلى الفارق الهائل بين أن يقول ملائكة الرحمن لله - عزَّ وجلَّ -: وجدنا فلانًا يصلي صلاةَ الفجر في جماعة، وبيْن أن يقولوا: وجدنا فلانًا نائمًا غافلاً ليس واضعًا الفجر في أولوياته، ولا مواقيت الصلاة في حساباته؛ فارِق هائل! فانظر في أي الفريقين تحبُّ أن تكون، واخترْ لنفسك.



6- أنت في حفظ الله:

وعدَك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنك إذا صليت الصبح فإنك ستكون في حِفظ الله - عزَّ وجلَّ - سائِر اليوم! أيُّ مِنَّة، وأي فضْل؟! رَوى الإمام مسلم عن جُندب بن سفيان - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صلَّى صلاة الصُّبح فهو في ذِمَّة الله))؛ أي في حماية الله، وفي عهْد الله، وفي ضمان الله - عزَّ وجلَّ - وهناك زيادة للحديث في مسلِم أيضًا وفي الترمذي وابن ماجه يقول فيها الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - واللفظ لابن ماجه: ((فلا تخفروا الله في عهْدِه))؛ يعني هذا أمرٌ للناس ألاَّ تؤذي هذا الذي صلى الصبح، ثم يقول: ((فمن قتَله - أي: قتل هذا الذي صلَّى الصبح - طلَبَه الله حتى يكبَّه في النار على وجهه))، حماية ربانية عظيمة لمن صلَّى الصبح، أنت في حماية الله، ومَن آذاك طلبه الله - عزَّ وجلَّ - حتى أدخله النار، تشعر بثِقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصليًا للصبح، تشعر بثبات أمامَ المحن، وأمام المصائب، وأمام الطغاة، وأمام الجبابرة، أنت في حمايةِ مالك الملك وخالِق الأكوان!



ماذا تريد أكثرَ من ذلك؟! كل هذا بركعتين! ولكن هاتان الركعتان أثبتتَا صدق القلب وقوة الإيمان، ومِن ثَم فإن الله - عزَّ وجلَّ - يدافع عنك؛ ï´؟إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍï´¾ [الحج: 38].



7- مؤتمر عِلْمي إيماني:

كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يهتمُّ بأن يجعل صلاةَ الصبح فرصةً لتعليم أصحابه كلَّ الخير، فكان كثيرًا ما يجعل وراءَها درسًا، أو توضيحًا لمفهوم ما، أو سؤالاً عن أصحابه، أو تفسيرًا لرؤيا، أو غير ذلك مِن أمور التربية، لقد كانت صلاة الصبح - بحقٍّ - مؤتمرًا علميًّا إيمانيًّا راقيًا جدًّا.



وهذه وسيلة من أهم وسائل التربية؛ لأنَّ القلوب تكون نقيَّةً في هذه اللحظات، والعقول متفتِّحة، والملائكة شاهِدة، والبيت بيت الله، والكلام كلام الله، والحضور مِن المؤمنين الصادقين، فرصة رائعة لزَرْع كل ما هو نبيلٌ؛ من عقيدة أو خُلُق أو فِقه أو غيره، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينوع المواد في هذا اللقاء؛ حتى لا يُصابَ المسلمون بالملل، فمرَّةً يسأل أصحابه عن أحوالهم؛ حتى يعلِّمهم في النهاية شيئًا ينفعهم، ومِن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سأل أصحابه يومًا بعد صلاة الصبح فقال: ((مَن أصبح منكم اليومَ صائمًا؟)) قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا، قال: ((فمَن تبِع منكم اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن أطعم منكم اليومَ مسكينًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عاد اليوم مريضًا؟)) قال أبو بكر: أنا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخَل الجنة))، ولك أن تتفكَّر: متى استيقظ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - حتى يفعلَ كل ذلك!



ومن ذلك أيضًا ما رواه البخاريُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لبلال - رضي الله عنه - عندَ صلاة الفجر: ((يا بلال، حَدِّثْني بأرْجَى عمل عملتَه في الإسلام؛ فإني سمعتُ دفَّ نعليك بين يديّ في الجنة - تحريك نعليك)) قال: ما عملت عملاً أرْجى عندي أني لم أتطهَّر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليتُ بذلك الطهور ما كُتِب لي أن أصلِّي".



وأحيانًا كان يقصُّ على أصحابه قصَّةً لطيفة مشوقة تجذب الأسماع، وتوقِظ مَن يداعبه النوم، ومِن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلى صلاةَ الصبح ثم أقْبَل على الناس فقال: ((بينا رجل يسوقُ بقرةً إذ ركِبَها فضربَها فقالت: إنَّا لم نُخلَقْ لهذا، إنَّما خُلقنا للحَرْث))، فقال الناس: سبحان الله! بقرة تتكلَّم! فقال: ((فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، - وما هما ثَمَّ - وبينما رجلٌ في غنمِه إذ عدا الذِّئب، فذَهَب منها بشاة، فطلَبه حتى كأنَّه استنقذها منه، فقال له الذِّئب هذا: استنقذتها مني، فمَن لها يومَ السَّبُع، يوم لا راعي لها غيْري؟!))، فقال الناس: سبحان الله! ذئبٌ يتكلَّم! قال: ((فإنِّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر - وما هما ثَمَّ)).



وأحيانًا كان يُلقي خُطبةً كاملة، أو موعِظة بليغة يعلِّمهم فيها طرفًا من جوامع كلمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن ذلك ما رواه الترمذيُّ وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي عن العِرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: صلَّى لنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصبحَ ذات يوم، ثم أقْبل علينا فوعَظَنا موعظةً بليغة، ذرفتْ منها العيون، ووجلتْ منها القلوب، فقال قائل: يا رسولُ الله، كأن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهَد إلينا؟ فقال: ((أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ كان عبدًا حبشيًّا، فإنَّه مَن يعش منكم بعْدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنتي، وسُنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، فتمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكم ومحدَثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدَثة بِدعة، وكل بِدعة ضلالة)).



والشاهد في كلِّ هذا - وفي غيره - أنَّ الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يلاطِف أصحابه بعدَ صلاة الصُّبح ويُعلِّمهم ويُفقِّههم ويشرح لهم، وكل هذه عواملُ تشجِّع مَن كان في قلْبه تردُّد ألاَّ يفوِّت صلاة الصبح.



8- دورة تدريبيَّة رُوحيَّة يوميَّة:

كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحفِّز الناس على البَقاء في المسجد بعدَ صلاة الصبح إلى شروق الشمس، فيصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تَدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمِن يومَه، وقد رأينا كيف أنَّ الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُطيل الصلاةَ في الصُّبح نسبيًّا عن بقية الصلوات، فيُصلِّي بالمائة إلى الستِّين آية، ثُمَّ يتحدَّث إلى أصحابه في درْس قصير، أو يلاطِفهم بأسئلة، ثم فوق ذلك هو يُحفِّزهم على الجلوس لذِكر الله - عزَّ وجلَّ - إلى شروق الشمس؛ روى الترمذي - وقال: حسن - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى الغداة في جماعة ثم قعَد يذكُر الله حتى تطلُع الشمس، ثم صلَّى ركعتَين، كانت له كأجْر حَجَّة وعُمرة تامَّة تَامَّة تامَّة))، والحديث وإنْ كان البعضُ قد ضعَّفه إلا أنَّ الترمذي حسَّنه، وله شواهدُ جيِّدة في الطبراني، وشواهِد أخرى كثيرة كما قال المنذريُّ في الترغيب، وكذلك روى مسلم في صحيحه عن جابرِ بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا صلَّى تربَّع في مجلسه حتى تطلعَ الشمس حسنًا"؛ أي: تطلع طلوعًا حسنًا، ثم هناك أذكارُ الصباح الكثيرة التي كان يقولها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويحفز أصحابه عليها بعدَ الصبح وقبل طلوع الشمس، وكلها مِن الأذكار العظيمة القيِّمة، المليئة بمعاني الشُّكر والحمْد والاستغفار والتسبيح واللجوء إلى الله والاعتماد عليه، وهذه بدايةٌ رائِعة لليوم، فعَلَى سبيل المثال ما رواه أبو داود عن عبدالله بن غَنَّام البَيَاضيِّ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال حين يصبح: اللهمَّ ما أصبح بي مِن نِعمة، فمنك وحدَك لا شريكَ لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدَّى شُكرَ يومه، ومَن قال مثل ذلك حين يُمسي، فقد أدَّى شكر ليلته))، وكذلك روَى البخاري والترمذي وأبو داود - واللفظ لأبي داود - عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: دخَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذاتَ يوم المسجد، فإذا هو برجلٍ مِن الأنصار يُقال له: أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أُمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقتِ الصلاة؟)) قال: همومٌ لزِمتْني، وديون يا رسولَ الله، قال: ((أفلا أُعلِّمك كلامًا إذا أنتَ قُلتَه أذهب الله - عزَّ وجلَّ - همَّك، وقضَى عنك دَيْنك؟))، قال: قلت: بلى يا رسولَ الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهمَّ إني أعوذ بكَ مِن الهمِّ والحزن، وأعوذ بك مِن العجْز والكسَل، وأعوذ بك من الجُبن والبُخل، وأعوذ بك مِن غَلَبة الدَّين وقهْر الرجال))، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله - عزَّ وجلَّ - همِّي، وقضَى عني دَيني"، وروى البخاري وغيره عن شدَّاد بن أوس عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((سيِّد الاستغفار: اللهمَّ أنتَ ربي لا إله إلا أنت، خلقْتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدك ما استطعتُ، أبوء لك بنِعمتك عليّ، وأبوء لك بذَنبي فاغفرْ لي، فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، أعوذ بكَ مِن شرِّ ما صنعت، إذا قال حين يُمسي فمات دخَل الجنة، أو كان مِن أهل الجنة، وإذا قال حين يُصبح فمات مِن يومه مثله))، وأذكار الصباح كثيرة جدًّا وجميلة جدًّا، وتخيَّل نفسك تقوم بهذا البرنامج التدريبي كلَّ يوم، كيف سيكون حالك مع الله - عزَّ وجلَّ؟! وكيف سيكون حالك مع الناس في كلِّ معاملاتك؟! هذه - ولا شكَّ - بداية رائعة لليوم.



9- كفَّارة لنِصف العمر:

هذه خاصية رائِعة لصلاة الفجْر، فقد أشار رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن كلَّ صلاة تكفِّر الذنوب التي ارتُكبت في الوقت الذي بيْن هذه الصلاة والصلاة التي قبلها، فعلى سبيل المثال ما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الصلوات الخمْس، والجُمُعة إلى الجُمُعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهنَّ، إذا اجتُنبت الكبائِر))، وكذلك ما رواه الإمام مسلم عن عثمانَ بن عفَّانَ - رضي الله عنه - من أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما مِن امرئ مسلِم تحضرُه صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءَها وخشوعَها وركوعها إلا كانتْ كفَّارة لما قبلها مِن الذنوب، ما لم يؤت كَبيرة، وذلك الدَّهرَ كلَّه))، يا ألله! هذه رحمةٌ عظيمة من ربِّ العالمين.



لكن لاحِظ أنَّ الفترة بين صلاة العشاء وبيْن صلاة الصبح هي أطولُ الفترات التي تقَع بين الصلوات، وهي الليل كله، وهي نِصف اليوم، فتصبح بذلك صلاة الصبح مكفِّرة لنصف اليوم، وبقيَّة الصلوات مكفِّرة لنصف اليوم الآخر، أو قل: تُصبح صلاة الصبح مكفِّرة لنصف العُمر لمن حافَظ عليها، وبقية الصلوات مكفِّرة لنصف العمر الآخَر، وذلك إذا اجتُنبت الكبائر، فضلٌ هائل، وقيمة لا تُقدَّر! فالله المستعان.



10- في كل خطوة بركة:

لفت رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنظار أصحابه وأنظارَنا إلى أنَّ البركة في البُكور، فالساعات الأولى في الصَّباح - بعدَ صلاة الصبح - هي أبرَكُ ساعات في اليوم كله، ولن يستغلها إلا الذي استيقظ في هذا الوقت المبكِّر، وصلى الصبح، وبدأ في استثمار يومِه من أوله؛ روى الترمذيُّ وأبو داود وأحمد وابن ماجه عن صخرٍ الغامدي قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورها))، وهذه المباركة في كلِّ شيء، وفي كل الأعمال، في التجارة والزراعة، والقراءة،، والسفر، والجهاد في سبيلِ الله.



وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما يقول صخر الغامدي - رضي الله عنه - راوي الحديث السابق - إذا بعَث سريةً أو جيشًا بعثَهم أول النهار، واستفاد صخرٌ - رضي الله عنه - مِن هذه النصيحة، وكان رجلاً تاجرًا، وكان إذا بعَث تجارةً بعثهم أوَّل النهار، فأثْرَى وكثُر ماله، حتى إنَّه في رواية أحمد جاء: أنَّ صخرًا كثر ماله حتى كان لا يَدري أين يضعُه! وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما روى الترمذي عن النُّعمانِ بن مقرِّن - رضي الله عنه - إذا طلَع الفجر أمْسَك حتى تطلع الشمس، فإذا طلعتْ قاتَل، وكان يقول: عندَ ذلك تهيج رياح النَّصْر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم.



وعلى سبيلِ المثال ما جاء في سُنن النسائي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومَ خيبر صلاةَ الصبح بغَلَس - يعني: في أوَّل وقت الفجر - وهو قريب منهم، فأغار عليهم، وقال: ((الله أكبر! خربت خيبر - مرَّتين - إنَّا إذا نزلْنا بساحة قوم، فساءَ صباحُ المنذرَين))، إذًا كل هذه البَرَكة والفضل والنَّصْر في أوَّل لحظات النهار.



لكن ماذا يحدُث إن لم يستيقظِ الإنسان في هذه اللحظات المبارَكة؟ ماذا يحدُث إن ظلَّ غافلاً نائمًا، ساهيًا عن أعظمِ لحظات اليوم، لاهيًا عن نصائح حبيبنا وحبيب الله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ماذا يحدُث لو بدأ الإنسان يومَه بعد فوات هذا الخير؟ استمع إلى كلام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((يعقِد الشيطانُ على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرِب: عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذَكَر الله انحلَّتْ عُقدة، وإذا توضَّأ انحلَّتْ عنه عقدتان، فإذا صلَّى انحلتْ العقدة الثالثة، فأصبح نشيطًا طيِّبَ النفْس، وإلا أصبح خبيثَ النفْس كسلانَ)).



ولاحِظ أنَّ هذا الحديثَ قيل في فضْل قيام الليل وليس في صلاة الصبح، وهذا يعني أنَّ الذي لا يستيقظ قبلَ الفجر ليصلي لله ولو ركعتين قبلَ طلوع الفجر يصبح خبيثَ النفس كسلان، فما بالك بالذي ينامُ عن الصلاة المفروضة؟!‍‍ فهل نُعاني - يا إخواني وأخواتي - من الكسَل في حياتنا؟! أم هل حياتنا تمتلِئ بالنشاط والحيوية؟! لقد كنَّا نشاهد في السابق الناسَ تخرج إلى أعمالها في الصباح الباكِر، يستوي في ذلك الفلاَّحون والتجَّار والعمَّال، ثم انتشر التلفاز والفيديو والقنوات الفضائية والمقاهي والأندية، فماذا كانتِ النتيجة؟! ماذا كانت نتيجة السهر الطويل، والاستيقاظ المتأخِّر، وضياع الساعات الأولى مِن الصباح؟ لقد ذهبتِ البركة، وقلَّ الإنتاج، واشتدَّتِ الأزمة الاقتصادية، وليست هناك وسيلة لعودة البَرَكة إلا بالعودة إلى شرْعِنا بصورة كاملة، والاهتمام بأدقِّ التفاصيل، ومن ذلك استثمارُ اليوم بكامله، من قبل صلاة الفجر وإلى لحظاتِ النوم، وأسأل الله - تعالى - التوفيقَ لأمَّة الإسلام.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.39 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]