عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 16-05-2020, 01:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

أفكار حول رمضان







د. عبدالحكيم الأنيس




الحياةُ عندما تكون كشريطٍ واحدٍ تُمَلُّ، ولذلك كان فيها المناسبات كالجُمَع والأعياد وما إلى ذلك، كي تُقلِّص من شعور الناس بـ (الرتابة) المملة، وتجعلهم يعيشون أياماً تختلفُ عن أيامهم في سائر السنة، وتكون بمثابة الأمل، وقديماً قيل: لولا الأمل لبطل العمل، وشهرُ رمضان له الأثر الكبير في هذا المجال في كثيرٍ من نواحي الحياة، وأنماط أحداثها، وبه يشعرُ الناسُ بتغييرٍ تامٍّ عمّا تعودوه صباحَ مساء، وبهذا تتجدَّدُ الحياةُ وتتبلور صورُها.









وشهر رمضان كثيراً ما يُساعد على (عبادةٍ) قد أعرض كثيرٌ من الناس عنها ولم يعودوا يُعيرونها أيَّ اهتمام، تلك هي عبادةُ التفكُّر في آلاء الله، وعظمته، وإبداع خلقه، والتفكر في المبدأ والمصير، ومساعدةُ شهر رمضان على هذه العبادة إنما هو من باب خلاء المعدة من كثرة الأطعمة والأشربة مما ترتخي معه الأعضاءُ، ويكسلُ الجسم، وتنشلُّ حركة العقل، فالبطنة تُذهب الفطنة، والامتلاءُ الدائمُ سببٌ كبير لإفساد الفكر، وإبعاده عن وظيفته ووجوده.










ومن أهم دروس رمضان ذلك الدرس الذي تفتقرُ إليه الأمةُ بأجمعها: (الصبر)، فالمسلمُ عندما يُكابِد ألم الجوع والعطش، ويَحْمل نفسَه على ما تكره، ينصاعُ له ما يعصيه من الصبر، إلى أنْ يصيرَ له سجية وجبلة، وإذا ما اعترضتْهُ خطوبُ الحياة وأكدارُ الدنيا كان ذا سلاحٍ قويٍ أمينٍ يدافِعُ به عن إيمانه ويقينه، وعزته وكرامته، هذا أولاً، وثانياً يُساعِد على حمل أمانة التبليغ واستعذاب الأذى في سبيل الحق والسلام.






كلُّنا بحاجة إلى الصبر كي نستطيعَ مواكبة السير وقلع الأشواك من الطريق، ومرحباً برمضان عندما يُملي علينا هذا الدرسُ البليغُ.










وفي رمضان تتجلى وتترقرقُ أسمى وأعظم آيات الحبِّ للخالق العظيم، فهذا هو المسلمُ وقد صام نهارَه وقام ليله لا يأبه بالجوع والعطش ولا بالسهر والسمر، انصرف بكليته إلى ربه تائباً منيباً، داعياً راجياً، ما له مِن همٍّ إلا القبول والتجاوز عمَّا مضى، قد تُعرَضُ أمامه أشهى الأطعمة فيُعرض عنها، ويلوح له أعذب الشراب فلا يلتفت له، كلُّ رغبته أن يرضى الله عنه، ويقول له يومَ القيامة بعد كل هذا التعب والنَّصَب: لقد بلوتُك يا عبدي ووجدتُك عند العهد، والآن ï´؟ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾، وهناك ما أشدَّ خيبة من خسِرَ الامتحان.










وساعات رمضان كلها خيرٌ وبركةٌ، وإنَّ مِن أجلها بهجة ونقاء وقرباً واتصالاً ساعة السحر، مُنى أنفس العُبَّاد والزهاد، وبُغية الطالبين والراغبين.






كثيرٌ أولئك الذين يَمرُّ عليهم السَّحَرُ وهم في غفلة النوم غارقون، يأتيهم الخير إلى أبوابهم وهم عنه راغبون، ولكن رمضان شهر الرحمة والحنان يأبى إلا أنْ يجعل للجميع نصيباً من هذه الساعة المباركة العظيمة، فلا بُدَّ للصائم من سحور، ولا بُدَّ للسحور من استيقاظ، ولا يكادُ الإنسان يشمُّ عبيرَ السَّحَر حتى تنتعشَ نفسُه، وتتفتح ذابلاتُ وروده، فيلجأ إلى مُصلَّاه يناجي ربَّه، ويذرف أمامَه دموعَ الخوف والرجاء، ويشكر شهرَ رمضان الذي كان السبب في تعريفه بهذه الساعة الغنّاء، حيث يفيض بحرُ الكرم، وتمتد يدُ المغفرة إلى كلِّ الغرقى والتائهين: (هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفرَ له، هل من تائب فأتوب عليه...).










أمّا ما يُسبغه شهرُ رمضان على النفس من صفات طيبة، ومشاعر نبيلة حية، فذلك ما ليس بالغامض ولا البعيد، فقد عَوَّدَ رمضانُ النفوسَ أن يُهذبها، ويرقى بها إلى قمم المساواة والعدالة، إذ تذوقُ معاناةَ الآخرين فلا يخفى عليها بعدُ ما تنطوي عليه صدورُ الفقراء والمحتاجين من ألمٍ حزينٍ راضٍ، وصمتٍ متدثرٍ شفّاف، فتتقرَّبُ إليها وتمسحُ عنها غبارَ الفقر والحاجة، وتقدِّمُ لها المعونة والبسمة، والشعورَ الإنساني الصادق، تتقرَّبُ إليها لتقول بأننا جسدٌ واحدٌ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعتْ له سائرُ الأعضاء بالسَّهر والحمّى.










ورمضان بصيامهِ وقيامهِ وتسبيحاتهِ وقرآنهِ قوةٌ إيمانية هائلة، تشحذُ عزيمة المسلم، وتنيرُ له الدرب طيلة أيام السنة، كلما سَلطت الشمسُ أشعتَها على نهره فأضرمته، وكلما حاول الألمُ واليأسُ أن يقتربا من شاطئه... قوةٌ تمنحُ القلبَ حلاوةَ اليقين، وتهب العين قرّةَ السرور، وهو بهذا محطةٌ سنوية يقفُ المسلمُ بها ليملأ عقله وقلبه مِن معينها، محطةٌ سنوية تتخللها محطاتٌ أخرى لك الخيارُ أن تنهل منها أي وقتٍ شئتَ.






رمضان فرصة ذهبية، ونفحة إلهية، علينا جميعاً أن نتعرضَ لها، ونستسقي منها كؤوسَ المحبة والصفاء، ونتزودَ لغدنا في الدنيا، وغدنا في الآخرة، وعسى الرحمة أن تطل علينا - بعد حبس الجوارح عن متطلباتها - وتهتف بنا في الدارين قائلةً: اذهبوا فأنتم الطلقاء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]