عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 19-04-2020, 05:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

(2) هدنةٌ في العمل مع الزملاء والمسؤولين:
وذلك يكون بالتَّجاوز عن الخصومات، ومصالحة الجميع، ونسيان الخلافات، والبَدْء بصفحة نقيَّة بيضاء، لا نريد زوبعة المشاكل في العمل، ولا نريد الانشغال بقيل وقال، لا نريد ضياع الأوقات في فُضول الكلام، ولا بدَّ من الإصلاح بين المُتخاصمين، والوصول إلى حلٍّ وسط لإرضاء جميع الأطراف، بشرط ألاَّ يكون في معصية الله، قال - تعالى -:
ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ï´¾
[الأنفال: 1].
نريد أن يكون تعامُلُك مع الزملاء في العمل مبنِيًّا على حصول المكاسب لك في الدِّين، وإن خسرْتَ الدُّنيا، ولا بدَّ كذلك من إتقان العمل وإحسانه، ولا سيَّما وأنت صائم تُراقب الله، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو يَعْلى، والطَّبَراني، وصحَّحه الألبانيُّ:
((إن الله يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتْقِنه)).
(3) إقامة هدنة مع نفسك؛ للتخلُّص من سموم القلب:
وسموم القلب خمسة: فضول الطَّعام، وفضول الكلام، وفضول النَّوم، وفضول الاختِلاط، وفضول النظر.


* فلْتَعقد هدنةً مع الطعام؛ فإذا أكل المرءُ كثيرًا، شرب كثيرًا، فنام كثيرًا، وخسر كثيرًا
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بِحَسْبِ ابنِ آدم لقيمات يُقِمن صلبَه، فإن كان لا بدَّ فاعلاً، فثُلثٌ لطعامه، وثلُث لشرابه، وثلث لِنَفَسِه))
كما روى ابن ماجهْ وصحَّحه الألباني.
وقال - تعالى -:
ï´؟ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ï´¾
[طه: 81]
فلتكتَفِ بلقيماتٍ كما أُمِرت.
* ولتعقد هدنةً مع الكلام: رجاءً، أغلق فمَك في رمضان، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلْيَقُل خيرًا أو لِيَصمت)).


وانتبه؛ فكلُّ كلمة تخرج من فمِك فهي إمَّا لك وإما عليك؛ إما ثواب وإما عقاب، قال - تعالى -:
ï´؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ï´¾ [ق: 18]
وكثرة الكلام مَدْعاة للخطأ؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصححه الألباني:
((من صمتَ نَجا))
فلا تتكلَّمْ إلا لطاعةٍ، وأحجم لسانَك عن قول ما لا يُرضي الله، فقد سُئل النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أكثرِ ما يُدْخِل النَّاسَ النارَ، فقال:
((الفَمُ والفرْج))
كما رواه أحمد، وصحَّحه الألباني.
وهما أيضًا سببٌ لدخول الجنَّة؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح البخاري":
((من يضمن لي ما بين لَحْييه وما بين رِجْليه، أضمَنْ له الجنَّة)).
وهذا يدلُّك على خطر اللِّسان، وخطر ما يخرج منه، فلا تتكلَّم - أخي يا بن الإسلام - إلاَّ إذا ترجَّحت المصلحة، أمَّا إذا تساوَت المصلحة مع المفسدة فلا تتكلَّم، فضلاً عن أن المفسدة إذا زادت فلا تتكلَّم.
* ولْتَعقد هُدنةً مع السَّرير: دعْه يستَرِح منك شهرًا، نحن نعترف أنَّ النوم نعمةٌ من الله - عزَّ وجلَّ - على عباده، لكن إذا أساء العبْدُ استخدامها، وتعدَّى بها إلى حدِّ الإفراط، أفسدَتْ قلبه؛ فاحذر كثرةَ النَّوم؛ حتَّى لا يضيع عمرُك، ويضيع دينك وقلبك.


كلَّما حدَّثتْك نفْسُك بالنَّوم والتكاسل في العبادة، فأغمِض عينك، وتخيَّل الجنَّة، وقل لنفسك: أترضَين أن نخسر الجنة؟! أتنامين وهناك من يسبقنا إلى الجنَّة؟! أما علمتِ أنَّ فلانًا يتلو القرآن الآن، وفلانًا يصلِّي من الليل الآن، فماذا سيفيدك النوم إذا سبقَكِ هؤلاء إلى الجنَّة بدرجاتٍ؟! ولذلك أنصحك - أخي يا بن الإسلام - أن تجعل لك صديقًا مخلصًا ذا همَّة عالية، تتنافس معه في العبادات
ï´؟ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ï´¾
[المطففين: 26].
* ولْتَعقد هدنة مع النَّاس: فأنفاسُ الناس دُخَان القلوب، ومُخالطة الناس بلاء، ولا سيَّما هذه الأيَّام، قال بعض السَّلَف: "هذا أوان السُّكوت، ولزوم البيوت"، فاحْذَر مُخالطة أهل الدُّنيا؛
فَإِنَّ خَلاَئِقَ السُّفَهَاءِ تُعْدِي
فإن كان لا بدَّ من المُخالطة، فلتكن يسيرةً، ولتكن بالصَّالحين، وعليك بِذَوي الهمم العالية منهم.
* ولْتَعقد هدنة مع العين: أرِحْ بصرك حتى تنطلقَ بصيرتُك، وسبيل ذلك أن يسَعَك بيتُك، ولا تنطلق في الشَّوارع، اشْغَل نفسك ببعض الطاعات، لا تَجِدْ وقتًا للخروج، واشغل بصرك بالنظر إلى المصحف لا ترَ أحدًا.
(4) هدنة مع الوالدين والأرحام:
إن مجرَّد شعورك أن كلَّ الناس يحبُّونك، ويُعجبون بك، وأنه ليس لك أعداء، ولا أحد يَحْقِد عليك، هذا الشُّعور بِمُفرده يجلب راحة نفسيَّة، وهدوءًا قلبيًّا، وراحةَ ضمير، وراحة بالٍ، وكلها مطلوبةٌ يَحْتاج الإنسان إليها.
إنَّنا نطلب ذلك لا لنُعجَب بأنفسنا وراحتنا فقط، ولكن لنستطيع أن نَجْمع الهمَّ؛ كي نَعْبد ربَّنا كما ينبغي، فأحسن أخي إلى الجميع، وأرِح الجميع ولو على حساب نفسك، سامِح الكلَّ، وتنازل عن الحقوق، وأدِّ جميع الواجبات تُجَاه الجميع، ابْذل كلَّ ما تستطيع لعقد هدنة مع كلِّ مَن حولك من الأقارب.
(5) هدنة مع نفسك لِتَرك الذنوب والمعاصي:
هدنة في الحرب مع الله، قال - تعالى -:
ï´؟ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾
[البقرة: 229]
ابدأ فورًا بإقامة العهد مع النفس بالإقلاع عن الذُّنوب، والتوبة إلى الله، والعَزْمِ على عدم العودة بنيَّة حقيقيَّة صادقة.
(6) هدنة مع طول الغياب خارج المنزل، وكثرة الارتباطات والمواعيد واللقاءات:
تفرَّغ في رمضان لعبادة ربِّك، لِمُعالجة نفسك، والعمل على تهذيبها، أنت في فترة عنايةٍ مركَّزة للقلب، فلماذا تُكْثِر الخروج من البيت لغير فائدة؟! تشتري كذا! وتزور فلانًا! وتكلِّم فلانًا!
يُمْكِنُك أن تشتري حاجيات رمضان قبل دخوله؛ حتَّى لا تنشغل بغير العِبادة، يُمْكنك أن تشتري ملابس العيد قبل دخول رمضان، وتتركها حتَّى العيد، والأشياء الأخرى التي تُرِيدها في العيد اشتَرِها من الآن.
سأل عقبةُ بن عامر رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن النَّجاة، فقال:
((أمسِكْ عليك لسانَك، ولْيَسعْك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك))
رواه الترمذيُّ، وصححه الألباني.
(7) هدنة مع كثرة الإنفاق والتبذير:
شُرع الصيامُ للتقليل من الطَّعام والشراب، ولكن - للأسف الشديد - تجد النَّاس يُنْفِقون مِن الطعام والشَّراب في رمضان ما لا يُنْفِقونه في غيره، والتَّبذير ليس من صفات المؤمنين، بل من صفات الشياطين، ويمكنك أن تتَّفِق مع الأسرة على أمورٍ، منها: الاتِّفاق على:
* الصَّدقة؛ فهي دليلٌ على صِدْق المرء في إيمانه، فاتَّفِق على أن تتصدَّق كلَّ يوم ولو بشيءٍ قليل؛ فإنَّ الله يضاعفه، تصدَّقْ أنت مرَّة، وأعط زوجتَك هي الأخرى تتصدَّق مرَّة، وأعط ولدَك يتصدَّق؛ ليتعوَّد الجميعُ على العطاء والبذل، والله يُضاعف لمن يشاء.
* الاجتهاد في تَفْطير صائمٍ، أو صائمين، أو ثلاثة، أو عشرة كلَّ يومٍ قدر استطاعتك؛ فإنَّ لك مثْلَ أجْرِه كلَّ يوم.
* إطعام المساكين ومساعدة المُحتاجين.
(8) هُدْنة مع العقول والقلوب من التَّفكير والتدبير للدنيا:
فالدُّنيا لا تستحِقُّ أن تفكر فيها؛ فهي أهون من ذلك، وأحقَرُ من أن تنشغل بها وتدبِّر لها، لذلك اجعل تفكيرك كلَّه في الآخرة:
* فكِّر في حسنةٍ جديدة تعمَلُها، ابحث عن عبادةٍ مهجورة لتقوم بها، ابحث عن ذِكْرٍ مهجور لا يقوله كثيرٌ من الناس، أو لم تَقُله أنت أبدًا، واذْكُر الله به، فكِّر كيف تجمع الحسنات، وتدَّخِر الأجر عند الله.


* فكِّر في خدمة المسلمين، كيف تخدمهم وتبذل الخير لهم؟
* فكِّر في خدمة الدِّين، كيف تخدم دينَك؟ وكيف تبذل في سبيله؟ تعطي شريطًا هديَّة، تقوم بإلقاء موعظة، تُهدي كتيبًا، تدعو رجلاً لترك التدخين، وتدعو آخَر للمحافظة على الصلوات، تقوم بعمل مجلَّة حائط، تقوم على حلقةٍ لتحفيظ القرآن وتجويدِه، تفكِّر في خدمة دينك، فدينُنا يحتاج إلى كلِّ يد تكتب عنه، وتُدافع عنه، وإلى كل لسان يُبَيِّنُ حقيقته وعظمته للناس، وإلى كل قلب ينبض بحبِّه، وأنصحك بكتاب "33 وسيلة لخدمة الدِّين" لشيخنا/ "رضا صمدي" - حفظه الله - فإنَّه ينفعك كثيرًا - إن شاء الله تعالى.
* فكر في لذَّةٍ أخروية، فكر كيف تفوز غدًا بالجنة؟ كيف تستشعر قرب الله إذا ذكَرْتَه؟ كيف تحقِّق الخشوع في الصَّلاة؟ كيف تخلو بربِّك في ساعة النُّزول الإلهيِّ؟ كيف تبكي بين يديه، وتفزع إليه، فتَشْعر بِقُربه منك، وقربك منه، وحبِّه لك؟ فكِّر دائمًا في الآخرة، كيف تَحْظى برضا الله عنك، وحُبِّه لك؛ فإنَّ ذلك أدعى إلى الوصول إلى كلِّ مأمول، والله - تعالى - المُسْتعان.
(9) هُدْنة مع استهلاك الأعضاء:
ففي رمضان أرِح عينيك بعدم التطلُّع إلى الدنيا وما فيها من شهوات، وأرِح أُذنيك من ضجيج الكلام وصخب الهموم والغموم والمُحرَّمات، وأرح رجليك من كثرة الانتقال هنا وهناك من غير فائدة، وأرح عقلَك من هموم الدُّنيا ونكدِها، وانشغل بالطاعات، وأرح معدتَك بعدم دسِّ الطعام فيها على الدوام، وأرح أمعاءك كذلك، وأرِح قلبك من التعلُّق بالبشر، والتعلُّق بالأسباب، اجمع هَمَّك - أخي يا بن الإسلام - وأرح جوارحك، تستَمْتِعْ بحبِّ الله - تعالى.
(10) هدنة مع الهموم:
أريدُك أن تطرح الهمومَ عن صدرك، لا تشغل ذِهْنَك بها؛ فهذا رجلٌ طلب منه أولادُه ملابس المدرسة، وكتب المدرسة، وكراريس المدرسة، فلم يَدْرِ من أين يأتي بالمال؛ لكي يشتري لأولاده ما يريدون، وظل الهمُّ في صدره، ونام وعقْلُه مشغولٌ بذلك، ولكنه استراح من ذلك الهمِّ فجأة! أتدرون ماذا حدث؟! مات! راحة أبديَّة من هذه الدنيا!


لذلك أقول لك: والله إن هذه الدُّنيا لا تستحقُّ أن تقتل نفسك من أجْلِها، ولذلك أيضًا: اجعل الهمَّ هَمًّا واحدًا، وهو رضا الله، اجعل هذا هَمَّك: أن تُرضي الله وحده، فلو رَضِيَ عنك، لنالك كلُّ بِرٍّ وخير، وبرَكةٍ وفضل.
هذا الهمُّ لا يُؤَجَّل، وجميع الهموم تُؤَجَّل، فليكن هَمُّك في رمضان هو عِتْقَ رقبتك من النَّار، والفوز برضوان الله العزيز الغفَّار - تبارك وتعالى.
فيا ابن الإسلام:
إذا كانت هذه الهدنة تامَّة، كانت الراحة التامَّة، فكان الاستقبال لرمضان بحفاوةٍ بالغة، وبداية مُوَفَّقة، وعناية مركَّزة، فتعيش رمضان حقيقةً كما ينبغي، وتحافظ دائمًا على إشراقتِه الإيمانيَّة، والله الموفق.
التمرين الثالث:
التدريب على تعظيم الشعائر:
غفلة القلب من أضرِّ الأشياء على العبد؛ ولذلك لا بدَّ في الاستعداد لرمضان من التدريب على يقظة القلب، ولا شكَّ أن من يقظة القلب أن يُراعي شعائر الله، وأن يعطيها حظَّها من التوقير والتعظيم وحِفْظ الحرمة، وهذا مطلبٌ خطير، يجب أن يُراعَى في رمضان.


يجب أن نكون من داخلنا خائفين قلقين أن يفوتنا رمضانُ من غير أن نُعتق من النار، ونُكتبَ من أهل الجنة؛ أصحابُ السبت لَمَّا لم يُعظِّموا أمْرَ الله في عدم الصَّيد يوم السبت مسخَهم الله قردةً:
ï´؟ فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ï´¾
[الأعراف: 166]
والله - تعالى - يقول:
ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾
[البقرة: 183]
فهذا أمرٌ وفَرْض، وشعيرة عظيمة، مَن عظَّمَها فهو التقيُّ؛ قال - تعالى -:
ï´؟ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ï´¾
[الحج: 32].
التَّمرين الرابع:
التدريب على استقامة القلب:
لكي نستعد لرمضان؛ لا بُدَّ من استقامة القلب، بأن يكون الله أحبَّ إلينا من كلِّ شيء، فنُقَدِّم محبَّتَه على كلِّ شيء، وأن نعظِّم أمره ونهيه؛ لأنَّ تعظيم الأوامر والنواهي من تعظيم الآمِر والنَّاهي، وأن نقوم بعمليَّة تطهيرٍ ظاهري وباطني، ويكون ذلك بأمورٍ، منها:
1- التعلُّق بالله:
أن يتعلَّق القلب بالله وحده، وإنَّ من أكبر عوامل فساد القلب التعلُّقَ بالأسباب، لا تظنَّ أنك بهذه الأسباب وحْدَها ستُوَفَّق لطاعة الله؛ بل لا بدَّ من عون الله لك، لا بدَّ أن يتعلق قلبُك بالله؛ فأنت لا حول لك ولا قوَّة، والحول والقوة لله وحده، ومن أخطر نتائج التعلُّقِ بالأسباب أن يَحُول الله بينك وبين قلبك: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ï´¾ [الأنفال: 24]، لا بدَّ لك من شوقٍ مُحْرق، يأخذ بيدك إلى ربِّك، وقد تناولتُ هذه المسألة من قبل.


2 - استيعاب القلب لأسرار الطاعات، واستلهام حلاوة الإيمان:
فإذا فَقِه القلبُ أسرار الطاعة، وذاق لذَّتَها، انصلح حالُه، وآفة أعمالنا أنَّها تجري على الشكليَّات والمناظر، وما يبدو في الظاهر، هكذا نشَأْنا؛ نؤدِّي العبادات كما رأينا آباءنا وأجدادنا يفعلون، دون دراسةٍ لأسرارها، أو فقهٍ لِرُوحها، ومن ثَمَّ ضاع أثرُها، فعُدْتَ ترى صلاةً بغير خشوع، وقرآنًا بغير تدبُّر، وصيامًا بغير تبتُّل، وحجًّا وعمرة بغير حبٍّ وشغَفٍ وشوق... كلُّ العبادات تؤدَّى شكليًّا أداءً للواجب؛ ولكن دون وعيٍ صحيحٍ بأسرار العبادة؛ فكانت النتيجة أن تجد أعمالاً بغير نتيجة، ولا أثر لها على شخصيَّة العبد، وعلى حاله مع الله!
إنَّنا - يا بن الإسلام - إذا أرَدْنا أن نذوق طعم العِبادة، ولذَّة الطاعة، فلا بُدَّ من معرفة حقيقيَّة لأسرار العبادة، ورمضانُ له أسرار، وأسرار الصِّيام أعظم، وسأَذْكُر لك - أخي يا بن الإسلام - طرَفًا من أسرار بعض العبادات فيما بعد - إن شاء الله تعالى.
التمرين الخامس:
التَّرويض على الانكسار لله - عزَّ وجلَّ:
قال - تعالى -: ï´؟ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ï´¾
[العلق: 6 - 7]
إنَّ رؤية الإنسان لنفسه بعين الغِنَى تجرُّه إلى الطغيان ومجاوزة الحدِّ، فلا يليق بالمؤمن إلاَّ الفقر، وهو أصْلُ خِلْقته، ولكن هذا الفقر الداخليَّ يحتاجُ إلى استشعار حقيقيٍّ؛ لِيَظهر أثَرُه على الجوارح وفي الفكر والتعبُّد.
ومعلومٌ أن الفقر وصفٌ ذاتي لكلِّ مخلوق، وصفٌ لازم له، كما أن الغِنَى وصْفٌ ذاتِيٌّ للخالق - جلَّ وعلا -:
ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ï´¾
[فاطر: 15]
فلا بد أن تُظهر فقرَك وذُلَّك وانكسارَك بين يديه - سبحانه وتعالى - والطاعات مدَدٌ وأرزاق، وحينما تدخل على المَلِك وأنت فقيرٌ يعطيك، وإذا دخَلْتَ عليه وأنت مُسْتعلٍ طردَك؛ لا بُدَّ أن تدخل بفقرك وضعفك وحاجتك ومسكنَتِك.


وهذا الباب - باب الذُّل - بابٌ عظيم يوصل إلى رضا الربِّ الكريم - جلَّ جلاله - كما قال بعض السَّلَف: أتيتُ الله من الأبواب كلِّها، فوجدْتُها ملأى، فأتيتُه من باب الذُّل، فوجدتُه خاليًا.
إنَّ إظهارك الافتقار لله يستجلب لك رحمته وعفْوَه؛ فأنت فقيرٌ إلى الله، والله غنيٌّ عنك وعن عمَلِك، وكل ما تعمل من عملٍ إنَّما هو لِنَفع نفسك:
ï´؟ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ï´¾
[يونس: 108]
فالله - تعالى - لا تنفعه طاعةٌ، ولا تضرُّه معصية، ولو أنَّ خلْقَه كلهم؛ أوَّلَهم وآخرهم، وإنسهم وجِنَّهم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منهم، ما زاد ذلك في مُلْكِه شيئًا، ولو أن أولهم وآخرهم وإِنْسهم وجِنَّهم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.25 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]