القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
ثالثًا: التوبة من العلاقات:
1 - معارف للظروف:
كثيرًا ما تسأل أحدهم: كم جزءًا قرأتَ من القرآن اليوم؟ ويكون الجواب: أنا أتمنَّى والله أن أقرأ؛ ولكن المشكلة، ليس هناك وقت! وحين تتساءل: أين ضاع الوقت؟ وكيف ضاع؟ فإنَّك ستجد أنَّ مِن أخطر ما يُضيع الوقت كثرةَ الاختلاط بالناس، إنَّنا نستهين بِمُكالمة لمجرَّد المجاملة، قد يضيع فيها نصف ساعة، ومصافحة و(كلمتين ع الماشي) بعد الصلاة أمام المسجد يضيع فيها نصف ساعة أخرى، وهكذا تضيع الأوقات بغير فائدة، والعبد مسؤولٌ عن عمره فيمَ أفناه؟!
فالرجاء - أخي يا بن الإسلام - قبل دخول رمضان أن تُحجِّم علاقاتك، أن تَختصر معارفك؛ فليس هناك مجال لأداء حقوق كلِّ هؤلاء.
والتوبة من هذا تكون بتحقيق الإخلاص في العلاقات، بإقامة صرح الحبِّ في الله
((وأن يُحِبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله))، فتنضبط العلاقات بضابط الحبِّ في الله، والبُغْض في الله، فتكون عبادة.
2 - مجاملات بالحرام:
في العلاقات الكثيرة المتشعِّبة لا بد من المُجاملة، وأحيانًا لا مجال للمجاملة إلاَّ بالكذب، أو على حساب الآخرين، وكلاهما حرام، فلا بدَّ من التوبة من المُجاملات: قل الحق ولو كان مُرًّا، والساكت عن الحقِّ شيطان أخرس، فلا تُجامِل بالحرام، وكُفَّ لسانَك.
3 - الاختلاط المحرَّم:
أكبر آفات العلاقات أن تكون العلاقةُ آثمةً بين رجل وامرأة، مهما زعَموا أنَّها علاقة بريئة، دعونا نكون صُرَحاء: ليست هناك علاقةٌ بريئة، كلها علاقات محرَّمة.
إننا يا قوم عبيد!
يحكمنا دينٌ يقوم على أمرٍ ونَهْي، وليس الحاكم في ذلك العادات والتقاليد، أو الهوى والشَّهوات، فتجب التوبةُ قبل دخول رمضان من كلِّ علاقةٍ آثِمة؛ حتى يطهر القلب.
رابعًا: توبة القلب:
1 - التوبة من الخواطر:
أحلام اليقظة مُتْعة بعض الناس، فإيَّاك أخي يا بن الإسلام أن يقتلك الوهم، عِشِ الحقيقة، وإيَّاك وأحلامَ اليقظة، إيَّاك من الخواطر الرديئة، اجعل خواطرك تحت السيطرة، لا تدَعْها تخرج من تحت يدك؛ إنَّك إذا تركْتَ الخواطر ترعى في قلبك وعقلك بغير ضابطٍ ولا رابط، فستعيش الوهم وتصدِّقه، كم من أناسٍ عاشوا وَهْمَ المشيخة، وهُم ليسوا على شيء، وآخَرون قتلَهم وهْمُ طلب العلم، وعاشوا أحلام اليقظة في ثياب فضفاضةٍ ليست من ثيابهم.
أخي يا بن الإسلام، قبل رمضان عشِ الحقيقة، وانْسَ الوهم، وتُبْ إلى الله - تعالى - واعلم أن انشغالك بالعمل يُخْرجك من هذا الوهم.
2 - التوبة من التعلُّق بغير الله:
قال - تعالى -:
﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾
[مريم: 81 - 82]
فإياك أخي يا بن الإسلام والتعلُّقَ بغير الله - تعالى - فالكلُّ سيَخْذلك، ويتخلَّى عنك، إلا الله العظيم، فلا تنشغِل بالآخرين، واجعل انشغالك به، تب من التعلق بالأسباب، والتعلُّقِ بغير الله، وتعلَّقْ به - سبحانه.
3 - التوبة من الأماني والتسويف وطول الأمل:
قال الحسن البصريُّ - رحمه الله -: "ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلِّي، ولكن ما وقرَ في القلب وصدَّقه العمل، وإنَّ قومًا غرَّتْهم أمانِيُّ المغفرة حتى خرجوا من الدُّنيا ولا حسَنة لهم، قالوا: نُحْسِن الظنَّ بالله، وكذَبوا؛ لو أحسَنوا الظنَّ لأحسَنوا العمل"؛ فاحذر أخي يا بن الإسلام مِن التَّسويف، واحذر من الاغترارِ بالأماني.
4 - التَّوبة من العُجْب والكِبْر والغرور ورؤيةِ النفس:
وهذه الأمراض أيضًا تقتل الإيمان، وتَذْهب بالعبد إلى الجحيم، فالمُعجب مُحْبطٌ عمَله، ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبْر، والغرور قتَّال، ورؤية النَّفْس تجعلك تَخْتال، فاحذر يا مسكين؛ فإنَّك لا تدري بمَ يختم لك، تب من كلِّ ذلك، وانكسر واخضع، وذلَّ لربك؛ لعلَّ أحد هؤلاء الذين تزدريهم قد سبَقك إلى الجنَّة بِمراحل، ولله في خلقه شؤون، فاحذر؛ عجِّل بالتوبة، ومن تواضع لله رفعه.
خامسًا: التوبة من الكسل:
1 - كم بين العلم والعمل:
ونحن على أبواب رمضان، والكلُّ - بلا استثناءٍ - يعرف فضائل رمضان، ويَحْفظ الوعودَ على الأعمال، ولكن ماذا أفاد هذا العِلم؟! وبمَ نفع الحفظ؟! أين العمَل؟!
تُبْ أيُّها المسكين من الكسل؛ فقد استعاذ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - منه، فقالَ كما في الصَّحيحين:
((اللَّهم إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعجز والكسَل، والبُخل والجبن، وضلَع الدَّين، وغلَبة الرِّجال)) فاستعِذ بالله، وانتفض قائمًا، واعْمَل بما علِمْت، هذه توبة.
2 - ضعف اليقين في الوعد والوعيد:
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذيُّ وصححه الألباني:
((من قال: سبحان الله وبحمده، غُرِسَت له نخلةٌ في الجنَّة))
إنَّ هذه الكلمة لا تستغرق أكثرَ من ثانيةٍ واحدة، فلو ثبت يقينُك في هذا الوعد، وأنَّك تَكْسب بالثَّانية الواحدة نخلةً في الجنة، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذيُّ وصححه الألباني أيضًا:
((ما من نخلةٍ في الجنَّة إلا وساقُها من ذهب))
فوَزْنُ ساق نخلةٍ من ذهب مئات الكيلوات، هذا ثمن كلِّ ثانية من عمرك، وأنت تضيعه شذرَ مذَر! ولا تُبالي ولا تذَر! وإنما أُتِيتَ من ضعفِ يقينك، فلو ثبتَ يقينُك في ذلك الوعد ما ضيَّعت لحظةً من عمرك، وما ركَنْتَ إلى الكسل، وترْكِ العمل.
3 - التَرَخُّص المهين:
بعض الناس يريد التفلُّت من الدِّين، ولكن بِدين! فهو يبحث عن الرُّخص، ويتَّخِذ الخلاف بين العلماء مسوِّغًا للهروب، فكلُّ المسائل عنده فيها خلافٌ بين العلماء، وهو يرجِّح فيها بِهَواه، ويَخْتار ما يوافق شهوته، ويظنُّ أنه على شيءٍ:
﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
[المجادلة: 18 - 19]
فتُبْ أخي يا بْنَ الإسلام من هذا الترخُّص المَهِين، واستعن بالله على الأخذ بالعزائم، والعمل الجادِّ المُثْمِر، والله المستعان.
وقد جعلت الكسل آخرَ هذه العناصر؛ حتى لا نكسل في التَّوبة، فلْنُسارع الآن، حالاً، ونَتُبْ إلى الله، فهذه توبةٌ لازمة، ليست لرمضان فحسب، ولكنها لازمةٌ استعدادًا للموت، فقد تموت الآن، في هذه اللحظة، إذًا: فتب يا عبد الله، ولا تسوِّف.
التمرين الثانِي:
التدريب على تهدئة نمط الحياة:
تخفيف سرعة حركة الحياة؛ تمهيدًا للتوقُّف في رمضان، والتخفيف من أعباء الدُّنيا، ومحاولة إزالة همومها العارضة، والحذر من الانشغال بها، والتلهِّي بها عن طاعة الله - تعالى - لا بد من رَوِيَّة، ولا بدَّ من دقَّة في التوفيق بين أعمال الآخرة التي هي خير وأبقى، وبين أعمال الدُّنيا التي هي ذاهبة زائلة.
إنَّنا نعيش في هذا الزمان حياةً مليئة بالحركة والسُّرعة، نعيش في هذه الأيام سرعة التَّغيير، ودوام التغيير، ومفاجأة التغيير؛ فلا توجد فرصة حقيقيَّة للإنسان للتفكير قبل التغيير، وهذه أكبر أخطاء هذا العصر؛ لذلك قبل رمضان نحتاج أن يُمْهِل الإنسانُ نفْسَه، يعطي نفسه فرصةً للهدوء الذِّهني والقلبي، فرصة لِمُراجعة نمط الحياة، وتهدئة هذه السُّرعة؛ ليحصل التروِّي والتعقُّل في أخذ القرار بإيثار الآخرة على الدُّنيا، فيكون الاستمرار؛ لأنَّ القرارات السريعة تتغيَّر بنفس السُّرعة، فهيَّا - أخي يا بن الإسلام - هيا أيها الحبيب، الهدوءَ الهدوءَ، والسكينةَ السكينةَ.
أخي يا بن الإسلام
قال الله - تعالى -:
﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾
[البقرة: 185]
وقال جابرٌ - رضي الله عنه -:
"لا تَجْعَل يوم صومِك كيوم فِطْرِك"
لا تجعَلْهُما سواءً، لا بُدَّ من التَّغيير، إنَّه بمجرد ظهور هلال رمضان في السَّماء، تُفتح أبواب الجنَّة، وتغلَّق أبواب النار، وتُصَفَّد الشياطين، ويُنادي المنادي.
سبحان الله:
تغيُّر جذري عجيبٌ في الكون كلِّه، يجب أن يستشعره المؤمنُ صاحبُ العقل اليقظ والقلب الحي، ويحصل منه استقبالٌ لِهذا الشهر استقبالاً حقيقيًّا، فيظهر أثرُ ذلك الاستقبال في تغيير نمط الحياة؛ لأنَّه يتعامل مع الكون، فإذا تغيَّر الكون يجب أن يتغيَّر هو أيضًا؛ ولذلك فإنَّ أول ما تستقبل به هذا الشهر الكريم لِتُحْسِن استثماره على الوجه الأكمل: فكُّ الشدِّ العصبي في العراك مع الحياة لتحصيل المُصالحة، لا بُدَّ من عقد هدنة بين جميع الأطراف خلال هذا الشهر؛ لتصل إلى الهدف المنشود بسلامٍ: "العتق من النِّيران".
فاحرص - أخي الحبيب يا بن الإسلام - على:
(1) هُدْنةمع المناقشات والجدال:
في المَنْزل مع الزَّوجة والأولاد، واجتهد في تَهْيئة بيئةٍ رمضانيَّة إيمانية، قال - تعالى -:
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾
[النحل: 80]
ويكون ذلك بما يَلي:
* محاولة فضِّ جميع المشاكل والمنازعات قبل دخول الشَّهر؛ حتَّى لا تُعَرقل طاعتك التي تريد القيامَ بِها، وحتَّى لا تعكِّر عليك جوَّك الإيماني.
* إجراء مَحاضر صُلْح بين جميع أفراد الأُسْرة، حتى تُنَقِّي البيئة من حولك من شائبة الاختلافات والخصومات، واعمل على أن توجِد جوًّا من المحبَّة والتوادِّ والتَّقارُبِ بينؤ أفراد الأُسْرة؛ فإنَّ ذلك مما يُيَسِّرُ السبيل أن يطيعوك ويطيعوا ربَّهم:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾
[الإسراء: 53].
* عَقْد اجتماعٍ طارئ وعاجل مع جميع أفراد الأسرة؛ للاتِّفاق على المبادئ والأصول التي سيتمُّ السير في ظلالها خلال شهر رمضان، ومن هذه المبادئ:
* التخلِّي عن التليفزيون ومشاهدته، وإقناعهم أنَّهم لن يخسروا شيئًا إذا فعلوا، وتعالوا نجرِّب أن نستبدل بذلك أعمالاً إيمانيَّةً، وقرباتٍ نافعة، وانتفع من مادَّة هذه الكتاب في هذه الأعمال والقربات.
* إيقاف سيول الأغاني الجارفة التي تَقْتل الإيمان.
* ضَبْط اللِّسان، والحذر من انحرافه إلى ما يغضب الله.
* إلغاء جميع السَّهرات والعزومات والدعوات، أو التَّقَلُّل منها قدر الإمكان.
* اتِّخاذ السُّبل الجادة لإنقاذ جميع أفراد الأسرة من النَّار؛ قال - تعالى -:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
[التحريم: 6].
يتبع