عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 28-03-2024, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(32)

حادثة الإفك (2)

اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
تكلمنا في الحلقة الماضية عن حادثة الإفك وهي في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} (النور: 11) وأن هذه الآية وما بعدها من الآيات نزلت في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال فيها أهل الإفك والنفاق ما قالوا، فبرأها الله سبحانه وتعالى مما قالوا.
وذكرنا أنها كانت قد خرجت مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة المريسيع وأنها في رجوعهم للمدينة خرجت لتقضي حاجتها، ثم انقطع عقد لها فرجعت إلى البحث عنه، فجاء من وكل بهودجها فحملوه وهم يظنون أنها فيه، فلما جاءت لم تجد أحدا فبقيت تنتظر في مكانها، حتى جاءها الصحابي صفوان بن معطل السلمي.
ونواصل إن شاء الله تعالى الكلام على شرح الحديث:
قولها: «وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلَيَّ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ [ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ [ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَذَاكَ يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ؟! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أَيْ هَنّتَاهْ، أَوْ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ؛ فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي.
- الشرح: قولها « فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان» أي: رأى شخص إنسان نائم. «فأتاني فعرفني حين رأني وكان يراني قبل أن يُضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه» تقول: إن صفوان بن المعطل لما جاء رأى سواد إنسان نائم، فلما اقترب رآني فعرفني، وكان يراني قبل أن يفرض الحجاب. وفي هذا دليل على أن الحجاب كان أولا أن تغطي المرأة جميع بدنها إلا وجهها، ثم بعد ذلك نزل الحجاب الذي فيه الأمر بتغطية الوجه، وهذا في قوله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزاب: 59).
فالله سبحانه وتعالى أمر نبيه أن يأمر أزواجه وبناته بالحجاب، ثم بعد ذلك يأمر نساء المؤمنين به، وهذا فيه تنبيهٌ على أن الإنسان إذا أراد أن يأمر بمعروف بدأ بنفسه أولا ثم بأهل بيته، فيصلح من شأنه أولا، ثم من شأن أهل بيته، قبل أن يدعو البعيد، وقبل أن يدعو بقية الناس.
فهذا من أولويات الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف وفي النهي عن المنكر، وأخذ العلماء من هذا أيضا: البدء بالأهداف القريبة قبل الأهداف البعيدة، والبدء بالشيء اليسير قبل الشيء العسير، فهذا الفقه في الدعوة تقرره هذه الآية الكريمة.
والأمر الثاني: أنك لو بدأت بالبعيد والأجنبي عنك، وتركت أهل بيتك، لقال الناس: مُر أهلك أولاً قبل أن تأمرنا! وانظر إلى ابنك فلان وإلى زوجتك فلانة وإلى كذا... وهم بعيدون عما تقول! فهذا مما يعاب به الداعية والخطيب، وفيه صد عن سبيل الله؛ ولذا قال شعيب عليه السلام: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله } فلا بد أن يبدأ الإنسان بنفسه أولا فينهاها عن الشر، ثم ينهى أهل بيته، ويأمرهم بالمعروف، ثم يتوجه للخلق بالنصح.
والحديث يدل أيضا: على أن الحجاب فرض على جميع نساء الأمة، على أمهات المؤمنين وعلى من دونهن من نساء المؤمنين، فليس هو خاصا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هناك من قال بخصوصية الحجاب! وأن هذه الآية خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الآية التي يقول الله عز وجل فيها: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} (الأحزاب: 53).
فهذه الآية وإن كانت تتحدث عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قد قال الله عز وجل في التعليل فيها: {ذلكم أطهرُ لقلوبكم وقلوبهن} أي: لقلوب أمهات المؤمنين وقلوب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ونحن أحوج إلى الطهر والبعد عن الفتنة بالنساء، ومعلوم أن وجه المرأة هو مجمع الفتنة، وهو أصل الحسن والجمال، وبه تغنى الشعراء، والإنسان إذا أراد أن يخطب امرأة نظر إلى وجهها أولا، فمن الحكمة العظيمة التي جاء بها الشرع أن تحتجب المرأة عن الرجال الأجانب، وتستر وجهها، فهذا الحديث دليل على وجوب تغطية المرأة البالغة لوجهها؛ لأنها قالت «وكان يراني قبل أن يضرب الحجاب».
وكذا قولها: « فخمرت وجهي» أي: غطيته، وهو دليل واضح أيضا على أن المرأة تغطي وجهها، كما قال الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فالخمار غطاء يخمّر به الرأس، يضرب من الرأس على الوجه، ويغطى به الجيب الذي هو فتحة الثوب التي يدخل منها الرأس، هذا هو الخمار الشرعي.
قولها: «فاستيقظت باسترجاعه» تعني: انتبهت من نومي لما قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. «ووالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه» تقول عائشة: والله ما كلمني كلمة واحدة، وهذا من حيائه وتوقيره واحترامه لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
قولها: « حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها» أناخ بعيره أي جعله يجلس كي تستطيع أن تركب عليه. قالت: «فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش، بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة» أي: بعد أن ركبت الراحلة، انطلق يقودها بزمامها حتى أتينا الجيش، تعني حتى لحقوا بالجيش الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، موغرين: أي في وقت الوغرة وهي شدة الحر، وفي نحر الظهيرة أي حين بلغت الشمس غايتها من الارتفاع، حتى كأنها وصلت إلى النحر الذي هو أعلى الصدر، وهذا وقت القائلة التي هي وقت شدة الحر.
قولها: « فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله ابن أبي ابن سلول» أي لما جئت إلى الجيش وصفوان بن المعطل هو الذي يقود الراحلة، انتهز من كان في قلبه مرض الفرصة، وهم الحاقدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام والمسلمين، انتهزوا الفرصة للطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهلك من هلك في شأني، أي افترى علي فهلك من كذب علي من المنافقين، وكان الذي تولى كبره، أي كان الذي يتولى بشاعة هذا الأمر وتعظيمه وبثّه في كل مجلس وناد وفي كل مكان، عبد الله بن أبي ابن سلول، وأبي اسم أبيه، أما سلول فهو اسم أمه، وكان يعرف بها، وعبد الله بن أبي إنما كان سبب نفاقه حب الدنيا، وحب الرياسة والمنصب؛ إذ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان عبد الله بن أبي يوشك أن يكون ملكا على المدينة أو أميرا عليها، وقال من قال: كان أهل المدينة ينظمون له الخرز في التاج الذين يريدون أن يتوجوه به، فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام بطلت عنه تلك الرياسة، وانفض عنه ذلك الملك الذي كان يحلم به، وصارت الأمور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الواجب عليه أن يسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن منصب النبوة والرسالة والوحي لا يعدله شيء من ملك الدنيا كلها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقارن بغيره من الناس، فلا يقارن بالملوك ولا بالرؤساء ولا بالأمراء؛ لأنه مرسل من عند الله، وقال سبحانه: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}، وقال عز وجل: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}، وهو يوحى إليه بالأوامر والنواهي والتشريعات في سائر شؤون الناس، مأمور بأمر الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم}، فكان الواجب عليه التسليم، ولكنه كما قيل: شرق بذلك! وأضمر حقدا وحسدا عظيما؛ ولهذا كان يحوك الدسائس، ويقود المؤامرات ضد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه سراً وفي الظلام، وتارة جهرا وعلانية، لا يستحيي من ذلك ولا يخاف الله رب العالمين! حتى هلك وهو على ذلك، ونزل فيه ما نزل من الآيات، وهو قوله جل في علاه: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} (التوبة: 84)، ولما أراد النبي [ أن يصلي عليه نهاه عمر، وقال له: أتصلي عليه يا رسول الله وهو القائل يوم كذا،كذا وكذا؟! فنزل بعد ذلك القرآن موافقاً لعمر ].
وهذه الآية فيها تصريح بنفاقه وبكفره - والعياذ بالله تعالى - ونهت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه وعلى أمثاله.
تقول عائشة: « فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهراً » أي: لما رجعوا للمدينة اشتكت عائشة أي مرضت وظلت في مرضها شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ويخوضون في عرضها ويتكلمون، والإفك أي الكذب الذي افتراه أهل النفاق وأهل الحقد والشقاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه.
تقول: « وما أشعر بشيء من ذلك» والسبب أنها كانت في بيتها مريضة لا تخرج ولا تخالط الناس، وربما أيضا حاول أهلها أن يخفوا ذلك عنها لمرضها ، كما سيأتي، وفي حال لا يسمح لها بسماع مثل هذا الخبر السيئ. فتقول: لكن شعرت بشيء، وهذا الشيء خفي يلمح، وذلك أن الزوجة تعرف زوجها بحكم العلاقة الوطيدة بينها وبين زوجها، والمحبة العظيمة التي بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه سئل من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة.
هذه منزلة عائشة أم المومنين رضي الله عنها عند النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لطيبها وفضلها وإيمانها ودينها، وحبها لعلم الكتاب والسنة؛ ولذلك أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام لا يحب عبثا ولا مجرد هوى وشهوة، ولا يصرف الحب لغير أهله، بل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يضع الشيء في موضعه بأمر الله سبحانه.
تقول: « وهو يريبني» بفتح الياء أو يريبني بالضم، يجوز الوجهان، تقول: لكن الذي أرابني، أي جعلها مرتابة وفي شيء من الحيرة والشك « في وجعي» أي في مرضي « أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أعرف منه حين أشتكي» أي كانت إذا مرضت، تشعر بلطف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطفه وحنانه، أما ما رأته في تلك الحال فهو بخلاف ذلك، إذ كان يتكلم معها قليلا، ولا يظهر منه من العطف ولا الحنان الذي كانت تشعر به سابقا، قالت: « إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ » أي: كيف حالكم، وتيكم هي إشارة إلى المؤنث.
قولها: « فذاك يريبني ولا أشعر بالشر « الشر الذي كان يشيعه أهل الإفك» حتى خرجت بعدما نقهت « بفتح القاف وكسرها لغتان، والفتح أشهر، والناقه هو الذي خرج من المرض وبرأ منه قريبا، ولم يسترد كمال صحته.
قولها: « وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا « وهي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها « ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل « وهذا من حبهم للتستر « وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا « الكنف جمع كنيف وهو موضع قضاء الحاجة في البيت، تقول: « وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا « أي من أجل الرائحة.
قولها: «فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ» فهم قرابة لأبي بكر الصديق رضي الله عنهم.
قولها: «فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا» المرط كساء من صوف» فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ» بفتح العين وكسرها، ومعناها: عثر، أو هلك، وقيل: لزمه الشر، وغيره. ومسطح هو ابن أثاثة «فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ؟! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟» قَالَتْ: أَيْ هَنَتَاهْ، أَوْ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟» هنتاه أي: يا هذه، « قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ؛ فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي» وذلك لهول الخبر عليها وشدته عليها رضي الله عنها. يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]