عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-02-2015, 04:28 PM
الصورة الرمزية بــيآرق النصـــر
بــيآرق النصـــر بــيآرق النصـــر غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
مكان الإقامة: أرض الخـــلافــة
الجنس :
المشاركات: 2,519
الدولة : Iraq
Thumbs up آداب المتعلمين والمعلِّمين

( آداب المتعلمين والمعلِّمين )



- الآداب المشتركة :

يتعيَّن علـى أهل العلم على وجه الخصوص أن يجعلوا أساس أمرهم في تعلمهم وتعليمهم الإخلاص الكامل ، والتقرُّب إلـى الله بهذه العبادة التي هي أجلّ العبادات وأفضلها ، وتستغرق مـن عمر العبد جَوْهَرَه وصَفْوَه ، ويتفقَّدوا هذا الأصل في كل دقيق وجليل من أمورهم ، فإن درسوا أو دارسوا ، أو بحثوا أو ناظروا ، أو أسمعوا أو استمعوا ، أو جلسوا مجلس علم، أو نقلوا أقدامهم لمجالس العلم ، أو كتبوا ، أو حفظــوا ، أو كرَّروا دروسهم الخاصة ، أو راجعوا عليها أو على غيرهــا الكتب الأخرى، أو اشتروا كتباً، أو ما يعين على العلم، كانوا في ذلك كله محتسبين ليتحقَّقوا بقوله -صلى الله عليه وسلم- " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة "مسلم . فكل طريق حسِّي أو معنوي يسلكه الإنسان في سبيل العلم، فإنه داخل في هذا الحديث .

ثــــم بعد هذا يتعيَّن البداءة بالأهم فالأهم من العلوم الشرعية ووسائلها . وتفصـيــل هــذه الجملة كثير معروف ، والطريق التقريبي أن ينتقي من مصنفات الفن الذي يشتغل به أحسنها وأوضحها وأكثرها فائدة ، ويجعل هذا الكتاب جُلّ همه حفظاً عند الإمكان، أو دراسة تكرير، بحيث تصير المعاني معقولة في قلبه محفوظة، ثم لا يزال يكرره ويعيده حتى يتقنه إتقاناً طيباً ، وبعد ذلك ينتقل إلى الكتب المبسوطة في هذا الفن ؛ لتكون كالشرح له ، ويكون كتابه الذي اهتم به ذلك الاهتمام أساساً لها وأصلاً تتفرع عنه .


- آداب المعلم :

وعلى المعلم أن ينظر إلى ذهن المتعلم ، وقوة استعداده ، أو ضعفه ، فلا يدعه يشتغل بكتاب لا يناسب حاله ؛ فإن القليل الذي يفهمه وينتفع به خير مــن الكثير الــذي هــو عرضة لنسيان معناه ولفظه .

وعلــى المعلــم أن يلقي علـــى المتعلم من التوضيح وتبيين المعنى بقــدر مـــا يتَّســـع فهمه لإدراكه ، ولا يخلط المسائل بعضها ببعض ، ولا ينتقل من نــوع إلـى آخــر حتى يتصور ويحقق السابق، فإن ذلك دَرَك للسابق، ويتوفر الذهن على اللاحق .

وعـلى المعلم النصح للمتعلم ، وترغيبه بكل ما يقدر عليــه ، وأن يصبر على عدم إدراكه ، أو سوء أدبه، مع ملاحظته في كل ما يقوِّمه ويحسن أدبه ؛ لأن المتعلم له حق على المعلم، حيث أقبل على العلم الذي ينفعه وينفع الناس ، وحيث كــان مـــا يحملــه عــــن معلمه هو عين بضاعة المعلم ، يحفظها وينميها ويتطلب بها المكاسب الرابحة ، فهـو الولد الحقيقي للمعلم ، الوارث له ، فالمعلم مثاب على نفس تعليمه، سواء فهم أو لم يفهم ، فــــــإن فهم وأدرك كان أجراً جارياً للمعلم مـــا دام ذلك النـفـــع متسلسلاً ، وهذه تجارة عظيمة لمثلها فليتنافس المتنافسون . فـعــلى المعلـــم إيجــاد هذه التجارة وتنميتها، فهي من عمله وآثار عمله، قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَـــا قَــدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) يــس : 12 ، فما قدَّموه : هو ما باشروا عمله. وآثارهم: ما ترتب على أعمالهم من الخير الذي عمله غيرهم .



- آداب المتعلم :

وعلى المتعلم أن يوقِّر معلمه، ويتأدب معه؛ لما له من الحق العام والخاص :

أمـــا العـــام :

فإن معلم الخير قد استعد وباشر نفع الخلق ، فوجب حقه عليهم ؛ لكونه يعلمهم ما جهلوا، ويرشدهم إلى كل خير ، ويحذرهم من كل شرٍّ ، ويحصل به من نشر العلم والدين ، وتسلسل ذلك النفع في الموجودين ، وفيمن يأتي من بعدهم ، وهذا النفع ليس له نظير من الإحسان .


وأمــــا حقـــــه الخاص على المتعلم :

فلما بذله من تعليمه ، وحرصه علــى كـل مــا يرشده ويوصله إلى أعلى الدرجات ، وقد بذل صفوة وقته، وجوهر فكره، في تفهيم المسترشدين ، وإفادة الطالبين، وصبر على ذلك بطيب نفس وسماحة ، وإذا كانت الهداية الدنيوية ، والإحسان الدنيوي، يوجب لصاحبه حقاً كبيراً على من وصل إليه إحسانه ، فما الظن بهدايا العلوم النافعة الكثيرة، الباقي نفعها، العظيم وقعها .


وليجلس بين يديه متأدِّباً ، ويظهر غاية حاجته إلــى علمـه ، ويكثر من الدعاء له حاضراً وغائباً، وإذا أتحفه بفائدة غريبة فَلْيُصغ إليه إصغاء المضطر إلى عقلها والانتفاع بها .

وإذا أخطأ المعلم في شيء فلينبِّهه برفــــق ولطــف بحســـب المقام، ولا يقول له : أخطأت!! أو : ليس الأمر كما قلت!! بل يأتي بعبارة لطيفة يدرك بها المعلم خطأه من دون تشويش؛ فإن هذا من الحقوق اللازمة ، وهو أدعى إلى الوصول إلى الصواب .

والمعلم عليه إذا أخطأ أن يرجع إلى الصواب، ولا يمنعه قول قاله ثم بان له الحق بخلافه أن يراجع الحق ويعترف به؛ فإن هذا علامة الإنصاف والتواضع للحق وللخلق ، ومـــن نعمة الله على المعلم أن يجد من تلاميذه من ينبهه على خطئه ، ويرشده إلى الصواب .

ولهــذا كـــان مـــــن أعظم الواجبات على المعلمين والمفتين أن يتوقفوا عن الفتوى أو الجزم بما لم يعلموه ، وهــذا مــن علامات الدين والإنصاف، وضده من علامات الرياء وضعف الدين ، بل هذا التوقف من التعليمات النافعة ؛ ليحصل به القدوة الحسنة .


- آداب مشتركة :

وليكــن قصــد المعلمين والمتعلمين في جميع بحوثهم طلب الحق والصواب ، واتباع ما رجَّحته الأدلة الصحيحة . والحذر الحذر من الاشتغال بالعلم للأغراض الفاسدة ، مــــن المباهاة ، والمماراة ، والرياء، والرياسات، والتوسل به إلى الأمور الدنيوية ، فمن طلبه لهذه الأمور فليس له في الآخرة من نصيب .


ومن أعظم ما يتعيَّن على أهل العلم من المعلِّمين والمتعلِّمين :

الاتصاف بمـــا يدعو إليه العلم من الأخلاق الجميلة ، والتنزُّه عن الأخلاق الرذيلة؛ فإنهم أحق الناس بذلك؛ لتميزهم بالعلم؛ ولأنهم القدوة ، والنـــاس مجبولون على الاقتداء بأهل العلم منهم ؛ ولأنه يتطرق إليهم من الاعتراض ما لا يتطرق لغيرهم .


والعلــم إذا عمل به ثبت ونمت بركته ، فروح العلم وحياته بالقيام به عملاً ، وتخلُّقاً ، وتعليماً ، ونصحاً .

وينبغـــي تعــاهــد محفوظات المتعلمين ومعلوماتهم بالإعادة والامتحان ، والحـــــث على المذاكرة والمراجعة ، وتكــــرار الدروس الحاضرة والسابقة. فالتعلم بمنزلة الغراس والبذور للزرع ، وتعاهده بالمذاكرة والتكرار بمنزلة السقي، وإزالة الأشياء المضرَّة ؛ لينمو ويزداد على الدوام .

وليحذر أهل العلم من الاشتغال بالتفتيش عـــن أحوال الناس وعيبهم ؛ فإنه مع أن صاحبه مستحق للعقوبة ، فإنه يشغل عن العلم ، ويصد عن كل أمر نافع .


ومـــن آداب العــالـم والمتعلم :

النصح ، وبث العلوم النافعة بحســب الإمكان ، حتى لو تعلم الإنسان مسألة وبثها وبحث

بها مع من يتصل به كان ذلك من بركة العلم وخيره ، ومـن شحَّ بعلمه مات علمه قبل أن يموت ، كما أن من بث علمه كان له حياة ثانية ، وجازاه الله من جنس عمله .

ومن أهم ما يتعين على أهل العلم: السعي في جمع كلمتهم ، وتأليف القلوب ؛ لأن هــذا من أوجب الواجبات ، وخصوصاً على أهل العلم الذي بهم الأسوة ، وبـــه يحصل خير كثير ، ويندفع شر كبير ، والحذر من الحسد لأحد من أهل العلم ؛ فأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، وهو مناف للنصيحة التي هي الدين .
والله أعلم .




كتــاب " نور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات
والحقوق والآداب" ( ص75 ) للشيخ عبد الرحمن السعـدي


نقلاً ..



__________________
,, ,,
سبحان الله والحمد لله ولا إلــه إلا الله والله أكبر ,, أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]