عرض مشاركة واحدة
  #356  
قديم 20-04-2008, 12:36 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

موقف العلم والإسلام من تحديد نسل الأمة

بحث للطبيب الدكتور محمود ناظم النسيمي
لقد أثار التزايد السكاني الهائل مخاوف الاقتصاديين والمفكرين على مستقبل الأجيال المتعاقبة، وأثار قلقهم حول إمكانية تأمين الغذاء والسكن والحياة الكريمة لها، فانبعثت منهم فكرة تدعو إلى تحديد النسل، ليبقى عدد السكان متلائماً مع الإمكانيات .
ولقد عرفت قديماً محاولات الإنسان لتحديد نسله، بإتباع بعض الطرق المانعة لحصول الحمل أو المجهضة له، ونفذت تلك الطرق لغايات مختلفة من قبل فريق من الناس.
أما الدعوة إلى تحديد النسل على نطاق واسع في مجتمع أو دولة ما، فقد بدأ في أوربا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكان أول من دعا إليها في أنجلترة القسيس مالتوس Malthus الذي نشر مقالاً سنة 1798م تحت عنوان (تزايد السكان وتأثيره في تقدم المجتمع في المستقبل )، وكان مالتوس يرمي إلى منع الحمل بالوسائل الأخلاقية مثل الرهبنة وتأخير الزواج، وذلك حتى لا يزداد السكان بشكل يؤثر على معدل الدخل القومي للفرد[1].
ثم قام كتاب من أوربا وأمريكا بالدعوة إلى تحديد النسل لأغراض اقتصادية حتى عمت الدعوة أرجاء العالم، فدعا إلهيا أناس من البلاد العربية والإسلامية أيضاً حتى أضحت دعوة عالمية.
ولقد انشرح كثير من الناس لفكرة تحديد النسل، منهم لظرفه ووضعه الخاصين، ومنهم لما تحمله من مظاهر اليسر وتخفيف الأعباء والتكاليف عن الزوجين وإمكانية رعاية النسل القليل بشكل أفضل.
إن تحديد النسل بشكل إفرادي ولظروف اضطرارية أو محرجة خاصة بأصحابها، يدعى تنظيم النسل أو تنظيم الأسرة ولا يعني رقماً معيناً من الذرية لأسرة المجتمع، مهما كانت إمكانيات الأسرة [2] وسأفرد له بحثاً خاصاً مبيناً فيه الدافع المقبول طباً وشرعاً . أما الدوافع المرفوضة فسأبينها في هذا المقال، مع بيان مثالب حركة تحدي النسل .
الإنجاب هدف رئيسي :
يهدف وجود الغريزة الجنسية إلى غاية التناسل وبقاء النوع، أما الرغبة الجنسية المنبعثة عن تلك الغريزية وكذلك اللذة المرافقة لإروائها، فإنهما وسيلتان مشوقتان على تحقيق المقصود من وضع تلك الغريزة . ولا بد للتناسل من ضوابط تقي المجتمع من الفوضى الجنسية ومساوئها الخلقية وتحدد المسئولين عن حضانة الذرية ورعايتها وتربيتها، ولذا شرع الزواج . فللزوج هدفان رئيسيان : أولهما إرواء الميل الجنسي بطريقة مشروعة، وثانيهما هو الذرية التي تحقق بقاء النوع الإنساني واستمرار الأسرة ونماء الأمة وبقاءها.
هذه الحقائق التي يقررها علماء النفس والاجتماع، أشار إليها الإسلام بتعاليمه السامية، وأدرك ذلك علماؤه الأعلام . ومن جميل ما قيل في ذلك ما كتبه قديماً أشهر عالم نفس مسلم، وهو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، وذلك في تعداد فوائد النكاح، فقال : الفائدة الأولى الولد، وهو الأصل وله وضع النكاح، والمقصود بقاء النسل ألا يخلو العالم عن جنس الإنس، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحثة كالموكل بالفحل في أخراج البذر، وبالأنثى في التمكين من الحرث تلطفاً بهما في السياق إلى اقتناص الولد بسبب الواقع، كالتلطف في بث الحب الذي يشتهيه السياق إلى الشبكة وكانت القدرة الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج، ولكن الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب، مع الاستغناء عنها إظهار للقدرة وإتماماً لعجائب الصنعة وتحقيقاً لما سبقت به المشيئة وحقت به الكمة وجرى به القلم[3].
وأيا من الهدفين قصد كل من الزوجين في المناسبة الجنسية، فإن له أجراً أي سواء نوى إعفاء نفسه وزوجه بضبط الغريزة الجنسية في مجال الحلال أو ابتغى النسل الصالح الذي يخلفه ويزيد في تعداد أمة الإسلام .
ففي نية إرواء وضبط الغريزة الجنسية في مجال الحلال، قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أرجر؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " [4]
ولقد نبه الله تعالى المؤمنين إلى غاية الإنجاب عند إرواء الميل الجنسي، وذلك في الآية التي أرباح فيها المعاشرة الزوجية ليلة الصيام، فقال سبحانه : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون) [5]
أي أقتصدوا ما قدره ما قدره من الولد بسبب المناسبة . قال القرطبي : قال ابن عباس ومجاهد والحكم وابن عيينة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك : معناه وابتغوا الولد، يدل عليه أنه عقيب قوله : " فالآن باشروهن " ثم ذكر القرطبي أقوالاً أخرى [6] .
وقال الفخر الرازي : ذكروا في الآية وجوهاً (أحدها ) : وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد بالمباشرة، أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها، ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل، قال عليه السلام : (تناكحوا تناسلوا تكثروا ) .
(ثانياً) : نهى عن العزل وقد رويت الأخبار في كراهية ذلك .
(ثالثاً ) : أن يكون المعنى ابتغوا المحل الذي كتب الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم، ونظيره قوله تعالى: فأتوهنّ من حيث أمركم الله .
(ورابعاً ): أن هذا تأكيد تقديره فالآن باشروهنّ وابتغوا هذه المباشرة التي كتبها الله لكم بعد أن كانت محرمة عليكم .
ثم ذكر الرازي أقوالاً أربعة أخرى . فالقرطبي والرازي جعلا القول بابتغاء التناسل والولد في مطلع الأقوال .
وأشار الله تعالى إلى غاية التناسل أيضاً في قوله : " نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين"[7]
ففي قوله تعالى : " حرث لكم " تشبيه فالنساء مزرع ومنبت للولد، وفي تفسير قوله تعالى : " وقدموا لأنفسكم " أقوال .
قال القرطبي : أي قدموا ما ينفعكم غداً، فحذف المفعول وقد صرح به في قوله تعالى : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، فالمعنى قدّموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح، وقيل ابتغاء الولد والنسل، لأن الولد خير الدنيا والآخرة، فقد يكون شفيعاً وجنة . ثم ذكر القرطبي أقوالاً أخرى .
أم الرازي فقد قال في تفسير " قدموا لأنفسكم " : أي لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة، بل كونوا في قيد تقديم الطاعة أهـ .
ولقد مدح الله تعالى أولياءه المؤمنين بسؤال الزوجة والذرية الصالحة فقال سبحانه : " والذين يقولون : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأجعلنا للمتقين إماماً " .
وحكم الإسلام بأن الولد الصالح سبب من أسباب تجدد الثواب واستمراه للأبواب بعد وفاتهما، فقال الرسول عليه السلام : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " [8] .
أضف إلى ذلك أن الإنسان يجد غالباً في ذريته، من يعطف عليه ويعينه في مرضه وهرمه .

نماء الأمة بنماء أسرها :
كل أمة لا تزيد مواليدها على وفياتها أو تساوي فيهما، تكون أمة فاشلة في الحياة محكومة بالفناء والاضمحلال، لأن كل كارثة تصيبها من حرب أو قحط أو جائحة وباء أو ما شابه تظهر إفلاسها، وتؤخرها في مضمار الحياة، أو توردها الهلاك عاجلاً أو آجلاً .
ومن البديهي أن كثرة النسل أو النشء لا تكون مضمونة محققة إلا بالزواج الشرعي النظامي، الذي يشعر فيه الزوجان بالمسؤولية تجاه نسلهما فلابد من تشجيع الزواج وتذليل عقباته وتسهيل الحياة الكريمة للأسرة الناشئة، وذلك لتخطي الأمة بثمرات الزواج الحية التي تحفظ للأسرة الاستمرارية وللأمة البقاء .
وأقل حد لمقدار ثمرات الزواج الخلائف يجب ألا ينقص عن الثلاث: أثنتان مهما لتكون زوج جديدة يخلف السلف الزائل، وثمرة ثالثة للطوارئ وما زاد على ذلك عدة للوفر والنماء[9].
وإذا أخذنا بالحسبان أن بعض الأسر عقيمة، وأن بعضها يتوقف إنجابها عند طفل واحد أو اثنين بدون قصد منها، وإن أمتنا بمجموع أقطارها بحاجة للنماء وزيادة السكان لغاية اقتصادية وعسكرية، فإن الإشاعة بأن إنجاب طفلين أو ثلاثة أطفال يكفي، تقليداً لما اعتاده الناس في بعض الدول الأوربية، ضارة بمستقبل أمتنا، لأن تحديد النسل بهذا الشكل سيؤدي بها إلى الضمور والارتكاس.
ومن أجل نماء الأمة أيضاً حض الإسلام على الزواج وابتغاء الولد وكثرة النسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا معشر الشباب، من أستطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " [10].
وقال عليه السلام : " من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح "[11].
ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتنع المسلم عن النكاح بغير عذر بحجة الزهد والانقطاع لعبادة الله تعالى وهو التبتل نهياً شديداً ويقول : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة " [12].
وشجع الإسلام إنكاح غير المتزوجين ولو كانوا فقراء، قال الله تعالى : " وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [13].
ومما يساعده على العفة الصيام، كما أشار إلى ذلك الحديث الشريف . ففي تشجيع القرآن على تزويج الفقراء تشجيع لتزايد الأسر وكثرة الإنجاب ونماء الأمة .
ولقد أوضحت موقف الإسلام من الإنجاب، وأضيف هنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقدم الرجل بغير عذر على الزواج بامرأة عرفت بأنها عاقر وليس لديه زوجة ولود، فعن معقل بن يسار قال : (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصبت امرأة ذات جمال، وإنها لا تلد أفأتزوجها فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه وقال : "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم "[14] ).

تفنيد مزاعم دعاة التحديد :
يزخر دعاة التحديد حركتهم بذكر حجج ودعايات لا تثبت تجاه المساوئ التي تنتج عن حركتهم . ويبرر محددو النسل سلوكهم بدوافع وغايات مختلفة منها المقبول ومنها المردود أما المزاعم المفندة فهي :
1. خطر المجاعة والضائقة الاقتصادية بتزايد السكان .
2. الخوف من العجز عن الإنفاق اللائق بالمستقبل المؤمل للنسل .
3. خروج الزوجة للعمل
4. دعوى الحب الحر
أ‌- خطر المجاعة والضائقة الاقتصادية بتزايد السكان :
يدعي أنصار حركة تحديد النسل أنهم إذا لم يقوموا بتنظيم الزيادة في عدد السكان، فإن خطر المجاعة سيهدد العالم، وسيكثر العاطلون عن العمل ويقل الدخل الفردي.
إن هذه النظرة منهم كانت قاصرة، لأنهم نظروا على ازدياد السكان ولم ينظروا على احتمالات ازدياد الموارد الاقتصادية وإلى إمكانية تقدم وسائل الإنتاج وتطور الاكتشافات والاختراعات لصالح الإنسان . فلقد عاش الإنسان على سطح الأرض آلاف السنين، لم ينتبه خلالها إلى كنوز الذهب الأسود التي كان يعيش فوقها، ولم ينتبه على ظاهرة الزمان.
وكم من نعم خفية قد يكشف الله سبحانه وتعالى لنا عنها، حتى نراها ونستفيد منها في المستقبل، وهي الآن ليست في حسابنا، قال تعالى : " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون".[15]
ولذلك يجب ألا تسيطر النظرة التشاؤمية الضيقة على عقول المفكرين لأنهم في مثل هذه الأمور يصدرون الأحكام دون توفر الأدلة الكافية " [16] .
هل يزعمون أن عقول علماء البشر قد تبدلت أو أن نعم الله الباطنة قد نفدت، فلن يكتشف الإنسان بعد اليوم نعماً جديدة أو أرزاقاً حديثة حتى يبتغي دعاة التحديد أن تكن حركتهم عالمية .
فليذكروا أن في العالم محاولات علمية عديدة جادة لاكتساب الطاقة من مصادر حديثة مختلفة، ولاستصلاح الأراضي وتحسين الزراعة واستثمار خيرات الأرض وانتشار الصناعة وتحسين القائم منها، وتشجيع الاختصاصيين في مجال الاكتشاف والاختراع لكان ذلك أفضل للأمة وأجدى لها .


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.80 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]