عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14-04-2011, 01:15 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الخامسة بعون الله
بعنوان: ميلاد جديد

رن جرس الهاتف، ففزعت نور فزع الطير من الصياد، وأسرعت مهرولة إليه، ولكن فاطمة كانت قد سبقتها.

فاطمة: السلام عليكم


السيدة: وعليكم السلام ورحمة الله يا ابنتي.


فاطمة: عفوا من معي؟


السيدة: أنا أم سوسن جارتكم.


فاطمة: أهلا وسهلا بك خالتي أم سوسن.


أم سوسن بصوت مرتبك يشوبه الخوف والتوجس:آسفة على الاتصال باكرا، هل تعلمين با ابنتي أين ذهبت سوسن؟ فأنا أحاول أن أكلمها منذ أمس على الجوال ولكنها لا تجيب.


وصلت نور في هذه اللحظة فسألت ابنتها: من على الهاتف يا فاطمة؟


فاطمة: خالتي أم سوسن تسأل عن ابنتها.


التقطت نور السماعة وقد لفت وجهها غمامة حيرة وتردد ثم أردفت بصوت مرتبك:


- مرحبا خالتي أم سوسن، كيف حالك وكيف حال صحتك؟


أم سوسن: الحمد لله يا ابنتي على كل حال، وأنت كيف حالك وحال زوجك وأولادك؟


نور: بخير والحمد لله


أم سوسن: عذرا يا ابنتي على الإزعاج، فقط كنت أسأل عن سوسن، فقد تعذر علي التواصل معها هل هي بخير؟


أطرقت نور هنيهة وقد ازدادت حيرة وارتبك لسانها وتسارعت دقات قلبها، فقلبت الأفكار في رأسها علها تجد كلمات مناسبة لإخبار الأم الحائرة لكنها كانت مرهقة جدا،فأيقنت ألا مفر من إخبارها مباشرة وقالت:


- لا أعلم ماذا أقول لك يا خالتي، فسوسن في المستشفى ووفاء عندنا بالبيت.


أم سوسن: خيرا؟ ماذا بها؟


نور: لقد أغمي عليها البارحة بعد شجار مع زوجها، ولكن اطمئني ستكون بخير إن شاء الله.


صرخت الأمة مولولة من أثر الصدمة صرخة احترق لها كبدها وسالت لها دموعها كالسيل وانطلق لسانها كالحصى يقذف بالدعاء على سعيد وعيناها إلى السماء، لعل العدل ينصف ابنتها فتتخلص من المعاناة والبؤس اللذين يغرقانها، كل هذا ونور لا تنبس ببنت شفة وقلبها يعتصر ألما على الأم وابنتها. وبعد لحظات استأنفت الأم كلامها واستفسرت عن عنوان المستشفى ورقم الغرفة ثم شكرتها واعتذرت لها وألقت التحية فأجابتها نور بكل أدب وردت التحية. وعادت إلى غرفتها وهي تتنفس الصعداء وقد سكنت جوارحها رويدا رويدا بعد هذا الموقف المحرج، فاستلقت بتراخ على سريرها لتستسلم لهاتف النوم الملح الذي بدأ يثقل جفنيها كي تخلد إلى الراحة.


وبينما كان الهدوء مسدلا خيوطه الناعمة على جنبات بيت نور، أسرعت أم سوسن في توتر حتى أنها أوشكت أن تسقط على وجهها في الدرج، وهي المريضة الكسيرة بعد أن رحل سندها إلى حياة البرزخ وتركها تقاسي الوحدة والوحشة في بيتها الصغير، ثم وصلت بعد ساعة إلى المستشفى، وبحثت عن وحيدتها بلهفة وقلبها يتحرق كمدا عليها، فأبصرتها وهي قابعة على فراش الذل والمهانة، تدفع ثمن عنادها الشديد وحبها القديم للرجل اللئيم، فارتد إليها بصرها حسيرا آسفا على شباب انحنى لنوائب الزمن فركبه الوهن، فاستسلمت الدموع الساخنة وانهمرت ناعية أطلاله.

سارعت الأم إلى فلذة كبدها، فضمتها إلى صدرها كأن لم ترها منذ دهر ولى.




وقالت لها بحنان: ماذا بك يا مهجة فؤادي؟ فأجابتها سوسن بصوت متهدل يعبر عن الحزن والألم اللذين سكنا كيانها فألفا المكان وأبيا الرحيل:


- كدت أفقد حياتي أماه لولا أن أدركتني رحمة ربي.


ضربت الأم بيدها على صدرها وقالت بجزع: خيرا يا ابنتي ما الذي جرى؟


فردت عليها سوسن:


- ضربني السيد سعيد كالعادة، ولكن البارحة كانت القاضية، فقد أتى بعصا وبدأ يضربني بهستيريا على رأسي وكل أطرافي، ثم وكزني فأوقعني أرضا وبدأ يقفز على ظهري بقوة وقد طفح لسانه بمكنون قلبه، فأمطرني بالسب والشتم وذكرني بهفوات الماضي والحاضر، وأنا أصرخ للعالمين أن أنقذوني فخشي أن يعلم الناس بأمري فخرج مسرعا إلى حيث لا أدري.


سألتها الأم: ومن أتى بك إلى المستشفى؟


سوسن: جارتي نور وزوجها جزاهما الله خيرا، ولقد أخبرتني الممرضة أن الجار تكلف بكل مصاريف العلاج، فأجابتها أمها بسيل من الدعوات الصالحة لهذا الرجل التقي وزوجته الصالحة،


ثم نظرت إليها بحسرة وقالت: أنت السبب في كل هذا، أرداك عنادك في حفرة الذلة.


فرفعت سوسن عينيها مستفسرة، فاسترسلت الوالدة قائلة:


- أليس هذا اختيارك؟ أليس هذا هو سعيد الذي تشبثت به وأصررت على الزواج منه إصرارا؟


فأجابتها سوسن وقد انفجرت باكية والندم قد تلبس وجهها :


- ليتك منعتني، ليتك حبستني في البيت قهرا، وأنقذتني من هذه الهاوية التي سقطت فيها.


أردفت الأم بحزم وقد تذكرت تفاصيل الحدث:


- حاولت جاهدة لكنك أقفلت كل الطرق وأوصدت كل أبواب الحوار، أعماك الحب الوهم، فلم تري العيوب الصارخة، بل تجاهلتها وها أنت تتجرعين كأس عنادك.


فقالت الابنة مطرقة:


- صدقت أماه، لكن شبح العنوسة أفزعني حين تراءى لي، فحاولت دفن همي في العمل واقتناء شقة وسيارة وإيداع المال في البنك، لعل متعة المال تنسيني الرغبة في بناء أسرة مثل معارفي. لكن...


قبلت الأم رأس ابنتها وقالت معتذرة:


- ليت لساني اجتث من جذوره، ولم أنطق كلمة عانس لك...


فقاطعتها سوسن بانفعال وهي تجهش بالبكاء وقالت: لو أنك أعرتني اهتماما حقيقيا وأحسست بي منذ نعومة أظافري لاختلف الوضع لكني كنت أقاسي قحط المشاعر الأبوية وسطوة النفس والشيطان ولا أحد يلتفت لاحتياجاتي، حتى أضحى قلبي صحراء جرداء قاحلة أرضها ميتة، تتعطش للمودة والحنان، فألغى الظمأ عقلها وأعمى بصيرتها، فرضيت بقطرات من دم آسن، لم تدرك نكهته حتى تشربته وبدأ النبت ينمو وقد أجاب السقاء، احمدي الله أني لم أنحرف نتيجة جفاف المنابع الطبيعية للحنان، فأخرج للبحث عنها في أي مكان وبأية وسيلة.


انهمرت دموع الأم وابنتها ندما وحسرة، فامتزجت بحنان الأم المكتوم بتنشئتها الخاطئة، وألم ابنتها المدفون بين أضلعها منذ سنين، واستمرت جلسة التصافي والعتاب، عسى أن ترتاح النفوس ويتجدد الأمل في غد أفضل.


أما أحمد فقد وصل إلى عمله، فألقى التحية على فريق العمل، وسألهم عن أحوالهم وأحوال أسرهم، ثم دلف إلى مكتبه وعيناه تصارعان النوم، وأهدابه تدفعه دفعا، فقام وغسل وجهه بالماء البارد، وتنفس بعمق لعل الأوكسجين ينعش دماغه ويعيد إليه نشاطه.


وماهي إلا دقائق حتى جاءته القهوة وقد أرسلت رائحتها الأخاذة، لتكمل ما بدأه الماء والهواء، فشربها وهو يقرأ الجريدة، ليشرف بعدها على استلام شحنة الثوب الجديدة.


استمر العمل إلى أذان الظهر، فأقفلوا المحل من الداخل، وصلوا جماعة خلف السيد محمود، وهو رجل فاضل حافظ لكتاب الله دارس لعلوم الشريعة، انضم لفريق العمل منذ سنوات كمشرف على قسم التصميم، لعلمه بأهمية الزي الشرعي في عفة المجتمع وأمانه.


فجاد بالأفكار المبدعة وشارك في تصميم النماذج المتميزة، ليخرج الزي في أفضل حلة، ويجمع بين الجمال وتناسق الألوان والمواصفات الشرعية.


فرغ الفريق من الصلاة ثم ذهبوا إلى بيوتهم للغذاء، وبقي أحمد والحارس لإقفال المحل ثم الانصراف. ولما هم الحارس بإقفال أول الأبواب، وصلت سيدة في العشرينات من عمرها تود شراء بعض العباءات، فدخل معها الرجلان إلى المحل لتختار ما تريد.


كانت سيدة جميلة الطلعة، رشيقة الحركة، طليقة الوجه.


بدأت المرأة تقلب العباءات، وتختلس النظر إلى أحمد، ففطن لها بعد برهة، وأدار بصره إلى صاحبه يحدثه، حياء ومروءة، فأدركت أنه قد رآها.


طأطأت رأسها خجلا متظاهرة بالانشغال بالملابس. ثم اختارت ما يناسبها وأتمت عملية الشراء وذهبت لحال سبيلها، وأقفل الحارس الأبواب ثم انصرف مع أحمد.


وفي طريقها إلى بيتها، بدأت فاتن تحدث نفسها:


- ما الذي فعلته يا فاتن؟ هل جننت؟ أكيد أن ذلك الرجل الوسيم قد رآك.


لا لا أظن...


لا يقينا رآني وإلا ما أدار بصره.


لا أعلم ماذا انتابني حين رؤيته، شعورغريب بالارتياح ...


لا لا ماذا تقولين يا فاتن، هيثم لم تمر سنة على موته رحمه الله وقد بدأ قلبك يخفق لرجل آخر؟؟


هيثم؟ وهل سأعيش على ذكراه طول العمر؟ نعم كلنا ميتون، لكني مازلت في العشرينات من عمري، وليس لدي أطفال.


بصراحة وجهه مشرق كالبدر حين يكتمل، يغشاه وقار فريد يظهر في حركاته وسكناته وملامحه تنطق بالشهامة والرجولة.


وماذا تريد امرأة أرملة مثلي إلا زوجا تقيا شهما يحيطها بحنانه ورعايته ويخاف الله فيها؟


آه لو يرزقني الله زوجا مثله، سأكون أسعد امرأة....


ثم استمرت تمني نفسها وطارت في سماء الأحلام بزوج مميز في هذا الزمان.


ولم تفق إلا وقد وصلت بيت أبيها، الذي عادت إليه بعد أن توفي زوجها بحادثة سير مفجعة.


دخلت فاتن بيتها وقلبها قد داخله شيء جديد.


ترى هل ستستجيب لما حاك في نفسها؟ أم ستتخلص من الدخيل الجديد وتنسى الأمر برمته؟


يتبع بإذن الله.

__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]