الموضوع: الصلاة الصلاة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-05-2019, 10:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي الصلاة الصلاة

الصلاة الصلاة
سعد بن عبد اللّه البريك

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله - تعالى - حق التقوى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).
معاشر المؤمنين: الصلاة لها المنزلة العلية، والرتبة السنية، فهي عمود الإسلام، وركن الملة وحياة القلوب والميثاق والعهد بين الإنسان وبين ربه.
ويوم يتركها المرء أو يتهاون بها يدركه الخذلان وتناله الذلة وينقطع عنه مدد السماء.
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة)) رواه البخاري ومسلم.
الصلاة فريضة على كل مسلم مكلف الغني والفقير، والصحيح والمريض، والذكر والأنثى، والمسافر والمقيم في الأمن والخوف لا يستثنى منها مسلم مكلف ما عدا الحائض والنفساء.
إنها قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، بل إنها قبل ذلك قرة عين سيد المرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
الصلاة هي أول ما فرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام.
فرضت في أشرف مقام وأرفع مكان، لما أراد الله أن يتم نعمته على عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويظهر فضله عليه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله، ثم رفعه إليه وقربه فأوحى إليه ما أوحى ثم أعطاه من الخير حتى رضي، ثم فرضها عليه وعلى أمته وكانت خمسين صلاة، فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربه التخفيف حتى جعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر والثواب.
الصلاة أكثر الفرائض ذكراً في القرآن، وإذا ذكرت مع سائر الفرائض قدمت عليها لا يقبل الله من تاركها صوماً ولا حجاً، ولا صدقةً، ولا جهاداً، ولا أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، ولا أي عملٍ من الأعمال حتى يؤديها.
إنها فواتح الخير وخواتمه.
مفروضة في اليوم والليلة خمس مرات، يفتتح المسلم بها نهاره، ويختم بها يومه، يفتتحها بتكبير الله، ويختمها بالتسليم على عباد الله.
بها افتُتِحت صفات المؤمنين المفلحين وبها خُتمت: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ)، ثم قال في آخر صفاتهم: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَواتِهِمْ يُحَـافِظُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ).
وهي أول ما فرض وهي آخر ما أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته وهو على فراش الموت منادياً: ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) رواه أحمد وأبو داود.
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها وإلا قيل: انظروا: هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوّع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك)).
أمر الله - تعالى - بالمحافظة عليها، فقال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين).
وكما مدح الذين هم على صلواتهم يحافظون، ذم الذين هم عن صلاتهم ساهون فقال: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا). وقال: (فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون).
لم يُرخص في تـركها لا في مرضٍ ولا في خوف، بل إنها لا تسقط حتى في أحرج الظروف وأشد المواقف في حالات الفزع والقتال والمسايفة والمنازلة: (حَـافِظُواْ عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَ?ذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) يقيمونها رجالاً أو ركباناً، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها يومئون إيماءاً قدر الوسع الطاقة.
وبلغ من عناية الإسلام بها أن رخّص فيها ما لم يرخص في غيرها، حتى لا يبقى عذر لمعتذر، يعتذر به عن عدم إقامتها.
فرخّص لمن فقد الماء أو عجز عن استعماله أن يتيمم، كما رخص لمن فقد الماء والتراب أن يصلي على حسب حاله من غير وضوء ولا تيمم، قال - تعالى -: (فلم تجدوا ماء فتيمموا).
أما المريض فليصلِّ قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه، جاء عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أنه كانت به بواسير، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يصلي؟ فقال: ((صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب)).
وإذا عجز عن شروطها من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة صلى بلا طهارة وبلا ستر عورة وإلى غير قبلة.
فالصلاة لا تسقط بحالٍ ما دام العقل موجوداً.
وهذه الرخص يجب على المسلمين أن يتعلموها ويعلموها، فإن كثيراً من المرضى، إذا ناموا في فراش المرض تركوا الصلاة، معتذرين بأنهم لا يقدرون على الطهارة، لا يقدرون على القيام على استقبال القبلة، ونحو ذلك من الأعذار.
فعليهم أن يتعّلموا هذه الرخص وليعلموا أنه: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)).
ما فرض الله الصلاة على الناس إلا لما لهم فيها من الخير: فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال - تعالى -: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
والصلاة تطهّر المصلي من الأخلاق الدنيئة والصفات القبيحة.
قال - تعالى -: (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون).
والصلاة تعين على أمور الدين الدنيا، قال - تعالى -: (واستعينوا بالصبر والصلاة).
وقال: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة).
وأعظم ما في الصلاة أنها صلة بين المصلي وربه، يناجي الله ويناجيه الله، كما جاء في الحديث القدسي أن الله - عز وجل - قال: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين. قال الله: مجّدني عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين.
قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل)).
فأي شرف للمصلي بعد هذا الشرف، وأي فخر بعد هذا الفخر! أن يقوم بين يدي الملك الكبير المتعال، يناجي الله ويناجيه الله من فوق عرشه.
يقول عمر - رضي الله عنه - في رسالته إلى عماله التي رواها مالك - رحمه الله -: "إنّ أعظم أمركم عندي الصلاة" لأنها الوسيلة الوحيدة لجمع شمل الأمة وتوثيق العلاقات بين الراعي والرعية وبين أفراد المجتمع بعضهم ببعض.
الصلاة تمحوا الذنوب والخطايا كما يمحو الماء وسخ الثوب والبدن، كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)).
هذه هي الصلاة وإنها لكذلك وأكثر من ذلك، ولماذا لا تكون كذلك؟ وهي الصلة بين العبد وربه، لذة ومناجاة تتقاصر دونها جميع الملذات، نورٌ في الوجه والقلب، وصلاحٌ للبدن والروح، تطهر القلوب، وتكفر السيئات، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، مصدر القوة ومطردة الكسل: (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ).
جالبة الرزق والبركة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَـاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
خشوع وتعبد يمسح آثار الغفلة والتبلد، ونورٌ وهدايةٌ يحفظ بإذن الله من سبل الضلالة والغواية.
يجتمع للمصلي شرف المناجاة وشرف العبادة وشرف البقعة في المسجد، لا يقعده عن الصلاة ظلمة ليل ولا وعورة طريق ولا صوارف دنيا.
ما أعظم سعادة الذين منَّ الله عليهم فأقاموا الصلاة تكبيراً وتسبيحاً وذكراً وقرآناً في قيامٍ قانتٍ، وركوعٍ خاشعٍ، وتشهدٍ موحَّدٍ، سجود ومناجاة يتطلع معها إلى منزلة القرب من الله العلي الأعلى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب).
الصلاة هي المَفْزَع إذا حزب الأمر، وهي الملجأ إذا مسَّ اللغوب قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أرحنا بها يا بلال)) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.
إنها قرة العين لأنها تملأ أركان المصلي بالهيبة، وتسطع جوانحه بنور الإيمان، وتخالط بشاشة التوحيد قلبه، يتدبر في صلاته قرآنه، ويرفع إلى مولاه دعاءه، ويخشع لربه في مناجاته، اجتمع همه على الله، وقرَّت عينه بربه، فقربه وأدناه.
الصلاة غذاء القلوب، وزاد الأرواح، مناجاةٌ ودعاء، خضوع وثناء، تذلل وبكاء، وتوسل ورجاء، واعتصام والتجاء، وتواضع لكبرياء الله، وخضوع لعظمته، وانطراح بين يديه، وانكسار وافتقار إليه، تذللٌ وعبودية، تقرب وخشوع لجناب الربوبية والألوهية، إنها ملجأ المسلم، وملاذ المؤمن، فيها يجد البلسم الشافي، والدواء الكافي، والغذاء الوافي، إنها خير عدة وسلاح، وأفضل جُنَّة وكفاح، وأعظم وسيلة للصلاح والفلاح والنجاح، تنشئ في النفوس، وتذكي في الضمائر قوةً روحية، وإيمانًا راسخًا، ويقينًا عميقًا، ونورًا يبدد ظلمات الفتن، ويقاوم أعتى المغريات والمحن، وكم فيها من الأسرار والحكم، والمقاصد والغايات التي لا يعقلها كثير ممن يؤديها، فما أعظم الأجر وأوفر الحظ لمن أداها على وجهها الصحيح.
الصلاة عبادة يتربى بها المؤمن على أداء الأمانة والمحافظة عليها حين يؤمن العبد أن الصلاة أمانة الله في عنقه، وبذلك يتلقى دروس الأمانات الملقاة على عاتقه فيحافظ عليها ويؤديها لأهلها كما يؤدي الصلاة، وهي أمانة بينه وبين ربه.
والصلاة عبادة تربي في نفس المؤمن روح الوفاء بالعهد مع الله ومع الناس، فيكون بذلك بعيداً عن خلف الوعود ونقض العهود والمواثيق التي يلتزم بها نحو خالقه ونحو الناس.
كل هذه المعاني السامية جمعها الله في الصلاة وتتجلى في صورتها التي تؤدى بها بالجماعة الواحدة في الوقت الواحد في اتجاه واحد في صف واحد وراء إمام واحد وفي مكان واحد هو المسجد، قاصدين بذلك عبادة رب واحد.
فالمجتمع المسلم والأمة المسلمة هي التي تعيش على عبادة الله وطاعته وتحافظ على أداء هذه الفريضة التي هي أعظم فرائض الله.
وإذا تربى الناس على هذه المعاني التي تهدف إليها الصلاة وتفهموها وتعاملوا بها فلن يفشلوا في حياتهم ولن يخيب الله آمالهم.
مرض أحد الصالحين من التابعين، اسمه ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، فسمع أذان المغرب، فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض، وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله!! أسمع حي على الصلاة.
حي على الفلاح ثم لا أجيب! والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما كان في السجدة الأخيرة من صلاة المغرب، قبض الله روحه.
قال: بعض أهل العلم: كان هذا الرجل إذا صلى الفجر، قال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قيل له: وما الميتة الحسنة قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد.
سعيد بن المسيب إمام التابعين، كان يأتي في ظلام الليل، إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له إخوانه: خذ سراجاً لينير لك الطريق في ظلام الليل، فقال: يكفيني نور الله.
كان لسعيد بن المسيب عين واحدة فقط حيث انطفأت الأولى من كثرة بكائه في السحر، خشية لله، وكان يذهب بهذه العين الواحدة في ظلام الليل إلى المسجد، وقال في سكرات الموت وهو يتبسم: والله ما أذَّن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد.
كان الصحابة إذا تلاقت الصفوف، والتحمت الأبدان، وأشرعت الرماح، وتكسرت السيوف، وتنزلت الرؤوس من على الأكتاف، تركوا الصفوف لطائفة، وقامت طائفة أخرى تصلي.
نحن الذين إذا دُعـوا لصـلاتهم *** والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا *** في مسمع الـروح الأمـين فكبـرا
لما طعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في صلاة الفجر، فاتته ركعة واحدة، وغلبه الدم، فحمل على أكتاف الرجال، ووصل إلى بيته فلما أفاق قال: هل صليتُ؟ قالوا: بقيت عليك ركعة، فقام يصلي، فأغمى عليه، ثم عقد الصلاة، فأغمي عليه، ثم قام يصلي، فأغمي عليه، ثم أتم الركعة وقال: الحمد لله الذي أعانني على الصلاة.
هذا حال أهل الفلاح حين يناديهم منادي الصلاة والفلاح.
أين هؤلاء من مضيعٍ للصلاة أو من مصلٍ لاهٍ لا يدري أخمساً صلى أم أربعاً؟ تسلَّط عليه الشيطان، وعشعشت في رأسه الصوارف ينتقل من وادٍ إلى وادٍ، ومن همٍّ إلى همٍّ، يقوم إلى صلاته - إن قام - وقلبه بغير الله متعلق، وفكره بسواه مشغول، يحرك لسانه ما لا يعي قلبه.
وصنف آخر يؤديها ولكن مع الوقوع في الزلل، والاستمرار في الخلل، يصلُّون ولكن لا تُرى آثار الصلاة عليهم، لا يتأدبون بآدابها، ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها، صلاتهم صورية عادية، لإخلالهم بلبها وروحها وخشوعها، يصلون جسداً بلا روح، وبدناً بلا قلب، وحركاتٍ بلا مشاعر وأحاسيس، صلاتهم مرتعٌ للوساوس والهواجس.
يأتي الشيطان أحدهم وهو في صلاته، فيجعله يصول ويجول بكفره في مجالات الدنيا، يتحرك ويتشاغل، يستطيل ويتثاقل، ويلتفت بقلبه وبصره إلى حيث يريد، فينفتل من صلاته ولم يعقل منها شيئًا.
ثم لا تسأل عن الأحوال، وسيِّئ الفعال، وقبيح الخصال، بعد الصلاة فحشٌ في القول، وإساءة في الفعل، وأكل للحرام، وتعسُّف في الأخلاق، واجتراح للسيئات، وإصرار على المعاصي والمنكرات، لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، لا أثر لها في حياتهم، ولا ثمرة لها في واقعهم وتغيير أحوالهم، وصلاح سائر جوانب حياتهم.
الصلاة ركن الدين وعموده فمن تركها فلا دين له، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا دين لمن لا صلاة له)) حسنه الألباني عن ابن مسعود.
وقال: " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " رواه الإمام مالك.
وتاركها كافر قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس بين الرجل والكفر والشرك إلا ترك الصلاة)) رواه مسلم.
وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ".
بل إن الوعيد طال من ترك صلاة واحدة متعمداً.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك صلاة مكتوبة متعمداً برئت منه ذمة الله)) رواه أحمد وابن أبي شيبة وهو حسن.
يقاتل الناس على التوحيد وعلى الصلاة فإذا وحدوا ربهم وأقاموا الصلاة حقنوا دماءهم.
قال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)) رواه البخاري ومسلم.
من ضيع صلاته فقد ضيع ركن دينه، فما أعظم خيبته وما أشد غفلته حُرِمَ قرة العين وراحة البال، وبرد اليقين.
أما سمع الزواجر: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ).
يسمع منادي الصلاة والفلاح ثم يدبر ويتولى: (فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَـكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)، (وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ ).
التكاسل والتهاون صفاتُ المنافقين: (إِنَّ الْمُنَـافِقِين َ يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصلاة قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً).
صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال، معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) رواه البخاري ومسلم.
وعند أحمد: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني، يحرقون ما في البيوت بالنار)).
فتاركها بالكلية والمعرض عنها دمه مسفوك بسيف الشريعة، خارج من الملة، لا طهر له، لا قداسة، لا حرمة، لأنه نسي الله ولم يعظم شعائره.
لا عذر لأحد في ترك الصلاة مع الجماعة، ما دام صحيحاً سليماً، يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
إن تأخير الصلاة عن وقتها دليل على غفلة القلب، وعدم الاهتمام بهذه الفريضة، يقول الله - جل وعلا -: (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَـادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ).
فسر بعض السلف ذكر الله هنا بالصلاة.
ومن العلماء من يقول: من أخرها عن وقتها بلا عذر شرعي فإن الله لا يقبلها منه، وقد عرَّض نفسه لسخط الله وعذابه.
فلنتق الله في صلواتنا، ولنتق الله في هذه الأوقات، ولنعتن بها خير العناية، ولنجعلها من أهم أمورنا وارتباطاتنا، ولنحافظ على هذا، فإن عنايتنا بوقتها دليل على حرصنا عليها، واهتمامنا بها، وعنايتنا بها، والله يقول: (وَاسْتَعِينُوا� � بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَـاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـاقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ).
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اهد ضالنا، اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً.
اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا - صلى الله عليه وسلم -، اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك، اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).
اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن البقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين..
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]