عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-03-2024, 04:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

الدَّرْسُ الثَّانِي: فضائل آية الكرسي

محمد بن سند الزهراني



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.

فَضْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ:
آيَةُ اَلْكُرْسِيِّ آيةٌ مُبَارَكَةٌ لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ، وَقَدْرٌ رَفِيعٌ، فهي أَعْظَمُ آيِ الْقُرْآنِ شَأْنًا، وَأَفْضَلُهَا قَدْرًا، وَأَرْفَعُهَا مَكَانَةً، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَعْظَمُ مِنْهَا.

فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهَا أَفْضَلُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا أبا المنذرِ! أتَدري أيُّ آيةٍ من كتابِ اللهِ معَك أعظَمُ؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلمُ، قال: يا أبا المنذِرِ، أتَدري أيُّ آيةٍ من كتابِ اللهِ معَكَ أعظمُ؟ قلتُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، قال: فضَربَ في صَدري، وقال: [ واللهِ ] لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المنذرِ!»[1]؛ أَيْ: هَنِيئًا لَكَ هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَيَسَّرَهُ لَكَ، ومَنَّ عَلَيْكَ بِهِ، وَأَقْسَمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ؛ تَعْلِيَةً لِهَذَا الشَأن، وَتَفْخِيمًا لِهَذَا الْمَرَامِ.

وَلَكَ أَنْ تَتَأَمَّلَ هُنَا لِتُدْرِكَ كَمَالَ هَذَا الْفِقْهِ، أَنَّ أُبَي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَخْتَرْ هذه الْآيَةَ مِنْ بَيْنِ عَشْرِ آيَاتٍ أَوْ عِشْرِينَ أَوْ مِائَةِ آيَةٍ أَوْ مِائَتَيْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَهَا مِنْ بَيْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةِ آلَافِ آيَةٍ، كَيْفَ لَا؟ وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيِّدُ الْقُرَّاءِ، جَمَعَ الْقُرْآنِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِفْظَهُ فمَعَهُ علمًا مباركًا، وَكَانَ رَأْسًا فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَآيَاتُ الْقَصَصِ كَثِيرٌ، وَآيَاتُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ جِدًا، فَلِمَاذَا هَذِهِ الْآيَةُ؟! وَكَانَ جَوَابُهُ دُونَ مُهْلَةٍ زَمَنِيَّةٍ؛ لِيُرَاجِعَ الْآيَاتِ وَيَتَأَمَّلَ فِي دَلَالَاتِهَا، وَإِنَّمَا أَجَابَ فِي نَفْسِ الْوَقْفَةِ بَعْدَ أَنْ أَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَقَدْ كَانَ نَظَرُ أُبَي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اخْتِيَارِ هَذِهِ الْآيَةِ عَمِيقًا وَدَقِيقًا، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شَأْنِ التَّوْحِيدِ فِي قُلُوبِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-.

فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ فِقْهٍ! وَمَا أَجَّلَهُ مِنْ مَقْصِدٍ! أَنْ يَجِدَ الْعَبْدُ مَا يُعرِّفهُ بِخَالِقِهِ، لِيَقُومَ مَقَامَ الْعُبُودِيَّةِ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَمِنْ هُنَا: كَانَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ هِيَ أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَكَانَتْ تَاجُ آيَاتِ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ بِمَا فِيهَا مَنْ عِلْمٍ بِاَللَّهِ، وَمِنْ عَجَائِبِ اَلْأَسْرَارِ وَالْأَنْوَارِ.

وَإِنَّ مِمَّا نُشَاهِدُهُ فِي وَاقِعِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ كِبَارًا وَصِغَارًا عِنَايَتَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ حِفْظًا وَمُدَارَسَةً وَتِلَاوَةً؛ ذَلِكَ أَنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ بِذَاتِهَا مَسْلَكٌ إِلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَحِصْنٌ حَصِينٌ لِلْمُؤْمِنِ.

فَمَنْ تَلَاهَا بِيَقِينٍ وَإِخْلَاصٍ فَهِيَ خَيْرُ أَوْرَادِهِ وَأَذْكَارِهِ؛ سَوَاءٌ بُعيِدَ صَلَاتِهِ أَوْ عِنْدَ مَنَامِهِ بِلَيْلِهِ أَوْ نَهَارِهِ، أَوْ سَفَرِهِ وَحَضَرِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ.

جاء في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، مِن أوَّلِهَا حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ: فلا يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبَكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ»[2].

تِلْكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ فَضَائِلَ، وَتِلْكَ بَعْضُ آثَارِهَا الصَّحِيحَةِ؛ اجْعَلْهَا أَسَاسَ وِرَدِّك وَمِنْهَاجَ حَيَاتِك، وَمَجَالَ تَدَبُّرِك وَتَفَكُّرِكَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

[1] أخرجه عبدالله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (21278) باختلاف يسير، وأخرجه مسلم (810) مختصراً.

[2] أخرجه البخاري، رقم 2311.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.43%)]