عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-07-2020, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,277
الدولة : Egypt
افتراضي أين نجد السعادة؟

أين نجد السعادة؟


سارة عبدالله







تَختلِفُ مفاهيمُ السعادة بيْن إنسان وآخر: فالبعض يراها مالاً، وآخَرُ يراها وظيفةً ومركزًا مرموقًا، وآخَرون يرونها في الصِّحَّة، وناس آخرون يَرْونها في أمانٍ واستقرار، وآخرون يرونها إيمانًا وطاعة، والسعي لكسبِ رِضا الله - عزَّ وجلَّ.













ولعلَّ اختلافَ مفهوم السعادة بيْن شخصٍ وآخَرَ تَكمُن في أنَّ من فقَد شيئًا يرى سعادتَه فيما فقدَه، ويرى أنَّ تحقيقَ السعادة في الوصول إلى شيء ليس بيده.







ولعلَّ مقياس السعادة الحقيقيَّة يكون في راحةِ البال والإيمان، ولعلَّنا اليوم - ونحن نتطرَّق إلى السعادة - يُمكن أن نأخذ مِن قصَّة الحكيم والصبي عِبرةً، والتي جاء فيها:



أنَّ أحد التجَّار أرْسل ابنه لكي يتعلَّمَ سِرَّ السعادة لدَى أحكمِ رَجُل في العالَم.







مَشَى الفتى أربعين يومًا، حتى وصَل إلى قصرٍ جميل على قِمَّة جبل،‏ وفيه يسكُنُ الحكيمُ الذي يسعى إليه،‏ وعندما وصَل وجَد في قصر الحكيم جمعًا كبيرًا من الناس،‏ انتظر الشاب ساعتَيْن حين يحين دَورُه،‏ أنصتَ الحكيم بانتباه إلى الشابِّ، ثم قال له‏:‏ الوقتُ لا يتَّسع الآن، وطلب منه أن يقومَ بجولةٍ داخلَ القصْر، ويعود لمقابلته بعدَ ساعتين‏.







وأضاف الحكيمُ وهو يُقدِّم للفتى مِلْعقَةً صغيرة فيها نُقطتانِ مِن الزيت‏:‏ أمسِك بهذه المِلْعقة في يدك طوالَ جولتك، وحاذر أن ينسكبَ منها الزيت‏.







أخَذ الفتى يصعَد سلالم القصْر ويهبط، مُثبتًا عينيه على المِلْعَقة،‏ ثم رجَع لمقابلة الحكيم الذي سألَه‏:‏ هل رأيتَ السجَّادَ الفارسي في غُرْفة الطعام؟‏ الحديقة الجميلة؟‏ وهل استوقفتْك المجلَّدات الجميلة في مكتبتي؟‏ ارْتَبك الفتى، واعترَف له بأنَّه لم يَرَ شيئًا، فقدْ كان همُّه الأول ألاَّ تَنسكِبَ نُقطتَا الزَّيت مِن الملعقة.







‏ فقال الحكيم‏:‏ ارجعْ وتعرَّفْ على معالِم القصر‏،‏ فلا يمكنك أن تعتمدَ على شخص لا يعرف البيْت الذي يسكُن فيه.







عاد الفتَى يتجوَّل في القصر منتبهًا إلى الروائعِ الفنيَّة المعلَّقة على الجدران، شاهد الحديقةَ والزهورَ الجميلة،‏ وعندما رجَع إلى الحكيم قصَّ عليه بالتفصيل ما رأى،‏ فسأله الحكيم‏:‏ ولكن أين قطرتَا الزيت اللَّتان عهدتُ بهما إليك؟







‏ نظر الفتى إلى المِلْعَقة، فلاحظ أنَّهما انسكبتَا،‏ فقال له الحكيم‏:‏ تلك هي النصيحةُ التي أستطيع أن أُسديَها إليك، سرُّ السعادة هو أن ترى روائعَ الدنيا، وتستمتع بها دون أن تَسكُبَ أبدًا قطرتي الزيت‏.‏







فَهِم الفتى مغْزَى القصة، فالسعادة هي حاصلُ ضرب التوازُن بين الأشياء، وقطرتَا الزيت هما السِّتْر والصحَّة،‏ فهما التوليفةُ الناجحة ضدَّ التعاسة‏.‏







ولعلَّ السعادة في نظرِ شخص آخر - وهوخير الدين أفندي - تكون في منظورٍ آخَر، وقصَّة هذا الرجل التُّركي: أنَّه كان عندما يمشي في السوق، وتتوق نفسُه لشراء فاكِهة، أو لحم، أو حَلْوى، يقول في نفسه: "صانكي يدم"؛ يعني: كأنَّني أكَلْتُ، أو "أفترِض أنني أكلت"، ثم يضع ثمنَ ذلك الطعام في صُندوق له، ومضت الأشهر والسنوات، وهو يَكُفُّ نفسه عن لذائذِ الأكْل، ويكتفي بما يُقيم أَوْدَه فقط، وكانتِ النقود تزدادُ في صندوقه شيئًا فشيئًا، حتى استطاعَ بهذا المبلغ القيامَ ببناء مسجدٍ صغير في محلَّته في منطقة فاتِح في إسطنبول بتركيا، وسمَّى الجامع باسم: صانكي يدم؛ أي: كأنني أكلت، وبالرغمِ مِن أنَّ هذا الرجل الورِع كان فقيرًا، ولم يكن يملك المالَ الكثير، إلاَّ أنَّ نفْسَه كلَّما كانتْ تتوق إلى طعامٍ أو شرابٍ ما، لا يشتري بها ذلك الطعام أو الشراب، وإنما يجمعه لهدفٍ أسْمَى، وهو بناء المسجد.







وربَّما تَجِدُ بعضُ النفوس البشرية سعادتَها في أكْل أو شرب، إلاَّ أنَّ خير الدين أفندي وجَد سعادتَه في أن يجمَع هذا المبلغ ليُمكِّنَه الله تعالى من أن يبنيَ مسجدًا بهذا المبلغ، وفعلاً تحقَّقت أُمنيتُه في ذلك، ووَجَد سعادةً ما بعدَها سعادة.







فكم مِن غنيٍّ مَلَكَ المالَ الكثير، لكنَّه كان أسيرًا لهذا المال بدلَ العكس، فعاش حياتَه تَعيسًا، وعبدًا للدِّينار، ولم يذُقْ طعم السعادة الدنيويَّة في أنَّ هذا المال يُوظَّف لخدمة الإنسان، والقيام بأعمالِ الطاعة والعبادة فيه، وإلاَّ خَسِر المال بعدَ أن تضيعَ البركةُ منه في الدنيا، ويُكْوَى به في الآخِرة إنْ لم يقُمْ بإعطاءِ جزءٍ منه لمساعدةِ الفُقراء وأعمالِ الخير!







فسِرُّ السعادة عملٌ وعبادة، وإيمانٌ وقناعة، وألاَّ تكون كغيرِها مِن مغريات الدنيا أشياء فانية، لا تُحقِّق إلا سعادةً وقتيةً ليس لها قيمةٌ بعدَ مُضيِّ مدَّة يسيرة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]