عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-09-2020, 05:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي لماذا نطلب علوم العربية؟

لماذا نطلب علوم العربية؟


أبو مالك العوضي


العربيةُ هي لغة هذه الشريعة المباركة، وفهمُ كل كلام متوقفٌ على فهم اللغة التي يُقال بها ويُكتب، وعلماؤنا يعبرون عن ذلك بقولهم علوم الآلة، أي العلوم التي لا تُقصد لذاتها، وإنما تقصد لكي تستعمل في الوصول لغيرها، فهي كأنها آلةٌ أو أداة يستعملها الإنسان ليتوصل بها إلى مطلوبه، فالمقصود من زراعة الأرض استخراجُ النبات منها، ولا يكون ذلك إلا باستعمال الآلات الموصلة إليه من الفأس والمحراث ونحو ذلك.
ولو قيل للحائك الخبير: اصنع هذا الثوب بلا مقص لما استطاع، وكذلك لو قيل للخباز الماهر: اصنع لنا خبزاً بغير فرن لما استطاع.

ولذلك ذكر جمعٌ من أهل العلم أن علوم العربية تُقدَّم في الطلب على علوم المقاصد؛ لأن الوسائلَ والآلات هي التي يُتوصل بها إلى المقاصد، فمن غير المعقول أن تُقدَّم المقاصد على الوسائل، بل لو أمكن الوصول إلى المقاصد بلا وسائل لكانت الوسائلُ تحصيلاً للحاصل بلا فائدة.


وعلومُ العربية على تنوُّعها واختلافها إنما تُطلب لغرض واحد، وهو تصحيحُ الفهم للكلام وما يتبع ذلك من تصحيح كلام المتكلم؛ ليكون أقدرَ على توصيل مراده للسامع، فإذا كان طالبُ العربية لا يحسن فهمَ الكلام صار ما طلبه كالعدم؛ لأنه لم يستفد منه، وإذا كان طالبُ العربية لا يحسن إيصالَ مراده للسامع صار محتاجاً إلى إعادة التعلم.


ولذلك ينبغي لطالب علوم العربية أن يكونَ هذا غرضه من طلبها؛ أن يصحِّح فهمه للكلام، وأن يحسن كلامه بحيث يُفهم عنه، وأن يضعَ هذه الغاية نُصب عينه في كل علم، بل في كل باب، بل في كل مسألة من مسائل العلم يدرسها.


وبرغم وضوح الفكرة السابقة وسهولة قَبول العقل لها - حتى إن بعض الناس قد يقول: إن هذا الكلامَ لا معنى تحته؛ لأنه من البدهيات – فإن الواقع يقول: إن كثيراً من أهل العلم - فضلاً عن طلبة العلم - بعيدون كل البعد عن هذا الكلام.


فأنت إذا تأملت في كلام أهل العلم وجدت خطأً كثيراً في الفهم، والدليلُ على ذلك أنهم في كثير من الأمور يختلفون في الفهم، مع اتفاقهم على أن الفهمَ الصحيح واحد، فدل على أن باقي الفهوم خطأ، فكأنهم اتفقوا على أن أكثرَ فهومهم خطأ.


ولكي تعرف أن كثيراً ممن يدرسون علوم العربية على تنوعها بعيدون عن هذا الأمر، تأمل تاريخ الأمة وعلماءها، تجد الخطأ في الفهم في الصدر الأول قليلاً، ثم يزدادُ شيئاً في عصور التابعين وتابعيهم، لا سيما ممن دخلوا الإسلام من الأعاجم، ثم يزدادُ كثيراً بعد دخول علوم اليونان وتقديمها على علوم الإسلام، ثم يزداد كثيراً جداً في عصور المتأخرين حتى تحسب أنك في غربة عن الفهم، وتبحث عن العاقل فلا تكاد تجد!

مرِضْتُ منَ الحمقى فلم أُدرِكِ المُنى تَمَنَّيْتُ أن أُشفى برُؤيةِ عاقلِ


وتجد الخطأ ممن لم يدرس علومَ العربية، وهذا واضح، ولكنك إذا وجدتَ الخطأ ممن درس علوم العربية فاعلم أنه لم يدرسها على الوجه الصحيح الذي قدَّمنا ذكره، وإنما كان قُصارى أمره طُروس يسطِّرها، ورسوم يحصلها، كما قيل:
زواملُ للأشعارِ لا علمَ عندَهُم بِجَيِّدِها إلا كعِلمِ الأباعرِ
لعَمرُكَ ما يَدري البعيرُ إذا غَدا بأَوساقِه أو راحَ ما في الغَرائرِ


وقد يكون طَلَبَها على وجهها في الظاهر، ولكنه لم يُخلص النيةَ ولم يقصد طلبَ الحق، فعاقبه الله بأن حَرَمَه الفهم، كما قال تعالى: {واتَّقوا الله ويُعلِّمكُم الله} [البقرة: 282]، فاحذر أن تكونَ سيِّئ النية في طلب العلم، فيعاقبك الله بمثل هذه العقوبات، فهي مهلكة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.66%)]