عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-08-2020, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسراف وضرره على الأفراد والجماعات




وجاء في "سُبل السلام"؛ للصنعاني (4/ 427) ما مختصره:

"وهو دليل على أنَّ المشروع هو الاقتصاد في العبادات، دون الانهِماك والإضرار بالنفس، وهَجْر المألوفات كلِّها، وأنَّ هذه الملَّة المحمديَّة مبنيَّة شريعتها على الاقتصاد والتسهيل والتيسير، وعدم التعسير؛ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، ثم قال: وأراد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((فمَن رَغِب عن سُنَّتي - عن طريقتي - فليس منِّي))؛ أي: ليس من أهل الحنفيَّة السهلة، بل الذي يتعيَّن عليه أن يَفطُر ليقوى على الصوم، وينام ليقوى على القيام، ويَنكح النساء ليعفَّ نظره وفَرْجه، وقيل: إن أراد مَن خالَف هَدْيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وطريقته أنَّ الذي أتى به من العبادة أرجحُ مما كان عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمعنى: ((ليس مني))؛ أي: ليس من أهل مِلَّتي؛ لأن اعتقاد ذلك يؤدي إلى الكفر"؛ ا. هـ.



2- حديث أبي جُحيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - آخَى بين سلمان وبين أبي الدرداء، قال: فجاءه سلمان يزوره، فإذا أمُّ الدرداء متبذِّلة[25]، فقال: ما شأنك يا أمَّ الدرداء؟ قالت: إنَّ أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار، وليس له في شيء من الدنيا حاجة، فجاء أبو الدرداء، فرحَّب به وقرَّب إليه طعامًا، فقال له سلمان: اطْعَم، قال: إني صائم، قال: أقْسَمت عليك لتفطرنَّ، ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه ثم بات عنده، فلمَّا كان من الليل، أراد أبو الدرداء أن يقومَ، فمنَعه سلمان، وقال له: يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقًّا، ولربِّك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، صُمْ وأفْطِر، وصلِّ، وائْتِ أهلَك، وأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلمَّا كان في وجه الصُّبح، قال: قمِ الآن إن شئتَ، قال: فقاما فتوضَّأا، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليُخبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالذي أمرَه سلمان، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أبا الدرداء، إنَّ لجسدك عليك حقًّا مثل ما قال سلمان))، وفي رواية: ((صدَق سلمان))[26].



قال المباركفوري[27] في شرح الحديث ما مختصره:

"وفيه مشروعيَّة تزيين المرأة لزوجها، وثبوت حقِّ المرأة على الزوج، وحُسن العِشرة، وقد يؤخذ منه ثبوت حقِّها في الوطء؛ لقوله: "ولأهلك عليك حقًّا"، ثم قال: "وَائْتِ أهلك" كما في رواية الدارقطني، وقرَّره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ذلك، وفيه جواز النهي عن المُستحبَّات إذا خُشِي أنَّ ذلك يُفضي إلى السآمة والمَلل، وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فِعلها على فِعل المستحب المذكور، وأنَّ الوعيد الوارد على مَن نَهى مُصلِّيًا عن الصلاة مخصوص بِمَن نهاه ظُلمًا وعدوانًا، وفيه كراهية الحَمْل على النفس في العبادة"؛ ا.هـ.



ثانيًا: الإسراف المكروه في الدنيا:

الإسراف المكروه فيما يخصُّ أمور الدنيا، هو إسراف في أمور مباحة شرعًا، وسبب الكراهية فيها أنها تؤدي إلى أضرار وخيمة؛ سواء كانت بدنيَّة، أم نفسية، أم غير ذلك، ومثال ذلك: الإسراف في الطعام والشراب، وها هي الأدلة من الكتاب والسُّنة، والله المستعان.



بدهي أنَّ الإسراف في الطعام والشراب الحلال له أضراره على الصحة، والإسراف في الملبس تبذير وتَرَفٌ مكروه ما لَم يُحرمه الشرع، فإن كان حرامًا - كلُبْس الرجال للحرير مثلاً – يكن هذا سَرَفًا محرَّمًا قطعًا؛ قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].



قال الشوكاني في فتح القدير (3/ 30) ما مختصره:

"والزينة ما يتزيَّن به الناس من الملبوس، أُمروا بالتزيُّن عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف، قوله: ﴿ وكُلُوا وَاشْرَبُوا * وَلاَ تُسْرِفُوا ﴾، أمَر الله - سبحانه - عباده بالأكل والشرب، ونَهاهم عن الإسراف، فلا زُهد في تَرْك مطعمٍ ولا مشرب، وتاركه بالمرَّة قاتلٌ لنفسه، وهو من أهل النار؛ كما صحَّ في الأحاديث الصحيحة، والمُقلل منه على وجه يَضعُف به بَدنُه، ويَعجِز عن القيام بما يجب عليه القيام به من طاعة، أو سعي على نفسه وعلى مَن يعول - مُخالفٌ لِمَا أمَر الله به وأرشد إليه، والمُسرف في إنفاقه على وجه لا يَفعله إلاَّ أهل السَّفه والتبذير - مُخالف لِما شرَعه الله لعباده، واقعٌ في النهي القرآني، وهكذا مَن حرَّم حلالاً، أو حلَّل حرامًا، فإنه يدخل في المسرفين، ويخرج عن المُقتصدين، ومن الإسراف الأكل لا لحاجة، وفي وقتِ شبع"؛ ا .هـ.



وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كُلوا واشربوا، والْبَسوا وتصدَّقوا في غير إسراف ولا مَخِيلَة))، وقال ابن عباس: "كُلْ ما شئتَ، والْبَس ما شئتَ ما أخْطَأتْك اثنتان: سَرَف، أو مَخِيلة"[28].



وقال أيضًا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يُقِمْنَ صُلبه، فإن كان فاعلاً لا محالة، فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثُلُث لنَفَسه))[29].



وهكذا يتبيَّن لنا أنَّ الإسراف في المأكل والمشرب والملبس كلُّه مذموم في الشريعة السَّمحاء.



من أنواع الإسراف المباح:

ونبدأ أولاً بتعريف ما المقصود بالمباح؟

المُباح عند علماء الأصول هو: ما أَذِن الشارع في فِعله وتَركه، وخلا من المدح أو الذم، وزيادة في البيان والتوضيح نذكر هنا كلام الحافظ ابن حجر في شرحه للمقصود "بإضاعة المال" من قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأُمهات، ومَنْعًا وهاتِ، ووأْدَ البنات، وكَرِه لكم قيلَ وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعة المال))[30]، قال: والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:



الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعًا، فلا شكَّ في مَنْعه.



والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعًا، فلا شكَّ في كونه مطلوبًا بالشرط المذكور[31].



والثالث: إنفاقه في المباحات بالأَصَالة كملاذِّ النفس، فهذا ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: أن يكون على وجه يَليق بحال المُنفق وبقَدْر ماله، فهذا ليس بإسرافٍ.



والثاني: ما لا يَليق به عُرفًا، وهو ينقسم أيضًا إلى قسمين:

أحدهما: ما يكون لدَفْع مَفسدة؛ إمَّا ناجزة، أو متوقَّعة، فهذا ليس بإسرافٍ.



والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك، فالجمهور على أنه إسراف"؛ ا .هـ.



ومِن ثَمَّ يتبيَّن لنا أنَّ المباح في الشرع ليس على إطلاقه في كلِّ الأعمال، بل هو نوعان:

النوع الأول:

أعمال أبَاحتها الشريعة، وجاز الزيادة فيها دون تقييدٍ أو تحديد؛ مثل: ذِكر الله، وتلاوة القرآن، والدعاء والاستغفار، وتعلُّم العلم الشرعي... إلخ، فهذا وغيره - مما دَلَّ عليه الشرع - مباحٌ وليس فيه سرَفٌ.



ومن أدلة هذا النوع من الكتاب والسُّنة ما يلي:

قال تعالى عن الذِّكر: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].



وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه))[32].



وقال تعالى عن طلب العلم واستذكاره: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].



وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))[33].



فمثل هذه الأعمال وغيرها - التي أباحَها الشرع - لا إسراف فيها البتَّةَ.



النوع الثاني:

ما أباحَته الشريعة ما لَم يَخرج عن الحدِّ الذي يَنقله من دائرة المباح للمكروه؛ كالصدقات بالأموال، والجود بها على الفقراء والمحتاجين، وليس في ذلك سَرَفٌ.



ويجب ملاحظة أنَّ الفارق بين السَّرَف والجود، أنَّ السَّرَف تبذيرٌ للمال من غير ضرورة شرعيَّة أو دنيويَّة؛ مباحة كانت، أو غير مباحة، وأمَّا الجود فهو وَضْع المال في موضعه المشروع والمباح.



ومن أدلة هذا النوع من القرآن والسُّنة:

قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].



ومن السُّنة ما رُوِي عن سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أنا ذو مالٍ، ولا يَرثني إلاَّ ابنة لي واحدة، أفأتصدَّق بثُلُثي مالي؟ قال: ((لا))، قلت: أفأتصدَّق بشَطره؟ قال: ((لا))، قلت: أفأتصدَّق بثُلُثه؟ قال: ((الثُّلُث، والثُّلُث كثير؛ إنَّك إن تَذَر ورَثتك أغنياءَ، خير من أن تَذَرهم عالةً يتكفَّفون الناس))[34].



قال النووي في شرح الحديث ما مُختصره:

"قوله: "وأنا ذو مال" دليل على إباحة جَمْع المال؛ لأنَّ هذه الصيغة لا تُستعمل في العُرف إلاَّ لمالٍ كثير، قوله: "ولا يَرِثني إلا ابنة لي"؛ أي: ولا يَرثني من الولد وخواص الوَرَثة، وإلاَّ فقد كان له عَصَبة، وقيل: معناه: لا يَرثني من أصحاب الفروض، قوله: "أفأتصدَّق بثُلُثي مالي؟"، قال: ((لا))، قلت: أفأتصدَّق بشَطره، قال: ((لا، الثُّلُث والثُّلُث كثير))؛ أي: يَكفيك الثُّلُث، وفي هذا الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصيَّة؛ قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: إن كان الورثة أغنياءَ، اسْتُحِبَّ أن يوصي بالثُّلُث تبرُّعًا، وإن كانوا فقراءَ، اسْتُحِبَّ أن ينقصَ من الثُّلُث، وأجْمَع العلماء في هذه الأعصار على أنَّ مَن له وارثٌ لا تَنْفُذ وصيَّته بزيادة على الثُّلُث إلاَّ بإجازته، وأجْمَعوا على نفوذها في جميع المال، وأمَّا مَن لا وارِثَ له، فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تَصِحُّ وصيَّتُه فيما زاد على الثُّلُث، وجوَّزه أبو حنيفة وأصحابه، وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه، ورُوِي عن علي وابن مسعود - رضي الله عنهما.



وأمَّا قوله: "أفأ تصدَّق بثُلُثي مالي؟"، فيحتمل أنه أراد بالصدقة: الوصيَّة، ويحتمل أنه أراد: الصدقة المُنجزة، وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء، لا يَنْفُذ ما زاد على الثُّلُث إلا برضا الوارث، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّك إن تَذَر ورَثتك أغنياءَ))، قال - رحمه الله -:



وفي هذا الحديث حَثٌّ على صِلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب، والشفقة على الورَثة، وأن صِلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد، واستدلَّ به بعضُهم على ترجيح الغني على الفقير"؛ ا .هـ.



قلت: وجاز - والله أعلم - استحبابًا، وليس بلازم التصدُّق بالمال كله، شريطة عدم وجود ضررٍ؛ لا على مَن يعول، ولا الوَرَثة من بعده، وهذا من السَّرَف المباح؛ وذلك لأدلة، منها:



حديث زيد بن أسْلم عن أبيه، قال: سَمِعت عمر بن الخطاب يقول: "أمرَنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نتصدَّق، فوافَق ذلك عندي مالاً، فقلت: اليوم أسبقُ أبا بكرٍ، إن سبقتُه يومًا، قال: فجِئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أبقيتَ لأهلك))، قلت: مِثْلَه، وأتى أبو بكر بكلِّ ما عنده، فقال: ((يا أبا بكر، ما أبْقَيتَ لأهلك))، قال: أبْقَيتُ لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسْبقه إلى شيء أبدًا))[35].



قلت: وقد يظنُّ القارئ أنَّ هناك تعارُضًا بين قصة عمر وأبي بكر الذي تصدَّق فيها بكلِّ ماله وحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - الذي ينهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التصدُّق بأكثر من الثُّلُث، وعلى الرغم من أننا في مادة هذا البحث نطرح موضوع الإسراف؛ لأننا أثَرنا هذه النقطة بالاستشهاد بالحديثين، فإنه من الواجب رَفْع الإشكال لدى القارئ الكريم، فها هو الطبري والحافظ ابن حجر - رحمهما الله - قد فنَّدا شُبهة التعارُض، فقد قال ابن حجر[36]:



"قال الجمهور: مَن تصدَّق بماله كله في صحَّة بدنه وعقله؛ حيث لا دَيْن عليه، وكان صبورًا على الإضاقة، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضًا - فهو جائز، فإن فُقِد شيء من هذه الشروط، كُرِه، وقال بعضهم: هو مردود"، ثم قال: "وقال آخرون: يجوز من الثُّلُث ويُرَدُّ عليه الثُّلُثان، وهو قول الأوزاعي، ومكحول، وعن مكحول أيضًا يُرَدُّ ما زاد على النصف، قال الطبري: والصواب عندنا الأول من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يُجعَل ذلك من الثُّلُث؛ جمعًا بين قصة أبي بكر وحديث كعب، والله أعلم"؛ ا .هـ.



وسائل علاج الإسراف في الدين والدنيا:

بعد أن وضَّحنا أقسام الإسراف وأنواعه المختلفة، وأضراره في الدين والدنيا، فمن المنطقي أن يكون مِسْك الختام هو بيان وسائل علاجه على مستوى الأفراد والجماعات[37].



وبادئ ذي بَدءٍ، نقول بحول الله وقوَّته: إن هناك وسائلَ عدَّة، منها ما يتعلق بالدِّين، ومنها ما يتعلَّق بالدنيا، وأكتفي هنا في هذا البحث بذِكر أهم أربع وسائل، مع طَرْح أمثلة توضيحية؛ لنُدرك أبعادها وفوائدها على الواقع الذي نعيش فيه؛ لتعمَّ الفائدة، ونُدرك خطورة إسرافنا لو استمرَّ الوضع على ما هو عليه، والله المستعان.



الوسيلة الأولى: القناعة الذاتية في المعيشة والإنفاق:

هذه الوسيلة تَنبع من باطن المسلم وقوَّة إيمانه سلبًا وإيجابًا، دون إكراه أو ضغوطٍ، وهي دليل على حبِّ العبد ومراقبته لله تعالى، وابتغاء مَرضاته؛ يَجعله يَلتزم بالمنهج الشرعي الذي يأمره بالزُّهد والتقشُّف، ولا يُحَرِّم عليه التمتُّع بالطيِّبات من الرزق، ما دام لا يَخرج به عن حدِّ الاعتدال غير المرغوب فيه؛ قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].



قال ابن كثير في تفسيره[38]:

أي: اسْتَعْمِل ما وهبَك الله - من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة - في طاعة ربِّك والتقرُّب إليه بأنواع القُربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة، ﴿ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن والمناكح، فإن لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولزَوْجك عليك حقًّا، فآتِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾؛ أي: أحْسِن إلى خَلْقه كما أحسَن هو إليك، ﴿ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ ﴾؛ أي: لا تكنْ هِمَّتك بما أنت فيه أن تُفسد به الأرض، وتُسيء إلى خَلْق الله؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾"؛ ا .هـ.



وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قد أفلحَ مَن أسلم ورُزِق كَفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه))[39]، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدعو ويقول: ((اللهمَّ ارْزُق آلَ محمدٍ قوتًا))[40]، قال ابن حجر في شرح الحديث:



"قال ابن بطَّال: فيه دليل على فضْل الكَفاف وأخْذ البُلغة من الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك؛ رغبةً في توفُّر نعيم الآخرة، وإيثارًا لِمَا يبقى على ما يَفنى، فينبغي أن تَقتدي به أُمَّتُه في ذلك، وقال القرطبي: معنى الحديث أنه طَلب الكفاف، فإنَّ القوت ما يقوت البدن، ويكفُّ عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعًا، والله أعلم"؛ ا .هـ.



قلت: ومن أهم الأسباب المؤدِّية إلى الهموم والغموم التي تُصيب كثيرًا من بيوت المسلمين: عدم القناعة بما أعطاهم الله، والتفاخُر بينهم في الإنفاق بسَفَهٍ؛ بغرض التنافُس المَمقوت والإسراف في المظاهر، واللجوء إلى الاستدانة، رغم قلة الإمكانيَّات الماليَّة عند البعض منهم؛ مما يؤدي إلى تراكُم الديون التي تُثقل كاهِلَهم، وتُفسد أخلاقهم، وتَدفعهم إلى طريق الحرام دفعًا، أو على الأقل التقصير في حقِّ الله تعالى ومعصيته، وكفى بهذا جهلاً وسَفَهًا.



ولو تأمَّلنا الواقع على مستوى الإنفاق المذموم للأفراد والجماعات، لتعجَّبنا من كثرة الاحتفالات والولائم؛ سواء في إقامة حفلات الزواج في أفخر الفنادق، أو النوادي، أو ما أشبه ذلك من الأماكن التي تحتاج إلى مبالغ طائلة، أو غير ذلك من الأمور؛ من أجْل مظاهر كاذبة ليستْ من الدِّين في شيء البتَّةَ.



الوسيلة الثانية: تشجيع التفقُّه في الدين لزيادة الوعي الديني:

والتشجيع يكون بفَتْح بيوت الله، والاهتمام بها، وتشجيع وتكريم العلماء الثِّقات ورَثة الأنبياء، والدُّعاة المخلصين والمجتهدين؛ لشَرْح تعاليم الدين الصحيحة فيها على منهج السلف الصالح، مُلتزمين بفقه الواقع ومصالح العباد دينًا ودنيا، بلا إفراطٍ أو تفريط.



أمَّا مُحاربتهم ومَنْعهم؛ حتى يموت الكثير منهم دون أن يستفيدَ الناس من علمهم وفِقههم، وتَرْك أهل الأهواء والبِدع والتصوُّف يُفسدون عقول الناس في بيوت الله بما لَم يُشرعه الله ولا رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو ما حذَّر منه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إنَّ الله لا يَقبض العلم انتزاعًا يَنتزعه من العباد، ولكن يَقبض العلم بقَبْض العلماء، حتى إذا لَم يَبق عالِم، اتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالاً، فسُئِلوا، فأَفْتوا بغير علمٍ، فضَلُّوا وأضلُّوا))[41].



ولا ريبَ أنَّ فِقدان الوعي الديني والأُميَّة الدينيَّة المنتشرة بين الناس اليوم، لهما عواقبُ وخيمة على السلوك العام؛ لأنَّ الجهل من أعظم الأسباب المؤدِّية إلى البدع والخُرافات، والبُعد عن منهج الله تعالى وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.



ومِنْ ثَمَّ ينبغي الاهتمام بتفقيه الناس بأمور دينهم؛ لأهميَّة ذلك في السلوك العام والخاص، وما مشكلة السَّرَف إلاَّ مشكلة عالجَها الدين، ووضَع الحلول لها، ومعرفة الناس بها وتطبيقها على الوجه الصحيح يُسهم إسهامًا فعَّالاً في القضاء على ظاهرة الإسراف بكافة أنواعه وأقسامه؛ ولهذا حثَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُمَّته على التفقُّه في الدِّين، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يُرِد الله به خيرًا، يُفَقِّهه في الدِّين))[42].



قال المُناوي في "فيض القدير" (6/315) ما مختصره:

"((مَن يُرِد الله به خيرًا))؛ أي: مَن يُرِد الله به جميع الخيرات، (يُفقِّهه) بسكون الهاء؛ لأنها جواب الشرط (في الدِّين)؛ أي: يُفهمه عِلم الشريعة بالفقه؛ لأنه علمٌ مُستنبط بالقوانين والأدلة والأَقْيسة، والنظر الدقيق، بخلاف علم اللغة والنحو والصرف، ثم قال: فمفهوم الحديث أنه من لَم يتفقَّه في الدين؛ أي: يتعلَّم قواعد الإسلام، لَم يُرِد الله به خيرًا"؛ ا .هـ.



قلت: ومِنْ ثَمَّ ينبغي للمسلم أن يَطلب العلم، ويَجتهد في ذلك؛ ليتفقَّه في العلوم الشرعيَّة، والتي هي أشرف العلوم بجانب العلوم الدنيويَّة؛ ليُسهم إسهامًا فعَّالاً في إدراكه للواقع الذي يعيش فيه، ويَلتمس بنورها الطريق السليم الذي يَنبع عن سلوك واقتناع كامِلَين بخطورة المشاكل والأزمات - كمشكلة السَّرَف مثلاً - التي تعترض طريق سعادته وفلاحه دينًا ودنيا، فيُدرك ما ينبغي عمله حيال تصرُّفاته، فيَنتهج بإرادته الحرَّة التي يدفعها إيمانه بالله وحبُّه لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم عِلمه ومعرفته بما يرضي الله وما يُسخطه عليه، وهذا يؤدي بالتَّبعة على استقامة الأمر على مستوى الأفراد والجماعات.



الوسيلة الثالثة: استغلال وسائل الإعلام المختلفة للتوجيه والإرشاد:

وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية في زماننا هذا - لها تأثير عظيمٌ على سلوكيَّات أفراد الأُمة، وينبغي لِمَن في يده إدارة هذه الوسائل أن يوجِّهها لحلِّ مشاكل المجتمع ومشكلة الإسراف منها؛ لأن خطره يُحيط بالجميع؛ لأنه وسيلة للترف المذموم، وهو حاصل اليوم في الوسائل المرئيَّة فيما تبثُّه قنوات التلفاز وأطباق الدش والفضائيَّات من أفلام إباحيَّة وجنسيَّة، ومسلسلات خليعة، ومسرحيات ماجنة... إلخ.



وكلها تدعو إلى الفِسق، وتُشيع الفواحش بين العباد، ونتائجها مدمِّرة للقِيَم، مُخالفة للدين، وأين هؤلاء من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].



وكذلك يفعل خُطباء الفتنة من أنصار التجديد والتحديث، من أتْباع أبي جهل وعبدالله بن أُبَي بن سلول - نسأل الله العافية - عندما يُسرفون في التشكيك والسخرية في الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، وفي المؤتمرات والندوات... إلخ.



يُشكِّكون العباد في الثوابت الإسلاميَّة، ويُحَرِّضونهم على التمرُّد على الدين والاستهانة بالعلماء العاملين بالكتاب والسُّنة، ويَصفونهم بالجمود والتطرُّف... إلى آخره، وهؤلاء هم الذين وصَفهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دُعاة على أبواب جهنَّمَ، من أجابَهم إليها قذَفوه فيها))، قلت: يا رسول الله: صِفْهم لنا، فقال: ((هم مِن جِلدتنا، ويتكلَّمون بألْسِنتنا))[43].



فلو عَمِل مَن بيده هذه الوسائل على نَشْر التوعية السليمة، وقدَّم أهل الفضل والعلم على أهل الفِسق والفجور، واستخدَم هذه الوسائل لخدمة المجتمع، وحثَّ العباد على ما يَنفعهم في الدين والدنيا، لوجدنا العجب العُجاب؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 96 - 99].



قال ابن كثير في تفسيره (3/ 451):

"أي: آمنَت قلوبهم بما جاءتهم به الرُّسل، وصدَّقت به واتَّبَعته، واتَّقوا بفِعل الطاعات وتَرْك المحرَّمات، ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ﴾؛ أي: قَطْر السماء ونبات الأرض، قال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾؛ أي: ولكن كذَّبوا رُسلهم، فعاقَبناهم بالهلاك على ما كسَبوا من المآثم والمحارم، ثم قال تعالى مُخوِّفًا ومحذِّرًا من مخالفة أوامره، والتجرُّؤ على زواجره: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ﴾؛ أي: الكافرة، ﴿ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ﴾؛ أي: عذابنا ونَكالُنا، ﴿ بَيَاتًا ﴾؛ أي: ليلاً، ﴿ وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾؛ أي: في حال شُغلهم وغَفلتهم، ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ﴾؛ أي: بأسه ونِقمته، وقُدرته عليهم، وأخْذَه إيَّاهم في حال سَهوهم وغَفلتهم، ﴿ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾؛ ولهذا قال الحسن البصري - رحمه الله -: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مُشْفِق وَجِلٌ خائفٌ، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمِنٌ"؛ ا .هـ.



الوسيلة الرابعة: عقاب المسرفين والمبذرين بالحَجْر عليهم:

أباحَت الشريعة الحَجْرَ على السُّفهاء[44] من المسرفين والمبذِّرين على المستوى الفردي والجماعي؛ حفظًا للمال العام والخاص؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5].



قال ابن كثير في تفسيره (2/ 214):

"ينهى تعالى عن تَمْكين السُّفهاء من التصرُّف في الأموال التي جعَلها الله للناس قيامًا؛ أي: تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها، ومن ها هنا يُؤْخَذُ الحَجْر على السُّفهاء، وهم أقسام: فتارة يكون الحَجْرُ للصغر؛ فإن الصغير مسلوب العبارة، وتارة يكون الحَجْرُ للجنون، وتارة لسوء التصرُّف؛ لنَقْص العقل أو الدين، وتارة يكون الحجر للفَلَس، وهو ما إذا أحاطَت الديون برجل وضاقَ ماله عن وفائها، فإذا سأل الغُرَماء الحاكمَ الحَجْرَ عليه، حَجَرَ عليه"؛ ا .هـ.



وسَرَفُ الأفراد أمرٌ علاجه هَيِّن، يستطيع وَلِيُّ أمر السَّفيه - سواء كان طفلاً، أم امرأة، أم رجلاً بالغًا ناقصَ العقل أو الدين - أن يَحجُر على ماله، ويتَّخذ لذلك الطُّرق الشرعيَّة والقانونيَّة.



أمَّا السَّرَف الجماعي، فمع اختلاط المعايير والقِيَم، وضَعْف الوازع الديني والرَّدع القانوني، وعُلو أهل المنكر على أهل المعروف والفضل، حدَثت تجاوزات خطيرة طفَحت آثارها السيِّئة على السطح، فظهَرت في صُوَرٍ شتَّى للإسراف بأنواعه الثلاثة، وقد ذكَرنا أمثلة منه فيما أسْلَفنا من البحث ما يُغنينا عن تَكراره هنا.



وفي كتاب نشَرته وزارة الشؤون الإسلاميَّة والأوقاف والدعوة والإرشاد في السعودية بعنوان "مشكلة السَّرَف في المجتمع المسلم وعلاجها في ضوء الإسلام"[45]، جاء فيه ما نصُّه:



"وسرَفُ الجماعات يصدر من جهات جماعيَّة، ويأخذ الطابع الجماعي، وهو يصدق على تصرُّف المؤسَّسات، والشركات، والجمعيَّات، والدول، وكذلك الأفراد إذا انْتَظَمهم عقدٌ واحد، أو عُرْف أو تقليد واحدٌ.



وقد يُحكم على أيٍّ منها بالسَّرَف أو التَّرَف أو التبذير، بالنظر إلى التصرُّف الغالب عليها، وهذا النوع من السرف يَحمل من الخطورة والسلبيَّات أضعاف سابقه؛ لِمَا يترتَّب عليه من الآثار الوخيمة على اقتصاد البلد وثروتها، وكم نسمع أو نقرأ عن خسائر تلك الجهات وإعلان إفلاسها، بل إنَّ إلقاء نظرة سريعة على واقع دول العالم الإسلامي، تَرْزَأُ العاقل بالذهول والخجل؛ فإن كثيرًا منها - وعلى رغم ضخامة ثروتها الوطنيَّة - قد اضطرَّت إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي، وقد تراكَمت عليها الديون، فأثْقَلت كاهلها، وتحوَّلت إلى أزمة كبرى لَم تستطع الخلاص منها"؛ ا .هـ.



وختامًا، لقد آن الأوان لحلِّ مشكلة الإسراف وعدم تجاهُلها، فخطره عظيم وأضراره في الدين والدنيا مدمِّرة على المستوى العام والخاص، وما ذكرناه في هذا البحث مجرَّد تحذيرٍ وإلقاء الضوء على المشكلة من جهة الشرع، والله هو الهادي إلى الحق بإذنه، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى آله وصَحْبه أجمعين.



فهرس البحث:

مقدمة الباحث.



الإسراف في اللغة والشرع.



أنواع الإسراف وضرره في الدين والدنيا.



من أنواع الإسراف المحرَّم:

1 - الإسراف في القتل.



2- الإسراف في المال والتبذير فيه.



3- الإسراف في الشهوات والخروج عن الفطرة السويَّة.



من أنواع الإسراف المكروه:

أولاً: الإسراف المكروه في الدين:

السرف في التعبُّد وإهمال الحقوق، ومن أدلته.



ثانيًا: الإسراف المكروه في الدنيا:

الإسراف في الطعام والشراب والملبس.



من أنواع الإسراف المباح.



وسائل علاج الإسراف في الدين والدنيا:



الوسيلة الأولى: القناعة الذاتية في المعيشة والإنفاق.



الوسيلة الثانية: تشجيع التفقُّه في الدين لزيادة الوعي الدين.



الوسيلة الثالثة: استغلال وسائل الإعلام المختلفة للتوجيه والإرشاد.



الوسيلة الرابعة: عقاب المسرفين والمبذرين بالحَجْر عليهم.



فهرس البحث.





[1] انظر: القاموس المحيط؛ للفيروز آبادي ( 2 / 397)، [النهاية في غريب الحديث والأثر؛ لابن الأثير الجزري (2/ 361)].



[2] انظر: لسان العرب؛ لابن منظور (9/ 148)، مادة "بذر".



[3] انظر: فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، كتاب اللباس (16/ 323)، شرح قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ﴾ [الأعراف: 32].



[4] انظر: تفسير القرطبي المعروف بالجامع لأحكام القرآن (10/ 247).



[5] انظر: فتح القدير (7/ 496) في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ ﴾ [هود: 116].



[6] انظر فتح القدير؛ للشوكاني (4/ 303).



[7] انظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر"؛ لابن حجر (2/ 447)، كتاب الجنايات: "الكبيرة الثالثة عشرة بعد الثلاثمائة".



[8] أخرَجه البخاري في باب "رَمْي المُحصنات"، (ح2560), ومسلم في الكبائر (ح 129).



[9] انظر: الاستقامة؛ لابن تيمية (ص 468).



[10] أخرَجه البخاري في التفسير (ح 4389).



[11] أخرجه مالك في الأقْضِيَة (1461)، وصحَّح الألباني إسناده في الصحيحة (250)، والإرواء (896)، وغاية المرام (68).



[12] انظر: تفسير ابن جرير الطبري (17 / 430).



[13] أخرَجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق (2341)، وقال: "حسن صحيح", وذكَره الألباني في الصحيحة (946)، وصحيح الترغيب ( 1 / 76 ).



[14]انظر: الفتوى رقْم (4947) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية.



[15] سبَق تخريجه.



[16] وبقيَّة الحديث: ((ولَم ينقصوا المكيال والميزان، إلاَّ أُخذوا بالسنين، وشِدَّة المُؤونة، وجَوْر السلطان عليهم، ولَم يَمنعوا زكاة أموالهم إلاَّ مُنِعوا القَطْر من السماء، ولولا البهائمُ لَم يُمطروا، ولَم يَنقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلاَّ سَلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخَذوا بعض ما في أيديهم، وما لَم تحكم أئمَّتُهم بكتاب الله ويتخيَّروا مما أَنزل الله، إلاَّ جعَل الله بأْسَهم بينهم))؛ ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، (1 / 167).



[17] هو د: زغلول النجار - حفظه الله - رئيس لجنة الإعجاز العلمي في القرآن، وأستاذ علوم الأرض، وهو في غنًى عن التعريف, وذلك نقلاً عن كتابه "الإعجاز العلمي في السُّنة النبوية"، (ص 92).



[18] ليَنتبه القارئ لِمَا ذُكِر من إحصائيَّات في الكتاب، فتاريخ نشره هو (أكتوبر 2004 )، ولا شكَّ في تعدِّي الأرقام مما ذُكِر بكثير الآن.



[19] أخرَجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3456), ومسلم في العلم (2669), وابن ماجه في الفتن (3994).



[20] أخرَجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسُّنة (7280).



[21] أخرَجه مسلم في العلم (2670), وأبو داود في السُّنة (4608).



[22] أخرَجه البخاري في الصُّلح (2697), ومسلم في الأَقْضِيَة (1718), وأبو داود في السُّنة (4606).



[23] أخرَجه البخاري في النكاح (5063), ومسلم بمعناه في النكاح (1401), والنسائي (3217).



[24] التنطُّع في الدين: هو التكلُّف والغُلو في العمل بالزيادة على ما شرَع الله.



[25] أي: لابسة البذلة، وهي المهنة وزنًا ومعنًى، والمراد: أنها تاركة للبس ثياب الزينة، وذكَره الألباني في آداب الزفاف ص 83.



[26] أخرَجه البخاري في الصوم (1968), والترمذي في الزهد (2413).



[27] انظر: تحفة الأحوزي في شرح الترمذي ( 6/ 302).



[28] أخرَجه البخاري في اللباس, والنسائي في الزكاة (2559).



[29] أخرَجه الترمذي في الزهد (2380), وابن ماجه في الأطعمة (3349), وانظر: السلسلة الصحيحة (2265)، وصحيح الترغيب (2135).



[30] أخرَجه البخاري في الآداب (2408), ومسلم في الأَقْضِيَة (593).



[31] والشرط الذي يقصده ابن حجر قوله: "ويُستثنى من ذلك: كثرة إنفاقه في وجوه البِرِّ؛ لتحصيل ثواب الآخرة ما لَم يفوِّت حقًّا أُخرويًّا أهمَّ منه".



[32] أخرَجه مسلم في الحَيْض (373), والترمذي في الدعوات (3384), وابن ماجه (302).



[33] أخرَجه الترمذي في العلم (2646), ومسلم في الذكر والدعاء (2699).



[34] أخرَجه البخاري في المغازي (4409)، ومسلم في الوصيَّة (1628).



[35] أخرَجه الترمذي في المناقب (3675), وأبو داود في الزكاة (1678), والدرامي (1660)، وحسَّن الألباني إسنادَه في المِشكاة (6021).



[36] انظر: شرح الحديث؛ لابن حجر في باب: ((لا صدقة إلاَّ عن ظَهْر غِنًى)) (5/ 25).



[37] المقصود بالجماعات: الإسراف الذي يكون من الهيئات والمؤسَّسات والدوَل... إلخ.



[38] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 253).



[39] انظر: السلسلة الصحيحة؛ للألباني (1/ 129).



[40] أخرَجه البخاري (597).



[41] أخرَجه البخاري في العلم (100), ومسلم (2673), والترمذي (2652).



[42] جزء من حديث في الصحيحين، أخرَجه البخاري في العلم (71), ومسلم في الزكاة (1037).



[43] أخرَجه البخاري في المناقب (3606)، ومسلم في الإمارة (1847) بلفظ: ((يكون بعدي أئمة لا يَهتدون بهداي، ولا يَسْتنُّون بسُنَّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جُثمان إنس)).



[44] السُّفهاء: جمع سَفيه، وهو ضعيف العقل، وسيِّئ التصرُّف، وسُمِّي سفيهًا؛ لخِفَّة عقله.



[45] تأليف: عبدالله بن إبراهيم الطريقي.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]