23-05-2020, 02:31 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة :
|
|
رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
مقتضيات القبول:
أولاً: الانكسار لعظمةِ الله؛ وتهانينا إليه بفضلِ الله الذي آتاه، وأنَّ ذلك يعني منه مزيد انكسارٍ لعظمةِ الله - تعالى - ومزيد سعي لشكران تلك النعم؛ فعن أبي عمران الشيباني أنَّ موسى - عليه السلام - قال يوم الطور: "يا رب، إنْ أنا صليت فمِن قِبلك، وإن أنا تصدقتُ فمن قِبلك، وإن أنا بلَّغتُ رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ فقال - تعالى -: الآن شكرتني".
فهذا قولُ الكليم، وهو قولُ العارف بفضلِ الله المقر بإحسانه؛ يقول: إنْ أنا صليتُ فمن قِبلك؛ لا من سعي نفسي، ولا من تحصيلها، فلو وُكلت إلى نفسي، ولو وُكلت النفسُ إلى ما فيها، لما كان من العبدِ إلا العجز والتقصير والتواني، والذنب والخطيئة والسيئات، فلو كانت الصلاةُ شكرًا فما هي من سعيي، والشكر فعل ينسبُ إلى العبدِ لا إلى صاحبِ الإنعام والإكرام، وكذلك الصدقة والبيان عن اللهِ، ذهبت حيل السُّعاة في شكر الله، وعجزوا عن شكرِ الله على نعمه، فأصبح إقرارُهم بالعجزِ هو إعلانهم بالشكر.
إقرارك بعجزِك عن الشكرِ هو حقيقة ذلك الشكر؛ فإنَّ شكر نعمة الله يكون بنعمةٍ أخرى من الله وفضلٍ وإحسان يستوجبُ شكرًا آخر، حتى يكون الشكرُ الآخر نعمةً أخرى تستوجب شكرًا آخر، وهكذا فيفضي الحال إلى الإقرارِ بالعجز، والإعلان بالقصور، وأن شكر نعمةِ الله هو الإعلان بالعجز عن شكره.
ثانيًا: شهود منة الله؛ فليت شعري مَن المقبول فنهنيه على فضلِ الله الذي آتاه؟! وأنَّ ذلك يقتضي الإعلان بشكرِ نعمة الله، والإعلان بالعجز عن القيام بذلك، وأن ذلك يقتضي مع تلك التهنئة الالتفات للعمل والنظر إليه، حتى يشهدَ منةَ الله فيما كان، وحتى يرى تقصيرَ نفسِه في كل عبادة يرى فيها أوجه عجزِه، وأبواب قصوره، وضعفه وتوانيه وتباطئه مع فضل الله السَّابق، وإحسانه الغالب عليه.
ثالثًا: مطالعة عيب النفس والعمل؛ فتهنئة المقبولين تعني التفاتًا إلى نعمةِ ربِّ العالمين، وتعني رجوعًا إلى هذه الأعمالِ التي كانت؛ بالنظر إليها، والتفتيش في أوجهِ القصور والنقص فيها، وأنه كان ينبغي أن تكون هذه الأعمال أفضل مما تأدت، وأن حقَّ الله أعظم من ذلك، وأن حقَّ خطايا هؤلاء المقبولين وسيئاتهم يقتضي عملاً أكثر، فما يُزيل أدرانَ قلوبهم أضعاف أضعاف ما قدموا، بل إنَّ هذه السيئات والعيوب تقتضي منهم سعيًا موصولاً، وعبادةً غير منقطعة، وشغلاً دؤوبًا بذكرِ الله ومحبته إلى الممات، لا يقوم حقُّ الله بدون ذلك.
رابعًا: استقامة القلب؛ فليت شعري مَن هذا المقبول فنهنيه؟ حتى تكون تهنئتُنا له على ما نال قلبُه من ذلٍّ لله وتعظيم لأمره، وانكسارٍ من ذلك القلب، ورقةٍ على الخلق؛ ليستديم ذلك الحال، وليتحول إلى شخصٍ آخر بعد منحة الله - تعالى - له في رمضان وعطائه إليه وإحسانه.
خامسًا: الثبات على العمل الصالح؛ فليت شعري مَن المقبول فنهنيه؟ بأن يرجو موسمَ رمضان آخر، بينهما عبادة موصولة، وشغل بالله وطاعته، وخدمته ومحبته، شغل دائم غير منقطع؛ ليتحولَ إلى شخص مقتدٍ بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كان عملُه دِيمَةً كما في الصحيحين، وفيهما: ((أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ)).
وليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ حتى يرى أنَّ مصيبةَ الدينِ أعظم من مصيبة الدنيا، وأنَّ الضرَّ الذي في عمله الصالح ينبغي أن يكون أشد عليه من ضرِّه في بدنِه أو ماله، وأنه مهما أصابه من مصائب الدنيا، فحق جبرانها، وتعويضها مضمون، وأمَّا مصيبة الدِّين، فحظه من الله قد ذهب، وحظه من الآخرة قد ولَّى.
مقتضيات الحرمان:
أولاً: الإقرار بظلمِه لنفسه؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه - وكلنا ذلك المحروم؟ حتى يعلم أنَّ ما أصابه بكسبِه، ومرذول عمله، وسيئاته في قصدِه ووجهته، وأنَّ ذلك مع إحسانِ الله وفضله غير لائق منه، وغير مناسب لعقلِه وإيمانه، وأنَّ الله لم يظلمه شيئًا، ولكن ظلم نفسَه.
ثانيًا: التنبه لشؤم السيئات؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ ويعلم أنَّ هذه السيئات والتفريطات، إنما هي نتاج سابق السيئات والتفريطات، وأنَّ جزاء الحسنة التوفيق لحسنة بعدها، وأنَّ عقوبة السيئة الخذلان حتى يقعَ في سيئة تتلوها.
ثالثًا: لزوم الوقوفِ بالباب؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ ويكون عزاؤنا أنَّ فضل الله الواسع يقتضي لزوم الوقوف بالباب، وألا يفارق العبدُ بابَ ربِّه مهما كان من ظلمِ العبد أو سوء فعله، فلا يزال من الله الإحسانُ والعطاء، وإن كان من المكلَّفين الإساءةُ وسوء الفعل.
رابعًا: لزوم التوبة؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ ويعلم أنَّ الله يبسطُ يدَه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يدَه بالنَّهارِ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها، ويعلمُ أنَّ باب الله لا يزال مفتوحًا، وأنَّ الله لا يردُّ توبةَ التائب، فلا تزالُ التوبةُ متاحةً ما لم تبلغ روحك - أيها المحروم - حلقومَك، فمتى أمدَّك الله وأفسح في أجلِك، فلا تزال مدةُ تراجُعِك قائمةً، ولا يزال أمر توبتك لازمًا غير معفي أنت منه.
خامسًا: إصلاح العمل؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ حتى يعلم أنه لا بد له من أن يصلحَ عملَه، حتى يكون عملُه ذلك بالنيةِ الخالصة لربِّ العالمين، وحتى يكون عملُه ذلك وَفْقَ سنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحتى يكون عملُه ذلك خاليًا من آفةِ الغرور وآفة العجب، فلا يرى عملاً يُعجب به، بل يرى فضلَ الله الذي يستوجبُ انكسارَه وذله لربه، وإعلانه بالعجزِ عن شكره، ولا يرى نفسَه التي تأدى منها العمل، بل يرى نفسَه التي هي أسباب القصورِ في العمل والعجز عن القيام بحق الله - تعالى.
سادسًا: إنما يتقبلُ الله من المتقين؛ قال علي - رضي الله عنه -: "كونوا لقبولِ العمل أشد منكم اهتمامًا بالعمل، ألم تسمعوا اللهَ - عز وجل - يقول: ï´؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ï´¾ [المائدة : 27]؟".
فإذا ذهبت مواسمُ الطاعاتِ بقي بعد ذلك استكمال حقوق هذه الطاعات، واستتمام ما يكون من لوازمِها؛ من النَّظرِ فيها، والتفتيش في آفاتها، والحذر من إفشائها؛ حتى يكون أبعد عن الرياء.
وقد يسأل سائل:كيف أعرف أنني من المقبولين؟
والجواب - والله أعلم -:
1- أن يجدَ قلبَه أقرب إلى الله، وآنس به، وأحب إليه، فهذه ثمرةُ الطاعةِ وعلامات القبول.
2- أن يحبَّ الطاعاتِ ويقبل عليها، ويشعر أنَّ أبوابَها تتفتح له وييسر له فعلُها، ويشعر أنَّ أبواب المعاصي تغلق عنه ويصرف عنها، ويكرهها ويستنكف عن فعلها.
3- ألاَّ يفقد الطاعات التي كان يقومُ بها في رمضان، بل يواظب عليها، بل ويستحدث بعد رمضان أعمالاً لم تكن له قبل رمضان.
4- ألاَّ يعود إلى الذنوبِ التي تاب منها في رمضان؛ فقد تكلَّمَ العلماءُ فيمن تاب من ذنبٍ ثم عاد إليه بأنَّ هذا دليل على أنَّ توبتَه لم تُقبل؛ لأنَّها لو قُبلت لما عاد إلى الذنبِ مرة أخرى؛ ولذلك ثبت في الصحيحين أنَّ ((مَن أساء في الإسلام أُخذ بالأوَّلِ والآخِر))؛ أي: عوقب بذنوبِه السابقة أيضًا؛ لأنَّ في الإساءة بعد التوبة حبوط للتوبة، ولعلَّ من أسرارِ هذا الأمرَ بالعمل الصالح بعد التوبة؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ï´¾ [الفرقان : 70]، وفي الحديثِ الذي أخرجه أحمد وحسنه الألباني: ((وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها))، فاشتراطُ العملِ الصالح بعد التوبة حزمٌ في منع الرجوع إلى الذنب.
5- استشعار المنة وعدم الإدلال بالعمل؛ فقد يُبتلى العبدُ بعد رمضان بشعورٍ غامر أنه أدَّى ما عليه، وحبس نفسَه في رمضان عن أشياء كثيرة مما يشتهيه، فتجده يوم العيدِ عاصيًا! وهذه من علاماتِ عدم القبول؛ أن ينقلبَ على عقبيه بعد رمضان مباشرة؛ ولذلك من علاماتِ القبول أن تجدَه خائفًا على العمل، وجِلاً ألا يتقبل، مستشعرًا فضل الله ونعمته عليه، متحدثًا بذلك، شاكرًا لأنعم الله، مواصلاً للذكر.
6- ذكر ابن رجب أنَّ من علاماتِ قبول رمضان صيامَ ستٍّ من شوال، وذكر لصيامِ الست فوائدَ عظيمة لا أستطيعُ أن أغفلها، فخذها هنيئًا مريئًا، وافرح - إن صمت الأيام الست - بهذه النيات، ولعلَّ فهمك لهذه الفوائد وعملك بها رزقٌ ساقه الله إليك ليقبلك، فهيا أيها المقبول، أبشرْ بعد أن تعمل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|