عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-05-2020, 09:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,951
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة لعيد الفطر لعام 1430هـ

ايها المسلمون:


إن معرفة الوسطية لا تخضع للأهواء أوالتقديرات الذاتية وإنما تعرف بالشرع وقد تعرف بالعادة وما يشهد به معظم العقلاء فالوسطية أن يكون الإنسان في دائرة المشروع وهي الخير والعدل فإذا وقف المرء دون هذه الدائرة ولم يعمل فيها كان مقصراً مفرِّطاً، وإذا تجاوزها كان مُفرِّطاً غالياً متطرفاً إلى الجهة الأخرى المذمومة.





لقد برزت في حياتنا المعاصرة بعض ظواهر الانحراف في العقيدة والفكر والسلوك، وانطلقت الأصوات تدعوللوقوف في وجه تلك الانحرافات ومعالجتها، وتوسلت إلى ذلك من جملة ما توسلت به بالدعوة إلى الوسطية وعدم التطرف، وفي أثناء ذلك جمح الحماس ببعضهم فوصموا كل ملتزم بدينه وبخاصة في الأمور المظهرية بالتطرف والتنطع ومجانبة الوسطية، فالذي يحافظ على السنن والآداب في عباداته ومعاملاته متشدد، والذي يبتعد عن الخنا والفجور متزمت متحجر، والذي يجتهد في الطاعة والعبادة غالٍ في الدين، والذي يدعوإلى تصحيح المفاهيم ووضع الأمور في نصابها متنطع متحذلق، والذي يرتفع إلى مستوى عال وأفق وضيءٍ خياليٌ مثالي.





لقد رأينا وسمعنا ممن قل زاده من التدين علماً وعملاً أوعاش في محيط تجرأ على محارم الله وتنكر لشرائعه يعتبر الحد الأدنى من الدين ضرباً من التعصب والتشدد، وكلما زادت مسافة البعد بينه وبين الدين زاد استغرابه بل إنكاره بل اتهامه لكل من يستمسك بعروة الدين ويلجم نفسه بلجام التقوى.





ويسأل في كل شيء يعرض له أوعليه حلال هوأم حرام.





وكثير من أولئك الذين يعيشون في أوطان المسلمين بأسماء إسلامية وعقول غربية يعتبرون مجرد الالتزام بأوامر الله ونواهيه تطرفاً دينياً.





لقد رأينا من يعد إعفاء اللحية من الرجل أوالتزام الحجاب من المرأة تطرفاً في الدين، ورأينا من يرى الغيرة على الدين وحرماته والأمر بالمعروف إذا ضيع والنهي عن المنكر إذا وقع تطرفاً في الدين وتدخلاً في الحرية الشخصية للآخرين.





أما التفريط في الدين بحيث لا يتعرف المرء على دينه ولا يفهمه كما هوفي مصادره الأساسية الموحى بها، أولا يحمل نفسه على الالتزام بآدابه وسلوكه ولا يأخذ نفسه بالطاعة والعبادة ولا يبالي بما يرتكب من آثام وموبقات حيث يطلق العنان لشهواته وأهوائه، فهذا وأمثاله ليس تطرفاً في الجهة المقابلة بل هوعندهم سعة في الأفق وواقعية في السلوك وإدراك لحق النفس ومطالبها وانفتاح على الحياة والمدنية المعاصرة وبين هذا الفهم وذاك ضاعت معاني الوسطية الصحيحة والتبست بمفاهيم أخرى وغدت حلاً وسطاً أوانحلالاً وانخلاعاً من أحكام الدين بل غدت الوسطية منتدى عنكبوتياً يكتب فيه كل ساقط ومارق من دعاة الشهوات والنفاق من شهوانية وعلمانية، يكتب فيه كل منكر من القول وزور وبهتان تحت مسمى الحرية والوسطية.





أصبحت الوسطية تعني التساهل فيمارس المنكر ويستعلن به فإذا أنكرته قالوا: ديننا دين الوسطية واليسر والسماحة. ومن هنا يتأكد على كل مسلم يخشى الله ويتقيه أن يفهم الوسطية ويطبقها كما فهمها وطبقها الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: إني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء وحينما قال لعبدالله بن عمرو: صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً وإن لزَورك عليك حقاً.





الوسطية التي طبقها أسلافنا فلا غلوولا جفاء ولا إفراط ولا تفريط، وإنما هوموازنة بين الحقوق وسير على المحجة البيضاء.





قال الفاروق عمر رضي الله عنه: قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تميلوا بالناس يميناً أوشمالاً.





وقال علي رضي الله عنه: اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة عليها باقي الكتاب وآثار النبوة ومنها منفذ السنة وإليها مصير العاقبة هلك من ادعى وخاب من افترى.





ما أحوجنا اليوم إلى بناء جيل يترسم هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام في التعامل مع أحكام الدين ومعاملاته.





جيلٍ ينأى عن الغلوويبتعد عن الجفاء.





جيلٍ يعبد ربه ويتعامل مع الناس وفق المنهج الوسطي الذي يرفض الإفراط وينبذ التفريط.





جيلٍ يدرك معنى الوسطية وأنها الأليق بطبيعة النفس وقدراتها.





جيلٍ يكون كما كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يداعب أهله ويمازح زوجته فإذا حضرت الصلاة قام إليها.





جيلٍ يكون كما كان الصحابة الكرام يتمازحون فيما بينهم فإذا جد الأمر كانوا هم الرجال.





ونقول اليوم ما قاله قديماً معاوية بن قرن رحمه الله (من يدلني على رجل بكاء بالليل بسام بالنهار).





وقال الحسن: (السنة والذي لا إله إلا هوبين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقى، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا...).





أسأل الله أن يهدينه طريقه القويم وصراطه المستقيم وأن يرزقنا الثبات عليه على يوم الدين والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.





الخطبة الثانية


أما بعد:


فتأسيا بنبي الهدى والرحمة - صلى الله عليه وسلم - أنقل الحديث لصانعات الرجال ومربيات الأجيال ووالدات الأبطال.. إلى من رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا.. إلى من وقر في قلبها حب الله والشوق إلى لقائه والرجاء بوعده والخوف من وعيده.. إلى من تجاوزت بنظرتها حدود الدنيا الحقيرة الفانية وتطلعت إلى الحياة الآخرة حيث الحياة الدائمة والمستقبل الحقيقي..





إليك ياأختي المسلمة أوجه كلماتي وأسطر عباراتي ممزوجة بعبراتي.. إليك يامن جعلوا منك قضية وافتعلوا عليك حقوقا من نسج خيالهم وما تمليه عليه شهواتهم.





أختي المسلمة:


إن الدين الوسطي هوالدين الوحيد الذي يحفظ حقوقك ويحقق كرامتك ويمنحك الأمن النفسي والدنيوي والأخروي.. إنه الدين الذي يرفع شعار ï´؟ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ï´¾ [البقرة: 228] وإنما النساء شقائق الرجال.. وفي ظله تعيش المرآة مكفولة الحقوق مصانة الكرامة ï´؟ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ï´¾ [النساء: 32] دين يمثله بالقول والفعل رسول الهدى والمرحمة صلى الله عليه وسلم والذي سطر بمواقفه أروع الأمثلة في التعامل الكريم مع المرآة بنتا حيث تتجلى الأبوة الحانية في تعامله مع ابنته فاطمة رضي الله عنها عندما كان يقوم لها ويقبل بين عينيها قائلا: مرحبا بابنتي.. وفي تعامله مع زوجاته حيث يراعي مشاعرهن ويتحمل غيرتهن ويعدل في القسم بينهن ويعبر عن حبه لهن بكل شفافية ووضوح.. وهوالقائل: استوصوا بالنساء خيرا، ويقول: ماأكرمهن إلا كريم.





في ظل دين الوسطية تظل المرأة كريمة بين قوم لايرون لها قدرا ولايسمعون لها نهيا ولا أمرا.. لاترث ولا تملك ولا تشير ولا تستشار إنما هي من سقط المتاع وبين قوم غلوا في تحريرها حتى تحولت إلى دمية للمتعة وسلعة للبغاء ودعاية للبيع والشراء.







وسنة الإسلام فيها وسط

شاء من يبغي التعدي أم أبى.









ياأمة الله:


لقد ألزم الإسلام الرجل والمرأة بالعبودية لله وحده في صورة الخضوع لمنهجه ودينه، وهذه العبودية هي أرقى مراتب الحرية، فالإنسان من خلال توجهه لله وحده يتحرر من كل سلطان فلا يوجه قلبه ولا يطأطيء رأسه إلا لخالق السموات والأرض..





إن الحرية في غير الإسلام تصبح حرية جوفاء لامعنى لها بل هي العبودية المذلة المهينة، وإن بدت في صورة الحرية.





ياأمة الله:


ندرك أن المؤامرة لإفسادك كبيرة وأن الجهود لإضلالك متواصلة، تدعوك للتمرد على القيم والخروج عن الصراط القويم رافعة شعارات براقة تخفي وراءها كيدا ومكرا، متسترة بالخلاف ومتدرعة بالعادات والتقاليد ï´؟ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 27].





لقد رأوا في الحجاب والحشمة حصنا دون شهواتهم فسعوا عبر سياسة تكسير الموجة إلى توهين تمسكك بالحجاب وإضعاف التزامك بالستر والفضيلة فدعوا بالقول والفعل إلى كشف الوجه بحجة الخلاف وهم يرمون إلى مابعد ذلك من خطوات ماكرة كما قالت إحداهن في مقابلة تلفازية حينما سئلت: هل ترغبين أن تشاهدي المرأة السعودية تلبس الجنز وتحسر عن شعرها فأجابت: أهم شيء أن تكشف عن وجهها وبعدها سيكون شأن آخر..





إنك ياأمة الله يوم أن تتنازلي عن شيء من حجابك وتظهري زينتك وتخضعي في قولك وتتساهلي في الحشمة وتتهاوني بالاختلاط وتطالبي بما فيه الفتنة والضياع فإنما بذلك تفتحي الثغور للأعداء ليفسدوا الأمة ويخربوا أخلاقها وتخسر الأمة عوامل عزتها وبقائها.





إنك بذلك تعلنين الولاء لأعداء دينك ï´؟ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ï´¾ [المائدة: 51] وما أظنك وأنت الخائفة من ربها والراجية في جنته أن تكوني كذلك، فاتقي الله واحذري أن يؤتى الإسلام من قبلك..





لقد استغل الأعداء صور الظلم الواقع على المرأة في مجتمعنا فهناك من يكلفها فوق طاقتها ولا يرحم ضعفها.. هناك الآباء القساة والأزواج الجهلة.. هناك من يهملون المرأة ويهدرون حقوقها ويعضلونها ويستحلون مالها.. وتلك الصور لاتمثل الإسلام وتعاليمه وإنما هي نتاج للجهل بالدين والبعد عن تشريعاته فلا يستخفنك الذين لايوقنون والذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.





ياأيتها الأخت المسلمة:


تذكري أن التبرج والعري والتهتك وتجاوز حدود الله نتاجه مر وثماره مريرة ï´؟ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا ï´¾ [النساء: 14] ( ونساء كاسيات عاريات.... ) فتذكري أن أجسامنا على النار لاتقوى، ومن يطيق ياأختاه الموت وسكراته والقبروظلماته والصراط وزلاته ويوم القيامة وروعاته إذا نحن تجاوزنا حدود الله..





فورب السماء والأرض إن من يدعونك اليوم للخروج عن شريعة ربك باسم الحرية ونيل الحقوق المهضومة وتحريك النصف المعطل هم من يتبرأ منك يوم التغابن ï´؟ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا... ï´¾ [البقرة: 166].





إن أولئك الأدعياء لن يغنوا عنك من الله شيئا يوم الهول العظيم فهل آن الأوان للمرأة المسلمة اليوم أن تتنبه لهذه المواقف فتتبرأ في دنياها اليوم من كل ناعق باسم الحرية والتمدن حتى لاتحق عليها الحسرة الكبرى عندما يتبرأ منها شياطين الإنس والجن..





يانساء المسلمين: لن أجد لكن خيرا من وصية الله للنساء الأطهار زوجات النبي المختار وهن من أذهب الله عنهن الرجس وطهرهن تطهيرا فغيرهن بالخطاب أحرى وبالتوجيه أولى.. فيانساء المسلمين اتقين الله، فإن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله فإن الله أغد للمحسنات منكن أجرا عظيما.





الله أكبر الله أكبر..






وبعد هذا يامسلمون ونحن نتفيؤ ظلال هذا العيد المبارك فلنتذكر أن الله جعل لنا عيدين نحتفل بهما ونظهر الفرح والسرور ونمارس فيهما الترفيه المباح وفق ضوابط الشريعة وآدابها.. وأنه لايجوز للأمة استحداث أعياد أخرى مهما كانت مبرراتها وتنوعت أسماؤها فلا عيد للأم ولا عيد لنهاية العام ولا عيد لمولد ولا عيد لوطن ( ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهورد).





ولنتذكر ونحن ننعم بالبهجة والسرور من حرموا منها ممن يعانون من الأمراض أويقاسون الجوع ويصارعون الخوف أوممن يتوسدون الثرى في بطون الألحاد فلنذكرهم بدعائنا ومشاعرنا.





ولنتذكر وقد ودعنا شهر المكارم والمغانم أن العبادة لايحدها حد، ولا تقف عند زمان أومكان ï´؟ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ï´¾ [الحجر: 99] (واتق الله حيثما كنت واجعل الله عليك رقيبا).





أسأل الله أن يجعل عيدكم سعيدا وأيامكم كلها عيدا، وأن يسعدكم بالفوز العظيم يوم الدين.





اللهم تقبل صيامنا وقيامنا...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]