عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 24-06-2011, 08:56 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن من طلق زوجته باللفظ الصريح فإننا نوقع عليه مقتضى لفظه هذا ، ولا ننظر إلى نيته وقصده ، خلافا لبعض المذاهب التي تطلب النية حتى في الألفاظ الصريحة ، وهذا فيه خطر كبير ، إذ كل أحد يستطيع التلاعب بأمور المقاصد فيما بيننا وبينه ، لأننا لا نراها ولا نستطيع الاطلاع عليها ، فيكثر التلاعب بأمور الفروج ، ألا ترى أن من يستفتي في أمور الطلاق في الغالب أول ما يقول :- كنت غضبانا ، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون أن الغضب من موانع الحكم بالطلاق ، فيكثر على الناس التلاعب بأمر الطلاق ، وعدم الاهتمام بشأنه فلو فتح لهم هذا الباب لتقحموا فيه تقحم الإبل على الماء من شدة الظمأ في الهاجرة ، فالفقهاء رحمهم الله تعالى نظروا إلى هذا الأمر ، وقرروا قاعدة تقول (الألفاظ الصريحة تترتب عليها آثارها ولا نظر إلى نية أصحابها ) وأما الكنايات التي تحتمل الطلاق وغيره ، فهذه هي التي تفتقر إلى النية والمتقرر عند أهل العلم قاعدة تقول ( الكنايات لا تترتب آثارها إلا بالنيات ) والله أعلم .
ومنها:- قال الشيخ محمد رحمه الله تعالى في الشرح الممتع ( وقوله «ودواعيه» دواعي الوطء كل ما يكون سبباً في الجماع كالتقبيل، والنظر إليها بشهوة، وتكراره، والضم، يقول المؤلف: إنها حرام سداً للذرائع ، وقياساً على المحرم فلا يجوز له أن يجامع ولا أن يباشر ) فالأصل في التحريم الجماع إلا أن من كمال التحريم منع جميع مقدماته من القبلة والملامسة والضم ، وذلك سدا للذريعة ، وهو تخريج صحيح.
ومنها :- استئجار المرأة الأجنبية لخدمة الرجل ، حيث منعه الشافعية مطلقاً سداً للذرائع ، والحنفية قالوا بكراهته للأعزب ، وجوازه بدون الخلوة للمتزوج الذي معه أهله ، ووافقهم المالكية وأضافوا شرطاً آخر وهو كونه مأموناً ، في حين أجازه الحنابلة مطلقاً بشرطين هما عدم الخلوة وعدم النظر إليها، والراجح هو قول المالكية ، لأن الأعزب لا يؤمن من الوقوع في محرم ، وأن اشتراط كون المتزوج مأموناً شرط جيد يدرأ الفساد ، وما هذا إلا لسد ذريعة الفساد ، والله أعلم .
ومنها :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في السكران إذا سرق ، هل يقام عليه الحد ؟ والراجح إن شاء الله أنه يقام الحد عليه ، حتى لا يكون الاعتذار عنه ذريعة لمن أراد أن يسرق إن يشرب الخمر قبل سرقته ، ويقول :- الجلد أخف من القطع ، ومما جاءت به الشريعة حفظ الأموال, ولأن السرقة لا يستطيع السكران الطافح أن يديرها ، فإن مبناها على التخطيط وموازنة الأمور والاختفاء والسكران إن كان يفعل هذا فلم يصل إلى حد السكر الطافح الذي يزول معه العقل ، فهو يدري ما يقول وما يفعل ، فيكون مكلفا ، والمهم أن الراجح إن شاء الله تعالى في هذه المسألة هو أن السكران إذا سرق أقيم عليه حد السكر وحد السرقة ، والله أعلم .
ومنها :- تحريم بيع العينة ، وهي أن يشتري سلعة بثمن مؤجل من رجل ، ثم يعود فيبيعها بثمن حال أقل لنفس هذا الرجل ، وهي محرمة ، لأنها ذريعة إلى الربا ، بل هي أخية الربا ، وهي من أكبر الحيل الموصلة إليه ، فتمنع سدا للذريعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) حديث صحيح , فتحريم العينة من هذا الباب ، أي من باب سد الذرائع ، والحق أنها محرمة ، سواء أكانوا اثنين أو ثلاثة أو أربعة ، فإن تعدد الأفراد فيها لا يخرجها عن كونها عينة محرمة ، والصحيح أن بيوع التقسيط لا حرج فيها ، والصحيح أن التورق لا حرج فيه ، ولكن لا بد من معرفة جوازه وقد ذكرناها في رسالة مفردة ، والمهم هنا أن تعرف أن العينة محرمة ، وأن تحريمها من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- اعلم أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن من قصد المحرم فإنه يعامل بنقيض قصده وعليه :- فيحرم التحايل لإسقاط الزكاة كأن يهب المال المزكى لفقير ثم يشتريه منه، أو يهبه لقريب قبل حولان الحول ثم يسترده منه فيما بعد ، ولو أبدل النصاب بغير جنسه كإبدال الماشية بدراهم ، فراراً من الزكاة ، أو أتلف جزءاً من النصاب قصداً للتنقيص لتسقط عنه الزكاة، أو جعل السائمة علوفة ، لم تسقط عنه الزكاة عند الحنابلة والمالكية ، سداً للذرائع، لأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، ولقوله تعالى } إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ{ فعاقبهم الله تعالى بذلك، لفرارهم من الصدقة قال أبو يوسف: لا يحتال في إبطال الصدقة بوجه ولا سبب ، وقال أبو حنيفة والشافعي: تسقط عنه الزكاة؛ لأنه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه الزكاة، كما لو أتلف لحاجته ، والراجح القول الأول ، وذلك سدا لذريعة ضياع حق الفقراء بمثل هذه الألاعيب .
ومنها :- النهي عن تلقي الركبان الوارد في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا الرُّكْبَان ، ولا يَبيعُ حاضِرٌ لبادٍ )) فقال له طاووس : ما قوله : لا يبيع حاضِرٌ لبادٍ ؟ قال : لا يكونُ له سِمْسارًا. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع . هذه رواية مسلم , وله وللبخاري قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا السِّلَعَ ، حتى يُهْبَطَ بها إلى السوق )) وأخرجه أبو داود بزيادةٍ في أوله قال (( لا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ ، ولا تَلَقَّوا السِّلَعَ... الحديث )) وما هذا إلا سدا لذريعة الغش والغبن وأكل أموال الناس بغير حق ، ولأن هذا الفعل مناف لأخوة الإيمان وللنصح الواجب بين المسلمين ، ولأن الشريعة جاءت بحفظ الأموال ، فحفظها من المقاصد الضرورية العامة ، وأموال الجلب والركبان لا بد من حمايتها من تجار السوق ، فمنعت الشريعة تلقيهم بالخروج إليهم ، بل لا بد أن يهبط صاحب السلعة في السوق ويتعرف على القيمة بنفسه ليكون على بينة من أمره ، ثم بعد ذلك يبيع بما يشاء والمهم أن منع تلقي الركبان إنما قرر في الشرع من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- النهي عن الاحتكار ، أي احتكار السلع لوقت الغلاء ، الاحتكار المضر بالناس ، فهذا خطأ وحرام ، وفي الحديث الذي رواه مسلم قي الصحيح (( لا يحتكر إلا خاطئ )) وهذا التحريم مبناه على سد الذرائع ، فإن هذا الاحتكار يضر بالناس ، ويرفع عليهم الأسعار ، ويوقعهم في الحرج الكبير ، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها ، والاحتكار فيه مراعاة المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة ، والمتقرر أن المصالح العامة هي الأحق بالتقديم ، ولأن الاحتكار من الضرر العام ، وفي الحديث (( لا ضرر ولا ضرار )) والمتقرر أن الضرر يزال ، فالمحتكر ظالم لنفسه ولإخوانه ، فهو أناني جشع قد قتله الطمع ، وعلى ولي الأمر إلزامه بالبيع كما يبيع الناس ، وأن لا يمكنه من نفث سمومه في المستهلكين الضعفاء ، والمقصود أن تعرف أن النهي عن الاحتكار من فروع هذه القاعدة الطيبة ، أعني قاعدة سد الذرائع , والله أعلم .
ومنها :- قال في الفقه الإسلامي وأدلته ( يجب شرعاً باتفاق الأئمة الأربعة قتل الجماعة بالواحد سداً للذرائع، فلو لم يقتلوا لما أمكن تطبيق القصاص أصلاً، إذ يتخذ الاشتراك في القتل سبباً للتخلص من القصاص. ثم إن أكثر حالات القتل تتم على هذا النحو، فلا يوجد القتل عادة إلا على سبيل التعاون والاجتماع, وقد بادر الصحابة إلى تقدير هذا الأمر، فأفتوا بالقصاص الشامل, وأول حادثة حدثت هي في عهد عمر، وهي أن امرأة بمدينة صنعاء، غاب عنها زوجها، وترك عندها ابناً له من غيرها، فاتخذت لنفسها خليلاً، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله، فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام خليل المرأة، ورجل آخر، والمرأة وخادمها، فقطعوه أعضاء وألقوا به في بئر, ثم ظهر الحادث وفشا بين الناس، فأخذ أمير اليمن خليل المرأة فاعترف، ثم اعترف الباقون، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: أن اقتلهم جميعاً، وقال:- والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. ) وخلاصة الفرع أنه لو أجتمع النفر الكثير على قتل الواحد ، فإن الواجب قتلهم جميعا ، وإيجاب القتل عليهم جميعا لسد ذريعة القتل .
ومنها :- القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن المعسر إن كانت موجوداته بقدر ديونه فإنه مباشرة يتم الحجر عليه ، ولو لم يحكم الحاكم ، لكن لا يكون نافذا إلا بحكم الحاكم ، وللحاكم أن يبطل كل بيع بعد استواء الموجودات مع الديون ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وهو الأليق بالشرع ، فإن المعسر قد يتصرف في بقية موجوداته تصرفا يضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم ، فلا يمكن من هذا التصرف ، لأن حق أهل الديون قد تلعق بماله تعلقا يمنعه من التصرف فيه ، فقلنا بمنعه من التصرف فيما بقي من ماله ولو لم يحكم الحاكم سدا لذريعة ضياع الحقوق على أصحابها ، والله أعلم .
ومنها :- قال العلماء ( يَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لِلرَّجُل ، وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى فَسَادٍ أَوْ إِثَارَةِ شَهْوَةٍ ؛ لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَضْل بْنِ الْعَبَّاسِ ، وَيَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ، لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجَتِهِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَإِرْدَافُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ جَائِزٌ مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ . وَأَمَّا إِرْدَافُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ وَالرَّجُل لِلْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ ، سَدًّا لِلذَّرَائِعِ ، وَاتِّقَاءً لِلشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ ) فانظر كيف خرج العلماء هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة .
ومنها:- ما قرره أهل العلم في بعض المجامع الفقهية باتفاق بينهم من أنهم لا يرون الاتجار بالشعر الآدمي ولو بغرض إدخاله في صناعة المنسوجات كالدواسات أو لبيوت الشعر سدا للذرائع وخشية فتح باب بيع أعضاء الإنسان ، وهذا هو الحق ، ولأن الإنسان مكرم من قبل الله تعالى فلا تخضع أطرافه ولا فضلاته تحت البيع والشراء ، فانظر كيف خرجوا هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة الكبيرة .
ومنها :- لقد قرر المجمع الفقهي في عدد من الدول الإسلامية ، أن التلقيح الصناعي لا يجوز كله إلا في صورتين فقط ، الأولى :- أن يتم تلقيح البويضة مع بذرة زوجها نفسه تلقيحا خارجيا ثم تزرع البويضة الملقحة في رحم نفس هذه المرأة التي هي زوجته ، فهذا جائز ، والثانية :- أن يتم التلقيح بين بويضة الزوجة وبذرة الرجل تلقيحا داخليا ، وهذا جائز ، ولكن لا بد من أخذ كافة الاحتياطات التي تكفل بإذن الله تعالى حماية التدخل الخارجي ، وأما بقية الصور فهي محرمة ، وهي كما يلي :- أن تؤخذ بويضة المرأة وتلقح مع بذرة رجل آخر ليس هو زوجها ، فهذا محرم كل التحريم ، سواء أكان تلقيحا خارجيا أو داخليا ، ومنعه سدا للذريعة ، لأن الزنا أصلا محرم محافظة على الأنساب ، وهذه العملية تنتج ما حرم الزنا من أجله ، فحرمت سدا للذريعة ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح تلقيحا اصطناعيا مع بويضة المرأة وتزرع في رحم امرأة أخرى ، وهذا محرم سدا لذريعة اختلاط الأنساب ، بل هو الزنا ، لكن بلا إيلاج ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح مع بويضة امرأة أخرى ليست هي زوجته ، ثم تزرع في رحم امرأته ، وهذا محرم أيضا لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة رجل آخر ، وتلقح مع بويضة امرأة وليس هو زوجها ، ثم تزرع في رحم الزوجة ، وهذه محرمة أيضا ، والمهم أن القاعدة تقول (إن دخل طرف آخر غير الزوجين في عملية التلقيح فهي حرام) لأنها إن تدخل طرف أجنبي فإنها تكون كالزنا ، ووجه تحريمها أن ذلك من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- هل يجوز إعادة اليد المقطوعة في السرقة ؟ على أقوال :- والراجح منها أنها لا تعاد ، إذ لا فائدة ترجى من تطبيق الحكم مع القول بتجويز رجوعها ، فسدا لذريعة تساهل السراق في حدها وسدا لذريعة العبث بأموال الناس ، نقول :- لا تجوز إعادتها، فيده التي هي يده ، لا يجوز تمكينه من إعادتها ، وأما لو ركب طرفا اصطناعيا فإنه بالخيار فيه ، فهذا الطرف الصناعي لا يتعلق به حكم ، وأما يده التي قطعت في الحد فإنها لا تعاد إليه ، والله أعلم .
ومنها :- ما قرره الحنفية رحمهم الله تعالى من أنه لا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وبالعكس. فقد ذهب أبو حنيفة إلى عدم قبول شهادة أحد الزوجين للآخر ، وذلك سدًا للذرائع وردًا للتهمة؛ لأن النفع بينهما ، وكل منهما يرث الآخر ويستفيد من ماله .
ومنها:- ما قرره الحنابلة وغيرهم من الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن شهادة القريب لقريبه لا تقبل لأن قبولها يفتح باب البر والصلة والتساهل في باب الشهادة بحجة النفع ، لأنه قريبه ، ولأن الدليل قد منعها ، والعلة في المنع وجود التهمة في النفع ولو بالباطل ، فسدا لذريعة النفع الباطل والشهادة بالزور منعت هذه الذريعة ، ومنعها مخرج على هذه القاعدة تخريجا واضحا لا لبس فيه .
ومنها :- تحريم هدايا العمال ، أي الذين لهم معين في الدولة ، فهؤلاء لا يجوز لمن تحت أيديهم ، أو من يتردد عليهم أن يهدي لهم ، وإن أهدى لهم فلا يجوز له قبولها، لأن الهدية تأسر القلوب ، فلا بد من المحاباة فيما بينه وبين المهدي ، ولأن تجويز قبولها يفضي إلى ضياع الحقوق ، وتقديم من حقه التأخير أو تأخير من حقه التقديم ، أو إعطاء من لا يستحق الشيء الذي لا يستحقه ، المهم أنه لا يجوز لما فيه من المفاسد ، فسدا لذريعة هذا الفساد منع الشارع هدايا العمال ، وعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل في بيت ثم قال إنك بأرض الربا بها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا... وروى البخاري في صحيحه من حديث الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ :- اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ (( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا )) وعن أبى حميد الساعدي مرفوعا (( هدايا العمال غلول )) رواه أحمد، وهو حديث صحيح ، فالقول الصحيح أن ذلك من المحرمات فسدا لذريعة الفساد في أمور الحكم والإدارة منعت الشريعة هذا الباب ، والله أعلم .
ومنها :- ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للرجل أن يقّبل أخته إذا قدم من سفر بشرط ألا يكون تقبيله لها تقبيل شهوة ، فتقبيل المحارم بشهوة من أغلظ المحرمات ، وقيد الحنابلة جوازه بأن لا يكون في الفم ، وهو تقييد وجيه ؛ لأن التقبيل على الفم مظنة للشهوة، ولو قال قائل الآن بمنع تقبيل المحارم مطلقا لما كان قوله ببعيد، وذلك سداً للذرائع فقد انتشر الفساد حتى بين المحارم، بل ظهرت بعض الدعوات الخبيثة للعلاقة الآثمة بين المحارم من خلال وسائل الإعلام الخبيثة بمختلف أشكالها مرئية أو مسموعة أو مقروءة، وحتى إذا كان الرجل المحرم طيب النفس فقد لا تكون المرأة كذلك وهي تطالع في كل حين وسائل هدم الأخلاق. فلا شك أن الابتعاد عن التقبيل بكل أشكاله أقرب إلى السلامة ، وهو مذهب صحيح ، وهو مخرج على هذه القاعدة أتم تخريج .
ومنها:- الحق أنه لا يجوز للصيدلي أن يقبل الهدية من شركة توزيع الأدوية ، فإن هذه الهدايا في الغالب أنه يراد بها استمالة الطبيب إلى الإقبال على الإكثار من تقديم بيع أدويتهم على منتجات الشركات الأخرى ، فيتحقق الضرر، وقد حدثني بعض الثقات عن أمور محزنة في هذا الأمر ، فقلنا إنه لا يجوز له قبول هذه الهدايا لما في قبولها من الضرر ، فنمنعه سدا للذريعة .
ومنها :- الراجح أنه لا بد من الإشهاد على الرجعة ، فلا تصح الرجعة مع الكتمان ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، قال تعالى } وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ { ولأن الرجعة مع الكتمان تفضي إلى تعدد الطلاق والتلاعب في أمر الفروج ، فلا بد من معرفة كم طلقها؟ ومتى راجعها ؟ وهذا لا يكون مع الكتمان ، فسدا لذريعة هذا التلاعب بهذا الأمر الكبير الخطير قلنا :- لا بد من الإشهاد على الرجعة .
ومنها:- أنه لا يجوز البتة أن تخرج البنت مع خطيبها قبل عقد النكاح بينهما ، لأنها أولا :- لا تزال أجنبية عنه ، ومجرد اختيارها كزوجة لا يعتبر شيئا إن لم يحصل العقد بينهما بالشروط المعتبرة وليست موافقتها عليه كزوج يجعله زوجا ، بل هو أجنبي عنها حتى يعقد عليها ، وثانيا :- سدا لذريعة الفساد ، فوالله لقد حصل الفساد الكبير بسبب تسويغ خروجه معها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )) ولأنه يلزم كمن ذلك أن ينظر لها وتنظر إليه ، ويخلو بها وتخلو به ، وربما حصل بينهما أمور لا تحمد عقباها ، وقد حصل أن امرأة خطبها رجل وخرج معها ، فحصل بينهما ما حصل ، ومن ثم حصل بينهما شيء من الخلاف ففارقها ، وهي تبكي الأمرين ، بعد أن حصل ما حصل ، ولا يقال :- إن خروجها معه فيه فائدة ومصلحة ، وهي أنهما يتعرفان على بعض أكثر ، لأننا سنقول :- نعم ، ولكن هذه المصلحة تحوطها وتحفها مفاسد كثيرة جدا تفوق عليها ، بل هذه المصلحة ليست بشيء يذكر في جانب هذه المفاسد الكبيرة ، والمتقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وإذا تعارض مصلحتان روعي أعلاهما بتفويت أدناهما ، وعليه فسدا لذريعة الفساد نقول :- لا يجوز خروجها معه ، ولا الخلوة بها ، والله أعلم .
ومنها :- الاختلاط بين النساء والرجال في الدراسة على الوضع المعروف في عصرنا منكر في ذاته ويؤدي بدوره إلى كثير من المنكرات التي لا قبل للمرء بها ، ولذا أمر الشرع باجتنابها سداً للذرائع وحسماً للفساد ، فالاختلاط يؤدي إلى النظر المحرم وإثارة الغرائز ، وتشجيع النفوس على الفساد وحال كهذا لا يجوز للمرء أن يعاون على إقامته أو دوامه ، بل الواجب هجره والبعد عنه ، إلا أن يكون المرء مضطراً للعمل فيه ، ولم يجد مجالاً غيره يسد به حاجته الشديدة ، أو يدفع به ضرورته الملجئة ، بشرط أن يبحث عن عمل آخر يكون خالياً من هذا الشر، مع رعاية حق الله تعالى أثناء تواجده في هذا المكان ، بأن يغض بصره ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر البنات بالحجاب والابتعاد عن الرجال، كما يأمر الجميع بغض البصر، والحذر من الخلوة، وما قلناه هنا يقال في تدريسهن دروساً خصوصية ، بل الأمر في الدروس الخصوصية أشد ، لاحتمال حصول الخلوة فيها بصورة كبيرة. وخلاصة الأمر، أنه يجب على الإنسان المبتلى بهذا العمل ترك هذا العمل، فإن لم يجد غيره وكان مضطراً إليه، فلتبق فيه ولتجدَّ في البحث عن عمل آخر، مع الالتزام بالضوابط الشرعية.
والله أعلم .
يتبع إن شاء الله....
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.13 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]