عرض مشاركة واحدة
  #173  
قديم 20-09-2020, 06:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

طريق العودة إلى الله تعالى لهداية العالم وسيادته

وقد قلنا غير ما مرة: هيا بنا نراجع الطريق، وبسهولة وبيسر، لا كلفة، لا مشقة أبداً، فما الطريق؟ الجواب: أهل القرية المسلمة -سواء كانت في رءوس الجبال أو في السهول- يتعهد أهلها وهم مسلمون ولو صورياً، يتعهدون بأن ينزلوا بيت ربهم كل ليلة، من غروب الشمس إلى أن يصلوا العشاء وهم في المسجد بيت ربهم مع نسائهم وأطفالهم ورجالهم.أعيد فأقول: العودة هي أننا نلتزم في صدق، في جد وحزم أن لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد عن بيت الرب في القرية، ذلك الجامع الذي يجمعنا، وكل ليلة نتلقى فيه الهدى من الكتاب والحكمة، وكذلك المدن ذات المناطق أو الأحياء المتعددة، ويقال لشيخ الحارة أو عمدة الحي: يا صاحب المكانة! قل لأهل حيك هذا: لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد عن المسجد إلا مريض أو ممرض للضرورة، الكل في بيت الرب، ومن المغرب إلى العشاء يتلقون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.معاشر المستمعين -وفيكم العلماء والفحول والبصراء والساسة-! هل هذا العمل يوقف دولاب الحياة؟ هل تكسد التجارة، تتعطل الزراعة، تنتهي الصناعة؟ ما الذي يصيب الأمة من كونها تتفرغ من المغرب إلى العشاء لتتلقى الكتاب والحكمة، ما الذي يحدث، ما الذي يحدثه هذا التفرغ بين المغرب والعشاء؟ والله! أنه لتنمو معه التجارة، ويبارك الله في الصناعة، ويبارك في الزراعة، وما ينقص شيء، والله! لتتضاعف النتائج. ولما نجتمع في بيت الرب اجتماعنا هذا سنة واحدة كيف تصبح قلوبنا وأرواحنا، هل تطهر أو لا؟ هل تزكو أو لا؟ وإذا زكت الأرواح وطابت النفوس هل يبقى شح بيننا، هل يبقى بخل فينا، هل يبقى خبث عندنا، هل يكون هناك من يفكر أن يفجر بامرأة أخيه، أو من يتسلط على أخيه يضره ويؤذيه؟ والله! ما يكون. وينتهي السرف وحب الدنيا والشهوات، ووالله! ليتوافرن المال فماذا يصنعون به؟ وأقول: والله العظيم! لن ترتفع لنا راية ولن نسود العالم إلا بالعودة إلى هذا المنهج المحمدي، هذه مسألة سهلة أو صعبة؟ ما المانع إذاً حتى نصبح علماء ربانيين؟

مقترح بتكوين لجنة إسلامية ممولة لمتابعة أحوال المسلمين

وأخرى أعلنها أيضاً لعلكم تنقلونها، وما عندنا من ينقل، وإن نقل فإنه ينقل الخطأ، إذا أخطأ الشيخ فيا ويحه، لا يبيت الخطأ إلا في الشرق والغرب، كأننا لا نرصد إلا الخطأ، فلا تعجب؛ فمن ربانا، وفي حجور من تعلمنا؟أقول: الآن الفرصة ذهبية، لو تكونت لجنة عليا للإسلام يساهم فيها كل بلد إسلامي، هذه اللجنة العليا تضرب ضريبة على كل مؤمن يدفعها، سواء شهرية أو سنوية، فتوجد ميزانية للإسلام هي أكبر ميزانية في العالم، لم؟ لأنه يسهم فيها ألف مليون مسلم، ثم بعد ذلك تكون لجنة أخرى تطوف العالم، تزور اليابان والصين وأمريكا وأوروبا، وتتعاهد الجمعيات الإسلامية، وتعرف موطن كل جماعة وما هي فيه وما هي عليه، مع سرية كاملة، لا تبجح ولا إعلانات، ثم تتولى إنفاقاً حقيقياً على تلك الجمعيات الموجودة في العالم الكافر، تقدم الكتاب الذي يجب أن يجمع القلوب ولا يفرقها، وتبعث بالإمام والمربي الرباني الذي يربي ويزكي النفوس ويعلم الكتاب والحكمة، وهكذا، فما هي إلا فترة وإذا بتلك الجاليات عبارة عن كواكب من النور، عبارة عن كواكب نورانية، إذ ما يبقى بينهم من يسرق أو يفجر أو يكذب أو يجهل أو يقلد الباطل أو يمشي في ركاب الظالمين، ويوم يتم هذا فسوف تشاهدون الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. والفرصة متاحة، فقد بلغنا اليوم أن بفرنسا ألف مسجد، فلو أن هذه اللجنة الإسلامية العليا التي يجب أن تكون نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأخذ في نشر الإسلام بالتي هي أحسن والدعوة الربانية، وقد وجد من يحملها، لا يوجد في أمريكا ولا اليابان ولا الصين مكان خالٍ من مسلم ومسلمة، فقط يحتاجون إلى أن يصبحوا نورانيين لينيروا الحياة أمام الناس. فهاتان الخطوتان ما المانع أن نقوم بهما في بلاد المسلمين؟ فقط نتعلم الكتاب والحكمة، ونجتمع في بيت ربنا، فما يبقى فينا من يخرف، ما يبقى فينا من يقول بالبدعة ولا بالخرافة ولا بالضلالة، ما يبقى فينا إيمان ضعيف هزيل ما يقوى صاحبه على أن يقول كلمة الحق أو ينهض بواجب، وينتهي ما نشاهد من ألوان الباطل والشر والفساد في العالم الإسلامي، وفي العالم الآخر، فتلك الجمعيات التي توجد بالفعل تنمى في خمس وعشرين سنة، فيدخل الناس في رحمة الله، فما المانع؟ فبلغوا، بلغوا رابطة العالم الإسلامي، وقد كتبنا هذا في الكتب، ولكن:لقد أسمعت لو ناديت حياًولكن لا حياة لمن تنادي

تفسير قوله تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ...)

ونعود إلى السياق الكريم، قال تعالى: فَإِنْ آمَنُوا [البقرة:137] أي: اليهود والنصارى، بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ [البقرة:137] أيها المسلمون، آمنا بماذا؟ أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق وأن النار حق، آمنا بأن الله لا يعبد إلا بما شرع وبين رسوله صلى الله عليه وسلم. فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ [البقرة:137]، وهو أن الأنبياء والرسل كلهم أنبياء الله ورسله، لا نفرق بين أحد منهم، لا فرق بين موسى وهارون ولا عيسى ومحمد، ولا إبراهيم وإسحاق، آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فإن آمن اليهود والنصارى المتبجحون الذين يقولون لنا: كونوا هوداً أو نصارى؛ إن آمنوا بمثل ما آمنتم به فَقَدِ اهْتَدَوا [البقرة:137]، فقد اهتدوا إلى ماذا؟ إلى سلم الكمال، وسلم الرقي والسعادة في الدنيا والآخرة، اهتدوا إلى معرفة الحق من الباطل والخير من الشر والكمال من النقصان، عرفوا الطريق إلى الله عز وجل.

معنى قوله تعالى: (وإن تولوا فإنما هم في شقاق)

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة:137]، يا لله هذا الشقاق! فـ(شقاق) هنا نكرة تفيد التهويل، أي: في شقاق عظيم، وصدق الله العظيم، فقد تولوا وأعرضوا وما قبلوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقيت اليهودية والنصرانية وبقي أهلها، إذاً: هم في شقاق عظيم بعيد طويل معنا. ومعنى الشقاق: من الشق، فهناك شق وهنا آخر، هذا الشقاق، ما هناك اتصال، أنتم وإياهم في شقاق بعيد كبير، شخص يقول: لا إله إلا الله وآخر يقول: الآلهة ثلاثة، فكيف يتفقان؟ شخص يقول: الربا والزنا حرام، وآخر يقول: الحياة متوقفة عليه، كيف نلتقي معهم؟ شخص يقول: الصدق والوفاء والحب والطهر، وآخر يقول: على الخيانة والكذب والزندقة تعيش الحياة، فكيف نتفق؟ سبحان الله العظيم! اسمعوا كلام الله: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ [البقرة:137] أيها المسلمون فَقَدِ اهْتَدَوا [البقرة:137]، إلى أي شيء اهتدوا؟ إلى طريق كمالهم وسبيل سعادتهم ونجاتهم، اهتدوا إلى الحق وتركوا الباطل وراءهم. وَإِنْ تَوَلَّوْا [البقرة:137]، ما معنى: تولوا؟ رفضوا الإسلام، رفضوا لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، تولوا عنه ورجعوا إلى الوراء بعدما جادلوا ووقفوا أمامكم، فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة:137]، أقول: في شقاق بينهم، بين اليهود والنصارى إلى الآن، وإن كان اليهود نجحوا فيما علمتموه وقررناه وكررناه مرات، اليهود نجحوا في إيجاد البلشفة الماركسية العلمانية، استطاعوا أن يجهلوا النصارى ويبعدوهم عن دينهم ويجعلوهم حرباً على الإسلام، الآن تستطيع أن تجد 1% ما زال يعتقد النصرانية ويعيش لها، و99% لا يؤمنون، فمن فعل بهم هذا؟ اليهود بنو عمنا، أتدري لم؟ كان النصراني الصليبي إذا نظر إلى اليهودي فكأنما نظر إلى قاتل إلهه، ما يستطيع أن يفتح عينيه فيه أبداً، ولا أن يرضى عنه ولا يحبه أبداً، كيف وهو قاتل إلهه؟ فمن صلب عيسى في نظر النصارى، من صلبه وقتله، أليس اليهود؟ كيف تحب الذي يقتل إلهك؟ عاشوا قروناً وهم أشد بغضاً لليهود حتى من الإسلام، فكيف تحولوا؟ إنه صنع اليهود، استطاعوا أن يذوبوا معتقدهم تذويباً كاملاً وهم لائكيون لادينيون، وبقيت جماعات التنصير والذين يعيشون عليها يدافعون عنها وينشرونها بين المسلمين، أحقيقة هذا أو دعوى باطلة، هل هناك من يرد علي؟ هذا هو الواقع، فخف الضغط على اليهود. بل عندنا دليل قاطع: منذ كذا سنة أعلن بولس الثامن قبل موته بأن اليهود برآء من دم السيد المسيح! ونشر في الصحف وأذيع في الإذاعات، قالوا: اليهود برآء من دم السيد المسيح، أي: ما قتلوه، إذاً: فلم تبغضونهم وتحاربونهم؟ وقلنا: صدق الله العظيم الله، أكبر.. الله أكبر، نحن نقرأ قول الله تعالى من سورة النساء: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، وهم الذين يقولون: قتلوه، منذ ما يقرب من ألفي سنة وأنتم تكذبون وبعد ذلك ترجعون؟! ارجعوا إلى الإسلام وقولوا: آمنا بالله.إذاً: فهم في شقاق فيما بينهم، ولولا هذا السحر اليهودي لكان النصارى ضد اليهود واليهود ضد النصارى أعداء ألداء، يكفيك أنه يعتقد أنه قتل إلهه، هل هناك أكثر من هذا؟ وأما بيننا وبينهم فالشقاق دائم حتى يدخلوا في رحمة الله، أو حتى نتنصر أو نتهود والعياذ بالله وتنتهي المعركة، ولن يكون هذا أبداً، سيبقى هذا النور مهما طالت الأيام.

معنى قوله تعالى: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)

ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [البقرة:137]، فسيكفيك يا رسول الله الله، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137] فلا تخفهم، وهل صدق الله في وعده لرسوله أم لا؟ قال: فسيكفيكهم، فقد تآمروا على قتله ثلاث مرات ونجاه الله، وهل يعرف المؤمنون أن اليهود تآمروا على قتل نبيهم أو لا؟ فبنو النضير أرادوا أن يلقوا عليه رحى من السطح على رأسه، وهيئوها وتآمروا، وقبل أن يطلقوها نزل الوحي: قم يا رسول الله، فقام من عندهم، هذه واحدة وقبلها سحروه في بئر ذروان وأرادوا قتله، وبعدها أطعموه السم في خيبر، وكم أتى من يريد أن يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم. والأحزاب من حزبهم وجمعهم؟ من جمع العرب من الشرق والغرب والجنوب وجاء بهم إلى المدينة لقتل رسول الله وأصحابه؟ أليس هو حيي بن أخطب اليهودي؟ هو الذي حزب الأحزاب.إذاً: قولوا: صدق الله، فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137] سميع لأقوال العباد عليم بحركاتهم، لا يحدث شيء في الكون إلا والله قد سمع حركته وعلمها، فلهذا إذا وعدك بكفاية فلا تخف، فهو قادر على أن يكفيك همك وكربك وأعداءك، لو قال تعالى: فسيكفيكموهم لقلنا: الله أكبر! لو كانت الآية: (فسيكفيكموهم أيها المؤمنون) لانتهينا، لكن الله علم أننا نتخلى عن دعوة الحق، وحينئذ نتعرض لذلك، ومع هذا فأيما جماعة مؤمنة في إقليم، في بلد، في دولة، في مملكة، في جمهورية يستمسكون بحبل الله حق الاستمساك؛ فإن الله تعالى يكفيهم الشرق والغرب والإنس والجن، أما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257]؟ أما قال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]؟ ويتجلى ذلك في الفرد، في الأسرة، في القرية، في الإقليم، أيما عبد آمن حق الإيمان واتقى الله وجاءت الولاية فوالله لو كاده أهل الأرض ما كانوا ليؤذوه، ولكن حالنا كحالهم.
تفسير قوله تعالى: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون)
ثم قال تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138]، تعرفون الصبغة والصباغين، فالثوب الأبيض يصبغونه فيصير أصفر، هذه الصبغة، نحن صبغنا الله بصبغة لا نظير لها أبداً، ألا وإنها الإسلام، ألا وإنها الحنيفية ملة إبراهيم، ما هي صبغة اليهود والنصارى، النصارى إذا ولد الولد ففي اليوم السابع يأتون بالماء والزعفران أو بماء ندي، ويغمسونه فيه ويقولون: صبغناه فلن يموت إلا نصرانياً، من الآن يفعل ما يشاء فهو نصراني، عرفتم هذه الخرافة أو لا؟ هكذا تكون النصرانية، واليهود يفعلون مثلهم، هذه هي صبغتهم. أما صبغة الله لنا فهي أننا أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، أهل الإسلام، أسلمنا لله قلوبنا، فلا تفكر إلا فيه ولا تتحرك إلا من أجله، وجوارحنا مقبلة عليه لا نرى إلا الله، هذه هي الصبغة التي صبغنا الله بها، وهي ملة أبيكم إبراهيم، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138]، فمن صبغه الله بصبغة الإيمان والتوحيد هل يستطيع واحد أن يصبغ بمثلها؟ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة:138]، والله! إنا لك يا رب عابدون، ومعنى عابدين: مطيعون مستقيمون على منهجك خائفون منك، راغبون وطامعون فيك، لا نعبد غيرك، ولا نؤله سواك، ليس لنا إلا أنت يا رب، ونحن لك عابدون، إن شاء الله نصدق في هذا، فقولوا: آمين. لا نعبد دنيا ولا شهوة ولا هوى، ولا منصباً ولا رياسة، لا نعبد إلا الله جل جلاله وعظم سلطانه. أرأيتم كيف علم الله رسوله والمؤمنين كيف يقولون؟ قولوا: صبغة الله لا صبغة اليهودية والنصرانية، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة:138].


تفسير قوله تعالى: (قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ...)


ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ [البقرة:139]، اليهود قالوا: كونوا يهوداً، والنصارى قالوا: كونوا نصارى، قل: أتحاجوننا في الله؟ تريدوننا أن نكفر به، أن نصفه بصفات العجز والنقص، ماذا تريدون من المحاجة في الله؟ أو المعنى: أتحاجوننا في دين الله. قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ [البقرة:139]، نحن أعلم منكم بالله، أليس كذلك؟ أدنى مؤمن أعلم بالله من عامة اليهود والنصارى، فكيف يحاجوننا في ربنا، يريدون أن يجعلوه ثلاثة، يريدون أن يصفوه بصفات العجز كالإنسان كما يفعل اليهود، فهذا غير ممكن أبداً، قل لهم يا رسولنا: أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم أيضاً، أوليس بربهم؟ هل هناك من يقول: ليس بربنا؟ من خلقك أنت، من خلق أمك وأباك؟ من خلق الأرض تحتك والسماء فوقك، من أوجد هذا الكون، من خلقه؟ إنه الخالق، وهم يعترفون بهذا. وقوله: وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [البقرة:139]، هذا فيه تهدئة للموقف، بعد الصراع أعلمهم أن أعمالنا لنا وأعمالكم لكم، من يجزي بها ويثيب عليها أو يعاقب؟ الله، أعمالكم إن كانت صالحة فأجرها لكم، وإن كانت فاسدة فجزاؤها عليكم، ونحن كذلك أعمالنا إن كانت مرضية لله وفق مراد الله أنتجت الطاقة النورانية وأثابنا عليها، وإن كانت مخالفة لرضا الله وما شرع فجزاؤها علينا: وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [البقرة:139].

معنى قوله تعالى: (ونحن له مخلصون)

ولكن الختام الأخير: وَنَحْنُ لَهُ [البقرة:139]، لا لغيره، مُخْلِصُونَ [البقرة:139]، كل أقوالنا، كل أعمالنا، كل حركاتنا، كل سكناتنا، كل دنيانا لله عز وجل، ما عندنا غير الله، لا نلتفت إلى سوى الله عز وجل. ومعنى إخلاص العمل لله بيناه غير ما مرة، لماذا أنتم جالسون هنا؟ لله، لماذا تنصرفون؟ لله، وتتناول الطعام باسم الله وعلى ذكر الله، وتنام لله، والذين يخرجون ويذهبون إلى الباطل والشر هل عملهم لله؟ معاذ الله. وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ [البقرة:139] أقوالنا، أعمالنا، نياتنا، حركاتنا، سكناتنا.. الكل خاص بالله، وهذا شأن المؤمن.وكثيراً ما نبين للسامعين أننا وقف على الله، والوقف كما يقال: هذا العمارة وقف على طلبة العلم، غلتها توزع عليهم، هذا البستان وقف على المسافرين، غلته تقسم عليهم ولا يأخذها واحد آخر، والمؤمن وقف على الله، إذا أكل يأكل من أجل الله، إذا شرب يشرب من أجل الله، إذا نام ينام من أجل الله، إذ استيقظ يستيقظ من أجل الله، إذا تزوج فوالله من أجل الله، وإذا طلق فوالله من أجل الله، وكيف يطلق من أجل الله؟ مؤمنة خاف أن يضر بحياتها، فلا بد أن يطلق حتى لا تشقى معه، أو خاف أن يلحقه ضرر هو، إذاً: يفارقها ليبقى عبداً لله معافى في دينه وبدنه، وكذلك يبني، يهدم، يبيع، يشتري، أعمالنا كلها لله. هل بلغكم قول الله تعالى: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]، ما معنى (إنا لله)؟ فكيف تقول: أنا لله ولا تعطي الله منك شيئاً، فهذا كذب، من قال: إنا لله فمعناه: نقوم ونقعد، نبني، نهدم، نسافر، كل أعمالنا لوجه الله، أم نكذب فنقول: إنا لله ولا نعطي لله شيئاً! هذه خيانة، كيف يقال: هذا الوقف على فلان وما يعطيه ريالاً؟ هل يصح هذا الوقف؟ فنحن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلهذا لا نكرب ولا نحزن بوفاة أصدقائنا أو أبنائنا أو أهلينا؛ لأننا راجعون إلى الله، فكيف تكون راجعاً إليه وتكرب وتحزن؟ إذاً: إنا لله وإنا إليه راجعون.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.92 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]