عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-08-2020, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي بركات الصلاة ووجوب أمر الأهل بها والصبر عليها

بركات الصلاة ووجوب أمر الأهل بها والصبر عليها
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

















إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.








أما بعد:



أيها الأخوة الكرام، لقد شرع الله جل وعلا لنا الصلاة التي هي عماد الدين، وهي صلة بين العبد وربه، وهي علامة فارقة بين أهل الإيمان ومَن هم على ضدهم، الصلاة التي فيها من الخيرات والبركات ما يُدركه المسلم بحسب ما يقوم بها، بحسب أدائه لها وقيامه بها بشروطها وأركانها وواجباتها، وسننها ونوافلها، فمستقل ومستكثر، ولا يزال الناس يتفاوتون في قربهم من رب العالمين ونيلهم كراماته وأنواع إحسانه، بحسب قيامهم بهذه الفريضة العظيمة.








هذه الفريضة التي اختصت بالتشريع من بين الشرائع التعبدية بأن جعلت مشروعيتها في السماء؛ كما هو في حديث المعراج، وقد تكاثرت نصوص الكتاب والسنة التي تبيِّن ما للصلاة من البركات والفضائل والخيرات، ومما جاء في هذا الباب قول الله جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].








ففي هذه الآية أمْر من الله جل وعلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأُمته له في هذا تبعٌ بأن يأمر أهله بالصلاة، وأن يَمتثلها معهم، وأن يصطبر عليها ويلازمها، والاصطبار منزلة زائدة على مجرد الصبر، فالصبر قد ينفد وينتهي، ولذلك يحتاج المؤمن إلى مزيد من المجاهدة بتجديد الصبر والثبات عليه، واستشعار عاقبة ذلك.








فهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويدخل في عمومه جميع أُمته وأهل بيته على التخصيص، بمعنى أن يتوجه بالأمر بالصلاة لأهل بيته عليه الصلاة والسلام ولأمته جميعًا، ولذلك رُوِي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان بعد نزول هذه الآية يكرِّر ذَهابه إلى بيت بنته فاطمة وبناته يأمرهم بالصلاة ويُذكرهم؛ كما ثبت في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءهم ليلًا وأمرهم بالصلاة، فقال: ((الصلاة الصلاة))، قالوا: لا زلنا بليل يا رسول الله، فرجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا))، وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بيت بنته فاطمة لما جاءت تسأله أن يعينها بخادم في إدارة شؤون البيت، فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ليلًا دلَّهم على الذكر والتسبيح، ولذلك كان هدْي السلف رحمهم الله هو العناية بأمر أهلهم وتذكيرهم بالصلاة، وهذا عملًا بقول الله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..... [التحريم: 6].








فمن مقتضى خوف الإنسان على أهله وولده أن يُذكرهم بهذه الفريضة العظيمة التي مَن ترَكها، فلا حظَّ له في الإسلام، فقوله جل وعلا في هذه الآية: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ يُبيِّن ما يجب على وَلِيِّ الأمر من العناية بهذه الفريضة في نفسه وفي أهل بيته، وقد أثنى الله جل وعلا على عباده الصالحين وأنبيائه المكرمين بأنهم كانوا على هذا المنهج القويم؛ جاء خبر الله سبحانه عن نبيه إسماعيل عليه السلام: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55].








فهذا أيضًا من الثناء الجميل والصفة الحميدة والخلة السديدة - أن يكون المرء على هذا المنهاج صابرًا على طاعة ربه جل وعلا، آمرًا بذلك أهله.








وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)).








وثبت من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته - فصلَّيا ركعتين - كُتِبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات)).








أيها الأخوة الكرام، إن البيوت المعمورة بالطاعات المنورة بالصلوات - بيوت مباركات، ولذا حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يكون للمسلم نصيب من صلاته في بيته؛ حتى لا تكون كالقبور، وقال عليه الصلاة والسلام في هذا: ((صلوا في بيوتكم - يعني النوافل - ولا تجعلوها قبورًا))؛ لأن القبور منهي عن الصلاة فيها، والقبور موحشة، فالبيت الذي لا يُصلَّى فيه من النوافل، ولا يُصلي أهل البيت من النساء فيه الصلوات - بيوت أشبه ما تكون بالمقابر وحشةً وضيقًا في الصدر، وكَدرًا في العيش.








وما سرُّ ما يحصل في كثير من البيوت من وحشة وضيق، وعدم وئام بين أهل البيت، إلا بسبب ترحُّل الطاعات عنها، وقلة الذكر فيها، ونقص الصلوات من أهلها، وحلول الشياطين فيها، فما ظنُّكم ببيت هذه حاله، كيف إذا انضاف إلى ذلك أن يكون البيت مأوًى وفندقًا للشياطين؛ فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا طعام)).








يقول شيطان من الشياطين لأعوانه: لن تُدركوا طعامًا في هذا البيت ولا مأوًى؛ لأن الرجل ذكر الله، والشيطان يَخنس مع ذكر الله.








قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا دخل الرجل البيت فلم يذكر الله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا وُضِع الطعام ولم يذكر الله، قال: أدركتم المبيت والطعام)).








هكذا هي بيوت من لا يذكر الله، تحل بها الشياطين، فهي فنادق لهم يجدون فيها الطعام، ويجدون فيها المأوى، والشيطان يستحل الطعام الذي لا يُذكر الله عليه، والشيطان يَستحل الفراش الذي لا يُذكر الله عليه، وهذا تفسير وحشة البيوت، وضِيق صدور أهلها، فكيف إذا انضاف إلى هذا ما يدخل إليها من خلال الشاشات والتلفزة من الغناء والتمثيليات المحرمة، وغير ذلك مما يشاهد فيها.











قال أحد السلف الصالحين وهو أبو خلاد رحمه الله - فيما نقله ابن رجب في فتح الباري -: "ما من قوم فيهم من يتهاون بالصلاة ولا يأخذون على يديه ؛ إلا كان أول عقوبتهم أن ينقص من أرزاقهم".







والمقصود أن الصلوات إذا عُمِرت بها البيوت والحجرات، كانت عليها البركات متتابعات، ولذا فإن المؤمن يكون حريصًا على أن يتعاهد أهله بالصلاة وتذكيرهم بها؛ حتى لا تستوحش البيوت، ولا تستوحش الأنفس والأرواح، وقد أُثِر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يدخل إلى بيته ويذكرهم ويقول: الصلاة الصلاة، ثم يستشعر قول الله جل وعلا: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه: 132].








ثم إن هذه الآية الكريمة قُرِنت بأمر تتحفَّز له النفوس، وتتطلع إليه القلوب، وهو ما يتعلق بالرزق، فما من دابة من إنسان ولا جان، ولا طير ولا حيوان - إلا وهو متطلع إلى الرزق يَبتغيه ويَذهب إليه، فقال الله جل وعلا: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ؛ يعني: إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب؛ قال الله جل وعلا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ومن أعظم التقوى محافظة الإنسان على الصلاة فرائضها ونوافلها.








قال الإمام الثوري رحمه الله قوله سبحانه: ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ؛ يعني: لا نُكلفك الطلب بأن تكون قائمًا على الخلائق وعلى أهل بيتك بتوفير أرزاقهم؛ فالله جل وعلا متكفل بأرزاق العباد، حتى برزق نفسك، فإنما منك السعي والأسباب؛ قال الله جل وعلا: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ [هود: 6].








فالله جل وعلا تكفَّل بهذه الأرزاق، فلا ينبغي للإنسان أن يجعل الأوقات مُصرَّفة في هذا السبيل، ناسيًا للطاعة، وإنما يكون مستحضرًا أن الأرزاق إنما تُستجلب بطاعة الرزاق، ولذا فكثير من الناس يحضر الصلاة ولا يزال منهمكًا في عمله، وما يدري أن الذي يرزق ويَهَب ويُعطي، إنما هو الذي ينبغي أن يصف قدميه بين يديه، وهو رب العالمين جل وعلا؛ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يقول الله تعالى: يا ابن آدم، تفرَّغ لعبادتي أملأْ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلًا ولم أسد فقرك))، وثبت عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من كانت الدنيا همه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرة نيَّته، جمَع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)).








فتأمل يا عبد الله هذه اللفتة النبوية العظيمة، وهي أن الغنى ليس عن كثرة العرض ولا كثرة المال، ولكن الغنى غنى القلب، لِما يُعمَر به من الإيمان والثقة بالرحمن، والتفويض لذي الامتنان رب العالمين، فمن فَقِه هذا الأمر أدرك سبب ما يجده من يملكون الأموال الطائلة، لكنهم لا يجدون راحة؛ إذ انصرفوا عن ربهم، وأعرضوا عن طاعته، بينما كثير من الناس على فقر وعلى قلة ذات يد، ومع ذلك هم في بحبوحة من الراحة ومن الطُّمأنينة القلبية، وإنما سببها صلتهم بالله جل وعلا؛ لأن الإنسان عنده ضرورة فطرية بأنه لا يجد طمأنينة ولا راحة إلا إذا اتَّصل بربه جل وعلا، واستقام على طاعته، فالله جل وعلا يَلفت أنظار عباده إلى أن الصلاة مفتاح للرزق، وأن طاعته سبيل لهناءة العيش؛ جاء عن بعض السلف - وهو أبي خلاد رحمه الله - أنه قال: ما من قوم فيهم من يتهاون بالصلاة ولا يأخذون على يديه، إلا كان أول عقوبتهم أن ينقص من أرزاقهم، فوجود فرد في البيت مضيِّع للصلاة، شؤم على أهل الدار إذا كانوا غير آمرين له ولا آبهين لتركه للصلاة.








وجاء عن بعض أهل العلم: إن من أسباب الرزق أمر الأهل للصلاة، ولذا كثيرًا ما يشكو الآباء والأمهات أن عندهم من الأولاد والبنات من هم مضيعون للصلوات، ويقال: إن الواجب على هؤلاء أن يَستمروا في أمرهم بها، والدعاء لهم بالهداية والانشراح - انشراح الصدر بالطاعات - مع أمرهم بذلك والاستقامة عليه، وبهذا تسقط عنهم التَّبعة، مع أنه ينبغي ملاحظات أمر في غاية الأهمية، وهو أن استقامة هؤلاء الشباب والفتيات إنما هي نتاج ما كان من قبلُ، وهو تعويد هؤلاء الأبناء - هؤلاء الأولاد من الصبية والبنات - على الصلوات، وهذا يُبيِّن إحدى حكم جعل الصلوات النوافل في البيت، وهي أن يراها أهل البيت، أن يروا والدهم وهو يصلي، فيأتي الصبي ليصف مع والده، والبنت مع أبيها أو مع أمها، فيتعوَّدوا على الصلاة، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ((مُروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليه لعشر))؛ رواه أبو داود وغيره.








كل هذا حتى تكون الصلاة جزءًا أصيلًا في حياة كل واحد من المسلمين، فهي معه في كل أحواله، ولا أدل على ذلك من أن الصلاة لم يُعفَ في تركها لأحد في أي حال كان؛ في مرض أو خوف، أو مطر أو سفر، مهما كانت حاله، فهو مأمور بالصلاة، ما دام عقله معه، ومصدر التكليف معه، فينبغي عليه أن يؤدي الصلاة في وقتها كما أمر الله، ولذا نلحظ أن الصلاة مشروعة حتى في حال الخوف، فيصلي المؤمن في حال الحرب والجلاد مع الأعداء، ولا تسقط عنه، وفي حال المرض: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ))، قاله صلى الله عليه وسلم.








كل هذا يوضح أن الصلاة جزء أصيل ومنهج قويم لا يمكن الاستغناء عنه بحال، فمن استنكف عن الصلاة، استنكفت عنه السعادة وهناءة الحياة.








بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.



أمَّا بعدُ:



فيقول الله تعالى وتقدس: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].








ربنا جل وعلا غني عنا؛ لا تضره معصية عاصٍ، ولا تنفعه طاعة مطيع؛ يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، فالله جل وعلا يرضى من عباده الشكر، وإن كفرنا وكفر الخلائق لم يضروه شيئًا، ولذا جاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم - ما زاد ذلك في ملكي شيئًا.








يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا)).








فالله جل وعلا إذ يأمرنا بالصلاة والاصطبار عليها، إنما هو لخيريتنا ولحسن عاقبتنا في الآخرة والأولى.








﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا: لست مكلفًا بأن تقوم على رزق أولادك وأهلك؛ فالله رازقهم، لكنك مسؤول عن أن تأمرهم بطاعة الله والاستقامة على الصلاة، فالله جل وعلا يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].








فالمؤمن إذا تدبَّر ذلك وعلِم أن حسن العقبى إنما هي حاصلة بالاستقامة على الطاعة - فإن العقل السليم يفرض عليه أن يكون على هذا المنهاج، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى؛ أي: إن حسن العاقبة في الدنيا والآخرة - وهي الجنة - إنما هي لمن اتَّقى الله جل وعلا، والعاقبة - التي أعظمها ورأسها بلوغ جنة رب العالمين - إنما تُحصَّل بالتقوى؛ جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع رضي الله عنه، وأنَّا أوتينا برطبٍ من طاب)) - نوع من الرطب بالمدينة من أحد البساتين المعروفة - قال عليه الصلاة والسلام مأوِّلًا هذه الرؤية: ((فأوَّلت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة، وأن ديننا قد طاب)).








فقول ربنا جل وعلا: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى، دليل على أن التقوى - تقوى الله جل وعلا - هي مِلاك الأمر، وعليها تدور دوائر الخير.








ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمر ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].








اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.








اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.








اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.








اللهم أحسِن لنا العاقبة في الآخرة والأولى.








اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.








اللهم بمنِّك وفضلك، لا تدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّسته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا سائلًا إلا أعطيته برحمتك يا أرحم الراحمين.








اللهم إنا نسألك الأمن والطمأنينة في بلادنا.








اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.








اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوء، فاشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.








اللهم احفظ إخواننا في الجنوب في جازان ونجران، وفي غيرها من الأنحاء.








اللهم ادحَر الحوثيين وأعوانهم، اللهم ارْدُدْ كيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة عليهم وعلى من أعانهم يا قوي يا عزيز.








اللهم وفِّق إمامنا ووَلِي أمرنا خادم الحرمين.








اللهم اجعل عمله في رضاك، واجعله رحمة على العباد والبلاد.








اللهم انفع به الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.








اللهم إن بأمة الإسلام من البلاء والفرقة والخلاف، والقتل وإراقة الدماء - ما لا نشكوه إلا إليك، ولا يَقدِر على كشفه إلا أنت، فنسألك اللهم فرجًا عاجلًا لعبادك المبتلين في كل مكان؛ في فلسطين والشام، وفي مصر وليبيا واليمن، والأحواز وفي بورما، وفي غيرها من البلاد يا رب العالمين.








اللهم عجِّل لهم بالفرج، اللهم انتقم لهم ممن ظلمهم يا قوي يا عزيز.








اللهم عجل بهلاك طاغية الشام وأرِح منه العباد والبلاد.








اللهم انظم أمر المسلمين، واجمَع قلوبهم على الحق يا رب العالمين.








اللهم بلِّغنا شهر رمضان، وأعِنا فيه على ما تحب وترضى يا رحمن.








ربنا اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.








سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.29 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]