عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-09-2019, 01:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العمد الخفية في بنى العربية: التعبيرات المجازية

العمد الخفية في بنى العربية: التعبيرات المجازية (2)
محمد صادق عبدالعال








لَمَّا كانت الدراسات الأدبية تعتمد كمثيلاتها من الدراسات الأخرى على ما أنجزه السابقون، أو تمحو ما سبقها؛ لتسطِّر من جديد سياقات ومسارات متغيرة عنها، أو بديلة مواكبة - فإن علماء البلاغة منذ أن وضعوا لها الخطوط الرئيسية الخاصة بها؛ كعبدالقاهر الجرجاني، والسكاكي، والإمام السيوطي، والإمام القزويني محمد بن عبدالرحمن الخطيب، والإمام ابن مالك، والزمخشري في كتبه أساس البلاغة، والكشاف في تفسير القرآن الكريم، الذي عُني فيه عناية بتطبيق القرآن على قواعد البلاغة والتشبيه، وما حوى من فصاحة وبيان، وغيرهم ممن كانت لهم بصمات عميقة في هذا الفن الجميل الذي رسم الخطوط العريضة لمن رام أن يستكشف جماليات اللغة بشتى ألوانها وبمعايير الأدب الموضوعة والمصنوعة على أعيُن أربابها، فمنهم من اقتدى بالسلف، ومنهم انحرف عن مسار غيره؛ لينضح كل إناءِ بما فيه، وليغترف المشتهي بما رنت إليه عينُه!



ولَمَّا تطلَّعت بعين قارئ مبتدئ لكتب البلاغة المنشورة وغيرها التقنية المرفوعة على الشبكة العنكبوتية، استشرفت مجهودات عظيمة لعلمائنا الأجلاء، رحِم الله الراحلين منهم، وحفِظ من لا زالت بصدورهم قلوب تطمئن بذكره، ولقد تحيَّرت كثيرًا وفرَّت من رأسي أفكارٌ شتى في كيفية التناول لسلسلة "العمد الخفية في بنى العربية: المجاز"، وكان انبعاث الحيرة من مخافة التشتت بين اختلاف الرؤى لعلماء علوم البلاغة وبخاصة المجاز الذي هو بيت قصيدي في المقال، وبين آلية التناول التي أود ألا تسير على نمطية التعريف والأقسام والأنواع والعلاقات المجازية والأمثلة وفقط، فلقد أسهب الراحلون في ذلك إسهابًا وتلاهم اللاحقون استظهارًا وإطنابًا ونقلًا ونسخًا، لدرجة أن الأمثلة التي ساقها السابقون يأتي بها المتأخرون، إلا من حاد عمن سبقوه، واستنبط أو أوجز علاقات أخرى كلها تَصُبُّ في معين المجاز وإشكاليته.



والحمد لله رب العالمين، فقد هداني من بيده الهدى والرشاد إلى تناول القضية بهيئة غير التي قدمت لها، مع الأخذ في الاعتبار أن حضور الأمثلة دلالات إقناع على مصداقية القلم وقراءة صاحبه، وهذا لا يعني أننا سوف نسرد بعون الله تعالى العلاقات التي يقوم عليها المجاز، التي تبيح للكاتب المشابهة بين المعنى المتجوز عنه والمتَجوز إليه، وسبب الاتصال بينهما وفقط، ولكن سيكون لنا دورنا الحاضر حتى ولو كان ضئيلًا في أعين مَن حباهم الله قرائحَ العلوم البلاغية والبيانية.



ونقول بعون الله تعالى:إن المجاز الذي هو الكلمة التي لم تستعمل فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب لمعناه الحقيقي لهو شعبة عليا مِن شعب البيان، قد تشبَّعت به العربية، تشبُّعًا لدرجة منعتْ وحجَبت المريدين بالعربية إقصاءً أن يُخرجوه منها، وأني لهم ذلك وهي مبنية أصلًا عليه، بل إن عمد العربية تقوم على مجازية الكلام، تشهد بذلك نصوص العربية القديمة والجديدة، ومن يبحث وينقِّب في كتابات السابقين وأهل التراث، يجد مراتع كثيرة ومغانمَ وفيرة حتى في الدراسات والكتابات العلمية نفسها، وسوف نسوق لذلك الأمثلة بعونه تعالى وجليل فضله.



وحتى لا نفر مما وكَّلنا به أنفسنا في صدر المقال الثاني في نسخ ولصق علاقات المجاز لكتابنا الكرام، وما كان لي أن أخرج من رواق الألوكة الطيبة، حتى ارتاد حدائقها المثمرة وكتاباتها المسفرة وفيها لكل "من يبتغي التبيان تبيان"، حتى أسرد العلاقات التي وردت إلينا من بين أُهُب الكتب القديمة لعلماء البلاغة الأجِلَّاء، فقد ذخرت مكتبة الألوكة الطيبة بدراسات عديدة وأقلام كثيرة، لها باع في هذا اللون البياني الجميل؛ منهم على سبيل الذكر لا الحصر: الفاضل الكريم د. سامح عبدالسلام في كتاباته في مسألة البيان والمجاز، والأستاذ أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن، وقد أجادا وأفاضا فيضًا له أن ينهمر في مسألة المجاز بما ساقا من أمثلة عَملية وتدريبات فِعلية على العلاقات والمكاشفة بين أنواعها التسع، منشورة على شبكة الألوكة، وهي:

1- علاقة السببية: وتتمثل في إطلاقِ اسم السبب؛ أي: العلَّة على المعلول؛ كالتعبير عن القدرة أو النعمة باليد التي هي سببٌ فيهما.



2- المسببية: وهو إطلاقُ اسم المسبب على السبب؛ كتسمية المرض المهلِك بالموت، وقولهم: رعَيْنا الغيثَ؛ أي: الكلأَ المسبَّب عن الغيث.



3- المشابهة: وتتمثل في تسمية الشيء باسم ما يُشبهه في الصفة؛ كإطلاق الأسدِ على الإنسان الشُّجَاع.



4- المضادة: كتسميةِ الصحراء المهلكة: المَفَازَة، والذي لدَغه عقرب بـالسَّلِيم، وتتطلب تلك العلاقة بعضًا من القرائن حتى لا يحدث الخلط!



5- الكلِّية: وهي إطلاق اسمِ الكل على الجزء؛ كما في قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19]؛ أي: أناملَهم.



6- الجزئية: وهي إطلاقُ الجزء على الكل؛ كإطلاق الرَّقَبة على العبد؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾ [النساء: 92]، وكإطلاق القِيام على الصلاة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [التوبة: 108].



7- تسمية الشيء باعتبار ما كان عليه: كتسميةِ العتيق عبدًا، ويدخل فيه المشتقُّ بعد زوال المصدر؛ كإطلاق الضاربِ على مَن فرَغ مِن الضرب.



8- اعتبار ما سيكون: كتسميتهم العنبَ بالخمر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]؛ أي: عنبًا، فسمى العنب خمرًا باعتبار ما سيؤول إليه بعد عَصْرِه.



9- التعلُّق بين المصدر واسم المفعول واسم الفاعل: فاستعمال أحدِهما بمعنى الآخر نوعٌ من المجاز؛ فالأول كإطلاقِ اسم الفاعل على اسم المفعول؛ كقوله تعالى: ﴿ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾ [الطارق: 6]؛ أي: مدفوق، ومنه قولهم: سرٌّ كاتم؛ أي: مكتوم، وعكسه؛ كقوله تعالى: ﴿ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء: 45]؛ أي: ساترًا المجاز.



وتلك تسع علاقات قيمات لكل طالب علم أو فهم لعلاقات ومشروعية تمرير المجاز، وكما يقولون: المجاز من الطريق والمسلك المشروع ما دامت هناك مشابهة أو قرينة تصنعان العلاقة بين المعنيين الحقيقي والمجازي.



وعلى الرغم من أن تلك العلاقات التسع جامعات لعلاقات المجاز لكل دارس وسالك، فإن المرحوم الشيخ علي عبدالرازق في كتابه "أمالي علم البيان وتاريخه"، قد زاد عشرة علاقات للمجاز، وباطلاعي على ترسيم المجاز عنده وأقسامه، وجدت أن الكثيرين ممن يكتبون عن المجاز اليوم ليَعزون إليه وإلى مراجع ثمينة من تراثنا العربي استشهادًا بها واقتفاءً، ولا نقول بأن الشيخ علي عبدالرازق قد تجاوز بعلاقاته في المجاز من تسع إلى تسع عشرة، ولكنهم أقصد المتأخرين على حد قوله هم من أجازوها إلى هذا العدد اختصارًا، ومن بين صفحات الكتاب القديم، وقد وشت أحباره بما اكتنف وضمَّ جمهورًا من البلاغيين من حدث بينهم اضطراب ونزاعات على حد قوله بسبب ذهاب كل واحد منهم إلى كَم من العلاقات تختلف عن غيرها في العدد والكيفية، فيقول: "متحققًا: فبينما يحقق بعضهم أنها تسع عشرة علاقة يحقق الثاني أنها دون ذلك - يقصد الإمام عبدالقاهر الجرجاني، والإمام السكاكي وغيرهما، ممن ذكرت بعاليه، ثم يقول: الثالث أنها فوق ذلك، ولو أنصف القوم لكفاهم أن يذكروا أنواع العلاقات التي ذكروها على سبيل التمثيل والتفصيل، لا على سبيل التحديد والحصر.



وبالرغم من تلك التقريرية التي أفاض به شيخنا الراحل علي عبدالرازق رحمه الله، فإنه استطرد العلاقات التسع عشرة، وسوف نوجزها إيجازًا، وهي تتفق مع ما سجله أستاذنا د. سامح عبدالسلام من كُتَّاب الألوكة الكرام في مقاله "المجاز" في غالبية ما اتفق عليه المحدثون بشأن العلاقات المجازية، فضلًا عن بعض الاختلاف.



1- علاقة السببية: حيث إن المعنى الأول سبب ناشئ عن شيء آخر، فينقل اللفظ إلى ذلك المعنى الجديد، وذكر مثالًا بالغيث للمطر النازل من السماء، فيستعمل في النبات، ولأن الغيث سبب في طلوع النبات، وأفرد تراثيات عربية كقولهم: "رعينا الغيث، كما قالوا: رعينا السماء"، وكلاهما سبب في إنبات الزرع والخضر.



2- علاقة المسببية: ومن نفس الحقل النصي الذي اقتبس منه المثال الأول، يثبت الشيخ رحمه الله مثالًا تطبيقيًّا، فيقول: أمطرت السماء نباتًا؛ حيث نقل النبات من معناه الوضعي إلى المطر؛ لأن النبات نتاجٌ لسقوط المطر، وأفاد مثالًا آخر أكثر دقة بكلمة: "الوغى"، وهي اختلاط الأصوات، ثم استعملها في معنى الحرب لاختلاط وتداخل الأصوات كالصخب مثلًا، وهو الناشئ عن الحرب عادة.



3- علاقة الكلية: وذكر مثالًا من القرآن الكريم، ومعين القرآن ذاخر وافر بما فيه من الأمثلة لتلك العلاقة.



4- علاقة الجزئية: وتلك العلاقة قد ساق لها مثالًا بقوله الرقبة في التحرير والعتق للإنسان كليةً في حين رفض القول كالمعاصرين باعتبار الأذن مجازًا ذا علاقة جزئية عن المتصنت أو مسترق السمع.



5- علاقة الآلية: ويعني بأن يكون المعنى الثاني آلة للمعنى الوضعي وواسطة فيه؛ كقول الله عز وجل: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84]؛ أي: ذكرًا حسنًا وبيَّن أن المناسبة بين الذكر الحَسن واللسان أن اللسان آلة الذكر والكلام.



6- علاقة الملزومية: بمعنى أن يكون المنقول عنه ملزومًا للمعنى المنقول إليه؛ أي: يلزم عند وجوده وجود الثاني، وساق مثالًا بالشمس تستعمل في الضوء، فيجب عند وجودها وجوده.



7- علاقة اللازمية وهي عكس ما قبلها كما في الشمس تطلق على ضوئها.



8- علاقة الإطلاق: ويشترط فيه أن يكون الأول مجردًا عما قُيِّد به الثاني، وذكر مثال الرقبة المؤمنة إذا كان المعنى الحقيقي للرقبة مطلقًا عن قيد الإيمان المراد في المعنى المجازي؛ كقوله تعالى في كفارة الظِهار: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾ [المجادلة: 3]، قالت الشافعية: المراد بالرقبة هنا رقبة المؤمن فقط، فلا نجزئ الكافرة والعلاقة الإطلاق.



9- علاقة التقييد: وهي عكس ما سبقتها من الإطلاق، وذكر مثال الشَّفَة في الأصل شَفة الإنسان خاصته، واستُعملت للفرس بدلًا عن الجحفلة.



10- علاقة العموم: وهي تعني أن يكون المعنى الحقيقي شاملًا لأفراد منها المعنى المجازي.



11- علاقة الخصوص وهي عكس التي سبقتها.



12- علاقة استعمال الدال على صفة فيما ليست قائمة به الأن اعتبارًا؛ لأن الوصف قام به سابقًا، وذكر قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]؛ حيث استعمل اليتامى في البالغين، ولا يتم بعد بلوغ وإنما اليتيم طفل مات أبوه، وذلك اعتبار ما كان.



13- علاقة أن يستعمل الوصف في الذات التي سيقوم بها ذلك الوصف، وذكر قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]؛ لأن الكل سوف يؤول للموت، حتى أشرف الخلق سيدنا "محمد"، وذكر آخر بقوله: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]، وإنما يُعصر العنب؛ ليؤخذ منه الخمر، وعلة استعمال الخمر في العنب مجازًا: علاقة الأَوْلِ.



14- علاقة الحالية وهي استعمال الحال في محله؛ مثل قوله تعالى: ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 39]؛ أي: في الجنة خلودهم الدائم.



15- علاقة استعمال اسم المحل في حاله، وذكر سال الميزاب؛ يقصد ماءه، ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ [يوسف: 82]؛ أي: أهلها.



16- علاقة المجاورة: وهي إطلاق اسم الشيء على ما يجاوره، وذكر مثالًا وهو "الراوية"، وهو اسمٌ للدابة التي تحمل قربة الماء، وأيضًا الثياب على نفسِ الإنسان وساق شعرًا:

فشككتُ بالرمح الأصم ثيابَه *** ليس الكريم على القنا بمحرمِ



17- علاقة البدلية: وهي كما يقال: قضينا الصلاة؛ بمعنى أدَّيناها؛ إذ القضاء بدل عن الأداء.



18- علاقة المبدلية: وهي كإطلاق الدم على الدِّية، وذكر قولهم: أكلتُ دمَ فلان؛ يقصد دِيَتَه.



19- علاقة التعلق الاشتقاقي: ويعني به أن يكون بين اسم الأول والثاني مناسبة في الاشتقاق، كما بين اسم الفاعل واسم المفعول مع المصدر، وبين الصفات وبعضها البعض، حتى أجاز أن يوضع موضع الآخر، ويستعمل فيه؛ كقوله تعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ﴾ [لقمان: 11]، ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ [البقرة: 255]؛ أي معلومة، وقوله: ﴿ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء: 45]؛ أي: ساترًا، وذكر من قوله: ﴿ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾ [الطارق: 6]؛ أي: مدفوق، واستعملها أستاذنا د. سامح عبدالسلام في مقاله المجاز الذي به استعنَّا بعد الله عز وجل[1].



وإبداء الرأي من الأمانة أيضًا، وغاية القول في ذلك أن الإسهاب الذي أسهبه د/ علي عبدالرازق في تقسيمات علاقات المجاز هو ومَن سبقه إلى تسع عشرة علاقة، لا أقول أن المحدَثين قد أَجهزوا عليها لتُبنى من جديد، بل إنهم قاموا بعملية تصفية واختصار لتلك العلاقات؛ لئلا يجهد الدارس والمتمرس والمبدع في الاستخدام والاستعمال، فلو تتبع المقارن على سبيل النقاش لا الجدال أسباب الاختصار، لوجد أن علاقة "المضادة" لم يفنِّدها الشيخ علي عبدالرازق في كتابه "علم البيان وتاريخه"، في حين أنها علاقة لازمة واجبة الحضور في شأن تقسيمات المجاز، وأيضًا التعددية لعلاقة الحال، وذِكْره مثال الشمس عوضًا عن الضوءِ، وكذلك الضوء عوضًا عنها، فإنها قد تَؤول لمساءلة التراث لما قد وصل إليه العلم الحديث من تقنيات عالية في مجال علم الضوء والفيزياء، وأيضًا علاقة المجاورة التي تعني المشابهة في تقسيمات المعاصرين، وفيها من النسبية والخصوصية ما يجعلها محل قراءة وتتبُّع، وكذلك علاقة المبدلية التي جاء بها الشيخ علي عبدالرازق في تصنيفه لم يذكرها المحدثون، أو ربما هي المشابهة، لكن الأمثلة التي سيقت مع العلاقتين قد تختلف ومن وجهة نظري المتواضعة؛ فإن المجاز في تلك الحالة نسبي مالم يقترن بقرينة تكشف الغموض عنه واللبس فيه، فلو استشهدنا بقوله تعالى في سورة "ق": ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [ق: 36]، وقوله: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴾ [مريم: 98].




نجد استبدال القومَ بالقرونِ؛ أي: السنوات التي قضيت مع أنبيائهم وعمر الدعوة فيهم.



وخلاصة القول في الحبة الثانية من حبات المجاز الذي هو واسطة العقد في علم البيان - أن العلاقات التي وضعها القدامى واختصرها المحدثون والمعاصرون بما لا يدع مجالًا لتعثُّر الدارس والمتمرس، لا يعني المفاضلة بين كليهما، ولكن مسألة التراث والمواكبة لها دور في ذلك اختلفنا أو اتفقنا، وسوف نتعرض في الجزء الأخير بإذن الله تعالى إن شاء وقدر إلى المجاز بين الأصالة والمعاصرة، وتشبُّع الكتابات القديمة به، ومسألة الندرة والوفرة في كتابات العرب وعلاقة المجاز بالتراث، فضلًا عن مشروعية المجاز كوجهة نظر خاصة، وما أفاض به الله من فهم وعلم، والله من وراء القصد.






[1] أمالِي علم البيان وتاريخه؛ علي عبدالرازق، علم البيان وتاريخه، ص 88/ 89/ 90/ 91/ 92/ 93؛ مطبعة مقداد، مصر، 1912م.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.80 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]