عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-10-2019, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي بناء القصيدة في شعر لسان الدين بن الخطيب

بناء القصيدة في شعر لسان الدين بن الخطيب

غازي أحمد البنواني[1]





الحمد لله حمد الشاكرين على نعمائه، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد - صلى الله عليه وسلم - القائل: ((إنَّ من الشِّعرِ لحكمةً، وإنَّ من البيانِ لسحرًا)).

وبعدُ،
فإنَّ للأندلس مكانة في قلوب المسلمين وعقولهم، فقد ارتبطوا بها ارتباطًا وثيقًا منذ دُخُولها على يد طارق بن زياد سنة 92 هـ؛ ولعلَّ هذا الارتباط راجع إلى الفترة التي قضاها المسلمون بالأندلس، والتي تجاوزتْ ثمانية قُرُون منَ الزمن من ( 92هـ - 898 هـ)، وفي تلك الفترة أَشَاد العربُ المسلمون في ربُوعها حضارة ورُقيًّا، وعدلاً وسموًّا، وأقاموا صروحًا شامخة مِن ألوان المعرفة المختلفة، ومنها الأدب العربي الذي يُعَدُّ أثرًا من آثار البيئة الأندلسية، ومع أن الأدب الأندلسي يُعَدُّ امتدادًا للأدب العربي في المشرق، الذي هو المنبع والأصل، إلاَّ أنَّه أضاف إلينا جديدًا، وتطورًا ملحوظًا في اللغة والأدب يثلج صدورنا كلما طالَعْناه، وقد كان المقرِّي محقًّا، حينما قال عن الأندلس: "لا تُسْتوفَى بعبارة، ومجاري فضلها لا يشق غباره، وأنَّى تُجارى، وهي الحائزة قصب السبق في أقطار الغرب والشرق؟!"[2].

ابن الخطيب ومكانته:
هو محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن سعيد بن علي بن أحمد التلمساني، يُكَنَّى: أبا عبدالله، واشتهر بـ(لسان الدين)، وهو منَ الألقاب المشرقية، وقد عاش ابن الخطيب في القرن الثامن الهجري في الأندلس والمغرب، ويُعَدُّ هذا العصر من أحفل العُصُور التاريخية والأدبية في المغرب الإسلامي عامة، وفي الأندلس خاصة، وكان لسان الدين مُفَكِّرًا لامعًا، وكاتبًا خصبًا، متَعَدِّد الجوانب، وشاعرًا مُبدعًا، ملأ الأندلس والمغرب بشعره الرصين الفائق في مختلف الأحداث والمناسبات، ويقول عنه أنخل جنثالث بالنيثيا: "ظهرتْ براعتُه في قرض الشعر، وتَجَلَّى عِلْمه الواسع بالأدب العربي، وإنه لأعظم شعراء العصر الغرناطي"[3]، وقد لقب بذي الوزارتين، وقد كان مزيجًا من عبقريات متعدِّدة، قلَّما تجتمع في شخص واحد، فقد بلغ القمة في كل منهما، مما جَعَلَهُ في مصافِّ أعلام الأندلس ومشاهيرها، فهو أفضل شخصيَّات الأندلس بعامة، وغرناطة بخاصَّة، "فهو طبيب وفيلسوف، وهو كاتب منَ الطراز الأول، وهو مؤرِّخ بارع، وأخيرًا وزير وسياسي ثاقب النظر، قوي الإدراك"[4].

ولد ابن الخطيب بمدينة " لَوْشة"[5] في 25 رجب 713هـ، الموافق 16 نوفمبر 1313م، وقد نشأ في غرناطة التي انتقلتْ إليها أسرته، وفيها تلقى دراسته، وعاش بها حياة حافلة بالعلم والنشاط السياسي والفكري، إلى أن وافتْه المنية سنة (776هـ)، عن عُمر يناهز ثلاثة وستين عامًا، بعد أن سجل لنفسه صفحاتٍ مُشرِقةً في مجالات الحياة المختلفة، والتي ما زلنا نَقْتَبِس مِن مَعينها حتى يومنا هذا.

والدّيوان الوحيد الذي يجمع شعر ابن الخطيب، ووصل إلينا هو ديوان: "الصيب والجهام، والماضي والكهام"، وقد حَقَّقه: د.محمد الشريف قاهر، ونشر في الجزائر عام 1975م، أما الديوان الذي اعتمد عليه الباحثُ هنا في دراسته، فهو الذي حَقَّقه د.محمد مفتاح بلغزواني، وجعله في مجلدين بعنوان: (ديوان لسان الدين بن الخطيب السلماني)، ويلاحظ أنه استقى مادته في المقام الأول من ديوان: "الصيب والجهام والماضي والكهام"، الذي سبق وأن حقِّق في الجزائر بمعرفة د.محمد الشريف قاهر، ومنه جاء أغلب الشعر، إلى جانب مصادر ابن الخطيب الأخرى.

ولقد ترك لنا ابن الخطيب تراثًا حافلاً مِن طبٍّ، وسياسة، وتصوُّف، وغيرها، وقد بلغتْ مؤلفاته زهاء ستين مؤلفًا ما بين مطبوعٍ ومخطوط، فقد اغترفَ مِن كل بحر، وكتب في كثير منَ الفُنُون والآداب، واطَّلع على كثيرٍ مما ألِّف في العلوم والآداب والتاريخ والسياسة، مما جعل الباحثين يعدونه خزانة للعلم والأدب، "فقد كان عالمًا وفقيهًا وشاعرًا وكاتبًا، وإن لم يتفوق في شيء تفوُّقه في الأدب، حتى كان من أئمته"[6].

وقد استحَقَّ ما قاله عنه المقري:
"هو الوزير الشهير الطائر الصيت، المَثَل المضروب في الكتابة والشعر والمعرفة بالعلوم على اختلاف أنواعها"[7].

وقد عقب على ذلك إذ قال:
تَصَانِيفُ الوَزِيرِ ابْنِ الخَطِيبِ
أَلَذُّ مِنَ الصِّبَا الغَضِّ الرَّطِيبِ

فَأيَّةُ رَاحَةٍ وَنَعِيمِ عَيْشٍ
تُوَازِي كُتْبَهُ أَمْ أَيُّ طِيبِ؟!



ومن مُؤَلَّفاته:
1- الإحاطة في أخبار غرناطة.
2- اللمحة البدرية في تاريخ الدولة النصرية.
3- الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة.
4- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب.
5- أعمال الأعلام فيمن بُويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، وما يجر ذلك من شجون الكلام.
6- السحر والشعر.
7- ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب.
8- جيش التوشيح.
9- روضة التعريف بالحب الشريف.
10- خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف.
11- عمل من طب لمن حب.
12- فن العلاج في صنعة الطب.
13- معيار الاختيار في أهوال المعاهد والديار.

أسباب اختيار الموضوع:
ذكر الباحث الكريم أن من الأسباب التي دعته إلى اختيار موضوع "بناء القصيدة في شعر لسان الدين بن الخطيب":
1- حبُّه للأدب العربي بوجْهٍ عام، والأندلسي منه على وجْهِ الخصوص، والرغبة في الكَشْف عن إبداعات شعراء الأندلس، وتفرُّدهم بسمات خاصَّة.

2- التَّشجيع والحث الذي لَقِيه مِن أستاذه الدكتور/ علي الغريب، باختيار ابن الخطيب دون غيره، ودراسة بناء القصيدة في شعره؛ لما في هذه الدراسة من شموليَّة واستفاضة في الأدب، والنقد، والبلاغة، والعَروض، واللغة... إلخ، إضافة إلى أنه كان عالمًا وفقيهًا وكاتبًا، مما جَعَلَ الباحثين يعدونه خزانة للعلم والأدب على حدٍّ سواء.

3- ومنها أيضًا أنه احْتَلَّ مكانة عظيمة في تاريخ الأندلس بعامَّة، ومملكة غرناطة بخاصة، فهو الأديب والوزير الذي حاز قصب السبق في مجالي الأدب والوزارة، فلقِّب بذي الوزارتين، وكان نموذجًا فريدًا، قلَّما يجود به زمان.

4- أن ديوانه الشِّعري: "على ماله من قيمة أدبية ولغوية عظمى، فإنه يعدُّ مرآةً تعكس بجلاء الحياة السياسية والاجتماعية خلال نصف قرن من الزمان، فهو صورة للصراع الإسلامي الرومي، والصراع الداخلي بين سكَّان الأندلس أنفسهم، وصورة للصراع المريني نفسه، وهو أيضًا صورة للحياة المترَفة من قصور وحدائق ومنتزهات"[8].

5- بيان مدى اتِّباعه للسابقين من عصور الأدب الزاهية، ومعارضته إياهم، من خلال إبداعاته الشعرية المتنوعة، ثم إبراز الجديد على بعض قصائده.

6- الكشف عن أُسْلوب الأندلسيين في بناء قصائدهم، من خلال دراسة بناء القصيدة عند هذا الشاعر الغرناطي العظيم.

حدود الدراسة:
تَتَمَثَّل حُدُود الدراسة في بناء القصيدة في ديوان ابن الخطيب المكوَّن مِن جُزأين، ويضم الديوان ثنتين وعشرين ومائتي قصيدة، هذا دون المقطعات والموشَّحات لخلو الدراسة منها، وبخاصة في الباب الأول، الذي يتعامَل مع القصيدة دون سواها، وبلغ عدد أبيات هذه القصائد ( 6433) بيتًا، و"هذا العدد من الأبيات يكفي لأن يعطينا - والكلام للباحث - صورةً صادقة عن حياة المسلمين في الغرب الإسلامي".

وبعدما ذكر بعضًا منَ الدِّراسات التي قامتْ على لسان الدِّين وتراثه الفكري، يلاحظ باحثنا أنها أغفلتْ بناء القصيدة في شعره؛ و"لذلك فقد جاءت هذه الدراسة "بناء القصيدة في شعر لسان الدين بن الخطيب" - حلقة جديدة تُضاف إلى حلقات الدرس الفني والنقدي لإبداع هذا الشاعر".

ومما لا شك فيه أنَّ هناك بعض الصُّعوبات التي واجهتِ الباحث أثناء دراسته لبناء القصيدة، يأتي في مقدمتها غُمُوض بعض الأشعار، وخاصَّة أن المحقق لم يتناول القصائد بالشرح والتعليق عليها، وكذلك عدم الإشارة إلى الممدوح والتعريف به في بعض القصائد.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]