عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-09-2019, 05:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي التوكيد في اللغة العربية

التوكيد في اللغة العربية
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن








التوكيد هو: التابع المقوي لمتبوعه[2]، وكلمة «التوكيد» فيها ثلاث لغات:
«تأكيد» بالهمزة من «أكد».

«توكيد» بالواو، من «وكد»، وهذه اللغة هي الأشهر في استعمال النحاة، وهي أفصحهن[3]؛ لأنها هي اللغة الواردة في القرآن، قال تعالى: ﴿ وَلَاتَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾.

«تأكيد» بإبدال الهمزة ألفًا على القياس في نحو «رأس»؛ لأن الهمزة إن كانت ساكنة أبدلت من جنس حركة ما قبلها.

التوكيد نوعان:
توكيد لفظي[4]، ويكون بتكرير لفظ المؤكد[5]، وإعادته[6] مرة، فأكثر[7]:
بعينه، وبنفسه
أو بمرادفه: أي: موافقه في المعنى.
سواء أكان هذا اللفظ المعاد:
اسمًا، سواء أكان هذا الاسم:
مفردًا؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾.
أم مركبًا:
تركيبًا إضافيا: نحو: جاء عبد الله عبد الله.
أم تركيبًا مزجيًا: نحو: زرت برسعيد برسعيد.
وتوكيد معنوي[8]، وسيأتي إن شاء الله تعالى الحديث عنه بالتفصيل في الصفحة القادمة.

وسواء كان هذا الاسم:
اسمًا ظاهرًا معربًا:
بالعين؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾. وقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها باطل باطل باطل»[9].

وبالمرادف؛ نحو قوله تعالى: ﴿ سُبُلًا فِجَاجًا ﴾[10]. وقوله سبحانه: ﴿ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾. كما في «معجم القواعد العربية» صـ 184. ونحو قولك: جاء ليث أسد. فـ«ليث» فاعل مرفوع، و«أسد» توكيد لـ«أسد» مرفوع.

أم اسمًا مبنيًا، وهذا يشمل:
اسم الفعل: نحو قوله تعالى: ﴿ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾.
وقول الشاعر:
هي الدنيا تقول بملء فيها *** حذار حذار من بطشي وغدري

والضمائر؛ سواء كان هذا الضمير:
ضميرًا مستترًا، فيؤكد بضمير رفع منفصل؛ نحو قوله تعالى: ﴿ يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾.

أم ضميرًا منفصلًا، ومثاله: قول الشاعر:
فإياك إياك المراء فإنه *** إلى الشر دعاء وللشر جالب
أم ضميرًا متصلًا: سواء أكان في:
محل رفع كالتاء في «أكرمت».
أم في محل نصب؛ كالكاف في «أكرمك».
أم في محل جر: كالهاء في «به».

فيجوز في توكيده أمران:
الأول: توكيده بضمير الرفع المنفصل، فتقول: أكرمت أنت. ومنه قوله تعالى: ﴿ كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾. - وتقول أكرمك أنت - وتقول: مررت به هو[11].

والثاني: توكيده بإعادة ما اتصل بالضمير المتصل، فتقول: أكرمت أكرمت - أكرمك أكرمك - مررت به مررت به[12].

أم كان فعلًا؛ سواء كان:
بالعين؛ نحو قوله تعالى: ﴿ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾[13].
أم بالمرادف؛ نحو: جاء حضر محمد.

أم كان حرفًا، والحروف إما أن تكون:
حروف جواب: مثل: «نعم، جير[14]، بلى، لا، أجل». وهذه الحروف إذا أردنا توكيدها توكيدًا لفظيًا لم نعد إلا الحرف فقط، دون ما اتصل به: سواء كان ذلك:
بالعين؛ نحو: نعم، نعم أحب الصالحين[15].
أم بالمرادف: نحو: نعم جير، جاء محمد.

وإما أن تكون حروفًا غير جوابية، فهذه يلزم أن نعيد مع الحرف المؤكد ما اتصل به الحرف المؤكد، ولكن يختلف الحكم فيها بين ما إذا:
كان المتصل بالحرف المؤكد ضميرًا، فيجب أن يعاد مع الحرف المؤكد نفس الضمير: وذلك نحو قوله تعالى: ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴾. فـ«أنكم» الثانية توكيد للأولى وقد أعيدت مع اسمها، وهو الكاف والميم.

فإن كان المتصل بالحرف المؤكد اسمًا ظاهرًا أعيد هو، أو ضميره مع الحرف المؤكد؛ نحو: إن محمدًا إن محمدًا فاضل، وإن زيدًا، إنه فاضل. وعود ضميره هو الأولى، ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ ﴾.

أم كان جملة[16]؛ سواء كانت:
جملة اسمية: نحو قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾. وقوله سبحانه: ﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾. وقوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾. وقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل»[17].

أم جملة فعلية: نحو قوله تعالى: ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾. وقوله صلى الله عليه وسلم: «والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا»[18]. وقول مقيم الصلاة: «قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة»[19].


[1] التوكيد مصدر الفعل «وكد»، وهو بمعنى اسم الفاعل؛ أي: بمعنى المؤكد – بكسر الكاف – فهو من باب إطلاق المصدر مرادًا به اسم الفاعل، ولهذا يُطلق على هذا الباب أيضًا: باب المؤكد.

[2] أي: للاسم الذي قبله «المؤكد» - بفتح الكاف – ووجه كون التوكيد مقويًا لمتبوعه أنه يمنع التوهم الذي قد يرد على ذهن القارئ، أو السامع، ويدل على أن معنى متبوعه حقيقي، لا سهو فيه، ولا نسيان، ولا مبالغة.
ولذلك عرَّف ابن مالك التوكيد بأنه تابع يقصد به كون المتبوع على ظاهره، وعرفه غيره بأنه تابع يراد منه تقرير المعنى الذي تضمنه المؤكد لرفع احتمال غيره، والمعنى واحد.
وبيان ذلك وتوضيحه: أنك إذا قلت: جاء زيد. فإنه يحتمل أن يكون الكلام على تقدير مضاف. والتقدير: جاء كتاب زيد أو رسوله، فإذا قلت: جاء زيد زيد، أو جاء زيد نفسه. ارتفع الاحتمال.
وإذا قلت: جاء القوم. فإنه يحتمل أن الذي جاء بعضهم، فإذا قلت: جاء القوم القوم، أو: جاء القوم كلهم. ارتفع الاحتمال.

[3] ويليها في الفصاحة «تأكيد» بالهمزة، ثم «تاكيد» بقلب الهمزة ألفًا.

[4] منسوب إلى اللفظ؛ لحصوله من تكرره، كما سنبين إن شاء الله، وقد بدأنا به؛ لأنه الأصل: ولذا يقدم على التوكيد المعنوي إذا اجتمعا، ويجري في كل لفظ، فهو ليس له ألفاظ مخصوصة، كالتوكيد المعنوي، كما سيأتي إن شاء الله.
ولم يذكر ابن آجروم رحمه الله هذا النوع من نوعي التوكيد، فهو لم يتحدث إلا عن التوكيد المعنوي فقط؛ بدليل قوله: وتعريفه: لأنه يرى – كما سيذكر في الأمثلة – أن التوكيد المعنوي لا يكون إلا للمعارف.

[5] ولذلك سمى توكيدًا لفظيًا، ومن شرطه ألا يكون مع العطف؛ لأنه نوع من التوكيد، إلا التوكيد بالجملة، فالأحسن فيه – كما سيأتي إن شاء الله – أن يفصل بين الجملتين المكررتين بحرف العطف «ثم».

[6] وذلك لدفع غفلة السامع، أو لأجل تقرير المعنى الذي تضمنه المؤكد، وإثباته في ذهنه: لرفع احتمال غيره.
قال الشيخ مصطفى الغلاييني في «جامع الدروس العربية» صـ 558، وفائدة التوكيد اللفظي تقرير المؤكد في نفس السامع، وتمكينه في قلبه، وإزالة ما في نفسه من الشبهة فيه. أهـ وانظر: الكواكب الدرية 2/ 115.

[7] قال العز بن عبد السلام في قواعده: اتفق الأدباء أن التوكيد في لسان العرب إذا وقع بالتكرار لا يزيد على ثلاث مرات. اهـ وانظر: الكواكب الدرية 2/ 117، والنحو الوافي 3/ 526.

[8] منسوب إلى المعنى؛ لحصوله من ملاحظته.

[9] رواه الطيالسي رحمه الله في مسنده (1463)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
فائدة: قال ابن هشام رحمه الله في «القطر» صـ 299، وليس من تأكيد الاسم: قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا. خلافًا لكثيرين من النحويين؛ لأنه جاء في التفسير أن معناه؛ دكًا بعد دك، وأن الدك كرر عليها حتى صارت هباء منبثًا، وإن معنى «صفًا صفًا» أنه تنزل ملائكة كل سماء، ويصطفون صفًا بعد صف محدقين بالجن والإنس، وعلى هذا فليس الثاني فهيما توكيدًا للأول، بل المراد به التكرير، كما يقال: علمته الحساب بابًا بابًا. اهـ.
ومع هذا الذي ذكره ابن هشام رحمه الله في «القطر» فإنه قد ذهب في «الشذور» صـ 432 إلى ما ذهب إليه أكثر النحاة من أن «دكًا» الثانية توكيد لفظي للأولى، وانظر: الكواكب الدرية 2/ 116، فقد ذكر مؤلفه الخلاف في ذلك، ولكن المقام هنا لا يتسع لذلك.

[10] كذا مثل في الشذور صـ 432، وفي الكواكب الدرية 2/ 115، وقال رحمه الله: لأن معنى الفجاج والسبل واحد، وإن اختلفا في اللفظ. اهـ.
ولكن في إعراب القرآن لابن سيده، وإعراب القرآن لمحيي الدين درويش، ومشكل إعراب القرآن للخراط، كلهم أعرب «فجاجًا» نعتًا، لا توكيدًا.

[11] وفي هذه الحالة يكون ضمير الرفع المنفصل في محل رفع إن أكد به الضمير المرفوع، وفي محل نصب إن أكد به الضمير المنصوب، وفي محل جر إن أكد به الضمير المجرور.

[12] ولكن الإشكال في هذا الثاني، أنه قد يظن أنه من باب التوكيد اللفظي في الجمل: وليس في الضمير المتصل.
وقد أجاز بعض النحويين أمرًا ثالثًا في توكيد الضمير المتصل، وهو أن يقال مثلًا: أكرمتكم إياك، ومررت بك إياك. فيؤكد الضمير، المتصل المنصوب والمجرور بالضمير المنفصل المنصوب.

[13] ويلاحظ هنا أنه قد حدث بعض التغيير اليسير في لفظ المؤكِّد عن لفظ المؤكَّد، وهذا لا يضر، وانظر: النحو الوافي 3/ 525.

[14] جير: حرف جواب بمعنى «نعم»، ويجوز في رائه: الكسر، والفتح. المعجم الوسيط (ج ي ر).

[15] فـ«نعم» الأولى: حرف جواب، و«نعم» الثانية: توكيد لفظي:
ومن ذلك ايضًا: قول جميل بثينة:
لا لا أبوح بحب بثنة إنها *** أخذت عليّ مواثقًا وعهودًا
الشاهد في قوله: لا لا. حيث أكد الحرف بمثله.

[16] فهذا النوع من نوعي التوكيد يكون في الأسماء والأفعال والحروف، وفي المعرب والمبني، وفي المفردات، والجمل، وفي النكرات والمعارف، فبمجرد أن تكرر اللفظ الأول – أيًا كان نوعه – فإن الثاني يعرب توكيدًا لفظيًا، وهو إن كان معربًا أخذ حركة السابق الإعرابية، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[17] رواه أحمد في مسنده 6/ 166 (25326)، وأبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879)، وقال الألباني رحمه الله في تعليقه على السنن: صحيح.

[18] رواه أبو داود (3285)، وقال سماحة الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على «سنن أبي داود»: صحيح.

[19] قال ابن هشام في «القطر» صـ 299: وليس من تأكيد الجملة، قول المؤذن: الله أكبر، الله أكبر. خلافًا لابن جني؛ لأن الثاني لم يؤت به لتأكيد الأول، بل لإنشاء تكبير ثان، بخلاف قوله: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. فإن الجملة الثانية خبر ثان، جيء به لتأكيد الخبر الأول. اهـ.
وخلاصة ما تقدم: أن التوكيد اللفظي يكون في الأسماء والأفعال والحروف، وفي المعرب والمبني، وفي المفردات والجمل، وفي النكرات والمعارف، فمجرد أن نكرر اللفظ الأول أيًا كان نوعه فإن الثاني يعرب توكيدًا لفظيًا، وهو إن كان معربًا أخذ حركة السابق الإعرابية، فتقول مثلًا: محمد محمد مجتهد – مررت بزيد زيد – وهكذا.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]