عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-09-2019, 10:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: موقف النحاة من الشعر المولد: بشار بن برد أنموذجا

موقف النحاة من الشعر المولد: بشار بن برد أنموذجا
يزن عنكه


قال: فمَنْ أمْدَحُ الناس؟

قال: الذي يقول:
لمستُ بكفِّي كفَّه أبتغي الغنى
ولم أدْرِ أنَّ الجود من كفِّه يعدي

فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى
أفدت وأعداني فأتلفت ما عندي...

وهذه الأبيات كلها لبشَّار[17].

وقال أبو عبيدة: ميمية بشَّار أحَبُّ إليَّ من ميميَّتي جرير والفرزدق، وهي التي يقول في مطلعها:
أبا جعفر ما طول عيشي بدائم *** ولا سالم عما قليل بسالم[18]

وقال بشَّار عن نفسه: لم أزل منذ سمعت قول امرئ القيس في تشبيهه شيئين بشيئين في بيت واحد حيث يقول:
كأنَّ قُلوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا ويابِسًا *** لدى وكرها العُنَّابُ والحشَفُ البالي

أعمل نفسي في تشبيه شيئين بشيئين حتى قلت:
كأنَّ مثارَ النَّقْعِ فوقَ رُؤوسنا *** وأسيافنا ليلٌ تهاوَى كواكِبُه[19]

وفيما مرَّ بيانٌ لتقديم العلماء شعر بشَّار على غيره من الشعراء حتى وإن سبقوه في الطبقة، وقد ورد مثله عن الجرجاني أيضًا[20] حتى إنه قد قضى لبشَّار على الفرزدق في تشبيهه شيئين بشيئين[21].

وقد عدَّه الجاحظ من المطبوعين على الشعر من المولدين[22]، وأكثر من الاستشهاد بشعره في باب المعاني كما قال عنه وعن آخر: وهذا أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الأمر إلى ما يبلغه تمييز البصير، ولبشَّار خاصة في هذا الباب ما ليس لأحد، ولم يستطرد في ذلك لذكره في كتابه الحيوان[23].

وفضل الجاحظ بيته في التشبيه المشهور على أمثاله من الأبيات الجاهلية وغيرها[24].

احتجاج النحاة بشعر بشَّار:
أما ما احتجَّ به النحاة في استشهادهم من شعر بشَّار، فينقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم تنازعوا في نسبته بين بشَّار وغيره من الشعراء، وقسم صحَّتْ نسبتُه إليه، واحتجُّوا به، وقسم صحَّتْ نسبتُه إليه، وأنكروه عليه.

أما القسم الأول، ففيه البيت الذي ذاعَ صيتُه؛ لقول بعضهم: إن سيبويه قد رواه اتِّقاءً لشرِّ بشَّار، وهو قوله فيما يزعم:
وما كل ذي لُبٍّ بمؤتيك نُصْحه *** وما كُل مؤت نصحه بلبيب

وقد ورد البيت في الكتاب بشطره الأول دون الثاني، ولم يرد لبشَّار غيره في الكتاب فيما نسب[25].

وقد تنازعَ العلماء في نسبة البيت، فالمشهور أنه لأبي الأسود[26]، وعلى هذا فلا خلاف، وقيل: إنه لبشار[27]، وورد بلا نسبةٍ في بعض الكتب[28].

أما القسم الثاني فروى أبو حاتم: كان الأخفش طعن على بشَّار في قوله:
فالآن أقْصَرَ عن سمية باطلي *** وأشار بالوجلى عليَّ مشير
وفي قوله: على الغَزَلَى منِّي السلامُ...

وقوله في صفة سفينة:
تُلاعبُ نِينان البحور وربَّما *** رأيتَ نفوس القوم من جَرْيها تجري

وقال: لم يُسمَع من الوجل والغزل فَعَلى، ولم أسمع بنون ونينان، فلما بلغ بشَّارًا الخبرُ همَّ أن يهجوه، فاستوهب الأخفش أصحابه ألا يهجوه، وصار يحتجُّ بشعره في كتبه[29].

وقيل بل القصة في سيبويه[30].
وهذه القصة وإن كنت أحسبها من مبالغات الأصبهاني على عادته؛ لكنها إنْ صحَّت تدلُّ على الأصل، وهو عدم احتجاج النحاة المتقدِّمين بشِعْر الشُّعراء المولدين عامَّة وبشَّار خاصة.

والقسم الثالث كالذي احتجَّ به الجرجاني في مجيء الظرف إذا كان خبرًا مُقدَّمًا بغير واو، كقول بشَّار:
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها *** خرجت مع البازي عليَّ سوادُ

فجاءت في موضع الحال بغير واو[31].

وكاحتجاج بعض النُّحاة في جرِّ الضمير بالكاف بقوله:
وإذا الحرب شمَّرت لم تكن كي *** حين تدعو الكماة فيها نزال[32]

وكاحتجاجهم بعود تأنيث الفعل على مقدر غير مذكور لفظًا أو معنى بقوله:
إذا ما غضبنا غضبة مضريَّة *** هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

فقطرت هنا عائدة إلى السيوف التي يدل عليها سياق الكلام[33].
وغيرها من الأبيات التي لم أقف عليها.

خاتمة:
لم يحتج أحدٌ من النحاة المتقدِّمين بأبيات بشَّار؛ وإنما بدأ الاحتجاج به متأخِّرًا، وأقدم مَنْ وقفْتُ عليه هو الجرجاني المتوفَّى سنة (471).

ولعلَّ حجَّة العلماء المتأخرين في احتجاجهم بشعره ما روي عنه: "من أين يأتيني الخطأ، وقد ولدتُ ها هنا، ونشأتُ في حجور ثمانين شيخًا من فصحاء بني عقيل، ما فيهم أحدٌ يعرف كلمة من الخطأ"[34]. وفي كلامه إشارة لخلاف قديم عاصره متعلق بحكم الاحتجاج بشعره.

وما وقع بينه وبين خلف الأحمر أيضًا لما أنشد بشَّار قوله:
بكِّرا صاحبيَّ قبل الهجير *** إن ذاك النجاح في التبكير

فقال خلف: لو قلت يا أبا معاذ: بكرا فالنجاح في التبكير، كان أحسن، فقال بشَّار: لو قلت: بكرا فالنجاح، كان هذا من كلام المولدين[35].

المصادر والمراجع:
1- الحروف؛ للفارابي، تحقيق: محسن مهدي، دار المشرق 1986.
2- الشعر والشعراء؛ لابن قتيبة، تحقيق: أحمد شاكر.
3- طبقات فحول الشعراء؛ لابن سلام، تحقيق: محمود شاكر.
4- مسائل الأصمعي؛ لأبي حاتم، تحقيق: محمد عودة سلامة، مكتبة الثقافة.
5- العمدة؛ لابن رشيق، تحقيق: محيي الدين عبدالحميد، دار الجيل.
6- خزانة الأدب؛ للبغدادي، تحقيق: عبدالسلام هارون، مكتبة الخانجي.
7- الاقتراح؛ للسيوطي، تحقيق: محمد حسن، دار الكتب العلمية.
8- مناقب الشافعي؛ للبيهقي، تحقيق: أحمد صقر، دار التراث.
9- الإيضاح؛ للفارسي، تحقيق: حسن فرهود.
10- وفَيَات الأعيان؛ لابن خَلِّكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر.
11- إيضاح شواهد الكشاف؛ للقيسي، تحقيق: محمد الدعجاني، دار الغرب.
12- الكشاف؛ للزمخشري، دار إحياء التراث.
13- شرح عقود الجمان؛ للسيوطي، تحقيق: الحمداني والحبار.
14- الأغاني؛ للأصبهاني؛ دار الكتب المصرية 1929.
15- دلائل الإعجاز؛ للجرجاني، تحقيق: محمود شاكر، مكتبة الخانجي.
16- البيان والتَّبَيُّن؛ للجاحظ، تحقيق: عبدالسلام هارون، مكتبة ابن سينا.
17- ديوان أبي الأسود، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، دار الهلال.
18- رسالة الغفران؛ للمعرِّي، دار إحياء التراث.
19- همع الهوامع؛ للسيوطي، تحقيق: أحمد شمس الدين.
20- الدرر اللوامع على همع الهوامع؛ للشنقيطي، تحقيق: محمد باسل.
21- شرح الأشموني على الألفية، تحقيق: إبراهيم شمس الدين.
22- شرح التصريح؛ للأزهري، تحقيق: محمد باسل، دار الكتب العلمية.
23- الكتاب؛ لسيبويه، تحقيق: عبدالسلام هارون، مكتبة الخانجي.


[1] الألفاظ والحروف، ص 146.

[2] كما وقع في "الشعر والشعراء"؛ لابن قتيبة، و"طبقات فحول الشعراء"؛ لابن سلام، و"مسائل الأصمعي"؛ لأبي حاتم، و"العمدة"؛ لابن رشيق، وغيرها.

[3] خزانة الأدب (1 /6-7).

[4] الاقتراح، ص42.

[5] مناقب الشافعي (2 /41-56).

[6] الإيضاح؛ للفارسي، ص 102.

[7]، إيضاح شواهد الإيضاح ص 136، ووفَيَات الأعيان (2 /81).

[8] إيضاح شواهد الإيضاح، ص136.

[9] الكشاف، (1 /119).

[10] شرح عقود الجمان، ص43، والخزانة (1 /6).

[11] ترجمته موسَّعة في الأغاني (3 /135-250)، وقد اعتمد الأصبهاني على كل مَنْ سبَقَه، واعتمد من بعده عليه.

[12] الأغاني (3 /135).

[13] الأغاني (3 /139-140).

[14] الأغاني (3 /142).

[15] الأغاني (3 /143).

[16] الأغاني (3 /149).

[17] الأغاني (3 /150-151).

[18] الأغاني (3 /158).

[19] الأغاني (3 /197).

[20] الدلائل، ص78،96.

[21] الدلائل، ص 534-536.

[22] البيان والتبين (1 /54).

[23] البيان والتبين (1 /164).

[24] الدلائل، ص602-603.

[25] الكتاب (4 /441).

[26] ديوان أبي الأسود، ص99.

[27] رسالة الغفران، ص431.


[28] همع الهوامع (2 /95)، والدرر (2 /128)، وغيرهما.

[29] الأغاني (3 /209).

[30] الأغاني (3 /210).

[31] الدلائل، ص503.


[32] الأشموني (2 /209)، والهمع (2 /31).

[33] شرح التصريح (1 /199)، والهمع (2 /86)، والأشموني (2 /200).

[34] الأغاني (3 /150).

[35] الدلائل، ص 273.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]