عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-09-2019, 04:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي وسائل التواصل بيْن الستر والفضيحة

وسائل التواصل بيْن الستر والفضيحة


حسني المصري


طفرة هائلة في التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أنها لن تقف عند حدودٍ معينةٍ، وأنها سوف تتطور بطريقةٍ مذهلةٍ، ومرعبة كذلك، ثم تأتي طريقة استخدام البشرية لها، وهل تستخدمها بطريقةٍ مثاليةٍ ومفيدة أم لا؟ وبالطبع عندما نتحدث عن ذلك يقفز إلى أرض الواقع طريقة الشعوبٍ الإسلاميةٍ والعربية، لنفاجأ بواقعٍ مرٍّ، يعلن بوضوحٍ أننا نسير مع هذه الوسائل في الطريق الخطأ، بل المدمِّر لشعوبنا فكريًّا وثقافيًّا وتربويًّا، بل وجسديًّا!

ولعلنا لا نتفاجأ بعد سنواتٍ -عافانا الله- بنماذج مِن الأجيال، مسخ لصورةٍ مشوهةٍ لإنسان الغرب المريض قلبًا وعقلًا وسلوكًا، ثم نرى مِن هؤلاء مَن يمسكون بزمام القيادة للأمة في المستقبل إن لم يتم تدارك هذا الواقع.

وقد أصبح العالم مفتوحًا على مصراعيه، ومِن مختلف الجهات دون حدودٍ أو قيود، والجميع يرى الجميع ويتابع الجميع، ويستطيع أن يعرف ما يقوم به، ومجتمعاتنا الإسلامية والعربية تسارع باستخدام هذه الوسائل بالطريقة السلبية المدمرة؛ فالرجال والنساء، والكبار والصغار، والشباب والفتيات، كلهم يصل بعضهم بعضا، بل يدخلون معًا غرف النوم والمعيشة، ويتابعون كل كبيرة وصغيرة، ويعلنون ما يقومون به ويفكرون به، ويأكلونه ويلبسونه!

ثم هذا يسب ذاك، وهذه تدعو على تلك، وأخرى تفضح فلانة، وذاك ينقل محادثته السرية للعامة، وأخرى ترد على ذاك بإرسال صوره، ومعارك تثار، وشجارات تقع، وضغائن الصدور وأحقادها تتأجج، وجرائم قتل وخطف وترويع وابتزاز بسبب ذلك كله، وكأن المجتمعات أصيبت بهوس الافتضاح والتعدي بالألفاظ، وإطلاق العبارات المشينة، والنكات الجنسية الموحية، والكلمات الخليعة، وطريقة السوقة والدهماء!

وغاب عن هؤلاء جميعًا المعاني الأخلاقية الراقية التي أرشدنا إليها ديننا، وأمرنا بها ربنا؛ فليس مِن المروءة إن عرفت سرًّا أن تفشيه، أو إن وقعت في ذنبٍ أن تجاهر به وتعلنه، بل هذا منافٍ تمامًا لتعاليم الإسلام الحنيف، فـ«مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (متفق عليه)، «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا» (متفق عليه).

وخفي عن هؤلاء وأولئك أن الأصل في مجتمع المسلمين أنه مجتمع الطهر والعفاف، والنقاء والتقى؛ ولذلك جعل الله عقوبة المبلغ عن واقعة الزنا ثمانين جلدة، وإن رآها ثلاثة نفر أقل مِن أربعة، كالحبل في البئر، فعقوبة الثلاثة حينئذٍ الجلد، والحكمة في ذلك تضييق دائرة الإعلان عن الفاحشة؛ فيضيق شيوعها بيْن الناس؛ فيقل ارتكابها، ويزداد عندهم شناعتها؛ فيستمر المجتمع المسلم في طريق الطهر والنقاء نموذجًا يُحتذى، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:4)، وأضاف إلى عقوبة البدن بالجلد، عقوبة رد الشهادة والحكم بالفسق حتى يتوب مِن هذا السلوك، سلوك التشنيع ولو بالصدق!


فتأمل ذلك، وتأمل معه حال المسلمين في وسائل التواصل التي أصبحتْ وسيلة للتقاطع بنشر الفضائح والفظائع عن النفس والأهل، والأصحاب والأغراب دون أدنى مبالاة، بل -أحيانًا- بمباهاةٍ، وكأن العقول انتكست، والأخلاق ارتكست.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.72%)]