عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-08-2019, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدلالة عند اللغويين العرب - د.أيوب جرجيس العطية

الدلالة عند اللغويين العرب
- د.أيوب جرجيس العطية


من قضايا المعنى ( التطور الدلالي )
أشرنا إلى أن العرب قد أدركوا مسألة تغير المعنى وتدل ملاحظاتهم حول المجاز وكلمات مثل الصلاة و الحج والنفاق على أنهم قد تحدثوا عن جانب من هذه المسألة ولكن تلك الملاحظات الدلالية لم ينتظمها منهج معين .
وفي علم الدلالة الحديث نالت قضية تغير المعنى حظاً كبيراً من عناية اللغويين ، وقد بحث هؤلاء في صور تغير المعنى وأسباب ذلك التغير و العوامل التي تتدخل في حياة الألفاظ أو موتها .
أسباب تغير المعنى :-
ذكر بعض العلماء أن أسباب تغير المعنى ترجع إلى ثلاثة أسباب ، إمّا لغوية أو تاريخية أو اجتماعية . ولخص بعضهم هذه الأسباب فيما يأتي :-
1- ظهور الحاجة :-
حينما يملك المجتمع اللغوي فكرة أو شيئاً يريد أن يتحدث عنه فإنه يمثله بمجموعة من الأصوات في معجم اللغة .
وقد يكون هذا التمثيل عن طريق الاقتراض من مصدر خارجي أو عن طريق وضع لفظ جديد على طريقة كلمات هذه اللغة ، وهذان النوعان ليس لهما صلة بتغير المعنى . ولكن هناك وسيلة ثالثة تعد من هذا الباب وهي أن يلجأ أبناء اللغة إلى الألفاظ القديمة ذات الدلالة المندثرة فيحيوا ([7]) بعضها ويطلقوه على مستحدثاتها ملتمسين في هذا أدنى ملابسة ، وهكذا نجد أنفسنا أمام كم هائل من الألفاظ القديمة في صورة جديدة الدلالة .
ومن أمثلة ذلك الكلمات : مدفع ، دبابة ، سيارة ، قاطرة ، ثلاجة ، سخانة ، مذياع ، ذبذبات ، تسجيل ، جرائد ، صحف ، وغير ذلك من الألفاظ التي أحياها الناس ، أو اشتقوها ، وخلعوا عليها دلالات جديدة تطلبتها حياتهم الجديدة ، وتتم هذه العملية عن طريق الهيئات و المجامع اللغوية ، أو قد يقوم بها بعض الأفراد الموهوبين في صناعة الكلام كالأدباء و الكتاب و الشعراء ، ثم تفرض تلك الألفاظ في وضعها الجديد على أفراد المجتمع بالتداول و التعامل بها .
2- التطور الاجتماعي و الثقافي :-

وهذا السبب يظهر في صور مختلفة ، منها :
أ*- فقد يكون في شكل الانتقال من الدلالات الحسية إلى الدلالات التجريدية نتيجة لتطور العقل الإنساني ورقية .
وانتقال الدلالات من المجال المحسوس إلى المجال المجرد يتم عادة في صورة تدريجية ، ثم قد تنزوي الدلالات المحسوسة وقد تندثر وقد تظل مستعملة جنباً مع الدلالات التجريدية لفترة تطول أو تقصر .
ب*- وقد يكون في شكل اتفاق مجموعة فرعية ذات ثقافة مختلفة على استخدام ألفاظ معينة في دلالات تحددها تماشياً مع الأشياء و التجارب و المفاهيم المناسبة لمهنها وثقافتها ، وقد يؤدي هذا إلى نشوء لغة خاصة ، ولا شك أن شدة الاتصال بين أفراد هذه الجماعة ، وبينها وبين أفراد الجماعات الأخرى من المجتمع الكبير سيقضي على صعوبة إفهام الآخرين وتعاملهم مع المدلول الجديد .
وقد حدث هذا مثلاً بالنسبة للكلمات الدينية كالصلاة والحج و الزكاة و الوضوء و التيمم . ويمكن القول على وجه العموم : إنّ الاتجاه في مثل هذه الحالات يميل نحو التضييق في معنى الكلمة حين تنتقل من الاستعمال العام إلى المجالات المتخصصة .
ت*- وقد يكون في شكل استمرار استخدام اللفظ ذي المدلول القديم وإطلاقه على مدلول حديث للإحساس باستمرار الوظيفة رغم الاختلاف في الشكل .
ومن ذلك كلمة ( بيت ) في العربية التي ما تزال تطلق على الشكل الحديث رغم تغيره عن القديم .
3- المشاعر العاطفية و النفسية :-
تحظر اللغات استعمال لبعض الكلمات لما لها من إيحاءات مكروهة أو لدلالتها الصريحة على ما يستقبح ذكره ، وهو ما يعرف باللامساس Taboo ولا يؤدي اللامساس إلى تغير المعنى ولكن يحدث كثيراً أن المصطلح البديل يكون له معنى قديم ، مما يؤدي إلى تغير دلالة اللفظ ، فكان اللامساس يؤدي إلى التلطف في العبير . وهو في الحقيقة إبدال الكلمة الحادة بكلمة أقل حدة وأكثر قَبولاً . وهذا التلطف هو السبب في تغير المعنى .
4- الانحراف اللغوي :-

قد ينحرف مستعمل الكلمة بالكلمة عن معناها إلى معنى قريب أو مشابه له فيعد من باب المجاز ، ويلقى قَبولاً من أبناء اللغة بسهولة، وقد يكون الانحراف نتيجة سوء الفهم أو الالتباس أو الغموض ، وحينئذٍ يتصدى له اللغويون بالتقويم و التصويب ، وغالباً ما يكون محل رفض منهم ، وحتى لو قبلته الجماعة اللغوية وجرى على ألسنتهم ([8]) .
ويحدث سوء الفهم حين يصادف المرء اللفظ الأول فيخمن معناه وقد ينتهي به التخمين إلى دلالة غريبة لا تكاد تمت إلى ما في ذهن المتكلم بأي صلة ، وحين يتكرر الانحراف من أكثر من شخص قد يؤدي هذا إلى تطور اللفظ تطوراً مفاجئاً يرثه الجيل الناشئ ويركن إليه .
ومن أمثلة ذلك كلمة ( الأرض ) التي تحمل دلالات عدة متباينة فهي الكوكب المعروف وهي الزكاة والرعدة ، ومثل ( الأسد ) الذي يعني الليث ويعني العنكبوت .
ويعد الأطفال كذلك أحد الأمثلة البارزة للانحراف اللغوي خصوصاً وأنهم يغلبون جانب الشكل على جانب الوظيفة ، فقد يطلق الطفل على الفأس و المطرقة لفظ ( قدوم ) . وقد يطلق على ( الكنبة ) لفظ سرير ..... وهكذا .
5- الانتقال المجازي :-

وعادة ما يتم بدون قصد ، بهدف سد فجوة معجمية . وقد يحدث بمرور الوقت أن يشبع الاستعمال المجازي فيصبح للفظ معنيان ، وقد يشيع المعنى المجازي على حساب المعنى الحقيقي ويقضي عليه .
6- الابتداع :-
ويعد الابتداع Innovation من الأسباب الداعية لتغير المعنى ، وكثيراً ما يقوم به أحد صنفين من الناس :-
أ*- الموهوبون من أصحاب المهارة في الكلام كالشعراء و الأدباء ، وحاجة الأديب إلى توضيح الدلالة ، أو تقوية أثرها في الذهن هي التي تحمله على الالتجاء إلى الابتداع .
ب*- المجامع اللغوية و الهيئات العلمية حين تحتاج إلى استخدام لفظ ما للتعبير عن فكرة أو مفهوم معين وبهذا تعطي الكلمة معنى جديداً يبدأ أول الأمر اصطلاحياً ثم يخرج إلى دائرة المجتمع فيغزو اللغة المشتركة كذلك ، ومثال ذلك كلمة Root التي يختلف معناها بحسب مهنة المتكلم أهو مزارع أم عالم رياضيات أم لغوي .
أشكال تغير المعنى :-
حاول رجال القواعد وعلماء البلاغة جاهدين منذ أرسطو أن يخضعوا تغيرات المعنى لشيء من التنظيم و التعقيد ، غير أنهم حصروا جهودهم قروناً طويلة في تصنيف المجازات لأسباب جمالية أو أسلوبية .
وحين انتقل الأمر إلى علماء اللغة حاولوا تنظيم البحث عن عمليات انتقال دون حساب لمضموناتها الأدبية .
وقد كانت الأنواع التي توصل غليها اللغويون هي :-
1- توسيع المعنى :-

يقع توسيع المعنى عندما يحدث الانتقال من معنى خاص إلى معنى عام ، ويعني ذلك أن يصبح عدد ما تشير إليه الكلمة أكثر من السابق ، أو يصبح مجال استعمالها أوسع من قبل . ومن أمثلة ذلك استعمال الطفل ( تفاحة ) لكل الأشياء المستديرة .
وكلمة Salary التي تعني مرتب الجندي فقط ، وقبل ذلك كانت تعني حصة الجندي من الملح .
وكلمة Picture كانت تطلق على اللوحة المرسومة ، والآن امتدت لتشمل الصور الفوتوغرافية .
2- تضييق المعنى :-

تضييق المعنى أو تخصيصه يعني تحويل الدلالة من المعنى الكلي إلى المعنى الجزئي أو تضيق مجالها ، وعرفه بعضهم بأنه تحديد معاني الكلمات وتقليلها .
ومن أمثلة ذلك كلمة ( حرامي ) هي في الحقيقة نسبة إلى الحرام ، ثم تخصصت دلالتها ، واستعملت بمعنى ( اللص ) .
وكلمة ( الحريم ) كانت تطلق على كل محرم وأصبحت الآن تطلق على النساء وكلمة Poison الإنجليزية كانت تعني الجرعة من أي سائل و لكن الذي حدث هو أن الجرعات السامة دون غيرها هي التي استرعت الانتباه واستأثرت به لسبب أو لآخر ، وبهذا تحدد مدلول الكلمة مقصورا على أشياء تقل في عددها عما كانت عليه .
3- نقل المعنى :-

ويكون الانتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم و الخصوص ، كما في حالة انتقال الكلمة من المحل إلى الحال أو من المسبب إلى السبب أو من العلاقة الدالة إلى الشيء المدلول عليه .... الخ أو العكس . وانتقال المعنى يتضمن طرائق شتى مثل الاستعارة وإطلاق البعض على الكل ، وهو المجاز المرسل بشكل عام .
وعلى هذا يكون الفرق بين هذا النوع و النوعين السابقين ، كون المعنى القديم أوسع أو أضيق من المعنى الجديد في النوعين السابقين ، وكونه مساوياً في النوع الحالي .
ومن أمثلة نقل المعنى الكلمة ( شنب ) التي كانت في القديم تطلق على جمال الثغر وصفاء الأسنان وهي في الاستعمال الحديث بمعنى الشارب ، وكلمة ( السفرة ) كانت تعني الطعام الذي يصنع للمسافر وهي في الاستعمال الحديث المائدة وما عليها من الطعام ، وكان طول اليد يعرف بالسخاء فأصبح يوصف به السارق .
ومن أشكال انتقال المعنى ما يعرف باسم ( انحطاط المعنى ) أو ( ابتذاله ) ، وعكسه ( رقي المعنى ) وقد يتردد معنى الكلمة بين الرقي و الانحطاط في سلم الاستعمال الاجتماعي ، بل تصعد الكلمة الواحدة إلى القمة وتهبط إلى الحضيض في وقت واحد .
والأمثلة على ذلك ما يلي :-
1- اللقب ( أفندي ) : المأخوذ من التركية كان له خلال القرن التاسع عشر الميلادي مركز هام ومكان مرموق ثم انحط قدرة على توالي الأيام ، وصار الآن ذا قدر تافه ، ومثل هذا كلمة ( حاجب ) التي آلت إلى المعنى التافه الذي تدل عليه الآن .
2- كلمة ( رسول ) : كان معناها الشخص الذي يرسل في مهمة ما ، ثم صار لها هذه الدلالة السامية التي نعرفها اليوم .
وكلمة ( Knight ) التي كانت في القرون الوسطى تعبر عن مركز مرموق وكانت قبل ذلك تعني ( ولد خادم ) .
4- المبالغة :-

عُدَّ بعض اللغويين المبالغة من أشكال تغير المعنى ، وعدها مسئولة عن تلك الشعارات المذهبية والاصطلاحات الخادعة التي تستغلها أجهزة الدعاية حتى أنها لا تلبث أن تؤدي إلى عكس المقصود منها .
كما في قولك هو سعيد بشكل مخيف ، ورائع بكل بساطة ، ومثل هذه التعبيرات سرعان ما تفقد جدتها وقوة التعبير عنها حتى تصبح مبتذلة بالية ، ثم تخلفها وتحل محلها تعبيرات أخرى .
نظرية السياق :-
وهذه النظرية تقوم على أساس أن معنى الكلمة هو ( استعمالها في اللغة ) أو الطريقة التي تستعمل بها أو الدور الذي تؤدية ، ولهذا لا ينكشف المعنى إلا من خلال تسييق الوحدة اللغوية أي وضعها في سياقات مختلفة ويقوم أصحاب هذه النظرية في شرح وجهة نظرهم معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى ، أو، معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها .
وعلى هذا الأساس فدراسة معاني الكلمات تتطلب تحليلا للسياقات و المواقف التي ترد فيها حتى ما كان منها غير لغوي ، ومعنى الكلمة على هذا يتعدد تبعاً لتعدد السياقات التي تقع فيها أو بعبارة أخرى تبعاً لتوزيعها اللغوي .
أما السياق اللغوي فيمكن التمثيل له بكلمة ( حسن ) في العربية ، التي تقع في سياقات متنوعة وصفا لــ :-
1- أشخاص ( رجل ، امرأة ، ولد ..... ) .
2- أشياء مؤقتة ( وقت ، يوم ، حفلة ، رحلة .... ) .
3- مقادير ( ملح ، دقيق ، هواء ، ماء .... ) .
فإذا وردت في سياق لغوي مع كلمة ( رجل ) كانت تعني الناحية الخلقية ، وإذا وردت وصفا لطبيب مثلا كانت تعني التفوق في الأداء وليس الناحية الأخلاقية ؛ وإذا وردت وصفا للمقادير كان معناها الصفاء و النقاوة .
كما يمكن التمثيل للسياق اللغوي بكلمة ( يد ) التي ترد في سياقات متنوعة منها :-
1- أعطيته مالا عن ظهر يد .
2- هم يد على من سواهم .
3- يد الفأس .
4- يد الدهر .
5- يد الطائر .
6- بعته يدا بيد .
7- يد الريح .
8- ثوب قصير اليد .
9- فلان طويل ليد .
10- سقط في يده .
11- حتى يعطوا الجزية عن يد .
12- إن بين يدي الساعة أهوالا .
وأما السياق العاطفي فيحدد درجة القوة و الضعف في الانفعال مما يقتضي تأكيدا أو مبالغة أو اعتدالا . فكلمة Love في الإنجليزية غير كلمة Like رغم اشتراكهما في أصل المعنى . وكلمة ( يكره ) العربية غير كلمة ( يبغض ) رغم اشتراكهما في أصل المعنى .
و أما سياق الموقف ، فيعني الموقف الخارجي الذي يمكن أن تقع فيه الكلمة ، مثل استعمال كلمة ( يرحم ) في مقام تشميت العاطس ( يرحمك الله ) ( البدء بالفعل ) ، وفي مقام الترحم بعد الموت ( الله يرحمه ) ( البدء بالاسم ) فالأولى تعني طلب الرحمة في الدنيا و الثانية طلب الرحمة في الآخرة ، وقد دل على هذا سياق الموقف إضافة إلى السياق اللغوي المتمثل في التقديم و التأخير .
و أما السياق الثقافي فيقتضي تحديد المحيط الثقافي أو الاجتماعي الذي يمكن أن تستخدم فيه الكلمة ، فكلمة ( عقيلته ) تعد في العربية المعاصرة علامة على الطبقة الاجتماعية المتميزة بالنسبة لكلمة ( زوجته ) مثلاً ، وكلمة ( جذر ) لها معنى عند المزارع ، ومعنى ثان عند اللغوي ، ومعنى ثالث عند عالم الرياضيات .
وقد كان للعملاء العرب جهود في العناية بدلالة السياق على المستويين النظري و العملي إذ أشاروا إلى أهمية السياق ووظفوه في دراسة النصوص وتحليلها .
ويتّضح ذلك عند المفسرين والأصوليين ، فقد اشترطوا فيمن يتصدّى لتفسير القرآن الكريم وتأويله شروطاً لها علاقة بالسياق اللغوي و الحالي وهي العلم بأسباب النزول و الناسخ و المنسوخ ، وعلى المفسر أن يراعي السياق اللغوي فسيتحضر النص القرآني عند تفسير بعضه .ومعنى أسباب النزول في ملابسات النص وكل ما يحيط به وهي من أهم مكونات سياق الحل . ومعرفة السياق تقتضي المعرفة بألفاظ العربية ودلالالتها وهذه المعرفة ضرورية للمفسر و إلا فلا يحلّ له الإقدام على تفسير كتاب الله .
وأما الأصوليون فكانوا أسبق من غيرهم في التصريح بمصطلح السياق وتحديد مفهومة . وقد استثمروا دلالة السياق في استنباط الأحكام الشرعية وجعلوها أصلاً مهماً في فهم النصوص الشرعية .
مثال يوضح ضرورة اعتداد ( المقام ) في تحديد المعني الدلالي . من المعلوم أن ( يا ) من حروف النداء وأن كلمة ( سلام ) اسم من أسماء الله تعالى وهي كذلك ضد الحرب . فإذا أخذنا بالمعنى الوظيفي لأداة النداء و المعنى المعجمي لكلمة ( سلام ) حين ننادي ( يا سلام ) فإن المعنى الحرفي أو المقالي أو ظاهر النص أننا ننادي الله سبحانه وتعالى لا أكثر ولا أقل . ولكن هذه العبارة صالحة لأن تدخل في مقامات اجتماعية كثيرة جدا ومع كل مقام منها تختلف النغمة التي تصحب نطق العبارة فمن الممكن أن تقال هذه العبارة في مقام التأثر وفي مقام التشكيك وفي مقام السخط وفي مقام الطرب وفي مقام التوبيخ وفي مقام الإعجاب وفي مقام التلذذ وفي مقامات أخرى كثيرة غير ذلك ، وظاهر النص في عبارة ( السلام عليكم ) أنها تحية إسلامية يجاب عليها بأحسن منها أو مثلها . ولكن هذه العبارة بذاتها قد تتحول إلى معنى المغاضبة فقد يطول النقاش بينك وبين إنسان في موضوع ما ويتمسك كل منكما براية فحين تيأس من إقناع صاحبك . وتريد أن تعلن له عن انتهاء المقابلة بالمغاضبة تولية ظهرك منصرفا وتشير بيديك إشارة الذي ينبذ شيئاً وراء ظهره من فوق كتفه وتقول مع هذه الإشارة ( السلام عليكم ) وتذهب مغاضبا . فهذا المعنى لا يفهم من مجرد المعنى الوظيفي منفردا ولا المعجمي منفردا ولا هما معا ولكنه يتوقف النهاية على ( المقام ) الاجتماعي المعين . وقد تقال هذه العبارة بعينها فيفهم منها معنى الهزل في مقام يعين فيه ذلك .

نماذج من تحليل اللغويين العرب في كتب غريب الحديث
الألفاظ الغريبة المتعلقة بالزواج و الطلاق في غريب الحديث
أ- الألفاظ الغريبة المتعلقة بالخطبة و الزواج :-
الدلالة ونوعها
اللفظ
الدلالة الأصلية
دلالة القصد
الدلالة الشرعية
يُؤْدَم
أدم الطعام وإصلاحه
إيقاع الألفة و الوفاق
السَماح شرعاً بمجالسة الخطيب لخطيبته قبل الزواج .
اغتربوا
ـــــــــــــــ ــــــــــ
تزوّجوا الغرائب
الترغيب في زواج الغريبات ( غير الأقارب )
جدول يبين دلالات الألفاظ الغريبة المتعلقة بالخطبة و الزواج


يُؤْدَم :-
قال أبو عبيد في حديثه عليه السلام ( حين قال للمغيرة بن شعبة وخطب امرأة ، لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) . قال الكسائي : قوله يؤدم بينكما : يعني أن تكون بينكما المحبة و الاتفاق ..... قال أبو عبيد لا أرى هذا إلا من أدم الطعام لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالأدام ، وقال الزمخشري فيه ( و المعنى فإن النظر أولى بالإصلاح و إيقاع الألفة والوفاق بينكما ) . فقد حدد أبو عبيد الدلالة الأصلية بأنها من أدم الطعام أي إصلاحه ، ثم انتقلت الدلالة من الإصلاح الحسي للطعام لتعم وتدل على الإصلاح المعنوي و التوفيق والألفة بين العروسين ، وهذه دلالة القصد ؛ كما قال الكسائي في تفسيره ( يعني أن تكون بينكما المحبة والاتفاق ) وهذا ما قاله الزمخشري أيضاً ، وفي هذا توجيه شرعي بأن يرى الخاطب خطيبته قبل الزواج .

اغتربوا :-
قال الزمخشري جاء في الحديث ( اغتربوا لا تضووا ). أي تزوجوا الغرائب دون الأقارب . فقد حدد الزمخشري دلالة القصد لـ ( اغتربوا ) وهي ( الزواج بالغريبات ) ، وكأن الغرابة في دلالة القصد بالنسبة للعرف الاجتماعي الذي كان سائداً وهو تحبيذ الزواج من الأقارب ، دلالة شرعية تفهم من ذلك الترغيب في الزواج من الغرائب أي من غير الأقارب .

ب- الألفاظ الغريبة المتعلقة بالزواج المحرم أو المنهي عنه في الإسلام :-

الدلالة اللغوية
الدلالة العرفية
دلالة القصد
دلالة الشرع
الشِّغار
الإخراج
أن يزوج الرجل أخته أو ابنته مقابل زواجه من أخت أو ابنة الآخر ولا مهر إلا هذا
ـــــــــــــــ ــــــــــــ
النهي
جدول يبين دلالات الألفاظ الغريبة المتعلقة بالزواج المنهي عنه في الإسلام ونوعها كما حددها أصحاب معاجم غريب الحديث


الشِّغار :-
قال أبو عبيد في حديثه عليه السلام ( لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ..... وأما الشغار فالرجل يزوج أخته أو ابنته على أن يزوجه الآخر أيضاً ابنته أو أخته ليس بينهما مهر غير هذا ، وهي المشاغرة وكان أهل الجاهلية يفعلونه ) ([9]) ، وفيما قاله أبو عبيد تحديد للدلالة العرفية للشغار . أما الدلالة الأصلية للشغار فقد حددها ابن قتيبة في قوله ( وأصل الشغر للكلب وهو أن يرفع إحدى رجليه ويبول ، فكني بذلك عن النكاح إذا كان على هذا الوجه وجعل له علماً ) ([10]) وأرى أن هذه التكنية عن هذا الأسلوب في النكاح بهذه اللفظة التي تحمل دلالة سيئة يدل على كراهتهم ونفورهم من هذا النوع من الزواج بالرغم من كونه معروفاً عندهم . ولكن الزمخشري أصلها أو حدد دلالتها اللغوية بصورة أخرى فقال ( شغرت بني فلان من البلد إذا أخرجتهم ... ومن قولهم تفرقوا شغر بغر لأنهم إذا تبادلا بأختيهما فقد أخرج كل واحد منهما أخته إلى صاحبة وفارق بها إليه ) ([11]) فكأن الشغار الإخراج بعامة ثم تخصص بالكلب عندما يرفع رجله ويخرج بوله ، ثم كنى به عن الزواج الذي لا يكلف الرجل ، ثم جاء الشرع الإسلامي ليحمل اللفظ دلالة النهي و التحريم لهذا الأسلوب من أساليب النكاح .
=======================
([1])(2)على الطالب أن يعود إلى بعض هذه الكتب . ([3]) المزهر 1/402 .

([4]) انظر : المزهر 1/408 وفيه تعدد لأسماء السيف و العسل .

([5]) انظر فقه اللغة للثعالبي ص 349 .

([6]) راجع : الصاحبي لابن فارس ، والمزهر للسيوطي ، والزينة لأبي حاتم الرازي ، والحيوان للجاحظ .

([7]) انظر علم الدلالة د/ أحمد مختار عمر ص 237-250 ، ودلالة الألفاظ د/ إبراهيم أنيس ص146-162 .

([8]) انظر التصحيح اللغوي في ( فوائد لغوية ) في الأجزاء الأربعة من هذه السلسلة .

([9]) الجلب : بمعنى الجلبة وهوالتصويت . الجنب : مصدر جنب الفرس إذا اتخذه جنيبة . الشغار : ما زال هذا الأسلوب من أساليب الزواج موجوداً ويتعامل به الناس في بعض المناطق المختلفة من الوطن العربي حتى يومنا هذا ويسمونه ( زواج البدائل ) .

([10]) غريب الحديث 1/207 .

([11]) الفائق 1/17 .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.50 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.63%)]