عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 23-01-2024, 10:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,015
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات ودروس من سورة البقرة

وقفات ودروس من سورة البقرة (4)

ميسون عبدالرحمن النحلاوي



تأملات في مقدمة السورة:
تغطي مقدمة السورة تسعًا وثلاثين آية، تشكل القاعدة التي سترتكز عليها أعمدة الهداية في السورة، التي تستند كما أسلفنا، إلى ثلاثة أسس:
1- الرسالة المحمدية، والاتجاهات الثلاث التي تنقسم إليها البشرية في موقفها من الرسالة الأخيرة.


2- دعوة البشرية إلى دين التوحيد.


3- قصة آدم عليه السلام: بدء الخلق، وبداية الرحلة الدنيوية للبشرية على الأرض في معركة أزلية بين الإنسان والشيطان، الخير والشر، الكفر والإيمان، الهداية والضلال، المعصية والتوبة.

الأساس الأول الرسالة المحمدية، والاتجاهات الثلاث التي تنقسم إليها البشرية في موقفها من الرسالة الأخيرة.

الرسالة المحمدية: تبدأ السورة بتوصيف القرآن الكريم، حامل رسالة التوحيد: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2]، تصفه أولًا بأنه الحق المطلق الثابت الذي لا يتطرق إليه أي شك أو ريب: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2]، ثم تقرر الهدف الذي نزل من أجله: "هدًى"، ثم تقرر الفئة المستفيدة من هذا الهدى: "المتقين"، ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].


فأما الهداية، فهي جوُّ السورة العام الذي تسير فيه، والمهيمن على كل محاورها.


وأما التقوى واشتقاقاتها، فسنجد أنها ملازمة لكل أمر أو نهي، أو تشريع أو حكم، تأتي عليه آيات السورة تقريبًا.


وأما الكتاب الذي لا ريب فيه، فنقرأ في الآيتين الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين ترسيخًا لأربع قواعد في شأنه:
الأولى هي أنه تنزيل من عند الله ﴿ نَزَّلْنَا ﴾ [البقرة: 23].


الثانية هي أنه نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بصفته عبدًا لله: ﴿ عَلَى عَبْدِنَا ﴾ [البقرة: 23].


الثالثة هي إعجاز هذا الكتاب المتضمن للرسالة؛ من حيث إنه لا يمكن لبشرٍ أن يأتي بسورة من مثله.


والرابعة هي جزاء من يكفر بهذه الرسالة ومن يؤمن بها؛ يقول تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 23 - 25].

وأما الاتجاهات الثلاث التي تنقسم إليها البشرية تجاه الرسالة الأخيرة؛ فهي: الإيمان، الكفر، النفاق.

فأما المؤمنون فتصفهم السورة في ثلاث آيات: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 3 - 5].

وأما الكافرون في آيتين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 6، 7]، فهم قوم ميؤوس منهم، كفرهم واضح لا لَبْسَ فيه، قد خُتم على جميع أحاسيسهم التي يفترض أن تقودهم إلى الهداية.

وأما المنافقون، فتفرِد لهم مقدمة السورة ثلاث عشرة آية؛ لعِظَمِ خطرهم على الأمة الإسلامية من جهة، ولمنهجية التلبس التي يتبعونها من جهة أخرى، فهم يُظهِرون الإيمان ويُبطنون الكفر، يُظهرون المودة للمسلمين، ويبطنون العداوة، دينهم وديدنهم المكر والخداع والغدر، وهذا مكمن عِظَمِ خطرهم على الأمة:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 8 - 16].

نفصِّل في الصفات:
1- يُظهرون عكس ما يُبطنون: أقوالهم تُظهر الإيمان بالله واليوم الآخر، وحقيقتهم عكس ذلك: ﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8].


2- الخداع وسيلتهم في التواصل مع الله، خالقهم، ومع المؤمنين: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 9]، ولكن خداعهم منقلِبٌ عليهم؛ لأنهم يخادعون من لا يُخدَع، "فالخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن، وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع، فإنما يخدع نفسه"؛ قاله القرطبي.


3- والمنافق إنسان مريض القلب: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة: 10]، مريض بالشك والريبة - على قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد - فمن يستسلم لنفاقه ولا يتوب منه، يزِدِ الله مرضَ قلبه هذا، حتى يصبح آفة لا شفاء منها، أعاذنا الله وإياكم من النفاق والمنافقين، اللهم آمين.

﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 10]، قد يكون في الدنيا قبل الآخرة، والسبب ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10]، الكذب صِبغة النفاق الأولى.

يظنون في أنفسهم الإصلاح، ولا يعترفون بفسادهم وإفسادهم: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11]، فإن عصَوا ونُصحوا بالتوبة والرجوع، عاندوا وأسبغوا على أعمالهم صفة الصلاح؛ يقول الطبري في تفسيره: "فكذلك صفة أهل النفاق: مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دين الله الذي لا يقبل من أحد عملًا إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته، وكذبهم على المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه، وبمظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلًا، فذلك إفساد المنافقين في أرض الله، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها، فلم يُسقِط الله جل ثناؤه عنهم عقوبته، ولا خفَّف عنهم أليم ما أعد من عقابه لأهل معصيته - بحسبانهم أنهم فيما أتَوا من معاصي الله مصلحون - بل أوجب لهم الدرك الأسفل من ناره، والأليم من عذابه، والعار العاجل بسبِّ الله إياهم وشتمه لهم؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12]"؛ [انتهى].


رادارهم معطَّل وشعورهم بالفساد معدوم، لا يعرفون الحق من الباطل والصلاح من الفساد: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12].

الصفة السادسة، صفة موردة للهلاك ينتهجها كثير منا دون أن يعلم، التكبر والترفع عن التساوي بالمنزلة مع الموحدين، واعتبارهم سفهاء: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ﴾ [البقرة: 13]؛ يقول ابن كثير: "إذا قيل للمنافقين ﴿ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ﴾ [البقرة: 13]؛ أي: كإيمان الناس بالله وملائكته، وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، وغير ذلك، مما أخبر المؤمنين به وعنه، وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر، وترك الزواجر - يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء، وغرورهم هذا يُعمي بصيرتهم، فلا يرَون ما هم به من سفاهة ويخفى عنهم علمها: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 13]"؛ [انتهى].

الصفة السابعة تتعلق بالعلاقات الخارجية؛ أي خارج نطاق المجتمع الإسلامي، في العلاقة بين المجتمع الإسلامي وأعدائه من شياطين الإنس، كانت الصفات الست السابقة داخل المجتمع الإسلامي، أما هذه فتتعداها إلى العلاقات الخارجية: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14]، المنافقون في تواصل دائم مع أعداء الإسلام من شياطين الإنس، الموصوفين في الآية الكريمة: بـ﴿ شَيَاطِينِهِمْ ﴾ [البقرة: 14]، يُظهرون إيمانهم اللفظي للمؤمنين: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا ﴾ [البقرة: 14]، ويبقى ولاؤهم القلبي والفعلي للكفار والمشركين: ﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ [البقرة: 14]؛ قال ابن كثير: "وشياطينهم هم: سادتهم وكبراؤهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين".


صنعتهم الاستهزاء وليس الخداع فحسب: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14]؛ قال ابن عباس: أي: إنا على مثل ما أنتم عليه هكذا يقولون للكفار﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14]؛ أي: إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم، ويا لهم من جهلاء سفهاء، ويرد عليهم خالق الخلق من يعلم السر وأخفى جل في علاه؛ فيقول: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15]؛ يقول ابن كثير: "فأخبر الله تعالى أنه يستهزئ بهم، فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا؛ يعني من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الذي لهم عنده في الآخرة، يعني من العذاب والنكال؛ قال ابن جرير: لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتفٍ عن الله عز وجل، بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك؛


قال ابن عباس: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ [البقرة: 15] قال: يسخر بهم للنقمة منهم، وقوله تعالى: ﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15]؛ قال السدي عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، "يمدهم: يملي لهم".

قوم اعتاضوا عن الهدى بالضلالة، عرفوا الحق ولكنهم استحبوا الباطل، فعدلوا عن الحق إلى الباطل، تحركهم الأهواء: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16]، فكانت تجارة خاسرة.

ثم يمضي السياق في توضيح حال هؤلاء المنافقين بمثالي الظلام والنور، والرعد والبرق والصواعق، مثالين معجزين في كل زاوية من زواياهما.

﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 17 - 20].

يقول الدكتور فاضل السامرائي في تفسير الآيات:
المثال الأول: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 17، 18].

ربنا شبَّه المنافقين كالذي استوقد نارًا، فلما أضاءت ذهب الله بنورهم، ولم يقل: بضوئهم؛ لأنه لو قال ذهب الله بضوئهم، لاحتمل أن يبقى نورٌ؛ لأن الضياء فرط الإنارة، كان يبقى نور، فأراد أن يجتث المعنى كله، فلما قال: ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ [البقرة: 17] إذًا لا يبقى نور ولا ضياء، وإنما ظلمة، ثم قال: ﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾ [البقرة: 17]، ما قال: ما حولها، ﴿ مَا حَوْلَهُ ﴾ [البقرة: 17]؛ يعني: حول المستوقد، ثم قال: ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ﴾ [البقرة: 17] جمع الظلمة؛ لتعدد أسبابها وهي في القرآن؛ حيث وردت مجموعة، ثم قال: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ [البقرة: 18]، والأبكم الذي يُولَد أخرسَ، ولم يقل: صم وبكم وعمي؛ لأن (صم وبكم وعمي) محتمل أن يكون هناك جماعة بكم، وهنالك جماعة صم، وهنالك جماعة عمي، لو قلت: هؤلاء فقهاء وكُتَّاب؛ يعني محتمل أن يكون فيهم فقهاء، ويحتمل أن يكون فيهم كتَّاب، لكن لو قلت: هؤلاء فقهاء كتَّاب شعراء؛ يعني هم جمعوا الصفات كلها، هذا فقيه كاتب شاعر يجمع الصفات، لكن لو قلت: هؤلاء فقهاء وكتَّاب وشعراء، فيها احتمالان؛ احتمال أن يكونوا جمعوا، واحتمال أن يكون قسمٌ فقهاء، وقسم كُتَّابًا وقسم شعراء، ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ [البقرة: 18]، هذا تعبير قطعي جمعوا كل هذه الأوصاف؛ يعني كل واحد فيهم أبكم وأصم وأعمى، ﴿ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18]، تركهم متحيرين لا يرجعون إلى المكان الذي بدؤوا منه، والأعمى لا يبصر، والأبكم لا يسأل، والأصم لا يسمع، كيف يرجع؟ فقدوا أشكال التواصل، الأعمى لا يبصر، والأصم لا يسمع، والأبكم لا يسأل ولا ينطق، كيف يرجعون؟ يقولون لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه؛ لأنه قال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾ [البقرة: 16]، لا يرجعون عن الضلالة بعد أن اشترَوها.

والمثال الآخر قوله تعالى: ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 19، 20].

هذا هو المثال الآخر، الصيب هو المطر، المطر الشديد الانصباب (من صاب يصوب)، مطر شديد الانصباب، وليس مجرد مطر، إذًا هذا هو الصيب، هو ذكر قال: ﴿ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ﴾ [البقرة: 19]، الظاهر أنها ظلمات كثيرة؛ لأنه جَمَعَ، ظلمات جمع ظلمة، السَّحْمَة (سَحمة يُقال: في ظلام أسحم شديد الظلمة)، وتطبيقه للسماء وظلمة الليل، هو نفسه مظلم كونه طبَّق السماء، فليس فيها مكان للضياء، الظلمة الثانية، والظلمة الثالثة ظلمة الليل، ظلمة الليل لأنه قال: ﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ﴾ [البقرة: 20]، لو كان نهارًا لكانوا مشَوا، وفيه رعد وبرق، إذًا هذه هي الظلمات، وفي القرآن لم ترد كلمة الظلمات مفردة أبدًا، بخلاف النور ورد مفردًا، إذًا الصيب مطر شديد الانصباب ينحدر، فيه هذه الظلمات؛ فقال: ﴿ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ﴾ [البقرة: 19] ليس فقط ظلمات.

قال: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة: 19]، الأصابع والمقصود هو الأنامل؛ لأن الإصبع لا يمكن أن يدخل في الأذن، وهذا مجاز مرسل؛ حيث أطلق الكل وأراد الجزء؛ وهذا لشدة الخوف، كأنما يجعلون أصابعهم لو استطاعوا أن يدخلوها كلها في آذانهم، لفعلوا من شدة الخوف وما هم فيه، والصواعق هي رعد شديد مع نار محرقة، وقد يصحبها جِرم حديد، ليس مجرد رعد، وليست صاعقة، وإنما صواعق ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة: 19]، إذًا هو رعد شديد مع نار محرقة، قد يكون معها حجر أو جرم، ولاحظ من فرط الدهشة أنهم يسدون الآذان من الصواعق، وسد الآذان ينفع من الصواعق، ينفع من الرعد، لكن لا ينفع مع الصاعقة، لكن لفرط دهشتهم لا يعلمون ماذا يفعلون، إذًا هم يتخبطون، وصواعق جمع صاعقة، لاحظ المبالغات الموجودة في الآية؛ صواعق وظلمات وصيب وليس مجرد مطر: ﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ﴾ [البقرة: 20]، و(كلما) تفيد التكرار، إذًا لم تكن مرة واحدة، وجيء بها؛ لأنهم حريصون على المشي لكي يصلوا: ﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ﴾ [البقرة: 20]، كلما أضاء لهم البرق، مشوا فيه، ﴿ وَإِذَا أَظْلَمَ ﴾ [البقرة: 20]، ولم يقل: إن أظلم؛ للتحقق، ولو قال: إن أظلم يكون أقل، (إذا) للمتحقق الوقوع وللكثير الوقوع، أما (إن) فهي قد تكون للافتراضات، وقد لا يقع أصلًا، ثم قال: ﴿ مَشَوا ﴾ ولم يقل: سعوا؛ لأن السعي هو المشي السريع، أما المشي ففيه بطء؛ إشارة إلى ضعف قواهم، لا يستطيعون مع الخوف والدهشة، لا يعلمون كيف يفعلون، ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾ [البقرة: 20]، لذهب بسمعهم مع قصف الرعد يعني جعلهم صُمًّا، وأبصارهم مع البرق، لماذا لم يفعل إذًا؟ كان يمكن أن يذهب بسمعهم مع قصف الرعد، وأن يذهب بأبصارهم مع ومض البرق، لا، هو أراد أن يستمر الخوف؛ لأنه لو ذهب السمع لم يسمعوا، ولو ذهب البصر لم يبصروا، فأصبحوا بمعزل، هو أراد أن يبقوا هكذا حتى يستمر الخوف، وقدَّم السمع لأن الخوف معه أشد"؛ [انتهى، لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي].

فائدة: أول مثال ورد في أول سورة من القرآن الكريم كان في حق المنافقين.

الأساس الثاني: دعوة البشرية إلى دين التوحيد، بشقَّيه: الإيمان بالله، وبالرسالة، مشفوعة بدلائل التوحيد، وجزاء من يكفر بها ومن يؤمن بها.


فأما الدعوة إلى الإيمان بالله، فتبدأ بأمر الناس بعبادته: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ [البقرة: 21]، وتنتهي بنهيهم عن الشرك به: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].

والآيات تعرض دلائل التوحيد الأساسية، التي تتفرع عنها كل الآيات الأخرى الواردة في سور القرآن الكريم؛ وهي:
آية الخلق: تدل على أنه الخالق المتفرد، فخلقكم أيها الناس آية من آيات التوحيد: ﴿ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].


وآية التسخير: وتسخير السماوات والأرض آية أخرى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ [البقرة: 22].


آية الماء: وإنزال سبب الحياة الأول على هذه الأرض؛ الماء، آية ثالثة: ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ [البقرة: 22]، فجعل خزائنه في السماء ينزلها بالقدر الذي يريد في الوقت الذي يريد؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22].


وآية الرزق: فكان منه الرزق الذي تعتاشون عليه: ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22].


آية الحياة والموت والبعث: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28].


كيفية الخلق: الأرض أولًا ثم السماء: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 29].


تسوية السماوات سبعًا: ﴿ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة: 29].


علمه جل جلاله المطلق المحيط بكل شيء: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، بكل شيء.

فائدة: يلفتنا استخدام كلمة "لكم" في الآيتين اللتين تتحدثان عن خلق السماوات والأرض، وفي هذا تكريم لكم يا بني آدم وعلو شأن عند ربكم: ﴿ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ [البقرة: 22]، والماء والرزق، ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22]، فكل ما خلق الله في الأرض خلقه من أجل الإنسان؛ لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، فيا أيها الناس، أبَعْدَ كل هذا التكريم الذي خصكم الله به تكفرون بخالقكم وتجعلون له أندادا؟

وأما البرهان على أن هذه الرسالة تنزيل إلهي، وليست قولَ بشر، فتأتي بأسلوب التحدي: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].


أن يأتوا بسورة واحدة من مثله.


أن يأتوا بمن شاؤوا من الشهداء على صدق ما جاؤوا به، ولن يفعلوا.

وأما جزاء من يكفر بها:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].

وأما جزاء من يؤمن بها:
﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25].

ثم يعود السياق مرة أخرى إلى المنافقين، في متابعة لموقفهم من ضرب الله الأمثال في القرآن الكريم، وتحديدًا المثل الذي وصفهم به في صدر السورة:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 26، 27].


ومناسبة هذه الآية كما ورد في ابن كثير عن ابن عباس وعن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين؛ يعني قوله: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ [البقرة: 17]، وقوله: ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 19]، الآيات الثلاث في صفة المنافقين، قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله: ﴿ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27].

قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾ [البقرة: 27] إلى قوله: ﴿ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27] قال: "هي ست خصال من المنافقين، إذا كانت فيهم الظهرة على الناس، أظهروا هذه الخصال:
إذا حدثوا كذبوا.


وإذا وعدوا أخلفوا.


وإذا اؤتمنوا خانوا.


ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه.


وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل.


وأفسدوا في الأرض.


وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال الثلاث: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا"؛ [تفسير ابن كثير].


والحمد لله رب العالمين.
يتبع...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]