عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-08-2019, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي الأحاديث التي حكم عليها الترمذي بالنكارة.. جمعًا ودراسة

الأحاديث التي حكم عليها الترمذي بالنكارة جمعًا ودراسة 1
محمد بن تركي التركي



المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد:
فلا يخفى على المختصين في السنة النبوية أن هناك الكثير من المصطلحات الحديثية لا تزال تحتاج إلى تحرير وبحث مستفيض، لمعرفة مدلولاتها وتطبيقاتها عند أئمة هذا الشأن، وخاصة المتقدمين منهم.
ومن هذه المصطلحات مصطلح: "الحديث المنكر"، فلا زال يحتاج إلى تحرير ودراسة؛ لعدم وجود اتفاق على حدّه وتعريفه عند أئمة هذا الفن.
وقد أشار الحافظ ابن رجب إلى هذا بقوله: "ولم أقف لأحد من المتقدمين على حدّ المنكر من الحديث وتعريفه إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي..." [1] ثم ذكر تعريفه له.
كما أنه اشتهر عند الباحثين بأنه: الحديث الذي رواه الضعيف مخالفًا لمن هو أوثق منه، ولكن عند التأمل يجد الباحث أن هذا المصطلح أطلق على غير هذا المعنى عند كثير من الأئمة.
ولما كان تحرير هذا المصطلح عمومًا يحتاج إلى دراسته عند جميع العلماء ممن أطلق هذا المصطلح على بعض الأحاديث، ومن ثم دراسة هذه الأحاديث وتحديد مراد هذا الإمام من هذا المصطلح، وهذا يستدعي وقتًا طويلاً، وأن يفرد برسائل علمية مستقلة.
لذا، رأيت أن أقتصر على محاولة معرفة معنى هذا المصطلح عند أحد هؤلاء الأئمة، وهو الإمام الترمذي؛ لكونه إمامًا من أئمة هذا الفن، وخاصة في علم العلل، ولكونه تتلمذ على يدي شيخ المحدثين وإمامهم الإمام البخاري - رحمه الله -.
ولعلي أو غيري أن يكمل هذه السلسلة بدراسة معنى هذا المصطلح عند غيره، وخاصة أصحاب الكتب الستة ومن تقدمهم، ومن ثم تجمع نتائج هذه الدراسات للخروج بمعنى هذا المصطلح عند أئمة هذا الفن.
وقد جمعت الأحاديث التي حكم عليها الإمام الترمذي بالنكارة في جامعه [2] دون التي نقل حكم غيره عليها، ثم قمت بتخريجها، والترجمة لرواتها الذين عليهم مدار الحديث، ثم الحكم عليها؛ لمحاولة معرفة مراد الإمام الترمذي من إطلاقه لهذا المصطلح.
ثم ذكرت أقوال العلماء حول هذا الحديث؛ ليعرف من وافق الإمام الترمذي في هذا الحكم.
ثم ختمت البحث بالنتائج التي توصلت إليها.
وأخيرًا أعود فأقول: إن هذا البحث يعتبر لبنة أولى لمحاولة تحديد معنى هذا المصطلح، ولعله أن يكون سببًا وبداية لكتابة بحوث أخرى عن هذا المصطلح عند غيري من الباحثين.
وفي الختام، فهذا جهد بشري، ولن يخلو من النقص والخلل، كما هي طبيعة البشر، ولكن حسبي أني بذلت فيه ما بوسعي وطاقتي، فما كان فيه من صواب فبتوفيق من الله وحده، وما كان فيه من خلل وخطأ فمني ومن الشيطان، وأسأل الله - عز وجل - أن يعفو ذلك عني.
كما أسأله - عز وجل - أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن يجعله من العلم الذي يُنتفع به، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحديث الأول:
قال الإمام الترمذي[3]: "حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ وَاقِدٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ فَلا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إِلا بِإِذْنِهِمْ))".
قَالَ أَبُو عِيسَى: "هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ الثِّقَاتِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوًا مِنْ هَذَا".
قَالَ أَبُو عِيسَى: "وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَأَبُو بَكْرٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اسْمُهُ الْفَضْلُ بْنُ مُبَشِّرٍ وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْ هَذَا وَأَقْدَمُ".
تخريج الحديث:
أخرجه الترمذي أيضًا في العلل الكبير (1 / 127) (217).
وابن عدي في الكامل (1/ 348)، من طريق بكر بن عبد الوهاب القزاز.
وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (1 / 190)، من طريق إبراهيم بن محمد بن الحسن.
وأبو نعيم أيضًا (1 / 266)، من طريق الحسن بن بطة.
والقضاعي في مسند الشهاب (1 / 318) (536)، من طريق إبراهيم بن عبد الله الزبيبي.
خمستهم عن بشر بن معاذ.
وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1 / 169) - ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2 / 34) (869) -، من طريق سليمان بن أيوب البصري.
كلاهما (بشر، وسليمان) عن أيوب بن واقد، به مثله.
وتوبع أيوب: تابعه أبو بكر المدني:
أخرجه ابن ماجه (1 / 560) (1763)، عن محمد بن يحيى الأزدي.
والدينوري في المجالسة (7 / 263) (3161)، عن إسحاق بن الحسن الحربي.
كلاهما عن موسى بن داود الضبي.
وابن ماجه في الموضع السابق، من طريق خالد بن أبي يزيد.
والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (3 / 358)، والذهبي في الميزان (2 / 411) معلقًا، من طريق جُبارة بن المغلس.
كلهم: (موسى، وخالد، وجُبارة) عن أبي بكر الداهري المدني، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة –رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِذَا نَزَلَ الرَّجُلُ بِقَوْمٍ فَلا يَصُومُ إِلا بِإِذْنِهِمْ)).
وذكره الترمذي في الموضع السابق، وابن حبان في المجروحين (2 / 22)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2 / 34)، من رواية أبي بكر الداهري به نحوه.
وقال الترمذي: "سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث منكر".[4]
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح... وقد روى هذا الحديث أبو بكر الداهري عن هشام بن عروة، والداهري كان يضع الحديث على الثقات". [5]
وقال البيهقي: "إسناده مظلم". [6]
وقال ابن القيسراني: "وأيوب هذا أنكر عليه هذا الحديث، وضُعف لأجله". [7]
وقال الصغاني: "موضوع". [8]
ومما تقدم يتضح أن هذا الحديث رواه عن هشام بن عروة: أيوب بن واقد، وأبو بكر المدني الداهري.
وفيما يلي ترجمة لكل منهما:
- أيوب بن واقد، أبو الحسن الكوفي، نزيل البصرة [9] متفق على تضعيفه.
فقد ضعفه ابن معين [10]، وأحمد [11]، والنسائي [12]، وذكره أبو زرعة [13]، والعقيلي [14]، وابن شاهين [15]، وابن الجوزي [16] في الضعفاء.
وقال البخاري: "حديثه ليس بالمعروف"، ثم قال: "منكر الحديث". [17]
وقال في موضع آخر: "عنده مناكير". [18]
وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، وحديثه ليس بمعروف، منكر". [19]
وقال الدارقطني: "منكر الحديث" [20]، وفي موضع آخر: "متروك". [21]
وقال ابن حبان: "كان يروى المناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان يتعمد لها، لا يجوز الاحتجاج بروايته". [22]
وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يتابع عليه". [23]
وقال الذهبي: "واه". [24]
وقال الحافظ ابن حجر: "متروك". [25]
والخلاصة: أنه متروك، كما قال الحافظ ابن حجر.
- أبو بكر الداهري، هو عبد الله بن حكيم المدني. متفق على تضعيفه، والأقوال في ذلك كثيرة جدًّا، ومما قيل فيه:
قال ابن أبي حاتم: "ترك أبو زرعة حديثه ولم يقرأه علينا، وقال: هو ضعيف. وسمعت أبي يقول: ضعيف الحديث. وقال مرة: ذاهب الحديث". [26]
وقال الدارقطني [27]، ويعقوب بن شيبة [28]، وابن خراش [29]: "متروك الحديث".
وقال ابن حبان: "كان يضع الحديث على الثقات ويروي عن مالك والثوري ومسعر ما ليس من أحاديثهم، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه". [30]
وقال أبو نعيم الأصبهاني: "حدَّث عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش والثوري بالموضوعات". [31]
وقال ابن عبد البر: "مجتمع على ضعفه". [32]
وقال الجوزجاني: "كذاب". [33]
وقال ابن عدي: "منكر الحديث". [34]
والخلاصة: أنه متروك، والله أعلم.
ومما تقدم يتضح أن حكم الإمام الترمذي على هذا الحديث بالنكارة؛ لأنه قد تفرد بروايته عن هشام بن عروة: أيوب بن واقد، وهو متروك، وقد تابعه أبو بكر الداهري، ولكنه متروك أيضًا، فلا يعتد بمتابعته، والله أعلم.
وقد ورد للحديث شاهد، ولكنه ضعيف جدًّا:
أخرجه الدارقطني في الأفراد (أطراف الغرائب 5 / 322)، والطبراني في الأوسط (7 / 284) (6551)، وفي الصغير (2 / 165) (965)، وفي الدعاء (3 / 1606) (1793)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (47 / 58)، من طريق محمد بن عمرو بن سلمة المرادي، عن يونس بن تميم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أَلْبَسَهُ اللَّهُ نِعْمَةً فَلْيُكْثِرْ مِنَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَمَنْ كَثُرَتْ هُمُومُهُ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَمَنْ أَبْطَأَ عَنْهُ رِزْقُهُ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لا حَوْلَ وَلا قْوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، وَمَنْ نَزَلَ مَعَ قَوْمٍ فَلا يَصُومَنَّ إِلا بِإِذْنِهِمْ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ قَوْمٍ فَلْيَجْلِسْ حَيْثُ أَمَرُوهُ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ أَعْلَمُ بِعَوْرَةِ دَارِهِمْ، وَإِنَّ الذَّنْبَ الْمَسْخُوطَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ: الْحِقْدُ، وَالْحَسَدُ، وَالْكَسَلُ فِي الْعِبَادَةِ، وَالضَّنْكُ فِي الْمَعِيشَةِ)).
وقال الدارقطني: "تفرد به يونس بن تميم [35] عن الأوزاعي عنه –يعني: يحيى بن أبي كثير-، وتفرد به عنه محمد بن سلمة المرادي".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا الأوزاعي، ولا عن الأوزاعي إلا يونس بن تميم، تفرد به محمد بن سلمة المرادي".
وذكره الذهبي فيما استنكر على يونس بن تميم، وقال: " خبر باطل " [36]
الحديث الثاني:
قال الإمام الترمذي [37]: "حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ - قَال: سَمِعْتُ أَبَا كَبْشَةَ الأَنْمَارِيَّ يَقُولُ: كَانَتْ كِمَامُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – بُطْحً".
قَالَ أَبُو عِيسَى: "هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ بَصْرِيٌّ، هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ. وَبُطْحٌ يَعْنِي: وَاسِعَةً"[38].
تخريج الحديث:
أخرجه من طريق الترمذي ابن الأثير في أسد الغابة [39] (5 / 281، 282).
وأخرجه السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (ص: 117)، من طريق حميد بن مسعدة.
وابن قانع في معجم الصحابة (2 / 222) (729)، والعُقيلي في الضعفاء (2 / 234) (785)، من طريق محمد بن عقبة السدوسي.
كلاهما عن محمد بن حُمرَان، عن عبد الله بن بسر، عن أبي كبشة الأنماري مثله.
وقال العُقيلي: "لا يحفظ إلا عنه"، يعني: عبد الله بن بسر.
وذكره الذهبي في الميزان (4 / 67)، فيما استنكر على عبد الله بن بسر.
قلت: ومداره على محمد بن حُمرَان، عن عبد الله بن بسر، وفيما يلي ترجمة لكل منهما:
- محمد بن حُمرَان بن عبد العزيز، أبو عبد الله القيسي البصري.
قال أبو حاتم: "صالح". [42]
وقال أبو زرعة: "محله الصدق". [43]
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "يخطئ". [44]
وقال النسائي: "ليس بالقوي". [45]
وقال ابن عدي: "ومحمد بن حمران له غير ما ذكرت من الحديث إفرادات وغرائب ما أرى به بأسًا، وعامة ما يرويه مما يحتمل له عمن روى عنهم". [46]
وقال الذهبي: "صالح الحديث". [47]
وقال الحافظ ابن حجر: "صدوق فيه لين". [48]
والخلاصة: أنه صدوق فيه لين، كما قال الحافظ ابن جحر، والله أعلم.
- عبد الله بن بُسر السَّكسَكي، أبو سعيد الشامي الحمصي. متفق على تضعيفه.
قال يحيى بن سعيد: "رأيته وليس بشيء". [49]
وتقدم نقل الترمذي عن يحيى تضعيفه.
وقال النسائي: "ليس بثقة". [50]
وقال الدارقطني [51] وأبو علي الطوسي [52] "ضعيف".
وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث". [53]
وقال أبو داود: "ليس بالقوي". [54]
وقال الحافظ ابن حجر: "ضعيف". [55]
والخلاصة: أنه متفق على تضعيفه، والله أعلم.
ومما تقدم يتضح أن حكم الإمام الترمذي على هذا الحديث بالنكارة؛ لأجل تفرد عبد الله بن بسر به، وهو متفق على تضعيفه كما تقدم، وقد عدّ الذهبي هذا الحديث فيما استنكر على عبد الله بن بسر، والله أعلم.
الحديث الثالث:
قال الإمام الترمذي [56]: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَلاقٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((تَعَشَّوْا وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ حَشَفٍ، فَإِنَّ تَرْكَ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ))".
قَالَ أَبُو عِيسَى: "هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَنْبَسَةُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عَلاقٍ مَجْهُولٌ".
تخريج الحديث:
أخرجه من طريق الترمذي ابن الجوزي في الموضوعات (3 / 194) (1417).
وأخرجه أبو يعلى (7 / 314) (4353) - ومن طريقه ابن عدي في الكامل (5 / 1901)، والمزي في تهذيب الكمال (18 / 377) - عن محمد بن بحر، عن محمد بن يعلى، عن عنبسة به.
وقد اضطرب عنبسة بن عبد الرحمن في هذا الحديث:
1 - فرواه مرة - كما تقدم - عن عبد الملك بن علاق، عن أنس –رضي الله عنه-.
2 - ورواه مرة أخرى عن علاق بن أبي مسلم، عن أنس –رضي الله عنه-:
أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1 / 428) (735)، من طريق عبيدة بن الحارث.
وابن أبي حاتم في العلل (2 / 11) (1505)، من طريق إسماعيل بن أبان الوراق.
وتابعهما: غسان بن مالك بن عباد السلمي، ذكر ذلك المزي في تحفة الأشراف (1 / 284)، وفي تهذيب الكمال (18 / 377).
كلهم عن عنبسة، عن علاق بن أبي مسلم [57] عن أنس –رضي الله عنه-.
وقال ابن أبي حاتم: "قرأ علينا أبو زرعة كتاب الأطعمة فانتهى إلى حديثٍ كان حدَّثهم قديماً إسماعيل بن أبان الوراق عن عنبسة بن عبد الرحمن عن علاق بن أبي [58] مسلم عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تَعَشَّوْا وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ حَشَفٍ، فَإِنَّ تَرْكَ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ)). قال أبو زرعة: "هذا حديث ضعيف. ولم يقرأه علينا".
وقال ابن حبان: "علاق بن أبي مسلم شيخ يروي عن أنس وأبان بن عثمان ما ليس يشبه حديث الأثبات على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وهو الذي روى عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تَرْكُ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ)). وهذا لا أصل له". [59]
3 - ورواه مرة ثالثة عن مسلم، عن أنس –رضي الله عنه-:
أخرجه الطبراني في الأوسط (6 / 350) (6595)، وأبو نعيم في الحلية (8 / 215) [60]، والخطيب في تاريخ بغداد (3 / 396).
كلهم من طريق يحيى بن أيوب، عن محمد بن صبيح بن السماك، عن عنبسة به.
وذكره المزي في تحفة الأشراف (1 / 284)، وفي تهذيب الكمال (18 / 377)، من رواية ابن السماك.
وقال الطبراني: "لا يروى هذا عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن السماك".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عنبسة وابن السماك، لم نكتبه إلا من حديث يحيى بن أيوب".
4 - ورواه مرة رابعة عن موسى بن عقبة، عن ابن أنس بن مالك، عن أبيه:
أخرجه ابن عدي في الكامل (4 / 1604)، و (5 / 1901)، من طريق عبد الرحمن بن مسهر الكوفي، عن عنبسة به.
وقال ابن عدي في الموضع الأول: "وهذه الأحاديث لعله لم يؤت من قبل عبد الرحمن بن مسهر، وإنما أتى من قبل عنبسة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة؛ لأن عنبسة ضعيف".
وقال في الموضع الثاني: "وعنبسة هذا له غير ما ذكرت من الحديث، وهو منكر الحديث".
قلت: ومداره في الأوجه السابقة على عنبسة بن عبد الرحمن القرشي الأموي، وهو متفق على تضعيفه جدًّا، ومما قيل فيه:
قال البخاري: "ضعيف ذاهب الحديث". [61]
وقال أبو حاتم: "هو متروك الحديث، كان يضع الحديث". [62]
وقال النسائي: "متروك الحديث". [63]
وقال ابن حبان: "صاحب أشياء موضوعة وما لا أصل له مقلوب، لا يحل الاحتجاج به". [64]
وقال الحافظ ابن حجر: "متروك". [65]
والخلاصة: أنه متروك.
وقد اضطرب في هذا الحديث فرواه على عدة أوجه مما زاده ضعفًا. وعليه فلا يصلح الاحتجاج بشيء منها.
وله طريق أخرى عن أنس –رضي الله عنه-، لكنها موضوعة.
فقد أخرجه ابن النجار في تاريخه -كما في اللآلي المصنوعة (2 / 255)- من طريق أبي الهيثم القرشي، عن موسى بن عقبة عن أنس –رضي الله عنه- نحوه مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ قال ابن الجوزي [66] والذهبي [67]: "أبو الهيثم القرشي عن موسى بن عقبة، قال الأزدي: كذاب".
وله شاهد عن جابر، ولكنه ضعيف جدًّا:
فقد أخرجه ابن ماجه (2 / 1113) (3355)، عن محمد بن عبد الله الرقي، عن إبراهيم بن عبد السلام المخزومي، عن عبد الله بن ميمون، عن محمد بن المنكدر، عن جابر –رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تَدَعُوا الْعَشَاءَ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنَّ تَرْكَهُ يُهْرِمُ)).
وقال السخاوي: "إبراهيم بن عبد السلام ضعيف يسرق الحديث، وحكم عليه الصغاني بالوضع". [68]
قلت: وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه إبراهيم بن عبد السلام ضعيف جدًّا، قال ابن عدي: "ليس بمعروف، حدَّث بالمناكير، وعندي أنه ممن يسرق الحديث". [69]
وعبد الله بن ميمون الراجح أنه القداح، وهو منكر الحديث متروك. [70]
ومما تقدم يتضح أن الإمام الترمذي حكم على هذا الحديث بالنكارة؛ لتفرد عنبسة به، وهو متروك، كما تقدم.
وتقدم أيضًا أن الحديث بطريقيه وشاهده ضعيف جدًّا، وحكم عليه بعضهم بالوضع، والله أعلم.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]