عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 15-12-2007, 03:21 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

ماذا حل ببني شيبان ؟


بقلم: د. عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه.. حتى جئنا عشيرة شيبان بن ثعلبة وفيهم (مفروق) قد غلبهم لسانًا وجمالاً، فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟
قال مفروق: إنا لا نزيد على الألف، ولن تُغلب ألف من قلة.
قال أبو بكر: وكيف المَنَعة فيكم؟
فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبًا حين نلقى. وأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد.. لعلك أخو قريش؟
قال أبو بكر: إن كان بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هو ذا.
قال مفروق: إلام تدعونا يا أخا قريش؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني عبد الله ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشًا قد تظاهرت على الله، وكذبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد ".
قال مفروق: وإلام تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فو الله ما سمعت كلامًا أحسن من هذا.
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "[الأنعام: 151].
قال مفروق: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
ثم ردَّ الأمر إلى هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا.
قال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وإني أرى تركَنا ديننا واتِّباعَنا دينك، لمجلس جلست إلينا لا أول له ولا آخر؛ لذل في الرأي، وقلة نظر في العاقبة أن الزلة مع العجلة، وإنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدًا، ولكن نرجع وترجع وننظر.
ثم قال: وهذا المثنى [يقصد الصحابي الجليل المثنى بن حارثة الشيبانيالذي لم يكن أسلمَ بعد] شيخنا وصاحب حربنا.
قال المثنى: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك.. وإنَّا إنما نزلنا على عهدٍ أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثًا، ولا نؤوي محدِثًا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فَعَلنا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم..".[1]
تعقيب:
اشترط بنو شيبان لإسلامهم ـ أو على الأقل: التحالف مع المسلمين ـ شرطاً واحداً هو عدم مشاركتهم للمسلمين مستقبَلاً في قتال يلي مياه خليج العرب، فهم يخشون محارَبة الفرس الذين يقعون في الضفة الأخرى من الخليج.
ولأجل هذا الشرط توقف حوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع بني شيبان، رغم حاجته الشديدة لهم ولقوتهم وشدة بأسهم التي ملأت شهرتها الآفاق؛ فلو كان محمد صلى الله عليه وسلم طالب هوىً ودنيا، لفرح بهم فرحاً شديداً، ولوافق فوراً على شرطهم الشكلي، مبرراً ذلك بالضرورة السياسية و(التكتيكات) المطلوبة من سياسي محنك!
إن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ أول من يعلم أن الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، ومن الممكن أن يخوض المسلمون حرباً ضد كسرى.
ورسول الله متيقن أن دعوة الإسلام ستتجاوز الخليج قريباً، وسيشهد ذلك كثير ممن يسمعه من بني شيبان.
وفي الحديث الشريف قاعدة ربانية وسنة كونية ثابتة: " إن دين الله عز وجل لن ينصره إلا مَن حاطَهُ من جميع جوانبه" ودلَّت أحداث التاريخ على صدق هذه القاعدة، وبُعد نظر قائلها المعصوم صلى الله عليه وسلم.
فحدثت المفاجأة بعد أقل من عشر سنين من تلك الجلسة بين رسول الله وبني وشيبان، حين أسلم بنو شيبان بعد أن ظهَرَت دولةَ الإسلام، وأخذوا الإسلام (طبقوه) من جميع جوانبه، فقادالمثنى بن حارثة الشيبانيأول فاتح للعراق وبلاد فارس، وصاحب الخطط العسكرية الناجحة في التعامل مع جيش الفرس المدجج بأفضل أنواع الأسلحة والجياد والفيلة، وأنسب خطط التعامل مع مستنقعات (أهوار) وأنهار العراق، وكان قومه مِن أجرأ المجاهدين في قتال الفرس!!
وهذا مصداق بشرى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم: " أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم..".
وهنا يعود السؤال: ما الذي حلَّ ببني شيبان فقلب خوفهم من الفرس: شجاعة؟!
للتواصل: د. عبد الرحيم الشريف

ـــــــــــــ
[1] انظر: البداية والنهاية، ابن كثير 3/143 وعيون الأثر لابن سيد الناس 1/204.
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.04 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]