عرض مشاركة واحدة
  #46  
قديم 03-04-2024, 05:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,733
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(46)

-حبُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم للقرآن والوحي




اعداد: الفرقان

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
( سورة القيامة )
باب: في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}.
2173. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْله {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ[ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ[ يُحَرِّكُهُمَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَك لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، قَالَ: جَمْعَهُ فِي صَدْرِكَ ثُمّ،َ تَقْرَؤُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، قَالَ: فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا أقْرَأَهُ.

الشرح: سورة القيامة : باب في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} أورد فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما، الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله في الصلاة، باب الاستماع والقراءة.
في قوله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، المعالجة: هي المشقة في تحصيل الشيء، وهذا كان يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي، ويظهر ذلك على وجهه وأثره على بدنه، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فينفصل عنه الوحي، وإنّ جبينه ليتفصّد عَرقاً، يعني يسيل عرقا في اليوم الشديد البرد، وهذا يدل على الشدة وثقل الوحي عندما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله تعالى: {إنا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً} (المزمل).
وثقل الوحي من ثقل ما جاء به من القرآن العظيم والتنزيل الحكيم من عند الله الملك العظيم، وأيضا من هيبة المَلَك، فإن جبريل عليه السلام رسول بين الله تعالى وبين خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءه من عند الله أخذته الهيبة والشدة بسبب ذلك.
قوله: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه عند نزول الوحي، كان النبيصلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه ولسانه، يقرأ مع الملك، والسبب في تحريك النبي صلى الله عليه وسلم للسانه وشفتيه مع قراءة جبريل عليه السلام هو خشيته أن يذهب عليه، فينساه ولا يحفظه، فقال الله تعالى له: {لا تُحرِّكْ به لسَانكَ لتعجَلَ به إنّ علينا جمعه} أي : في صدرك وقرآنه، أي : علينا أن يقرأه جبريل كما أمرناه فإذا قرآناه، والمقصود إذا قرأه جبريل بلسانه، وهذا بإضافة إلى ما يكون بأمر الله إلى الله تعالى، فما يكون بأمر الله يصح أن يضاف إلى الله سبحانه وتعالى، فجبريل كان ينزل بأمر الله تبارك وتعالى وبكلامه ووحيه، ولذلك صحت الإضافة فإذا قَرأناه، أي: إذا قرأه جبريل فاتبّع قرآنه، يعني: استمع لقراءته وأنصت، ثم اقرأه كما قرأه متبعاً له، وقد قال أيضا جل وعلا في هذا أيضا: {ولا تَعجلْ بالقُرآن من قبلِ أن يُقضى إليك وحيه} (طه: 114)، أي: اصبر حتى يفرغ جبريل منه.
والاستماع والإنصات للقراءة صار أدباً من آداب المسلمين إذا تُلي القرآن، كما قال الله تعالى: {وإذا قُرئ القُرآن فاسْتَمعوا له وأَنصتُوا لعلكم تُرحمون} (الأعراف: 204)، أي: والاستماع ليس مجرد السماع، بل هو الإنصات والإصغاء، وترك التحدث أو الاشتغال بما يصدُّ عن الاستماع، فاستمعوا بقلوبكم لكلام الله، لتحصل لكم الرحمة والخير الكثير، والبصيرة والعلم الغزير، والإيمان المتجدد، والهداية للصراط المستقيم.
وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر به الأمة، في الصلاة وخارج الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم عن الإمام في الصلاة: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا..» رواه النسائي وأصله في الصحيحين.
وقد قال جمعٌ من أهل العلم: إن الاستماع لقراءة القرآن في الصلاة فيما سوى أم الكتاب، أما أم الكتاب فيجب قراءتها على الإمام والمأموم، لقوله علية الصلاة والسلام: «لا صلاةَ لمن لم يَقرأ بفاتحة الكتاب» متفق عليه، وأحاديث بألفاظٍ أخرى في هذا الباب، فالإنصات والسكوت مطلوب عند قراءة القرآن.
وقوله: {ثم إنَّ علينا بيانه}، أي: أن تقرأه بعد ذلك كما قرأه جبريل عليه السلام، وهذا الاستعجال كما قلنا سببه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن يتفلّت منه القرآن، فقال الله له لا تخف: {إن علينا جمعه}، أي: في صدرك فلا يذهب عنك منه شيءٌ {وقرآنه} أي: أن تقرأه كما قرأه جبريل {فإذا قرأناه}، أي إذا أتمّ جبريل قراءته {فاتبع قرآنه}، أي: استمع قراءته حتى يرسخ في ذهنك، ثم تقرأه بعد ذلك.

وقوله: {ثم إنّ علينا بَيانه}، أيضا معناه: بيان وتفسير ما فيه من الحلال والحرام والأحكام، وبيان ما أجمل لك في القرآن وما أشكل عليك، أو أشكل على أصحابك بالوحي النبوي والسُّنة، فمن أخذ بالقرآن وحده وأعرض عن السنة فقد خالف القرآن؟!
فالسُّنة مبينة للكتاب وشارحة له، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه تفسير الكتاب، كما قال تعالى: {وما يَنطقْ عن الهَوى، إنْ هو إلا وحيٌ يُوحى} (النجم: 3-4)، فمن زعم التمسك بالقرآن وحده، وترك الاعتصام والرجوع إلى السنة النبوية، فهو مخالف لما جاء في الكتاب لأن الكتاب يقول: {ثم إنّ علينا بيانه}، وهذا البيان تارة يكون بالقرآن، وتارة يكون بلسان الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالذي يترك بيان النبي صلى الله عليه وسلم يكون قد ترك القرآن، كما أوضح الله سبحانه وتعالى.
وأخذ أهل العلم من هذا: جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى حين الحاجة، فقد تنزل عليه الآية، ويتأخر بيانها وتفصيل العمل بها.
قوله: «فقال لي ابن عباس - والقائل هو سعيد بن جبير - قال: أنا أحركهما لك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، فحرك شفتيه فقال سعيد: أنا أحركهما، كما كان ابن عباس يحركهما» قول سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما، هذا يسمى عند أهل الحديث: بالحديث المُسْلَسل، وهو الذي يرويه الراوي ويذكر صفة معينة مثل أن يبتسم عند التحديث بالحديث أو أن يرفع بصره عند التحديث بالحديث ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل فهذا يسميه أهل الحديث بالحديث المسلسل، وهو من الندرة في الأحاديث وليس كثيراً.
قال في البيقونية:
10- مُسَلْسَلٌ قُلْ ما عَلى وَصفٍ أتَى
مثلُ: أما والله أنبَأني الفَتى
11-كـذاكَ قـدْ حدَثَنـيه قائمـاً
أو بعدَ أن حدَّثَنِي تَبَسَّمَا
فمن أقسام الحديث (المسلسل) وهو اسم مفعول من (سَلسله) إذا ربطه في سلسلة، هذا في اللغة.
وفي الاصطلاح: هو الذي اتفق فيه الرواة، فنقلوه بصيغة معينة، أو حال معينة.
يعني أن الرواة اتفقوا فيه على وصفٍ معيَّن، إما وصف الأداء، أو وصف حال الراوي أو غير ذلك .
والمسلسل قد يكون في السند ، وقد يكون في المتن ، وقد يكون فيهما معاً.
وفائدة معرفة المسلسل هو: التنبيه على أن الراوي قد ضبط الرواية .
وأيضا مما يستفاد من هذا الحديث :
حبُّ النبي صلى الله عليه وسلم للعلم، وحرصه وشوقه على تلقي الوحي من الله عز وجل.
وحرصه أيضا صلى الله عليه وسلم على الزيادة منه، وأمر الله له بذلك في قوله: {وقل ربّ زدني علماً}، فإن العلم خير عظيم، والزيادة منه مطلوبة، وكذا الاجتهاد في تحصيله.
وفيها: سؤال الله تعالى الازدياد منه، والاستعانة به سبحانه على تحقيق ذلك.
وفيها أيضا: الأدب في تلقي العلم، وأن المتعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المعلم والمملي من كلامه المتصل، فإذا فرغ سأله، ولا يقطع عليه كلامه ويبادره بالسؤال، فربما حرم من العلم باستعجاله. وكذلك يجب على مَن يُستفتى - من أهل العلم وغيرهم - عدم الاستعجال بالجواب، قبل معرفة سؤال السائل، ومقصوده.
من أهوال القيامة
(ويل للمطففين)
باب: في قوله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين}.
2174. عَنْ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ: «يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ».
الشرح:
سورة «ويل للمطففين»، أو سورة «المطففين» وهي سورة مكية، باب في قوله تعالى: {يومَ يقومُ الناس لرب العالمين}، والحديث أخرجه الإمام مسلم في: كتاب صفة القيامة وأهوالها، أعاننا الله وإياكم على أهوالها، والحديث رواه البخاري أيضا.
قال ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يوم يقوم الناس لرب العالمين}، أي: سيقومون بين يدي الله تعالى فيحاسبهم على القليل والكثير، فعليهم الاستعداد لذلك.
قال: «يقومُ أحدُهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» والرشح هو العرق، ويحتمل أن يكون ذلك عرق نفسه، ويحتمل أن يكون عرقه وعرق غيره، وسبب كثرة العرق يوم القيامة أمور، منها: دنو الشمس من رؤوس العباد، كما جاء في الحديث الصحيح عن المقداد رضي الله عنه مرفوعا: «إذا كان يوم القيامة، أُدنيت الشمس من العباد حتى تكون قيد ميل أو ميلين، فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، منهم مَن يعرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى حقويه - يعني موضع الإزار منه - ومنهم من يلجمه إلجاما» رواه أحمد، نسال الله العافية.
وأيضا: فالعرق يكون بسبب ازدحام الناس يوم القيامة، وكثرة الخلق في ساحات القيامة، باجتماع الأولين والآخرين، والإنس والجن.
وأيضا: بسبب شدة الأهوال والخوف، فالإنسان في الموقف الصعب الشديد على النفس، وما يكون فيه فزع وخوف يعرق، فبسبب هول ذلك اليوم يكثر العرق .
نسال الله السلامة ! وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» يعني يظلون قائمين واقفين لرب العالمين، ويأخذ بعضهم الرشح إلى أنصاف أذنيه، وفي الرواية السابقة: أن بعضهم يلجمه العرق إلجاماً، وهذا ليس لكل الناس، بل كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بحسب العمل، لأن الأحاديث يوضّح بعضها بعضاً.
وأيضا من المعاني في قوله تعالى: {يومَ يقوم الناسُ لرب العالمين}، أي: يقومون من قبورهم بأمر رب العالمين، أن يقال لهم: قوموا فإذا هم قيام ينظرون، كما قال الله تبارك وتعالى: {ثم نُفخ فيه أُخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون} (الزمر: 68).
وقال أهل التفسير: المراد قيامهم من قبورهم لربهم، لفصل القضاء بينهم يوم القيامة، واقفين ليقضي الله تعالى بينهم بحكمه وبعدله.
وأيضا من المعاني: قيامهم بما عليهم من حقوق العباد، بين يدي الله عز وجل، فكلٌ يؤدي الحق الذي عليه، إن أخذ من مال أحد، إن أخذ من عرضه، إن ضربه، إن سبّه بغير حق، كل هذا يؤدى ما عليه غير منقوص، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
وقد جاء في الحديث: أن ذلك اليوم يخفف على العبد المؤمن، فقد روى أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يومَ يقوم الناسُ لرب العالمين مقدارَ نصفِ يوم من خمسين ألف سنةٍ، ُيهّون ذلك على المؤمنين، كتدلّي الشمس للغروب إلى أن تغرب «.
رواه ابن حبان (7333) وأبو يعلى (6025) وقال الهيثمي في المجمع (10/337): رجاله رجال الصحيح، وهو حديث صحيح.
يعني: يخفف هذا اليوم الشديد بهوله العظيم وكربه، على المؤمن حتى يكون كنحو ساعة فلا يشعر بثقله.
وهذه الأقوال يمكن أن تدخل كلها في تفسير قوله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين}؛ لأنها تصلح أن تكون تفسيراً للآية، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث لبيان ما يكون من العرق يوم القيامة في الموقف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]