عرض مشاركة واحدة
  #549  
قديم 14-08-2020, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (548)
تفسير السعدى
سورة ق
من الأية(1)
الى الأية(11)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة ق
{ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } 1 { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } 2 { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } 3 { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }4


يقسم تعالى بالقرآن المجيد أي: وسيع المعاني عظيمها، كثير الوجوه كثير البركات، جزيل المبرات. والمجد: سعة الأوصاف وعظمتها، وأحق كلام يوصف بهذا، هذا القرآن، الذي قد احتوى على علوم الأولين والآخرين، الذي حوى من الفصاحة أكملها، ومن الألفاظ أجزلها، ومن المعاني أعمها وأحسنها، وهذا موجب لكمال اتباعه و [سرعة] الانقياد له، وشكر الله على المنّة به.
ولكن أكثر الناس لا يقدر نعم الله قدرها، ولهذا قال تعالى: { بَلْ عَجِبُوۤاْ } أي: المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، { أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } أي: ينذرهم ما يضرهم، ويأمرهم بما ينفعهم، وهو من جنسهم، يمكنهم التلقي عنه، ومعرفة أحواله وصدقه.
فتعجبوا من أمر لا ينبغي لهم التعجب منه، بل يتعجب من عقل من تعجب منه. { فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ } الذين حملهم كفرهم وتكذيبهم، لا نقص بذكائهم وآرائهم. { هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } أي: مستغرب، وهم في هذا الاستغراب بين أمرين: إما صادقون في [استغرابهم و] تعجبهم، فهذا يدلّ على غاية جهلهم، وضعف عقولهم، بمنزلة المجنون الذي يستغرب كلام العاقل، وبمنزلة الجبان الذي يتعجب من لقاء الفارس للفرسان، وبمنزلة البخيل الذي يستغرب سخاء أهل السخاء، فأي ضرر يلحق من تعجب من هذه حاله؟ وهل تعجبه إلا دليل على زيادة ظلمه وجهله؟ وإما أن يكونوا متعجبين، على وجه يعلمون خطأهم فيه، فهذا من أعظم الظلم وأشنعه.
ثم ذكر وجه تعجبهم، فقال: { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } فقاسوا قدرة من هو على كل شيء قدير، الكامل من كل وجه، بقدرة العبد الفقير العاجز من جميع الوجوه، وقاسوا الجاهل الذي لا علم له، بمن هو بكل شيء عليم، الذي يعلم ما تنقص الأرض من أجسادهم مدة مقامهم في برزخهم، وقد أحصى في كتابه الذي هو عنده محفوظ عن التغيير والتبديل، كل ما يجري عليهم في حياتهم ومماتهم، وهذا استدلالً بكمال علمه، وسعته التي لا يحيط بها إلا هو، على قدرته على إحياء الموتى.
{ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ }5


أي: { بَلْ } كلامهم الذي صدر منهم، إنما هو عناد وتكذيب للحق الذي هو أعلى أنواع الصدق { لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أي: مختلط مشتبه، لا يثبتون على شيء، ولا يستقر لهم قرار، فتارة يقولون عنك إنك ساحر، وتارة مجنون، وتارة شاعر، وكذلك جعلوا القرآن عضين، كل قال فيه ما اقتضاه رأيه الفاسد، وهكذا كل من كذب بالحق، فإنه في أمر مختلط، لا يدرى له وجهة ولا قرار، [فترى أموره متناقضة مؤتفكة] كما أن من اتبع الحق وصدق به، قد استقام أمره، واعتدل سبيله، وصدق فعله قيله.
{ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } 6 { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } 7 { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } 8 { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } 9 { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } 10 { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ }11


لما ذكر تعالى حالة المكذبين وما ذمهم به، دعاهم إلى النظر في آياته الأفقية، كي يعتبروا، ويستدلوا بها على ما جعلت أدلة عليه فقال: { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ } أي: لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل، بل هو في غاية السهولة، فينظرون { كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجوار الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيباً، ولا فروجاً، ولا خلالاً، ولا إخلالاً.
قد جعلها الله سقفاً لأهل الأرض، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع.
{ وَ } إلى { ٱلأَرْضَ } كيف { مَدَدْنَاهَا } ووسعناها، حتى أمكن كل حيوان السكون فيها والاستقرار، والاستعداد لجميع مصالحه، وأرساها بالجبال، لتستقر من التزلزل والتموج، { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي: من كل صنف من أصناف النبات التي تسر ناظرها، وتعجب مبصرها، وتقر عين رامقها، لأكل بني آدم، وأكل بهائمهم ومنافعهم، وخص من تلك المنافع بالذكر، الجنات المشتملة على الفواكه اللذيذة، من العنب والرمان والأترج والتفاح، وغير ذلك من أصناف الفواكه، ومن النخيل الباسقات أي: الطوال، التي يطول نفعها وترتفع إلى السماء، حتى تبلغ مبلغاً لا يبلغه كثير من الأشجار، فتخرج من الطلع النضيد، في قنوانها ما هو رزق للعباد قوتاً وأدماً وفاكهة، يأكلون منه ويدخرون، هم ومواشيهم وكذلك ما يخرج الله بالمطر، وما هو أثره من الأنهار التي على وجه الأرض، والتي تحتها من حب الحصيد، أي: من الزرع المحصود، من بُرٍّ وشعير، وذرة، وأرز، ودخن وغيره.
فإن في النظر في هذه الأشياء { تَبْصِرَةً } يتبصر بها من عمى الجهل، { وَذِكْرَىٰ } يتذكر بها، ما ينفع في الدين والدنيا، ويتذكر بها ما أخبر الله به، وأخبرت به رسله، وليس ذلك لكل أحد، بل { لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } إلى الله أي: مقبل عليه بالحب والخوف والرجاء، وإجابة داعيه، وأما المكذب أو المعرض، فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون. وحاصل هذا، أن ما فيها من الخلق الباهر، والشدة والقوة، دليل على كمال قدرة الله تعالى، وما فيها من الحسن والإتقان، وبديع الصنعة، وبديع الخلقة، دليل على أن الله أحكم الحاكمين، وأنه بكل شيء عليم، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد، دليل على رحمة الله التي وسعت كل شيء، وجوده الذي عم كل حي، وما فيها من عظم الخلقة وبديع النظام، دليل على أن الله تعالى هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له كفواً أحد، وأنه الذي لا تنبغي العبادة والذل [والحب] إلا له تعالى.
وما فيها من إحياء الأرض بعد موتها، دليل على إحياء الله الموتى، ليجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال: { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ }.
ولما ذكرهم بهذه الآيات السماوية والأرضية، خوَّفهم أخذات الأمم، وألاَّ يستمروا على ما هم عليه من التكذيب، فيصيبهم ما أصاب إخوانهم من المكذبين، فقال: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ... }.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]