عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 25-04-2019, 01:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (13) ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله



د.وليد خالد الربيع



تقرر هذه الآية الكريمة حكمة قرآنية، وسنة ماضية، وحكما عادلا من الله تعالى وهو: «الجزاء من جنس العمل»؛ فمن عمل صالحا مخلصا لله لقي جزاء ذلك في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى، ومن عمل سيئة استحق العقوبة في الدنيا والآخرة إلا أن يعفو الله تعالى عنه.

والمكر بالناس وخديعتهم من جملة الأعمال السيئة التي نهى الله تعالى عنها وبين سوء مآلها وخطورة آثارها، وأكد أن عقوبتها من جنسها.

فالمكر في لغة العرب يدور حول الاحتيال والخداع كما قال ابن فارس، وقال الطبري: «وأما المكر فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر ليورطه الماكر به مكروها من الأمر» اهـ.

وأما في الاصطلاح فقد فرق كثير من العلماء بين المكر المضاف إلى الله تعالى والمكر الواقع من الخلق، كما قال الجرجاني في التعريفات: «المكر من جانب الحق تعالى: هو إرداف النعم مع المخالفة، وإبقاء الحال مع سوء الأدب، ومن جانب العبد: إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر»اهـ.

وقال الراغب مبينا أقسام المكر: «وذلك ضربان: مكر محمود وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال تعالى: {والله خير الماكرين}، ومذموم وهو أن يتحرى به فعلاً قبيحاً، قال تعالى: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، {وإذ يمكر بك الذين كفروا}، وقال في الأمرين: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا}»اهـ.

وقال مبينا أن الجزاء من جنس العمل: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}.

ويوضح الشيخ ابن سعدي المراد بالمكر في هذه الآية فيقول : «الذي مقصوده مقصود سيئ ومآله وما يرمي إليه سيئ فمكرهم إنما يعود عليهم»، ويؤكد ابن كثير هذا المعنى بقوله: «ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، أي وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم».

ويشير الشيخ الطاهر بن عاشور إلى ما اشتملت عليه هذه الآية من مواعظ وآداب فيقول : «فكم انهالت من خلال هذه الآية من آداب عمرانية ومعجزات قرآنية ومعجزات نبوية خفية»، ثم يفصل ذلك مبينا أن إضافة (مكر) إلى (السيئ) من إضافة الموصوف إلى الصفة مثل: عشاء الآخرة. وأصله: أن يمكروا المكر السيئ بقرينة قوله: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}.

ويوضح أن المكر هو إخفاء الأذى، وهو سيئ؛ لأنه من الغدر، وهو مناف للخلق الكريم، فوصفه بالسيئ وصف كاشف، ولعل التنبيه إلى أنه وصف كاشف هو مقتضى إضافة الموصوف إلى الوصف لإظهار ملازمة الوصف للموصوف فلم يقل: ومكروا سيئا، ويبين سبب كون المكر هنا سيئا، وذلك لأنه مكر بالنذير وأتباعه، وهو مكر ذميم لأنه مقابلة المتسبب في صلاحهم بإضمار ضره، وجملة {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} تذييل أو موعظة.

ومعنى كلمة يحيق: أي : ينزل بشيء مكروه، يقال : حاق به، أي : نزل وأحاط إحاطة سوء، أي لا يقع أثره إلا على أهله، وفيه حذف مضاف تقديره: ضر المكر السيئ أو سوء المكر السيئ كما دل عليه فعل (يحيق).

فإن كان التعريف في (المكر) للجنس كان المراد بأهله كل ماكر. وهذا هو الأنسب بموقع الجملة ومحملها على التذييل ليعم كل مكر وكل ماكر، فيدخل فيه الماكرون بالمسلمين من المشركين، فيكون القصر الذي في الجملة قصرا إدعائيا مبنيا على عدم الاعتداد بالضر القليل الذي يحيق بالممكور به بالنسبة لما أعده الله للماكر في قدره من ملاقاة جزائه على مكره، فيكون ذلك من النواميس التي قدرها القدر لنظام هذا العالم؛ لأن أمثال هذه المعاملات الضارة تؤول إلى ارتفاع ثقة الناس بعضهم ببعض، والله بنى نظام هذا العالم على تعاون الناس بعضهم مع بعض؛ لأن الإنسان مدني بالطبع، فإذا لم يأمن أفراد الإنسان بعضهم بعضا تنكر بعضهم لبعض، وتبادروا الإضرار والإهلاك ليفوز كل واحد بكيد الآخر قبل أن يقع فيه، فيفضي ذلك إلى فساد كبير في العالم والله لا يحب الفساد ولا ضر عبيده إلا حيث تأذن شرائعه بشيء؛ ولهذا قيل في المثل: «وما ظالم إلا سيبلى بظالم»، قال الشاعر:

ولكل شيء آفة من جنـسـه

حتى الحديد سطا عليه المبرد

وكم في هذا العالم من نواميس مغفول عنها، وقد قال الله تعالى: {والله لا يحب الفساد}، وفي كتاب ابن المبارك في الزهد بسنده عن الزهري: بلغنا أن رسول الله [ قال : «لا تمكر ولا تعن ماكرا فإن الله يقول {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}»، ومن كلام العرب : «من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا»، ومن كلام عامة أهل تونس: يا حافر حفرة السوء ما تحفر إلا قياسك «اهـ.

وأما نتيجة ذلك المكر الباطل فهو العقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} قال الطبري : «والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم»، وقال ابن سعدي: «أي: يهلك ويضمحل ولا يفيدهم شيئا لأنه مكر بالباطل لأجل الباطل».

وقال محمد بن كعب القرظي: «ثلاث من فعلهن لم ينج حتى ينزل به مكر أو بغي أو نكث، وتصديقها في كتاب الله تعالى {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، {إنما بغيكم على أنفسكم}، {ومن نكث فإنما ينكث على نفسه}».

وقد وردت بعض الأحاديث في التحذير من المكر السيئ، فعن قيس بن سعد بن عبادة قال: «لولا أني سمعت رسول الله تعالى يقول: «المكر والخديعة في النار «لكنت من أمكر الناس» قال الشراح: «أي تدخل أصحابها النار»، وقيل: لا يكون صاحبهما تقيا ولا خائفا لله؛ لأنه إذا مكر غدر، وإذا غدر خدع، وذا لا يكون في تقي، وكل خلة جانبت التقى فهي في النار».

وعن أبي بكر عن النبي [ قال : «لا يدخل الجنة خِـبٌّ، ولا منان، ولا بخيل» أخرجه الترمذي، قال الشراح : «الخب ـ بفتح الخاء وكسرها ـ أي مخادع يفسد بين الناس بالخداع، أي : لا يدخل الجنة مع هذه الصفة حتى يجعل طاهرا منها إما بالتوبة في الدنيا، أو بالعقوبة بقدرها تمحيصا، أو بالعفو تفضلا وإحسانا»اهـ.

وبعد، فينبغي للمسلم أن يكون برّاً، وفياً، وثيق الذمة، صادق الوعد، كريم العهد، ثابت العقد، لا يخون ولا يغدر ولا يخفر، ويتجافى عن كل رذيلة ودنيئة، ولاسيما المكر والخداع وإيذاء الناس وانتهاك حرماتهم وأكل حقوقهم بغير حق، والله الموفق.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]