تكنولوجيا الدمار
محمود إبراهيم بدوي
في منتصف الثمانينيات تقريبًا هبت علينا رياح الثورة التكنولوجية قادمة من الغرب، وكنا نأمل أن تؤتي ثمارها خيرًا ينقل العالم نقلةً نوعية يرتقي بها مستوى الفرد فكريًّا وعلميًّا وحضاريًّا، حتى اكتشفنا بمرور الوقت توحش تلك الثورة ومثالبها، والتكنولوجيا كالعملة؛ لها وجهان، يمكن استخدامها لخير البشرية، كما يمكن - للأسف - استخدامها لتدمير البشرية.
فقالوا عن ثورة الاتصالات:
إنها جعلت العالم كالقرية الواحدة، ولكن في المقابل أصبح أفراد الأسرة الواحدة غرباء في نفس البيت، لكل منهم عالمه، يتنقل فيه بين الفيس بوك والتويتر وألعاب الكمبيوتر... إلخ، ومن قبلها الأقمار الصناعية التي حملت إلينا كل غث وسمين عبر الفضائيات.
وللأسف لم ننتبه لما يحاك لنا؛ حتى تسللت إلى العقول مسميات تريد أن تسلخ الفرد من أخلاقياته، بل وصل الأمر إلى انبهار جعل الفرد ربما ينسلخ من انتمائه لوطنه أو حتى دينه، ويلهث لهثًا وراء كماليات الحياة، وهكذا بين حرية الإبداع والحرية الشخصية ومواكبة التقدم ضاعت قيم الحياء، وأصبحت الأخلاق في مأزق، بالإضافة إلى الوبال الذي حلَّ على البشرية من جرَّاء تطور الأسلحة البيولوجية والحربية، ومأساة هيروشيما، بل واستمرار الحروب والقتل والدمار ليومنا هذا تلخص المعاناة، وانتشار أمراض العصر الحديث التي لم تظهر فيمن كانوا قبلنا تعكس حجم الشر والقسوة التي تلبست بها تكنولوجيا الدمار.
وهكذا لم ينعم البشر بخير التكنولوجيا بقدر ما قاسوا من ويلاتها، فأهدر الوقت، وانحلت الأخلاق، وأزهقت الأرواح؛ لذلك لا يُستغرب حنين من يفتقدون السكينة وراحة البال والأمان للعودة إلى عصر غير هذا العصر؛ ليجدوا هنالك ما يبحثون عنه.