عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-03-2019, 08:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي ظاهرة الترادف القرآني بين الإقرار والإنكار

ظاهرة الترادف القرآني بين الإقرار والإنكار


إبراهيم محمد حمزة

باحث لغوي


دخل يوما أبوالعلاء المعري على الشريف المرتضى، فعثر برجل فقال الرجل: من هذا الكلب؟ فقال أبوالعلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما.

هذا الموقف دعا فقيها هو الإمام السيوطي ليكتب قصيدة بديعة بعنوان «التبري من معرة المعري» ليجمع فيه أربعا وستين اسما للكلب، ويعتذر عما لم يصل علمه له من أسماء أخرى عناها المعري يقول:

وقد تتبعت دواوين اللغة

لعلني أجمع من ذا مبلغه

فجئت منها عددا كثيرا

وأرتجي فيما بقي تيسيرا (1).

وهو ما يفتح باب الترادف على اتساعه، لنجد أعاجيب مذهلة، ونتأمل كيف انطلقت الدراسات اللغوية من منطلق ديني عميق، ولا يمكن إنكار الترادف، ولو أنكره اللغويون جميعا.. لكن فهم لفظ الترادف ذاته لابد أن ينبع من التتالي وليس المطابقة، فاللفظان المترادفان يتتاليان في المعنى ولا يتطابقان، كذلك لابد من التفريق بين الأسماء والصفات، فأسماء السيف - على سبيل المثال - قليلة، وأكثرها صفات، ثم ظهرت مشكلة مبكرة بين شيوخنا تتعلق بوجود الترادف في القرآن الكريم من عدمه، وانطلقت الجهود المبكرة قوية بهية في هذا الباب - كما سنرى - غير أن القضية الأولى كانت تتعلق بتعريف الترادف نفسه، فكيف نظر علماء اللغة لهذه الظاهرة؟

الترادف: لغة واصطلاحا

الترادف في اللغة أصله من «ردف» والراء والدال والفاء أصل واحد مطرد يدل على إتباع الشيء.

فالترادف: التتابع. والرديف: الذي يرادفك.

وردفه ردفا يقال ردف له أمر: دهمه وفي التنزيل العزيز {قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } (النمل:72). (2). وكافة مشتقات الفعل تقترب من المشابهة والتتابع، وقال الشاعر - كما أورد صاحب العين:

عُذَافِرَةٌ تَقَمَّص بالرُّدَافَى

تَخَوَّنها نزولي وارتحالي

ويقال: جاء القوم ردافى أي بعضهم يتبع بعضا.

ورديفك: الذي تردفه خلفك ويرتدفك ويردفه غيرك.

ونزل بالقوم أمر قد ردف لهم أمر أعظم منه (3).

- وقد نظر اللغويون العرب للترادف نظرة فاحصة مطيلة، وفرقوا بين دقائقه بشكل مثير للإعجاب، فقال الإمام الفخر الرازي «هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد قال: واحترزنا بالإفراد عن الاسم والحد فليسا مترادفين وبوحدة الاعتبار عن المتباينين كالسيف والصارم فإنهما دلا على شيء واحد لكن باعتبارين: أحدهما على الذات والآخر على الصفة» (4).

- وأول من أشار لظاهرة الترادف بشكل واضح كان سيبويه المتوفى عام 180 للهجرة، فقال: «اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق» (5).

- وقد اعتُمد هذا التقسيم، حتى صار أساسا لكتب تقتنص جزءا من هذا المفهوم..

- فظهرت كتب مثل «ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد» للمبرد، و«ما اختلف لفظه واتفق معناه» للأصمعي...إلخ. وقد انشغل العرب أعظم انشغال بالظاهرة، فألفوا كتبا كاملة في المترادفات، وخصصوها وعمموها، وبين يدينا «أسماء الخمر وعصيرها» لمحمد ابن الحسن بن رمضان، و«أسماء الخيل» لأبي عبيدة، وكتاب السيف لسعيد بن أوس الأنصاري، وللأصمعي عدة كتب مثل «أسماء الخمر» و«أسماء القداح» و«ما اختلف لفظه واتفق معناه» (6).

وأوجز الغزالي في تعريفه للترادف، فقال «نعني بها الألفاظ المختلفة في الصيغة المتواردة على مسمى واحد؛ كالخمر والعقار والليث والأسد والسهم والنشاب، وبالجملة كل اسمين عبرت بهما عن معنى واحد فهما مترادفان» (7). وفي العصر الحديث ظهر رأي مختلف، حيث أوجد الدكتور رمضان عبدالتواب مصطلحا جديدا وهو الترادف التام، وذكر أنه نادر الوقوع وهو من الكماليات، وعند وقوعه لا يكون إلا فترة قصيرة محددة، وسرعان ما تظهر الفروق المعنوية الدقيقة بين الألفاظ المترادفة (8).

لماذا يقع الترادف؟

- أسباب عديدة تجعل الترادف طبيعة في أي لغة، وإن كان هناك من ينكر الترادف تماما، منهم: ابن الأعرابي وابن قتيبة أبومحمد عبدالله بن مسلم ابن قتيبة صاحب «أدب الكاتب»، وثعلب أبوالعباس أحمد وابن فارس صاحب كتاب «الصاحبي»، والذي خصص فيه مبحثا عن الترادف، وأبوبكر بن الأنباري وابن درستويه، وأبوهلال العسكري الذي ألف كتابه المشهور في هذه المسألة «الفروق اللغوية»، فإن توقفنا عند أبي هلال، فسنجده يقارن اللفظ باللفظ، فيجعل أحدهما جزءا من الآخر، كقوله مثلا «الفرق بين الابن والولد»: الأول للذكر، والثاني يقع على الذكر والأنثى، والنسل والذرية يقع على الجميع. أو «الفرق بين الأثيم والآثم: أن الأثيم المتمادي في الإثم، والآثم فاعل الإثم» (9).

- أما أسباب وقوعه، فمفصلة في عشرات الكتب، نجملها في أن يكون اللفظان موضوعين في قبيلتين مختلفتين، فيشتهر الاسمان معا. وكذلك توسع أهل اللغة في الألفاظ لتيسير التعبير عن النفس بأيسر الطرق، ويذكر لك صاحب المزهر - السيوطي واقعة طريفة، حيث «كان بعض الأذكياء في الزمن السالف ألثغ فلم يحفظ عنه أنه نطق بحرف الراء ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك» (10). وأيضا التوسع في سلوك طرق الفصاحة وأساليب البلاغة في النظم والنثر، وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر السجع والقافية والتجنيس والترصيع وغير ذلك من أصناف البديع، ولا يتأتى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ.

الترادف في القرآن الكريم

لم يتجه علماء اللغة والمفسرون لتأكيد فكرة الترادف في القرآن تأكيدا مباشرا، وإنما نظروا له من خلال بعض الظواهر القرآنية، وأولها الأحرف السبعة، والتي ثبت ورودها في القرآن الكريم، واختلفوا في معناها اختلافا عظيما وصل إلى خمسة وثلاثين قولا (11)، ولكنه يذكر ما يتعلق بدراسته للترادف، حيث رأى بعض الفقهاء والمفسرين أن الأحرف السبعة هي ألفاظ متقاربة المعنى من لغات مختلفة، وضربوا أمثلة لذلك.. يقول الزركشي: «فمن المرادف { فِجَاجًا سُبُلًا} (الأنبياء:31)، و{ضَيِّقًا حَرَجًا} (الأنعام:125). وفي قراءة {وَغَرابِيبُ سُودٌ} (فاطر:27) بكسر الراء (12). ومنهم من توسع في التأكيد على أن الأحرف السبعة هي الألفاظ المترادفة، مثلما رأيناه في «تفسير التحرير والتنوير» للعلامة ابن عاشور، حيث يذكر أن بعض العلماء فسروا معنى الأحرف السبعة تفسيرات ثلاثة، الأول أن المراد بالأحرف الكلمات المترادفة، للمعنى الواحد، وفي قول جماعة منهم عياض أن العدد - سبعة - غير مراد على حقيقته وهو كناية عن التعدد والتوسع وكذلك المرادفات ولو من لغة واحدة كقوله {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وقرأ ابن مسعود «كالصوف المنفوش»، وقرأ أبي - كلما أضاء لهم مشوا فيه - مروا فيه سعوا فيه إلخ» (13).

- ثم رأى آخرون ورود الترادف وسيلة للتوكيد، وبذلك أقروا وجوده، وأثبتوا وروده، وذكروا لذلك نماذج من كتاب الله، كقوله تعالى {فِجَاجًا سُبُلًا} (الأنبياء:31). وكقوله تعالى {ضَيِّقًا حَرَجًا} (الأنعام:125). و{وَغَرابِيبُ سُودٌ } (فاطر:27). وغيره كما ذكره صاحب «الإتقان» ج 3/197.

منكرو الترادف وحججهم

وعلى الجانب الآخر، رأى بعض الفقهاء والمفسرين عدم وجود الترادف، تأكيدا لفصاحة القرآن الكريم وتفرده، فيقول «الخطابي» في رسالته «بيان إعجاز القرآن»: «ذلك أن في الكلام ألفاظا متقاربة في المعاني، يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد المخاطب، كالعلم والمعرفة، والحمد والشكر، والبخل والشح، وكالنعت والصفة، وكقولك اقعد واجلس... والأمر في ترتيبها عند علماء أهل اللغة غير ذلك، لأن لكل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها» (14).

وربما كان نظر اللغويين للترادف باعتباره تطابقا سبب الخلاف، فالألفاظ تتقارب، لكنها لا تتطابق إلا نادرا، وهناك أمر هام وهو أن الفهم والإدراك للفروق اللغوية أمر يخص اللغويين والمتبحرين وليس العامة، فدراسة الترادف أمر عميق يحتاج لخبرة وسليقة سليمة وإبحار طويل قبل الوصول لسواحل اللغة وموانئها. يرى الزركشي أن من فصاحة القرآن اختلاف الكلام باختلاف المقام، فلكل موضع ما يليق به، ولا يحسن بمرادفه ويضرب مثلا بدقة الاستخدام اللفظي كقوله تعالى {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (الأحزاب:4)، وفي موضوع {فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} (آل عمران:35)، استعمل الجوف في الأول والبطن في الثاني.. وهكذا اختلف الفقهاء واللغويون والمفسرون. وهو اختلاف يؤكد مقدار الحرية العقلية التي أتاحها الدين الإسلامي لمعتنقيه، ويؤكد توحد الانتماء نحو هدف واحد هو خدمة الدين الإسلامي والإخلاص له.

الهوامش

1- أبوبكر السيوطي، التبري من معرة المعري، مراجعة وتعليق أبوأسامة المغربي، مكتبة نور 2009م ص15 وما بعدها.

2- انظر مادة «ردف» في معجم «مقاييس اللغة» لابن فارس، وفي المعاجم الأخرى.

3- العين، للخليل بن أحمد، تحقيق د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، ج 8 ص 23.

4- الإمام السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق: فؤاد علي منصور.

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1998م ص 316.

5- انظر الكتاب لسيبويه ج 1 ص 7- 8.

6- انظر ثبتا كاملا لهذه الكتب في «الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق» لمحمد نور الدين المنجد، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط أولى 1997م ص 17 وما بعدها.

7- أبوحامد الغزالي، محك النظر في المنطق، تحقيق: د. رفيق العجم، دار الفكر - بيروت، ص 73.

8- فصول في فقه اللغة، د. رمضان عبدالتواب، مكتبة الخانجي والقاهرة، ص 309.

9- انظر «الفروق اللغوية» لأبي هلال، حققه محمد إبراهيم سليم، دار العلم والثقافة، القاهرة، د. ت - صفحات مختلفة.

10- المزهر، سابق، ص 320.

11- انظر «الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق»، سابق، ص 115حيث ينقل ذلك عن «الجامع لأحكام القرآن» 1/24 والبرهان 1/334.

12- السابق، نقلا عن البرهان 2/ 385.

13- محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، 1984م، ج 1 ص 57.

14- انظر: ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحقيق محمد خلف الله وزغلول سلام، دار المعارف بمصر، س الذخائر - ط ثالثة - 1976م، ص 29.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]