عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-02-2020, 03:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي المراهقة.. جسر العبور للرشد والنضج

المراهقة.. جسر العبور للرشد والنضج
د. خالد سعد النجار


«إنها المراهقة».. تلك المرحلة الحرجة، وفترة المتغيرات التي يثور فيها كل شيء بدواخلنا.. هي مرحلة الحياد والغموض والحيرة، فلا هي فترات الطفولة التي نعرفها وعايشناها ردحا من الزمن، ولا هي فترة الرشد التي لا نعرف عنها شيئا.

عن سمات مرحلة المراهقة يقول د.أحمد المجدوب عالم الاجتماع المصري الشهير: «الغرق في الخيالات، وقراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، كما يميل إلى أحلام اليقظة، والحب من أول نظرة، كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الأخطار، والميل إلى التقليد، كما يكون عرضة للإصابة بأمراض النمو، مثل: فقر الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر».


أما عند الفتاة المراهقة فسماتها: «الاندفاع، ومحاولة إثبات الذات، والخجل من التغيرات التي حدثت في شكلها، وجنوحها لتقليد أمها في سلوكاتها، وتذبذب وتردد عواطفها، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة، وشعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أول دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحس به من مشكلات مع أفراد الأسرة، كما أنها لا تفهم طبيعة هذه العملية».

فنون إرشادية
من المهم تفهم طبيعة مرحلة المراهقة ليسهل التعامل معها، واحتواء سلبياتها.. لقد تحول المراهق في عملية نضج عقلي وعاطفي من التفكير المادي إلى التفكير المعنوي والخيالي، ومن التفكير الفردي البحت إلى التفكير شبه الجماعي، ومن التفكير الخارجي فقط إلى نوع من التفكير ينظر إلى الذات ويشعر أنه محط أنظار الجميع، وقد تحول إلى الشخصية الإيجابية الباحثة عن المسؤولية والمثالية وتقدير قيمة الوقت، وبدأ أيضًا يفكر في المستقبل بعد أن كان لا يفكر إلا في الحاضر، وعقل المراهق يشهد تحولًا نوعيًا مهمًا حيث يبدأ الشاب بإدراك المعنويات، بعد أن كان أسيرًا للماديات والمحسوسات، ولا يستوعب الأشياء إلا بالتمثيل المادي فقط، ولا يستوعب القضايا إلا بعد اقترانها بالنماذج والأمثلة الموضحة.. إن التحول الجديد في المراهق يجعله يعي المعاني والقيم ويستطيع تفهمها، وتتجاوز تساؤلاته الإطار المادي القريب إلى الأبعاد الأعمق، المعنوية والنفسية والكونية.. ورغم ما تمنحه خاصية التفكير المجرد والتأمل المعنوي في نفسه ومن حوله والأحداث والكون وغير ذلك، فإن ذلك يثير بعض المشاكل الذهنية والاجتماعية من أهمها، المثالية والحيرة والتردد.
يقول التربويون: «المراهق إنسان يبحث عن النضج، ومهمتنا هي توضيح الطريق والإرشاد، فالمراهق يحتاج إلى إرشادنا ويتمناه، بشرط أن نقدمه له بصداقة».. إن المراهق شخصية تتمحور بدرجة كبيرة حول ذاتها، فهو يهتم بنفسه بصورة بالغة: أفكاره، ومظهره، وطريقة كلامه وتصرفاته.. ويعتقد أنه محط أنظار واهتمام الجميع، وأن كل من حوله يرقبه بحذر، كما أنه يشعر بأهميته المتزايدة، فهو مميز وفريد، ويستطيع أن يرى نفسه في أعلى قمم المجد، وهذا يفسر طموحات المراهقين التي تتناقض مع الحياة والتقاليد العائلية الاعتيادية الروتينية والمملة بنظره، والتي لا يوجد بها من يشعر به أو يفهمه.. كل هذا بالطبع يفسر حساسيته المفرطة لأي نقد أو ملاحظة توجه إليه، ولذلك لابد أن نراعي كآباء هذا جيدا، خاصة أمام الآخرين، وأن يكون كل توجيه بصورة غير مباشرة.
ومن المعلوم أن الحوارات والنقاشات أغلى أماني المراهق وأعظم متطلباته من المحيطين به، فضلا على أنها تدعم جسور التواصل، وتزيد من ثقته بنفسه، وتحمله للآراء المخالفة.. الحوار القائم على الاعتراف بأن آراءه وأقواله جديرة بالاستماع والاهتمام.. نصغي لكل تفاصيلها باهتمام بالغ، وترحاب بتعدد وجهات النظر، ومناقشة بناءة تضع النقاط فوق الحروف وتحدد المعالم بين الصواب والخطأ.. هذا أفضل بكثير من مصادرة آرائه، وتهميش أقواله، الأمر الذي يزيد من عناده، والشرود عن رحاب التوجيهات الأبوية الحنونة.
إن عُذُوْبَةُ اللفظ، وانتقاء الكلمات من أهم مفاتيح امتلاك قلب المراهق، خاصة أن تصرفاته غير المنطقية تدفعنا إلى نقده بألفاظ قاسية وبالتالي تزيد من مساحة الهوة بيننا وبينه، فلا يستجيب لأي إرشاد، ولا ننسى أن اللفظ الحسَن العذب يَسْلِبُ اللُّبَّ ويَسْحَرُ العقْل، كيف لا، وقد قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : «إن من البيان لسحرًا» (رواه البخاري) وقديما قالت العرب: بيانُه يُغْني عن تبيانه.
كما أن احتكاكات وصدامات الآباء مع المراهق لا تفيد الطرفين، ويدخل الجميع في نفق مظلم، خاصة أن اختلاف وجهات النظر تظهر بصورة واضحة، فالكبير يرى الحق في جانبه باعتباره الأكثر خبرة ودراية والمسؤول عن الرعاية والحماية، والصغير يرى أنه قد شب عن الطوق وجدير بالاستقلالية وله كل الحق في إثبات ذاته، وأن الكبير من جيل مختلف تماما عن جيله، مما يُحدث بينهما شرخا نفسيا يعرف بـ «الفجوة بين الأجيال»، والأخطر من هذا ممارسة الآباء لسلطاتهم ثم تركها في بعض الأحيان، وممارسة المراهقين لصلاحياتهم في بعض الإجازات والعطلات ثم انسحابه منها باقي أيام الأسبوع. ويزيد من تعقد الموقف، المشاعر القوية الجارفة التي تميز شخصية الأبناء في هذه المرحلة إلى جانب طبيعة الآباء التي تغمرها روح الغضب والرفض.. إن التشاور في وضع وتحديد خطط عامة للعائلة والالتزام بها (القرارات المشتركة، الحل الوسط)، كفيل بحسم مادة الصراع بين كل الأطراف، وهذا لا يعني عزل الكبير عن رعاية أبنائه والعناية بهم، لكن المقصود به معاملة الأبناء على أنهم قادرون على التصرف في حياتهم وتحمل المسؤولية، مع حقنا كآباء في المراقبة والتوجيه ولكن عن بعد.
- من المهم عدم المبالغة في ردود أفعالنا تجاه المراهق (قبول المراهق).. إن قبولك لابنك بعيوبه والصبر على أخطاء المراهقة يقوي علاقتك معه بشكل يساعدك على التخفيف التدريجي من هذه العيوب، إضافة إلى أنه سوف يشعر بالأمان أكثر، ويصارحنا بهمومه ومشاكله الخاصة، عندها سنساعده على أن يحل مشكلته بنفسه.
إن المراهق خيالي بطبعه حيث يميل إلى قراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، ولذلك يجب توجيهه نحو القراءة النافعة والبحث الجاد في الأمور المعرفية الراقية، وأهمها وأنفعها التراث الديني الإسلامي. واستغلال نزعة حب الاستطلاع لديه في تنمية القدرة على البحث والتنقيب وغير ذلك من الهوايات النافعة. ويجب الاهتمام بقدرات المراهق الخاصة والعمل على توفير فرص النمو لهذه القدرات.
- المراهقون لا يحبون كثرة النصائح، ولا كثرة الأسئلة، ولا كثرة الكلام.. احترم ذوق ابنك المراهق في الاختيار مادام لا يتنافى مع القواعد الاجتماعية العامة. تحدث معه كصديق واستمع لآرائه ومشاكله ببالغ الاهتمام. دعم جسور التواصل بممارسة العبادة والرياضة معا والتشارك في التنزه والتسوق وكافة الأنشطة الحياتية الأخرى، والسماح له باستخدام بعض أغراضك الشخصية. تفاعل مع المناسبات المهمة في حياته كيوم نجاحه أو فوزه في أحد الأنشطة الجماعية. لا تفش له سرا. ولا تكثر من نقده أو استجوابه. حذار من السخرية منه. لا تعده بشيء ثم لا تحققه له، ولا تعده بشيء لا تستطيع الوفاء به. لا تجبره على فعل شيء، بل اطلب منه المساعدة.
والقدوة العملية هي خير سياج يحفظ على المراهق ثباته واستقراره النفسي، فليس من المعقول أن نسهب في الحديث عن ترشيد الثورة الجنسية التي تعتري حياة المراهق وفي نفس الوقت يعج البيت بالعديد من القنوات الفضائية الخليعة التي تثير الغرائز، أو وجود الكمبيوتر أو الإنترنت في مكان منعزل من البيت يهيئ للشاب الانفراد به مما يسهل تلاعب الشيطان بفكره ومشاعره ويؤجج الشهوات بداخله، هذا فضلا عن غياب الكثير من السنن الدينية العظيمة كالمواظبة على صلاة الجماعة بالمسجد، والاجتماع العائلي على تلاوة القرآن كلما تيسر الوقت.. وغيرها الكثير.
لقد كبرت، ازداد طولك، عرضت، سمنت.. تلك أشهر العبارات التي يسمعها المراهق في فترة البلوغ، وهذا بالطبع شيء عادي لمن هم في سنه، لذلك فمن الأهمية بمكان الاهتمام بالتغذية المتوازنة لتلبية حاجة الجسم إلى النمو والاكتمال، لكن الإشكالية قد تكون أكبر عند الفتيات حيث يمتعضن من زيادة وزنهن، ويلجأن إلى برامج الرجيم والحمية الغذائية القاسية، وهنا مكمن الخطأ في مرحلة نموٍ من أهم مراحل العمر، حيث الاحتياجات الجسمية على أشدها لتوفية متطلبات النضج، ولذلك فالتغذية المتوازنة في فترات المراهقة خط أحمر لابد أن ينتبه له الجميع من آباء وفتيان وفتيات.
و خلصت دراسة أميركية إلى أن اكتساب المراهقين لعادات نوم صحية وبالتحديد ما يختص بالخلود إلى النوم في وقت مبكر، قد يسهم في وقايتهم من الاكتئاب الناجم عن الحرمان من النوم الجيد فترة طويلة. وبحسب نتائج الدراسة التي أشرفت عليها جامعة كولومبيا تبين أن المراهقين الذين ُيسمح لهم -من قبل الوالدين- بالنوم في أوقات متأخرة، أكثر عرضة للمعاناة من الاكتئاب وبمقدار يصل إلى 20%. ويقول الدكتور جيمس غانجويش الذي قاد فريق الدراسة: «إن نتائجنا تتسق مع الفرضية القائلة بأن عدم كفاية النوم من عوامل الخطورة للإصابة بالاكتئاب» (القدس برس).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.07 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.01%)]