عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-09-2019, 11:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,565
الدولة : Egypt
افتراضي استعمال (فعيل) بكسر الفاء والعين المشددة للمبالغة

استعمال (فعيل) بكسر الفاء والعين المشددة للمبالغة
د. أحمد عيد عبدالفتاح حسن



من دقائق العربية (11)



لقد جاءت كلماتٌ على بناء (فِعِّيل) - بكسر الفاء وتشديد العين مكسورة - دالَّةً على المبالغة في الحدث؛ نحو: (سِكِّيت، وشِرِّيب، وقِدِّيس، وصِدِّيق، وسِكِّير).

وقرَّر جمهور علماء العربية السابقين أنَّهُ مقصورٌ على السماع؛ لكونه قليلًا في الاستعمال، ولا حظَّ لمثله في القياس.

ولم يقصره ابن قتيبة (ت276هـ) على السماع؛ لكونه كثيرًا في كلام العرب، فهو قَمِينٌ بالقياس عليه؛ فقد قال: "وكذلك ما كان على (فِعِّيل) فهو مكسورُ الأوَّلِ لا يُفتح منه شيءٌ، وهو لمن دام منه الفعلُ، نحو: (رجلٌ سِكِّيرٌ) كثيرُ السُّكرِ، و(خِمِّيرٌ) كثيرُ الشربِ للخَمْرِ، و(فِخِّيرٌ) كثير الفَخْر، و(عِشِّيقٌ) كثير العِشْق، و(سِكِّيتٌ) دائمُ السكوت، و(ضِلِّيلٌ)، و(صِرِّيعٌ)، و(ظِلِّيمٌ)، ومثلُ ذلك كثيرٌ، ولا يقال ذلك لمن فَعَل الشيء مرة أو مرَّتين، حتى يكثرَ منهُ أو يكونَ له عادة"[1].

فالواقع أنَّ هذا البناء كثيرٌ في كلام العرب كثرةً تقتضي القياس عليه، وقد حَشَدَ أبو إبراهيم الفارابي (ت350هـ) عَدَدًا من الألفاظ جاءت على هذا البناء؛ لغرض المبالغة في الحدث، منها:
(الشِّرِّيب): الْمُولَع بالشُّرْب.
(السِّكِّيتُ): الدَّائِمُ السُّكوتِ.
(الصِّمِّيتُ): الدَّائِمُ الصُّمَات.
(الْمِرِّيحُ): الشَّديدُ الْمَرَح، وهو النَّشاط.
(الْجِبِّير): الشَّدِيد التَّجَبُّر.
(الْخِمِّير): الدَّائمُ الشُّرب للخَمْر.
(السِّكِّير): الدَّائمُ السُّكْر.
(الشِّخِّير): الكثير الشَّخِير.
(الضِّلِّيل): الكثير الضلال.
(الْفِخِّير): الْكَثِيرُ الْفخرُ.
(الصِّرِّيع): الْكثيرُ الصَّرع لأقرانِه إذا صارَعَ.
(الْفِسِّيق): الْدائمُ الْفِسْقِ.
(الظِّلِّيم): الكثيرُ الظُّلْمِ.
(الْغِلِّيمُ): الشَّديدُ الْغُلْمَةِ[2].

وعَقَدَ أبو العباس الفيومي (ت770هـ) فصلًا، ذكر في مستهله مَجِيءَ (فِعِّيل) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَهِيَ مُشَدَّدَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ؛ كقولهم: (زِهِّيدٌ) لِكَثِيرِ الزُّهْدِ، وَ(سِكِّيتٌ) لِكَثِيرِ السُّكُوتِ، و(صِّدِّيقٌ) لِكَثِيرِ الصِّدْقِ، و(خِمِّيرٌ) لِمَنْ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ[3].

ولهذه الكثرة الظاهرة قرَّر مجمع اللغة العربية بالقاهرة جواز القياس عليه، وصدر قراره القائل: "في اللغة ألفاظ على صيغة (فِعِّيل) - بكسر الفاء وتشديد العين - من مصدر الفعل الثلاثي اللازم والمتعدي للدلالة على المبالغة، وكثرتها تسمَح بالقول بقياسيتها، ومِن ثم يجوز أن يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي - لازمًا أو متعديًا - لفظٌ على صيغة (فِعِّيل) بكسر الفاء وتشديد العين؛ لإفادة المبالغة"[4].

فلا حرَج عليك أن تقول في كلامك: (خالدٌ ضِرِّيبٌ لأعدائه، وعليٌّ شِكِّيرٌ لمن قَدَّمَ إليه معروفًا)، و(احرصْ على أن تتزوجَ امرأةً سِمِّيعَةً صِنِّيعَةً للمعروف)، وهكذا.

ومن شواهده في الكلام الفصيح:
قوله تعالى: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ﴾ [يوسف: 46]، وقد لُقِّبَ بـ(الصِّدِّيق) سيدنا أبو بكر رضي الله عنه.

وقول امرئ القيس في رواية [من الطويل]:
يُغرِّدُ بالأَسْحَارِ في كُلِّ مرْتَعٍ *** تغَرُّدَ مِرِّيحِ النَّدَامى الْمُطَرِّبِ

وفي رواية لحَدِيثِ هندٍ بِنْتِ عُتْبةَ رضي الله عنها في صحيحي البخاري ومسلم: ((إِنَّ أَبَا سفيانَ رجلٌ مِسِّيكٌ...))؛ أَيْ: شديدُ الإِمْسَاكِ لِمالِه.

هل يعمل هذا البناءُ عمل الفعل؟
إعمال صيغ المبالغة الخمس (فَعَّال، وفَعُول، ومِفْعَال، وفَعِيل، وفَعِل) عمل الفعل قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك: السماع، والحمل على أصلها، وهو اسم الفاعل؛ لأنَّها متحولة عنه لقصد المبالغة.

ولم يجز الكوفيون إعمال شيء من تلك الصيغ؛ لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعْلٍ ناصب، ففي نحو قولبعض العرب: (إنَّهُ لمِنْحارٌ بَوائكَها) يقدرون بعد الصيغة: (يَنْحرُ) ناصبًا (بَوائكَها)[5].

والعمل عند جمهور القائلين به مقصور على تلك الصيغ الخمس، ولا يتعداها إلى غيرها، فـ(فِعِّيل) بكسر الفاء والعين مشددة عندهم مستعمل سماعًا للمبالغة في الحدث، ولا عمل له.

وألحق غير الجمهور (فِعِّيلًا) بها في العمل؛ فقد أجاز ابن ولاد وابن خروف وبعض النحويين إعمال (فِعِّيل)؛ لأنَّهُ للمبالغة كـ(شَرَّاب)، فكما عَمِل (فَعَّال) باتفاق، فَلْيَعمل (فِعِّيلٌ) كذلك، فيجوز أن نقول: (هذا شِرِّيبٌ العسلَ)[6].

ومنع أبو حيان إعماله في شرح التسهيل، مُعلِّلًا ذلك المنع بعدم السماع، فقال: "وذهب ابن وَلاَّد وابن خروف وبعض النحويين إلى أنَّ فعِّيلًا من أبنية المبالغة يجوز له أن يعمل كما أُعمل فَعَّال وأخواته؛ فأجاز: هذا رجلٌ شِرِّيبٌ الماءَ، وطِبيخٌ اللحمَ، والصحيح المنع؛ لأنَّهُ لم يُسمع"[7].

ولم يستبعد ذلك الإعمال في الارتشاف حين قال: "سُمِعَ إِضَافَة شِرِّيب إِلَى معموله، قَال حسَّان [من الكامل]:
لَا تَنْفُرِي يَا ناقُ مِنْهُ فإنَّهُ *** شِرِّيبُ خَمْرٍ مِسْعَرٌ لحُرُوبِ

وعلى هَذَا لَا يبعد عملُه نصبًا"[8].

وقرَّر الشاطبي أنَّ ما قاله المجيزون مخالفٌ لما اتفق عليه الأولون، وهذا كافٍ في رَدِّه، وأنَّ تلك الأمثلة الدالة على المبالغة لم يُقَلْ بإعمالها إلا بعد السماع تحقيقًا ويقينًا أو ظَنًّا، ولم نَسمع في إعمال (فِعِّيل) شيئًا، فدلَّ على أنَّ العرب لم تستعمل (فِعِّيلًا) إلا للمبالغة في الصفة خاصة، والأصل الوقوفُ عند ما وَقَفوا حتى يَثْبت أمرٌ آخر، فيُقال به[9].

وأرى موافقةَ المجيزين؛ لأنَّ الإعمالَ قويٌّ من حيث القياسُ، ويكادُ السماعُ ينطق به، كما جاء في بيت حسَّان رضي الله عنه، فأصلُ قوله: (فإنَّهُ شِرِّيبُ خَمْرٍ)، فإنَّهُ شِرِّيبٌ خَمْرًا؛ فحُذِف التنوين وأُضيف الوصف إلى ما بعده، ويُعَدُّ من قبيل الإضافة اللفظية.

وكما أجيز استعماله من الثلاثي اللازم والمتعدي للدلالة على المبالغة في الحدث قياسًا على غيره من الصيغ، كذلك ينبغي أن يُجازَ إعماله عمل الفعل مثلهنَّ.

كيف نجمع فِعِّيلًا؟
كل ما جاء على هذا البناء مفيدًا المبالغة في الحدث؛ نحو: (فِسِّيقٍ، وشِرِّيبٍ، وسِكِّيرٍ)، فإننا نجمع مُذَكَّرَه جمعًا سالمًا، بالواو والنون في حال الرفع، فنقول: (هؤلاء فِسِّيقُونَ، وشِرِّيبُونَ، وسِكِّيرُونَ)، وبالياء والنون في حالي النصب والجر، فنقول: (كَرِهْتُ هؤلاء الفِسِّيقِينَ، والشِّرِّيبِينَ، والسِّكِّيرِينَ)، ونقول: (ابتعدتُ عن هؤلاء الفِسِّيقِينَ، والشِّرِّيبينَ، والسِّكِّيرِينَ)؛ وذلك لاستيفائه شروط ما يجمع هذا الجمع من الصفات.

ونجمع مؤنَّثَه (فِسِّيقَة، وشِرِّيبَة، وسِكِّيرَة) بالألف والتاء، فنقول: (هؤلاء فِسِّيقَاتٌ، وشِرِّيبَاتٌ، وسِكِّيرَاتٌ)، ونقول: (كَرِهْتُ هؤلاء الْفِسِّيقَاتِ، والشِّرِّيبَاتِ، والسِّكِّيرَاتِ)، ونقول: (مررتُ بهؤلاء الْفِسِّيقَاتِ، والشِّرِّيبَاتِ، والسِّكِّيرَاتِ).

وإنَّما جمع جمع تصحيح لمذكر أو لمؤنث؛ لأنَّهُ مثلُ (فَعَّالٍ) في المبالغة في الحدث، وتدخل مُؤَنَّثَهُ تاءُ التأنيث، فكان كالجاري على الفعل، فلذلك كان حكمُه حُكمَ جمع السلامة[10].

﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].


[1] أدب الكاتب 330، 331.

[2] ينظر: معجم ديوان الأدب 1/ 329، 340.

[3] ينظر: المصباح المنير 2/ 699.

[4]كتاب في أصول اللغة1 / 34.

[5] ينظر: التصريح 2/ 16.


[6] ينظر: المقاصد الشافية 4/ 291، وهمع الهوامع 3/ 76.

[7] التذييل والتكميل 10/ 317.

[8] ارتشاف الضرب من لسان العرب 5/ 2283، 2284.

[9] ينظر: المقاصد الشافية 4/ 292.


[10] ينظر: شرح المفصل لابن يعيش3/ 317.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.75 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]