عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 13-07-2021, 02:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع قول الله - تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا}

وقفات مع قول الله -تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا} من لوازم العدل ومقتضياته (3)

د. محمد احمد لوح



ما زال حديثنا مستمرًا عن قول الله -تعالى-: {وإذا قلتم فاعدلوا}، وذكرنا أن أهمية مسألة العدل تأتي من أنه مفتاح الحق وجامع الكلمة، والمؤلف بين القلوب؛ لأن من أقوى أسباب الاختلاف بين العباد الظلم والاعتداء وفقدان العدل والإنصاف، ثم ذكرنا مقتضيات العدل ولوازمه وذكرنا من ذلك التثبت من الأمر قبل الحكم عليه، والعدل في النقد ومعالجة الخطأ، والفرح بإصابة الآخر للحق، والحزن على مجانبته له.

(4) الشهادة للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته

ومن المواقف المؤسفة التي تنافي هذا اللازم: أننا نرى اليوم كثيرا من الناس يفرطون في محبتهم أو كرههم، فإذا أحبوا شخصا أو طائفة ما، فإنهم يفرطون في هذا الحب، ولا يعدلون فيه؛ حيث إنهم لا يرون إلا الحسنات، ويغمضون أعينهم عن الأخطاء والسيئات ويسوغونها ويؤولونها، وكأن من أحبوه لا يجوز عليه الخطأ، وهذا غلو واعتداء في الحب، قد يؤدي إلى الغلو في الرجال وتقديسهم، وفرق بين التقدير والتقديس، وفي مقابل ذلك إذا أبغضوا شخصا أو هيئة ما فإن هذا الكره ينسيهم كل الحسنات والإيجابيات.

سيرة سلفنا الصالح -رضي الله عنهم

ويا ليتنا نرجع إلى سيرة سلفنا الصالح -رضي الله عنهم-، وكيف كانوا في مواقفهم مع المخالفين؟ وكيف كانوا يُقَوّمون الرجال؟ فلقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت: من أنت؟ فقال رجل من أهل مصر، فقالت: كيف صاحبكم لكم في غزاتكم؟ فقال: ما نقمنا منه من شيء، إن كان ليموت للرجل البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أن أخبرك: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وفي بيتي هذا: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به». ويعلق الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث بقوله: «وفيه أنه ينبغي أن يذكر فضل أهل الفضل، ولا يمنع منه سبب عداوة ونحوها».

وهذا الإمام ابن كثير -رحمه الله- يقول في ترجمته لشيخ الإسلام ابن تيمية بعد كلام طویل: «وبالجملة كان -رحمه الله- من كبار العلماء، وممن يخطىء ويصيب، ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي، وخطؤه أيضا مغفور له، كما في صحيح البخاري: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» فهو مأجور، وقال الإمام مالك بن أنس: «كل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وسلم -».

الفرق بين النصيحة والتعيير

ويقول الإمام ابن رجب -رحمه الله- في كتابه (الفرق بين النصيحة والتعيير): «ولهذا كان الإمام أحمد -رحمه الله- يذكر إسحاق بن راهويه ويمدحه ويثني عليه، ويقول: وإن كان يخالف في أشياء فإن الناس لم يزل بعضهم يخالف بعضا، وكما قال وكان كثيرا ما يعرض عليه كلام إسحاق وغيره من الأئمة ومأخذهم من أقوالهم، فلا يوافقهم في قولهم، ولا ينكر عليهم أقوالهم ولا استدلالهم، وإن لم يكن هو موافقة على ذلك كله».


مما ينبغي أن يعرف

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومما ينبغي أيضا أن يعرف: أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات، منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محمودا، فيما رده من الباطل وقال من الحق؛ لكن يكون قد جاوز العدل في رده، بحيث جحد بعض الحق، وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها؛ ورد باطل بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة، ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ، والله -سبحانه وتعالى- يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك.

ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها، بخلاف من والى موافقه وعادی مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات».

(5) الابتعاد عن النجوى

ومن لوازم العدل ومقتضياته أن يبتعد عن النجوى التي من شأنها إحزان المسلمين وإثارة العداوة والبغضاء بينهم، وهي عامل مهم في ترويج الشائعات، يقول الله -عز وجل-: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة:10).

والنجوى لا تأتي بخير إلا في أحوال ثلاث ذكرها الله -عز وجل- في سورة النساء؛ حيث قال: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}، وما سوى ذلك فهو شر وتفريق بين المؤمنين.

الناس إزاء الشائعات

والناس إزاء الشائعات التي تثار حول شخص أو هيئة ما ينقسمون -بحسب تعاملهم مع هذه الشائعات- إلى ثلاثة أصناف:

- الصنف الأول: من يقبل هذه الشائعات على علاتها، ويرتب عليها أمورا ومواقف من غير تثبت ولا تبين.

- الصنف الثاني: من يتناجي بهما، بعيدا عن صاحب الشأن فيها، ومعلوم ما في ذلك من الوقوع في الغيبة، وإذكاء الشائعة وانتشارها.

- الصنف الثالث: من يسارع إلى التثبت من الشائعة ممن أثيرت حوله مباشرة، ولا يذهب مع الظنون والوساوس النفسية أو المناجاة التي تحزن المسلم.

ولو حاكمنا معاملة هذه الأصناف الثلاثة إلى كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لاتضح لنا أن أهل الصنف الأول والثاني مخالفون للشرع، وأن طريقة الصنف الثالث هي الطريقة الشرعية التي تقوم على التثبت، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات:6).

خلاصة القول

ولعلنا في هذه الخاتمة نجمل ما فصلناه في ثنايا هذا البحث:

- إن الإنسان في طبيعة نفسه الأمارة كان ظلوما جهولا.

- إن الأمانة العظيمة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض لن يستطيع أن يحملها الإنسان إلا بالعلم والعدل.

- إن العدل كلمة يراد بهما التوسط في الأمور وذلك بين الإفراط والتفریط، فالجاني والغالي كلاهما قد جانب العدل.

- للعدل ثلاثة أقسام: العدل الأعظم وهو توحيد الله -عز وجل-، والعدل مع النفس، والعدل مع العباد.

- كان التركيز في هذا البحث على العدل مع العباد وذلك للحاجة الماسة إليه.

سبب الاختلاف والتفرق بين المسلمين

- إن سبب الاختلاف والتفرق بين المسلمين يرجع إلى أمرين مهمين:

- الأول: الجهل الناشئ من فقدان العلم بدين الله أو قلته، مما يؤدي إلى الأخذ بالباطل على أنه هو الحق.

- الثاني: الظلم الناشئ من الهوى وعدم العدل والإنصاف، ومثل هذا قد يعلم صاحبه أن الحق مع مخالفه، ولكن التعصب والهوى ومجانبة العدل يجعله يصر على الباطل، ولو علم أنه باطل.

- وإن من وسائل رفع الجهل عن النفس يكون بتعلم دين الله -عز وجل- وحدوده، كما بلغه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وسار عليه سلف الأمة من التابعين وتابعيهم من أئمة هذا الدين وأعلامه.

وسائل رفع الظلم والتحلي بالعدل

أما وسائل رفع الظلم والتحلي بالعدل والإنصاف فإنه يكون بالتعلم فقط، فقد يعلم الإنسان بتلك الوسائل ولا يعمل بها. وللعدل مفاتيح وعلامات وتباشير أجملها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بقوله: «وإن للعدل أمارات وتباشير، فأما الأمارات فالحياء والسخاء والهين واللين، وأما التباشير فالرحمة، وقد جعل الله لكل أمر بابا، ويسر لكل باب مفتاحا، فباب العدل الاعتبار ومفتاحه الزهد.
والاعتبار: ذكر الموت بتذكر الأموات والاستعداد له بتقديم الأعمال، والزهد: أخذ الحق من كل أحد قِبَله حق، وتأدية الحق إلى كل أحد له حق، ولا تصانع في ذلك أحدا».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]